صدمة عالمية أصابت الجميع بفوز دونالد ترامب، وخرج
آلاف المتظاهرين في واشنطن ومدن أمريكية أخرى والعديد من دول العالم للتنديد بتنصيبه
وجدل كبير حول
وعوده الانتخابية بالتغيير في أول مائة يوم من توليه الحكم. وقد ما يدعو
لقلق الكثيرين رده على سؤال أحد الشبكات الاعلامية عن مصدر النصائح لسياسته كان جوابه
""أتحدث مع نفسي، لأن لدي عقل جيد جداً... لهذا أعرف ما أفعله". وللتعرف
أكثر على التخوف العالمى من ترامب علينا تحليل أهم القرارات التى اتخذها إلى الآن،
وكيفية إدارة حكمه في الفترة المقبلة ورد الفعل عليها وما القادم على الولايات المتحدة
الأمريكية والعالم جراء سياسته
أولاً : ترامب والشان الداخلى الأمريكى
وقع مرسوم تنفيذى يقضى بمواصلة بناء خطى الأنابيب
"كيستون اكس ال" "وداكوتا" والتى فيما سبق بذلت إدارة أوباما جهود لمنع بنائها بسبب
مخاوف بيئية، وقد واجه هذين المشروعين احتجاجات من منظمات ومشاهير ينشطون في مجال البيئة،
فضلًا عن جماعات محلية من السكان تمر الأنابيب عبر مناطقهم. وتعد خطوة كهذه بداية انحراف
وانعطافة سياسية كبيرة عن النهج الدولى الساعى لحماية البيئة والتراث الانسانى للهنود
الحمر والذين لا يمتلكوا جماعة ضغط قوية في الولايات المتحدة .
أصدر مرسوماً يمنع تمويل المنظمات الأهلية الأجنبية
التي تدعم الإجهاض من الأموال الفيدرالية . وهى خطوة أراد بها الرجل استمالة اللوبى
المسيحى المحافظ داخل الولايات المتحدة وداخل الحزب الجمهورى تحديدا لكنه في المقابل
أثار العديد من منظمات الحقوق المدنية ومنظمات الدفاع عن حقوق النساء في أمريكا والعالم
بأسره ولكن على ما يبدو فان تلك اللوبيات تبدو منفردة أضعف من تيار اللوبى المسيحى
المحافظ .
وعد قريباً بإصدار مرسوم بإلغاء قانون الضمان الصحي
المعروف باسم "أوباماكير"، المشروع الأبرز للرئيس باراك أوباما، لتأمين تغطية
صحية للجميع، وسيواجه هنا انتقادات كثيرة لأنه ترافق مع زيادة في أقساط التأمين لعائلات
الطبقة الوسطى.
وقع مرسوما بتقليص الهجرة نحو الولايات المتحدة
الى نحو 50 الف سنويا وكذلك مراسيم تسمح بطرد المهاجرين غير الحاملين للجنسية الأمريكية
حتى أولئك الحاملين لبطاقة الاقامة الخضراء أصبحوا مهددين بالترحيل ومنع دخول الولايات
المتحدة في حالة المغادرة، هنا علينا أن ندرك أن هذا الاجراء موجه بشكل أساسى لطبقة
من أضعف طبقات المجتمع الأمريكى، فأولئك المهاجرين الجدد لا يوجد لهم لوبى يدافع عنهم
لكن في المقابل فان إجراء من هذا النوع سوف يشكل ضربة قاسمة للعديد من المؤسسات الاقتصادية
الكبرى في الولايات المتحدة نظرا لأن أولئك المهاجرين يمثلون نسبة لا يستهان بها في
تلك المؤسسات ونظرا لكفاءة أولئك المهاجرين وهو ما دفع العديد من تلك المؤسسات لنصيحة
العديد من أولئك المهاجرين بعدم مغادرة الولايات المتحدة في الوضع الراهن؛ وهنا حاول
ترامب الشعبوى الاستعراضى استمالة أنصاره في اليمين الأبيض المتطرف الذى يعتبر الولايات
المتحدة أرضا لتحقيق حلم اليانكى الأبيض حصراً والذى يؤمن بالتفوق العرقى بين أجناس
البشر، وتعقيباً علي القرار، أصدرت محاكم أمريكية عديدة أحكامًا قضائية
تقضي بوقف تنفيذ القرار ووقف ترحيل أي أشخاص عالقين في المطارات الأمريكية.
ثانيا : ترامب والسياسة الخارجية
أعلن أن بلاده ستبدأ فورا في بناء جدار حدودى مع
المكسيك لمنع تدفق المهاجرين وكذلك فرض ضريبة 20%
على السلع القادمة من المكسيك لدفع تكلفة بناء الجدار وقابلته المكسيك برفض
هذا القرار، كذلك علق الهجرة من مناطق ذات توجه ارهابى وأصدر قرار بمنع دخول سبع دول الأراضى الأمريكية والذى رفضه الجميع ومن أهمهم
القائمة بأعمال وزير العدل وعلى أثره تم إقالتها من منصبها .
أعلن أنه سيقيم مناطق آمنة في سوريا لحماية الأشخاص
الفارين من العنف، وأوصى وزارتى الخارجية والدفاع بوضع خطة لانشاء مناطق آمنة للمدنيين
في سوريا والدول المجاورة في غضون 90 يوما، وفيما بعد تراجع عن قراره بإعلان البيت
الابيض بأن الادارة لا تدرس حاليا بشكل مكثف إقامة مناطق آمنة في سوريا، وهنا يظهر
التقارب الأمريكى الروسى والذى يأخذ بعين الاعتبار الدور الروسى المستعاد في منطقة
الشرق الأوسط، والذى من خلاله قد نشهد حلول قريبة للازمة السورية بما تقتديه مصالحهم
في المنطقة .
ثالثا :
ترامب والقضية الفلسطينية
الانحياز الأمريكى لإسرائيل السمة المشتركة في كافة
الادارات الامريكية ولكن مع وضوح ترامب وصراحته نجد تصريحاته في قضية الاستيطان لا
تختلف عن ما سبقه، فكلاهم داعم للاستيطان ولكن كل بطريقته ولكن ترامب كان أكثر استرضاء
للوبى اليهودى ومن ورائه اسرائيل عن سابقية، وحول نوايا نقل السفارة الأمريكية إلى
القدس فهو ليس جديد فقد أصدر الكونجرس الأمريكى تشريعاً عام 2002 بنقل السفارة إلى
القدس لكن بوش الابن لم ينفذه، وبرغم كافة
الاستنكارات الدولية والفلسطينية حول نقل السفارة وانتهاكه للقانون الدولى إلا أن قرار
التأجيل يأتى بالتنسيق ما بين اسرائيل وأدارة ترامب، وهو ما يمنح إسرائيل فرصة لكسب
الوقت لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية وتهويد القدس والذى وصل الى ترخيص لبناء
3000 وحدة سكنية بعد تنصيب ترامب مما يمنع أى فرصة لحل الدولتين، وكذلك ورقة للضغط على الفلسطينيين في أى مفاوضات
سلمية قادمة يفرضها ترامب على الجانب الفلسطينى وسط صمت العالم تجاه انتهاكات اسرائيل
للشعب الفلسطينى .
في النهاية، لن يتمكن ترامب من إجراء تعديلات جذرية
على النظام الأمريكى ولن يستطيع إحداث تغييرات جوهرية في علاقة الولايات المتحدة مع
حلفائها، وإن حاول تغيير سياسته وتعاطيه مع قضايا المجتمع الدولى لكنه سيبقى محكوم
لمؤسسة متكاملة تفرض عليه مواجهة تحدياته اليوميه بعقلانية ومرونه ستفقد قرارته مضمونها
لكنها في المقابل ستسمح للعديد من لوبيات الضغط المريكية الداخلية والخارجية
وكذلك مؤسسات الحكم الدائمة كالبنتاجون والسى أى إيه من الاستفادة من فترة حكم
هذا الترامب، وتمرير قرارات تخدم مصالح تلك
اللوبيات وكذلك التفوق الامبراطورى للولايات المتحدة على حساب الطبقات الضعيفة تنظيميا
داخل الولايات المتحدة، وعلى حساب الدول الأضعف في العالم وهنا علينا أن لا نشعر بالتفاؤل فيما هو قادم خاصة بالشأن الفلسطينى.
أستاذ علوم سياسية وعلاقات دولية