-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

جائزة الصحافة التلفزيونية بألمانيا من نصيب «الصحافي الخفي» بعد خمسة عقود من العطاء

كولون (ألمانيا): ماجد الخطيب
«لا أحد عمل للصحافة التحقيقية خلال 50 سنة بنشاط كالكاتب والصحافي غونتر فالراف»؛ هذا ما جاء في قرار اللجنة التحكيمية عند منح «الصحافي الخفي» فالراف جائزة الشرف هذا العام في الصحافة التلفزيونية بألمانيا.
وفضلاً عن نشاطه الصحافي السري، وكشوفاته التحقيقية التي تمس الحياة الاجتماعية، يقدم غونتر فالراف منذ سنتين برنامجًا مصورًا مع «فريق فالراف» لصالح تلفزيون «آر تي إل». فالصحافي الذي تعدى سنه الـ73 عاما، لم يمل بعد من التنكر والعمل في مختلف المصانع والمطاعم والشركات بهدف الكشف عن احتيالاتها ولا إنسانياتها.
وإذا كانت سلسلة مطاعم ماكدونالد أولى ضحاياه في ثمانينات القرن الماضي، أصبحت سلسلة مطاعم بورغر كنغ قبل بضعة أشهر من ضحاياه أيضًا. وكشفت أفلامه المصورة الخفية الكثير من الملابسات المعيبة واللاإنسانية التي دفعت بورغر كنغ إلى غلق الكثير من فروع سلسلة المطاعم الطويلة في ألمانيا.
وفي آخر برنامج له نجح فالراف بتسريب واحدة من فريق عمله بمثابة ممرضة متدربة في ثلاث مستشفيات مهمة، وقال بعد نشر التقرير المصور خفية، بأن الوضع في هذه المستشفيات مخجل قياسًا بدولة مثل ألمانيا تعتبر من أغنى بلدان العالم الصناعي.
كما كشف البرنامج عن نقص كبير في الموظفين، وعن ممرضين وممرضات مثقلين بالعمل بسبب الاقتصاد بالكلفة، ووضع صحي مقلق من ناحية التعقيم والنظافة، ونواقص خطيرة على حياة المرضى في قسم الطوارئ. ومن جديد أدى البرنامج إلى حملة عقوبات وتسريحات من العمل في هذه المستشفيات.
وفي العام 2012 قال غونتر فالراف أمام المحكمة «سال دمي على الخبز»، وكان في معرض الدفاع عن تقريره حول الظروف اللاإنسانية في بعض معامل إنتاج الخبز.
وبعد تقريره المثير عن شروط العمل القاسية في شركات نقل البريد السريع، ووصفه العمال هناك بالـ«عبيد»، وقف أمام محكمة باد كرويتسناغ ليشهد ضد أصحاب مصنع لإنتاج الخبز بتهمة التعامل مع العمال باعتبارهم عمال سخرة وعبيدا. وقال فالراف أمام القاضي إنه جرح يده أثناء العمل، وسال دمه على الخبز، لكن العمال خافوا من وقف العمل واستبعاد الخبز المدمي، خشية أن يفقدوا مواقع عملهم. وعمل فالراف في ذلك المخبز عدة أشهر متخفيًا، ثم أقام الدعوى ضد صاحب المخبز بتهمة إلحاق الأضرار الجسدية بالعمال.
اتهم فالراف المخبز أيضًا بعدم توفير ما يكفي من السلامة للعمال، وعدم توفير أجواء صحية أثناء العمل. وقال: إنه أحرق وجهه ويديه عدة مرات خلال العمل، كما كانت السطوح في المخبز، البعيدة عن الأفران، ساخنة وتلحق بالعمال الحروق يوميًا. وقال فالراف آنذاك بأنه عومل في المحكمة كمتهم وليس باعتباره شاهدًا.
وقبل موعد المحاكمة بأسبوع كشف فالراف في مقابلة تلفزيونية أنه عمل لأشهر في إيصال الطرود البريدية الثقيلة إلى أصحابها. ووصف العمل بالشديد قائلا: إنه رياضي ولائق بدنيًا رغم سنه، ويشارك في سباق الماراثون في كولون كل مرة، لكنه فشل، كما فشل السعاة الشباب، في تحمل شدة العمل ونقل الطرود الثقيلة. وكي يظهر لياقته أمام المحكمة صور فالراف نفسه وهو يتسلق حبلاً إلى ارتفاع 10 أمتار.
وصبغ فالراف جلده باللون الأسود عام 2009. وقدم نفسه كأفريقي يبحث عن العمل، وكشف كيف كان يفشل كل مرة في إيجاد عمل، وكيف كان الناس يخشون الجلوس قربه في الترام. نشر ذلك ككتاب باسم «أسود على أبيض»، وكفيلم أيضًا يصور نفسه مصبوغًا كالصومالي أوغونو كوامي، ويفترض أن يكشف الكتاب بعض نواحي العنصرية في ألمانيا، لكن البعض اتهمه بالعنصرية، ورد بالقول: «كيف يصبح الإنسان عنصريًا فقط لأنه صبغ جسده بالأسود؟».
وفي منتصف السبعينات من القرن العشرين عمل فالراف متنكرًا في إحدى أكثر الصحف «الشعبوية» انتشارًا في ألمانيا، وكشف في ثلاثة أفلام متتالية أساليب تلاعبهم بالخبر وطرق تزييف الحقائق، وتلفيق الأحدث، كما كشف عن شروط العمل المجحفة التي تكبل عمال المطبعة، والصيانة الصحية الضعيفة ضد مخاطر التسمم بالأحبار. وطبيعي فقد جرته الأفلام إلى المحاكم، لكنه عرف كيف يدافع عن نفسه.
بلغ غونتر فالراف العالمية بفضل كتابه «الحضيض»، الذي نشره في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، العالمية وترجم الكتاب إلى عدة لغات. ويتحدث الكتاب عن العامل التركي المهاجر علي، الذي تنكر الصحافي بدوره، وعمل في مختلف المطاعم والمصانع. بل إن الصحافي المجازف قدم نفسه كتركي أمي للعمل بمثابة «فأر اختبار» لدى بعض مصانع الكيماويات والأدوية. وأثار الكتاب فضيحة سياسية لأنه نشر صورة لعلي وهو يتحدث مع رئيس وزراء بافاريا الراحل فرانز يوزيف شتراوس ويقول له بأنه من أنصار الحزب القومي الطوراني التركي (الذئاب الرمادية)، مع استحسان شتراوس لذلك.
باع فالراف أكثر من 5 ملايين نسخة من «الحضيض» في ألمانيا، وترجم الكتاب إلى 38 لغة، واختير كأنجح كتاب تحقيقي ألماني منذ الحرب العالمية الثانية.
سلطت الأضواء مجددًا، في ألمانيا والولايات المتحدة، على غونتر فالراف بعد أن أعلن عن استعداده للحلول محل الجندي الأميركي السابق، والناشط في المنظمات الإنسانية، بيتر كيسيغ، الذي قطع تنظيم «داعش» رأسه في مكان ما من سوريا عام 2014. إذ اتصل فالراف بالسفارة الأميركية، والتقى بممثلي السفارة، وعرض عليهم أن يصبح رهينة لدى «داعش» محل كيسيغ.
برر الصحافي الألماني رغبته تلك بالقول «شعرت أن الأمر يهمني لأن كيسيغ اختطف يوم ميلادي 1-10». وقال بعدها لصحيفة «زود دويتشة تسايتونغ» بأنه قال للدبلوماسيين الأميركيين بأنه عجوز وفرصته بالنجاة أكبر، ثم إن الإرهابيين ربما يعفون عنه بسبب العمر، ولأنه «متبرع». ثم قال: إنه مستعد لإطلاق حملة عالمية باسمه لجمع فدية كبيرة عن كيسيغ. ورفض الأميركيون العرض الأول خوفًا على حياة فالراف، كما رفضوا العرض الثاني لأنه لا ينطبق مع سياستهم تجاه الإرهاب.
ولد فالراف يوم 1-10-1942 في بورشايد (ضواحي كولون) وعاش في المدينة الأخيرة حتى الآن وفي أكثر أحيائها شعبية (ايهرنفيلد). وارتبط حتى الثمانينات بصداقة متنية مع ابن كولون الآخر هاينريش بول (توفي 1985) الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1972.
ونال فالراف خلال حياته الصحافية والأدبية 15 جائزة، بدأت في العام 1968 عن أفضل تحقيق صناعي، وانتهت بنيل جائزة الصحافة التلفزيونية التقديرية. بين هذه الجوائز: جائزة أدب حقوق الإنسان العالمية، جائزة الأكاديمية البريطانية للفنون التلفزيونية، جائزة الإعلام الفرنسية، الميدالية الذهبية للصحافة في احتفال نيويورك السنوي.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا