الرباط ـ «القدس العربي» من الطاهر الطويل: تتوزع اهتمامات عبد الوهاب الرامي ما بين الإعلام تدريسًا وتأليفًا وإشرافًا أكاديميًّا، والأدب شعرًا وروايةً، فمن بين مؤلفاته في مجال الإعلام: «دليل الصحافي المهني»، «الطفل العربي والإعلانات التجارية عبر التلفزيون»، «صورة المرأة في وسائل الإعلام المغربية خلال الحملة الانتخابية»، ومن بين دواوينه التي تبلغ 12 ديوانا: «قمر وشقائق أحزان»، و«تراتيل لزهر الرمان». كما أصدر ثلاث روايات: «سنة بين القطارين»، «الموظف، «تل الخزامى». وقد حاز جائزة بلافريج للصحافة (1984) وجائزة الإبداع ضمن جوائز دار النعمان للثقافة في بيروت (2008).
«القــدس العربي» التقته وأجرت معه الحوار التالي:
«القــدس العربي» التقته وأجرت معه الحوار التالي:
■ تجمع بين الإعلام تدريســـا وممارسة وبحثا والكتابة الأدبية. ما درجة التأثير والتأثر لديك بين الحقلين معا؟
□ الإعلام والأدب يجتمعان معًا تحت سقيفة الإبداع الإنساني، مع الفروقات المتمثلة في أن الإعلام يكون «مبدعا» في مباشرته لنقل الواقع وعرضه وشرحه، ومساءلة أصحاب القرار عنه، في حين يبيت الأدب قائما، بشكل مطلق، على الإبداع بمعنى الخلق الرمزي أو إعادة صياغة العالم وجدانيا ليتناغم والرؤى الخاصة بالمبدع.
من هنا، ندرك أن الحقلين معا يرومان زحزحة العالم نحو الأفضل: الإعلام عبر أقنوم الواقعية، والأدب بإيثاره للخيال. وأنا أميز جيدا بين طرق اشتغال كل من الحقلين، وطرق الإفادة من تماسّهما على مستويات دقيقة، ليس في ما يخص اللغة فقط، ولكن على صعيد كنه الخطاب كالوضوح والدقة والاكتمال والمسافة مع الواقع وطرق تمرير الخطابات الرئيسة والتمايز الأسلوبي، إلخ. وأظن أن مَن يشتغل بآليات التواصل الإنساني عامة، يمكنه استثمارها، سواء في مجال الإعلام أو الأدب، وهذا ما أحاول القيام به.
■ في تجربتك الشعرية تحرص عموما على البناء الكلاسيكي للقصيدة، بينما تنحو منحى التجريب في كتابتك الروائية، أي مسوغات لهذه المزاوجة الإبداعية؟
□ ربما هي «مزاجية» إبداعية مفتوحة على أكثر من صنف في حالتي. فأنا أصدرت من قبل ديوانين شعريين هما «تراتيل لزهر الرمان» و«قمر وشقائق أحزان». وهما يعتمدان قصيدة النثر كما أمارسها، أي دونما انفلات كامل من الذوق الشعري العربي الذي ظل يراعي جرس الكلمات كمدخل للوجدان، وهو ما لا يراعيه الشعراء العرب المارقون عن التراث الشعري الذي أنضج كثيرا من آليات التواصل اللفظي، والمغرقون في حداثة وصلت إلينا في الغالب عبر ترجمة شعراء الغرب. بعد ذلك، انقطعتُ عن النشر لاهتمامي بحقل الإعلام الذي ألّفت فيه ما يربو على 15 كتابا. ولدي اليوم 12 ديوانا شعريا، حداثيا بين مزدوجين، جاهزا للطباعة. وديوانا شعر من العمودي، وأنا لا أحبذ الانسلاخ، بشكل قطعي، عن الجينات الشعرية العربية التي رفعت مقامات التصور لدى الإنسان العربي في قرون خلت. والتجاوب الذي يحصل اليوم مع الشعر العمودي الذي أنظمه لا يقل وزنا عن الشعر الحداثي الذي أكتبه. ومن خلال تجربتي على شبكات التواصل الاجتماعي، فأشعاري العمودية تحصل دائما على «لايكات» أكثر من أشعاري النثرية. وأنا أعتبر أن الجودة الشعرية لا ترتهن بالقالب الشعري الذي يختاره المبدع، بل بمقدار الإبداع الذي يمكن أن يقدمه الشاعر داخل هذا القالب. أما بالنسبة للرواية، فهي ليست دفقا وجدانيا صرفا، بل هي ترتيب وتركيب. والروائي حامل مبضع، وليس فقط رساما بالكلمات. والرواية عموما باطنها الفكر، وظاهرها الخيال، ولذلك، يمكن للباحثين في مجال العلوم الإنسانية استثمار ملكة تشريح المجتمع الإنساني ليقدموا روايات عميقة. كل الأشياء الأخرى من لغة وبناء وسيناريو المحكيات، هي سبيل لإخراج الفكرة الروائية، ولدينا في حقل الإعلام بعض الأجناس الصحافية التي تصح الاستفادة منها لإغناء التجربة الروائية.
□ الإعلام والأدب يجتمعان معًا تحت سقيفة الإبداع الإنساني، مع الفروقات المتمثلة في أن الإعلام يكون «مبدعا» في مباشرته لنقل الواقع وعرضه وشرحه، ومساءلة أصحاب القرار عنه، في حين يبيت الأدب قائما، بشكل مطلق، على الإبداع بمعنى الخلق الرمزي أو إعادة صياغة العالم وجدانيا ليتناغم والرؤى الخاصة بالمبدع.
من هنا، ندرك أن الحقلين معا يرومان زحزحة العالم نحو الأفضل: الإعلام عبر أقنوم الواقعية، والأدب بإيثاره للخيال. وأنا أميز جيدا بين طرق اشتغال كل من الحقلين، وطرق الإفادة من تماسّهما على مستويات دقيقة، ليس في ما يخص اللغة فقط، ولكن على صعيد كنه الخطاب كالوضوح والدقة والاكتمال والمسافة مع الواقع وطرق تمرير الخطابات الرئيسة والتمايز الأسلوبي، إلخ. وأظن أن مَن يشتغل بآليات التواصل الإنساني عامة، يمكنه استثمارها، سواء في مجال الإعلام أو الأدب، وهذا ما أحاول القيام به.
■ في تجربتك الشعرية تحرص عموما على البناء الكلاسيكي للقصيدة، بينما تنحو منحى التجريب في كتابتك الروائية، أي مسوغات لهذه المزاوجة الإبداعية؟
□ ربما هي «مزاجية» إبداعية مفتوحة على أكثر من صنف في حالتي. فأنا أصدرت من قبل ديوانين شعريين هما «تراتيل لزهر الرمان» و«قمر وشقائق أحزان». وهما يعتمدان قصيدة النثر كما أمارسها، أي دونما انفلات كامل من الذوق الشعري العربي الذي ظل يراعي جرس الكلمات كمدخل للوجدان، وهو ما لا يراعيه الشعراء العرب المارقون عن التراث الشعري الذي أنضج كثيرا من آليات التواصل اللفظي، والمغرقون في حداثة وصلت إلينا في الغالب عبر ترجمة شعراء الغرب. بعد ذلك، انقطعتُ عن النشر لاهتمامي بحقل الإعلام الذي ألّفت فيه ما يربو على 15 كتابا. ولدي اليوم 12 ديوانا شعريا، حداثيا بين مزدوجين، جاهزا للطباعة. وديوانا شعر من العمودي، وأنا لا أحبذ الانسلاخ، بشكل قطعي، عن الجينات الشعرية العربية التي رفعت مقامات التصور لدى الإنسان العربي في قرون خلت. والتجاوب الذي يحصل اليوم مع الشعر العمودي الذي أنظمه لا يقل وزنا عن الشعر الحداثي الذي أكتبه. ومن خلال تجربتي على شبكات التواصل الاجتماعي، فأشعاري العمودية تحصل دائما على «لايكات» أكثر من أشعاري النثرية. وأنا أعتبر أن الجودة الشعرية لا ترتهن بالقالب الشعري الذي يختاره المبدع، بل بمقدار الإبداع الذي يمكن أن يقدمه الشاعر داخل هذا القالب. أما بالنسبة للرواية، فهي ليست دفقا وجدانيا صرفا، بل هي ترتيب وتركيب. والروائي حامل مبضع، وليس فقط رساما بالكلمات. والرواية عموما باطنها الفكر، وظاهرها الخيال، ولذلك، يمكن للباحثين في مجال العلوم الإنسانية استثمار ملكة تشريح المجتمع الإنساني ليقدموا روايات عميقة. كل الأشياء الأخرى من لغة وبناء وسيناريو المحكيات، هي سبيل لإخراج الفكرة الروائية، ولدينا في حقل الإعلام بعض الأجناس الصحافية التي تصح الاستفادة منها لإغناء التجربة الروائية.
■ إلى أي حد يمكن الحديث عن عناصر اتفاق أو اختلاف لدى عبد الوهاب الرامي مع غيره من الإعلاميين/ الأدباء المغاربة أمثال عبد الكريم غلاب وعبد الجبار السحيمي (رحمهما الله) وإدريس الخوري وحسن نجمي وحميد جماهري وغيرهم؟
□ في الواقع لكل منا مساره الذاتي ـ الموضوعي. وكل هذ الأسماء فتقت السجاف القائم بين الصحافة والأدب. مع اعتبار أن هناك من انتقل من الأدب إلى الصحافة، أو العكس. ويبقى الدافع الأساس، في نظري، هو الرغبة في توسيع نطاق التعبير لدى كثير ممن مارسوا الصحافة والأدب في الآن نفسه. إن حقل الكتابة انزياحيٌ في عمقه، وحين تصل التعبيرية عند كاتب ما إلى درجة عالية، تبدأ في تجريب حقول أخرى مجاورة تتشكل داخلها وتتجدد بكيفيات أخرى.
□ في الواقع لكل منا مساره الذاتي ـ الموضوعي. وكل هذ الأسماء فتقت السجاف القائم بين الصحافة والأدب. مع اعتبار أن هناك من انتقل من الأدب إلى الصحافة، أو العكس. ويبقى الدافع الأساس، في نظري، هو الرغبة في توسيع نطاق التعبير لدى كثير ممن مارسوا الصحافة والأدب في الآن نفسه. إن حقل الكتابة انزياحيٌ في عمقه، وحين تصل التعبيرية عند كاتب ما إلى درجة عالية، تبدأ في تجريب حقول أخرى مجاورة تتشكل داخلها وتتجدد بكيفيات أخرى.
■ هل تخدم الصحافة المغربية حاليا الممارسة والإنتاج الثقافيين؟ وبأي معنى؟
□ لا.. الصحافة المغربية تجنح اليوم للتسطيح، خاصة في تغطيتها لمجال الإبداع، وهذا مؤسف. إذ عموما ليس لدينا محررون ثقافيون بالمعنى الحرفي للكلمة يستطيعون خلق حركية ثقافية من خلال الإعلام الثقافي. وهناك، من جانب آخر، ضعف التصنيع الثقافي، وهو ما يبخس قيمة المنتج الثقافي عامة لدى الجمهور العريض، خاصة إذا كان هذا المنتج راقيا، ويخاطب الفكر في الوقت نفسه.
وهناك مسألة مهمة لا بد من الإشارة إليها، وهي أن الصحافة تسعى إلى دمقرطة الاستحقاق على المستوى الإبداعي، بحيث تساعد على تجديد رعيل المبدعين، وضخ حقل الثقافة عموما بأسماء جديدة ومغايرة لا تعيد فقط استنساخ التجارب السابقة. كما أنه من أخلاقيات الصحافة ألا تمارس المحسوبية والزبونية والإخوانيات في مجال الإبداع. وهذا مشكل قائم، مع الأسف، على مستوى الصحافة العربية.
□ لا.. الصحافة المغربية تجنح اليوم للتسطيح، خاصة في تغطيتها لمجال الإبداع، وهذا مؤسف. إذ عموما ليس لدينا محررون ثقافيون بالمعنى الحرفي للكلمة يستطيعون خلق حركية ثقافية من خلال الإعلام الثقافي. وهناك، من جانب آخر، ضعف التصنيع الثقافي، وهو ما يبخس قيمة المنتج الثقافي عامة لدى الجمهور العريض، خاصة إذا كان هذا المنتج راقيا، ويخاطب الفكر في الوقت نفسه.
وهناك مسألة مهمة لا بد من الإشارة إليها، وهي أن الصحافة تسعى إلى دمقرطة الاستحقاق على المستوى الإبداعي، بحيث تساعد على تجديد رعيل المبدعين، وضخ حقل الثقافة عموما بأسماء جديدة ومغايرة لا تعيد فقط استنساخ التجارب السابقة. كما أنه من أخلاقيات الصحافة ألا تمارس المحسوبية والزبونية والإخوانيات في مجال الإبداع. وهذا مشكل قائم، مع الأسف، على مستوى الصحافة العربية.
■ إلى أي مدى استطاعت معاهد الصحافة أن تقدم لنا جيلا جديدا، من الإعلاميين والإعلاميات، مسكونا بالهم الثقافي؟
□ عموما، معاهد التكوين في المغرب لا تكون صحافيين متخصصين في الشأن الثقافي، ولا في أي شأن آخر. وتخصص الإعلام الثقافي دقيق، ويظل مرتبطا، في عمقه، بمُيول الصحافي وقدراته وكفاءاته التي تنضج أساسا من خلال تتبعه المطّرد للشأن الثقافي.
□ عموما، معاهد التكوين في المغرب لا تكون صحافيين متخصصين في الشأن الثقافي، ولا في أي شأن آخر. وتخصص الإعلام الثقافي دقيق، ويظل مرتبطا، في عمقه، بمُيول الصحافي وقدراته وكفاءاته التي تنضج أساسا من خلال تتبعه المطّرد للشأن الثقافي.
■ تنم تدويناتك في العالم الافتراضي عن حس ساخر. فيمَ تفيد السخرية إزاء مشكلات المجتمع وتناقضاته المختلفة؟
□ نعم، السخرية دليل عافية. ومبعثها التأمل المرح. ولا تعني السخرية أبدا غياب الجدية. وعلى السخرية أن تكون واعية بأدوات اشتغالها، وإلا كانت مرادفا للابتذال والاستهتار والتبخيس والعبث. والسخرية التي لا تحمل العبر، ولا تجعل الفرد مسائلا لقناعاته مردودة، لاشتباهها بالْعَـتَـه.
وحين تكون المجتمعات سادرة في التناقضات اللاعقلانية، تكون السخرية أكثر الأدوات إحاطة بسريرة المجتمع ودواخله. إن السخرية، على مستوى الإبداع، نوع من الاستبطان الذي يشبه التحليل النفسي. ولذلك، فهي ضرورة فنية وأدبية وحضارية.
□ نعم، السخرية دليل عافية. ومبعثها التأمل المرح. ولا تعني السخرية أبدا غياب الجدية. وعلى السخرية أن تكون واعية بأدوات اشتغالها، وإلا كانت مرادفا للابتذال والاستهتار والتبخيس والعبث. والسخرية التي لا تحمل العبر، ولا تجعل الفرد مسائلا لقناعاته مردودة، لاشتباهها بالْعَـتَـه.
وحين تكون المجتمعات سادرة في التناقضات اللاعقلانية، تكون السخرية أكثر الأدوات إحاطة بسريرة المجتمع ودواخله. إن السخرية، على مستوى الإبداع، نوع من الاستبطان الذي يشبه التحليل النفسي. ولذلك، فهي ضرورة فنية وأدبية وحضارية.