-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

غزة في معادلة الخراب الفلسطيني - عبد الستار قاسم

معادلة خراب لأنه لم يحصل أن وقف قطاع من شعب مع إجراءات قاسية ضد قطاع آخر من ذات الشعب، ولكن حصل في الضفة الغربية. خرجت جموع تضامنا مع قطاع غزة مطالبة برفع العقوبات الفلسطينية، فخرجت
مظاهرات مضادة تأييدا لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي يفرض العقوبات على غزة. أي أن جموعا فلسطينية تؤيد الإجراءات الفلسطينية على قطاع غزة الذي يعاني أهله من حصار عربي صهيوني غربي صعب. هذا هو عين الخراب، وهي معادلة قائمة تطال النسيجين الاجتماعي والأخلاقي والثقافة الوطنية والمروءة العربية والمصير المشترك والوحدة الوطنية، وتقدم الدعم للاحتلال الصهيوني.
قمع المظاهرات
وليس أدل على هذا الخراب من قمع السلطة الفلسطينية للمظاهرة التضامنية مع غزة في رام الله. الأجهزة الأمنية الفلسطينية تصرفت بوحشية وهمجية ضد أبناء فلسطين، ولم تميز بين كبير وصغير ورجل وامرأة. لقد ضربوا النساء وفي هذا عار كبير بالنسبة لنا نحن الذين نتغنى دائما باحترام نسائنا وبناتنا وحرصنا المهذب والقوي عليهن. وعمدت السلطة إلى مصادرة أجهزة التصوير ومنعت التصوير الفردي ما أمكن كدليل على خزيها من نفسها وأعمالها الشائنة. وقد شكل قمع التظاهرة انتهاكا للقانون الفلسطيني الذي اعتادت السلطة الفلسطينية برئيسها عباس على انتهاكه وتمريغ أنفه.
قالت السلطة إنها تحترم القوانين، لكن ظرف الأعياد قد أملى عليها قمع الناس. قالت إن التظاهرة تنغص على الناس وتعرقل حركتهم في أيام العيد، وحرصا منها بالتالي على الناس قمعت الناس. فإذا كانت السلطة معنية بعدم التنغيص على الناس في الضفة الغربية، كيف تسمح لنفسها التنغيص بالمزيد على قطاع غزة فتحجب عنهم الرواتب جزئيا؟ أم أن الناس في الضفة الغربية ناس، وفي غزة ليسوا ناسا؟ ومن أراد فعلا التسهيل على الناس كان بإمكانه أن ينصح وينسق مع المتظاهرين من أجل تظاهرة سلسة وغير مزعجة. علما أن المتظاهرين لم يتجاوزوا آداب التظاهر. لكن السلطة على ما يبدو أنها تعمدت إرهاب الناس وليس التسهيل عليهم في العيد.
كانت السلطة الفلسطينية في غاية الحماقة عندما تصدت للمتظاهرين بتلك الوحشية. لقد خلت ممارساتها من أدنى معاني الذكاء لأنها أساءت لنفسها بصورة كبيرة جدا، وحرضت ضدها جماهير واسعة. لقد وضعت نفسها موضع انتقادات حادة، ووضعت الشعب الفلسطيني بحالة سخرية على المستوى العالمي. نقلت وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية مشاهد من قمع المتظاهرين وأثارت تساؤلات حول قدرة الشعب الفلسطينية على إقامة دولة حقيقية. هؤلاء الذين لم يصلوا إلى درجة دولة حتى الآن يمارسون كل هذا القمع ضد شعبهم، فكيف سيفعلون إن هم أصبحوا دولة؟ وأشد ما أثار ردود فعل لدى المشاهدين هو الاعتداء على الفتيات والنساء. يولي الشعب الفلسطيني احتراما خاصا للنساء، ويقدر دورهن في الحياة الفلسطينية ومختلف النشاطات، لكن السلطة الفلسطينية فقدت كل احترام وتقدير، ولم تتردد في ضرب النساء. هذا ناهيك عن سحل الناس في الشارع أمام وسائل الإعلام. لقد حصلت همجية مرعبة ستبقى صورها راسخة في جدليات أعداء الشعب الفلسطيني.
ومن السادرية، أي من التبجح بالوقاحة، يقف أحد عناصر الأمن الفلسطينية أمام الشاشة ليهدد الناس ويتوعدهم بالمزيد من القمع ويبقى مسؤولا في مكانه. لم يعاقبه أحد، ولم تتخذ ضده إجراءات.
التضامن المتأخر
شعر أهل غزة بالانتعاش نتيجة حصول التظاهرات في رام الله تضامنا معهم، وارتفعت معنوياتهم على أمل أن يؤدي الضغط الشعبي إلى رفع العقوبات عن أهل القطاع. وبالطبع تأخرت هذه المظاهرات على الرغم من معرفة الناس بالضفة الغربية بالأوضاع القاسية التي يعيشها أهل غزة، وهي حتى لم تحصل أثناء الحروب المتتالية على غزة. شن الكيان الصهيوني ثلاث حروب متتالية على غزة ودمر وقتل وخرب دون أن تتحرك الضفة الغربية تضامنا مع غزة. تضامن أهل إنكلترا واسكتلندا وأهل دول أخرى مع غزة والضفة الغربية بقيت هادئة. وطبعا السبب هو أن قوى الأمن الصهيونية والفلسطينية دبت الرعب في قلوب الناس إلى درجة أنهم فقدوا القدرة على الدفاع عن أنفسهم. تلك الحمية العربية الأصيلة والشجاعة التي كان يتحلى بها شباب فلسطين تدهورت تحت ثقل الديون المالية واضمحلال الثقافة الوطنية ورفع منسوب الهموم الشخصية.
إنها مسؤولية كل أبناء الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجدهم أن يهبوا لنجدة غزة. والمفروض ألا يكتفي الناس بالتظاهر، وإنما عليهم تبني برامج من شأنها تخفيف وطأة الحصار الصهيو- فلسطيني والذي يشارك فيه بعض العرب وأهل الغرب. غزة بحاجة إلى ما هو أكثر من التضامن في الشارع، إنها بحاجة إلى البذل والسخاء والتضحية.
رجل الدولة
يعمل رجل الدولة دائما على رص صفوف شعبه، وحشد مختلف الطاقات والإمكانات والقدرات من أجل مواجهة التحديات وتحقيق التطلعات خاصة عندما تمر الدولة في أزمات. رجل الدولة لا يتصرف وفق رغبات الانتقام أو الثأر، وإنما وفق مصلحة الدولة والشعب، وإلا يكون مصيره الفشل.
فكان من المفروض أن تستنفر السلطة الفلسطينية عندما قام الصهاينة بمحاصرة غزة وأن تحشد كل طاقاتها وقدراتها وكل فئات الشعب من أجل التصدي للحصار ومساعدة أهل غزة على الصمود والتصدي ومواجهة التحدي بتحدي أكبر وأشد. كان على محمود عباس أن يشمر عن ساعديه لنصرة جزء كبير من شعبه يعاني من وطأة إجراءات الاحتلال. كان من المفروض أن يسارع إلى ترتيب الطاقات الشعبية والرسمية لخدمة أهل غزة، وأن يقدم المساعدات الفورية للتخفيف من وطأة الحصار. وكان عليه أن يطوف العالم بحثا عن كل أنواع الدعم لأهل غزة لتعزيز صمودهم. كان من المفروض التعامل مع غزة على أنها منطقة كوارث فلسطينية تستحق اهتمامات خاصة حتى لو غضب الصهاينة.
كل هذا لم يحصل، ووجدنا أن بعض رجالات السلطة يحرضون على غزة ويحاولون وصف القطاع بأنه منطقة فلسطينية متمردة، وودوا لو كانوا قادرين على شن حرب على غزة. بعضهم حرض الصهاينة بطريقة غير مباشرة على غزة وغضبوا على رب العالمين لأنه لم ينصر الصهاينة على غزة. فبدل التخفيف عن غزة، انضمت السلطة الفلسطينية إلى الصهاينة ومصر في تشديد الحصار. مصر قضت إلى حد كبير على الأنفاق ودمرت أغلبها، والسلطة ضيقت ماليا بصورة كبيرة على القطاع. واتخذت إجراءات عقابية خاصة بقضايا الصحة والطاقة.
محمود عباس ليس رجل دولة ولا يملك مؤهلات الكينونة، ولم يكن كذلك في أي وقت من أوقات سيطرته. لقد أحاط نفسه بمجموعة مشكوك في انتمائها الوطني، وصبوا تحريضهم على حماس وقطاع غزة من أجل القضاء على المقاومة.
غزة تحرس القضية الفلسطينية
على الرغم من شدة الحصار وصيق الحياة في غزة وضنك العيش، حافظت غزة على مكانة القضية الفلسطينية وعطلت الحلول التصفوية وأعاقت أوسلو وأهله. لقد صمدت غزة في ثلاث حروب متتالية، وبقيت صامدة على الرغم من حجم التضحيات الضخم التذي قدمته وما زالت تتحمله. لقد ضرب أهل غزة المثل الأعظم في الصمود والتضحية والفداء والشجاعة والإباء. لقد صمدت المقاومة، وصمد الشعب، وصمدت حماس، وهؤلاء جميعا سطروا أروع البطولات الفلسطينية. ويكفي أهل غزة فخارا أنهم أعادوا حق العودة إلى صدارة الاهتمام العالمي وإلى الذاكرة الفلسطينية والعربية. ولهذا نقول لأهل غزة ألا يقنطوا وألا ييأسوا، فهذا الجلد والصبر لن يذهب سدى، والأحرار فقط هم الذين يحررون.
لقد حوصرت غزة بشدة ظنا من الأعداء أن الناس سيثورون ضد المقاومة الفلسطينية ويغيرون الوضع السياسي إلى ما يتناسب مع اتفاق أوسلو، لكن المظاهرات خرجت في الضفة الغربية ضد الذين قصدوا العكس. ومن حفر حفرة لئيمة وقع فيها.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا