-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

صناعة التقاليد الحلقة الأولى: - رمضان مصباح الادريسي


توطئة: "هذا من التقاليد" ما أن  تسمع هذه العبارة ،من أحدهم،حتى تتملَّكُك سلطةُ القديم والأصيل؛وتنصرف مصدقا ومستسلما ؛والحال أن الكثير من التقاليد،وفي جميع الأقطار ،مُجرد صناعات حديثة ،تخدم أغراض الأنظمة والأفراد.
أدعوك الى رحلة ممتعة  ،تنطلق من المرتفعات الاسكتلندية لتصل الى  بلاط التاج البريطاني ،مرورا بالحِقبة الرومانسية ب"ويلز".
 ثم أشبع شوقك للتَّعرف على تقاليد صُنعت بالهند الفكتورية ،والمستعمرات الافريقية.
كل هذا مع كتاب :
صناعة التقاليد : THE INVENTION  OF TRADITION      
        TERENCE RENGER          و        ERIK HOBSBAWM  لصاحبيه:           

أمثلة حية،من المجتمع الانجليزي:
حينما تنتصب   -  لا قدر الله-  واقفا أما م القضاء الانجليزي؛مُتهما بالتلصص على ألانجليز وهم يخترعون تقاليدهم البلاطية ؛فسترى قضاة بشَعرٍ مستعار (باروكات)،يستعملون أدوات في غاية العتاقة.
 ومن ناحية أخرى سيبدو لك كلامُهم نمطيا ،وهم يفتتحون الجالسات ويرفعونها،ويصدرون الأحكام.
ان الشَّعر والأدوات من التقاليد؛أما الأقوال فمن العادات.
هل اتضح الفرق؟
طيب ،وماذا عن الأعراف؟  انها تتسم بالرتابة ،وليست لها طقوس مقررة؛ولارمزية لها، مُقارنة بالتقاليد التي تخدم ،هنا، اديولوجية التاج البريطاني.
مثال:   تقرر مجموعة من الطيارين اعتماد سلوكات معينة أثناء قيادتهم؛وبتكرارها تصبح عُرفا –تقنيا فقط- ينتقل من جيل الى آخر.
" ان التقاليد المفترضة- هنا – هي بمثابة اضفاء الطابع الرسمي ،والطقسي،الذي يترتب على كون الممارسة تشير الى الماضي ..لكن المؤرخين لم يدرسوا عملية تأسيس وتكون هذه التعقيدات الرمزية والطقسية ،دراسة كافية." 1
طبعا ليست كل التقاليد مخترعة؛اذ هناك الحقيقية التي صمدت للتطور،وحتى للثورة الصناعية؛وهذه لا يتم استبدالُها بتقاليد مُخترعة؛مادامت تؤدي وظيفتها الرمزية.
من التقاليد الوضعية ،المخترعة ببريطانيا ممارسات الحركة الماسونية؛ والابتكار الاشتراكي لتدبير عيد العمال ،في فاتح ماي ؛والمتمثل في نمط جديد من الاحتفال الصاخب ،المَطلَبي،الذي يُعرِّض بالطقوس والرموز القديمة.
وعموما يتم تصنيف ثلاثة أنواع من التقاليد الوضعية:
1.تقاليد ترمز للتماسك الاجتماعي.
2.تقاليد تُنشئ أوضاعا معينة أو علاقات سلطة.
3.تقاليد تواصلية ،تُرسخ المعتقدات والأعراف السلوكية وشبكات القيم.
لنترك الانجليز مع تقاليدهم ،القديمة والمخترعة ،ولنتساءل :لماذا ينكب المؤرخون على دراستها؟
*انهم يعتبرونها أعراضا وأدلة  تؤشر على نوعية المشاكل والتحولات المجتمعية.
*وما دام اختراع التقاليد يوظف دائما الماضي ،فان المؤرخ يعبر من خلالها.
* ان دراستها تتطلب عددا من التخصصات،يحضر فيها السوسيولوجي والإنساني ،والتاريخي طبعا.

  في بريطانيا  لا تخطئ عينُك تَنُّورَة المُرتفعات الاسكتلندية،ومِزمار القِرَبِ البهيج:
مزمار القِرب هذا ،ويعتبره الاسكتلنديون أنفُسهم – وثقافتهم ايرلندية -  رمزا للبداوة،يعود الى سكان اقليم المرتفعات الفقير،اقتصاديا وحضاريا وتاريخيا.كان أغلبهم رُعاة ومشاغبين ،يثيرون القلاقل في السفوح.
يكفي أن يكونوا هكذا ليبادروا ،بعد الوحدة مع بريطانيا،الى اختراع تقاليدهم وأعرافهم ،وحتى تاريخهم.مسألة تحقيق التوازن ،سواء مع ساكنة السفوح من مواطنيهم،أو الانجليز الوافدين بعراقتهم واستبدادهم.
فعلا ،في القرن الثامن عشر بدأت "ثورة" خلق عادات وتقاليد خاصة بالمرتفعات،وفرضِها على الشعب الاسكتلندي برمته.
ألا ترى أن عازف القِربة،يُرفق هز الأكتاف بالأنغام المتموجة.   انه التبَجح بعينه ،بل تواصُلُ شَغَب ِالمرتفعات،ثقافيا هذه المرة.
ولِم لا وهذا كاتب شهير(جيمس ما كفيرسون) يسطو  على الأغاني الشعبية الايرلندية ،وينْظمها ضمن ملحَمةٍ تجري أحداثها – زَيْفا - في اسكوتلندا.
وفعلت هذه الملحمة فعلَها في أروبا ،فأصبحت اسكتلندا المرتفعات مصدرَ فخر ،ما دامت أنتجت ملحمة لا تقل عن ملحمة "هومر"؛كما عبرت "مدام دو ستايل".
ها نحن الآن أما م الصورة كاملة؛لما يمكن أن يفعله اختراع التقاليد.
حينما تنظر مرة أخرى الى عازف القربة،فاستحضر أن ما ينفخ قربته ،ليس الهواء فقط،بل أرطالٌ من التقاليد المخترعة.
وما حكاية هذه التنورة ،او "الطرطان"؛فنحن في عالمنا العربي نعتبرها لباسا نسويا فقط.
أبدا انها بالنسبة للاسكتلنديين من أساسيات ألبسة الاحتفال بالهوية؛وهي بزخارفَ مربعة وألوان تُميز بين عشائرهم.
متى أصبحت تنورة"الطرطان"TARTAN  PHILIBEG،زيا لسكان المرتفعات؟
يبدو أنها نُقلت ،في القرن السادس عشر،عن "الفلاندريين" البلجيكيين؛لكن اذا أخذنا بعين الاعتبار كونها بشكلها الحالي – وقد أضيفت اليها الألوان المميزة في ما بعد -  من ابتكار رجل انجليزي سنة1707؛فمن المستبعد أن تكون زيا شعبيا لسكان المرتفعات،كما يزعمون.    لكنهم اخترعوا تقليد ارتدائها في حفلات الهوية؛على أنها من تراثهم.
مجرد تنورة لكنها بمشاكل سياسية؛اذ بعد الثورة الجاكوبية في 1715،منع هنري الثامن الزي الايرلندي ،ونظر البرلمان في منع التنورة.  وفي النهاية حصل الاقتناع بأن وعورة المرتفعات ،وتسلق الصخور،وكثرة المستنقعات تقتضي هذا الزي ؛وقد كان قصيرا
"بحلول عام 1746 كانت التنورة الأسكتلندية قد انتشرت بشكل كبير،الى درجة أنها ذكرت بشكل واضح في القانون الذي أصدره البرلمان ،الذي منع رداء اقليم المرتفعات ."                                                 2
    حَبَّاتُ لؤلؤ منفرطة من عقدها؛هكذا تنظر منطقة "ويلز" البريطانية الى تقاليدها :
في المرحلة الرومانسية –القرن الثامن عشر – شرع العلماء "الويلزيون" في  استكشاف لغتهم وتاريخهم وآدابهم؛ليس بنية الاستعادة الأمينة،وإنما لترميم الثغرات ،وإيجاد ماض أسطوري.
هكذا وُفِّق -  على سبيل المثال - "ادوارد جونز" في نفخ روحٍ خادعة في الموسيقى الشعبية القديمة ،والآفلة.
يُعزى انحطاط الثقافة الويلزية،بما فيها اللغة، الى ارتباطها بالكاثوليكية،التي بالغت في القيود،ورغم التحول الى "البروتستانتية"مع الانجليز،لم ترتفع هذه القيود.
هل أفسد الله لغة ويلز؟  هكذا تساءل أحد الدارسين ،وهو يستمع الى الناس يصنفون لغتهم الى القديم المُباحِ الهَجْرِ والجديد ِالانجليزي الأنيق. 
يقول  المؤرخ الويلزي "هنري رولاندز":"لما سطت مؤخرا لغة جيراننا الانجليز ،على كثير من حقوق لغة ويلز ؛بعد أن صارت هي اللغة الأرستقراطية والعصرية بيننا ،أصبحت كلمات كثيرة ..غريبة ومهجورة؛وهي التي كانت في ما سبق الزهور التي تزين لغتنا"                                                                               3                                                                              
أما في مجال الشعر ،فيعتبر "سيون دافيد"،من اقليم "ميريونيث" آخر شاعر ملاحم  يلتزم بالتقاليد القديمة.
تدريجيا أصبحت ويلز منزلا قديما وفسيحا – ترك للبوم والغربان -ذهب مُلاكه الى  انجلترا وفرنسا  ،بحثا عما يمكن أن يجدوه في منزلهم بسهولة،ودون عَناء؛على حد تعبير رجل الدين "اليس واين".
تعددت حركات البعث الثقافي الويلزي،وتم ابداع قصص خيالية لأبطال ملحميين ،سرعان ما صدقها الناس وتبنوها على أنها حاصلة فعلا.
 نشطت سياحة الانجليز الى ويلز،وقد خَلقَ لها الابداع المحلي الأسطوري كل ظروف النجاح؛هكذا ظهرت مزارات نُسجت حولها الكثير من الأساطير.
وشيئا فشيئا انتقلت ويلز، السعيدة بطبيعتها بموسيقاها ورومانسيتهما من الاحتضار الى التألق ؛وسرت بين الويلزيين ،حيثما تواجدو ا ،روح ويلزية انبعاثية ،وكأن أرواح الأسلاف تقمصتهم من جديد.
تقاليد قديمة ،عرف المخترعون من المؤرخين والشعراء والفنانين والروائيين كيف يستنبتون منها تقاليد ويلزية غير حقيقية،لكنها نجحت في أداء دورها الرمزي التجميعي ،والاقتصادي.
   قُبلةُ الموت؛هي هدية الانجليز للمراسم الملكية العُظمى؛لماذ؟
يتبع

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا