-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

جمالية‭ ‬المتلاشي‭ ‬والقبيح‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬التشكيلي‭ ‬المغربي‭ ‬خليل‭ ‬الغريب

اهتم‭ ‬الفن‭ ‬المعاصر‭ ‬بالمتلاشي‭ ‬والقابل‭ ‬للزوال‭ ‬والتفتت‭ ‬والانفلات،‭ ‬اهتمام‭ ‬مرده‭ ‬إلى‭ ‬الرؤية‭ ‬الساعية‭ ‬لإدراج‭ ‬واستدراج‭ ‬أشكال‭ ‬تعبيرية‭ ‬من‭ ‬اليومي‭ ‬والمهمش،‭ ‬فقد‭ ‬بات‭
‬‮«‬اللاشيء‭ ‬فنا‮»‬،‭ ‬فما‭ ‬يتحكم‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬ليس‭ ‬جمالية‭ ‬وتناغم‭ ‬أشــكاله،‭ ‬بل‭ ‬الرؤية‭ ‬والفكرة‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬الفنان‭ ‬والتي‭ ‬يعرضها‭ ‬ويستعرضها‭. ‬خامات‭ ‬يلتقطها‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬أينما‭ ‬رحل‭ ‬وارتحل‭ ‬وجال‭ ‬وتجول،‭ ‬يجمع‭ ‬خليل‭ ‬الغريب‭ ‬مفرداته‭ ‬وخاماته‭ ‬الفنية‭ ‬من‭ ‬الشارع،‭ ‬ليركبها‭ ‬داخل‭ ‬‮«‬نص‮»‬‭ ‬تشكيلي‭ ‬وجمالي‭. ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬يصول‭ ‬بجنبات‭ ‬بحر‭ ‬أصيلة‭ ‬ليلتقط‭ ‬حجارة‭ ‬صغيرة‭ ‬وتلك‭ ‬المتلاشيات‭ ‬من‭ ‬ورق‭ ‬وكارتون‭ ‬وأسلاك‭ ‬حديدية‭ ‬ونحاسية‭ ‬وكتب‭ ‬قديمة‭ ‬وأوراق‭ ‬مخطوطة‭ ‬وغيرها‭… ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المتلاشيات‭ ‬والمِزَق‭ ‬والأشياء‭ ‬المنفلتة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬والبقايا‭ ‬مواد‭ ‬وخامات‭ ‬يُنشئ‭ ‬منها‭ ‬منجزاته‭ ‬الفنية‭. ‬عبر‭ ‬تركيبها‭ ‬بعفوية‭ ‬و«فوضى‭ ‬خلاقة‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬جعل‭ ‬خليل‭ ‬الغريب‭ ‬من‭ ‬اسمه،‭ ‬بعد‭ ‬40‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الاشتغال،‭ ‬اسما‭ ‬مهما‭ ‬داخل‭ ‬المشهد‭ ‬التشكيلي‭ ‬المغربي،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يشتغل‭ ‬في‭ ‬توجه‭ ‬مخالف‭ ‬للسائد‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬فقد‭ ‬اختار‭ ‬هذا‭ ‬الفنان‭ ‬بكامل‭ ‬وعي‭ ‬واختيار‭ ‬حر،‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬عكس‭ ‬السوق‭ ‬وعالم‭ ‬التســـويق‭ ‬والاستهلاك‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬فقد‭ ‬اختار‭ ‬عدم‭ ‬بيع‭ ‬أعمــــاله،‭ ‬التي‭ ‬يعرضها‭ ‬للرؤية‭ ‬والمشاهدة‭ ‬والتساؤل‭ ‬فقط‭ ‬ولا‭ ‬غير‭. ‬والأهم‭ ‬اختيار‭ ‬الفنان‭ ‬عدم‭ ‬توقيع‭ ‬أعماله‭ ‬كلها،‭ ‬بذريعة‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬مستقل‭ ‬بذاته‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تدخل‭ ‬عليه‭ ‬أي‭ ‬أشياء‭ ‬خارجية‭ ‬تفسده‭ ‬أو‭ ‬تشوهه‭.‬
‭ ‬فالعمل‭ ‬الفني‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬صاحبه‭ ‬وليس‭ ‬التوقيع،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬الفنان‭ ‬من‭ ‬اشتغاله‭ ‬على‭ ‬الأثر‭ ‬حتى‭ ‬يستقل‭ ‬عنه‭.‬
تطغى‭ ‬سمة‭ ‬الغياب‭ ‬على‭ ‬أعمال‭ ‬هذا‭ ‬الفنان‭ ‬الثائر،‭ ‬حيث‭ ‬يغيب‭ ‬الفنان‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬الذي‭ ‬يصير‭ – ‬في‭ ‬المقابل‭- ‬قابلا‭ ‬للغياب‭ ‬بفعل‭ ‬الزمن،‭ ‬وينضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬غياب‭ ‬أي‭ ‬أنطولوجيا‭ ‬للعمل‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التوقيع‭ ‬أو‭ ‬تأريخ‭ ‬العمل‭. ‬فهذا‭ ‬الفنان‭ ‬المنتصر‭ ‬للمتلاشي،‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬جعل‭ ‬عمله‭ ‬غارقا‭ ‬في‭ ‬المفاهيمية‭ ‬والمرئي‭ ‬الذي‭ ‬يغدو‭ ‬لامرئيا‭ ‬بتدخل‭ ‬الوقت‭. ‬
يجرد،‭ ‬هذا‭ ‬الفنان‭ ‬المتقشف‭ ‬الزاهد‭ ‬والإقليلي‭ (‬المينيمالي‭) ‬minimaliste،‭ ‬أعماله‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مؤشر‭ ‬زمني‭ ‬أو‭ ‬إشاري‭ ‬أو‭ ‬عنواني‭ ‬وحتى‭ ‬اسمي،‭ ‬ويجعلها‭ ‬‮«‬عامرة‮»‬‭ ‬بالفراغ،‭ ‬الذي‭ ‬يغلب‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬مساحتها،‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬قابلة‭ ‬للتلاشي‭ ‬مثلها‭ ‬مثل‭ ‬خاماتها‭ ‬التي‭ ‬تتكوّن‭ ‬منها‭. ‬ولا‭ ‬يوثقها‭ – ‬يخلّدها‭- ‬سوى‭ ‬بالصورة‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬باعتــــبارها‭ ‬الأداة‭ ‬التي‭ ‬واكبت‭ ‬عالم‭ ‬الفن‭ ‬المعاصر‭ ‬ومنجزاته‭ ‬نحو‭ ‬تخليدها‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬والوجود‭.‬
وتكمن‭ ‬الإقلالية‭ ‬والزهد‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬خليل‭ ‬الغريب‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬الألوان‭ ‬التي‭ ‬يستعين‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬اشتغاله‭ ‬على‭ ‬الأعمال،‭ ‬فاللون‭ ‬يحضر‭ ‬بكميات‭ ‬قليلة‭ ‬جدا،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬المرجو‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬تبليغه،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تدخل‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬الخامات،‭ ‬إلا‭ ‬بإضفاء‭ ‬ع‭ ‬لمسة‭ ‬عابرة‭ ‬وقابلة‭ ‬للزوال‭ ‬عليها،‭ ‬ويقول‭ ‬الفنان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭: ‬‮«‬إن‭ ‬ألواني‭ ‬الشخصية‭ ‬باهتة‭ ‬وحزينة‭ ‬وهامدة‭ ‬بسبب‭ ‬إحساس‭ ‬دائم‭ ‬بالارتياح‭ ‬لها‭. ‬الاستثناء‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬هو‭ ‬استخدامي،‭ ‬لبعض‭ ‬خيوط‭ ‬الحرير‭. ‬وقد‭ ‬فسر‭ ‬أدمون‭ ‬عمران‭ ‬المالح‭ ‬سبب‭ ‬ذلك‭ ‬كونه‭ ‬حنينا‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الأم‭ ‬وتكريما‭ ‬لها‭. ‬فأنا‭ ‬أولعت‭ ‬بالتشكيل‭ ‬وأنا‭ ‬طفل‭ ‬صغير‭ ‬نتيجة‭ ‬لمشاهدتي‭ ‬وافتتاني‭ ‬بمطرزات‭ ‬أمي‭ ‬اليدوية،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تنجز‭ ‬صورا‭ ‬وتنميقات‭ ‬بالحرير‭ ‬على‭ ‬الأثواب‮»‬‭.‬
القبح‭ ‬جمالا‭:‬
لقد‭ ‬انشغل‭ ‬الفن‭ ‬الحديث‭ ‬بإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬أشكال‭ ‬الطبيعة‭ ‬وظواهرها‭ ‬بشكل‭ ‬ذاتي‭ ‬وجواني،‭  ‬بينما‭ ‬يسعى‭ ‬الفن‭ ‬المعاصر‭ ‬إلى‭ ‬جعل‭ ‬الطبيعة‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬بشكلها‭ ‬الخام‭ ‬بلا‭ ‬تدخل‭ ‬ولا‭ ‬إعادة‭ ‬تركيب،‭ ‬وبدون‭ ‬أي‭ ‬لمسة‭ ‬تغيير‭ ‬وتبديل‭ ‬وتحويل،‭ ‬ليس‭ ‬نقلا‭ ‬بل‭ ‬محاولة‭ ‬في‭ ‬إبراز‭ ‬المسكوت‭ ‬عنه‭ ‬بخصوصها‭ ‬واللامرئي‭ ‬فيها‭… ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نقف‭ ‬في‭ ‬أحايين‭ ‬كثيرة‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬نصطلح‭ ‬عليه‭ ‬بـ«جمالية‭ ‬القبح‮»‬‭.‬
فلقرون‭ ‬ظل‭ ‬المجتمع‭ ‬الفني‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬قواعد‭ ‬الجمال‭ ‬كونية،‭ ‬إذ‭ ‬اعتبر‭ ‬الجميل‭ ‬مخالفا‭ ‬للقبيح‭ ‬ولا‭ ‬تربطهما‭ ‬أي‭ ‬علاقة‭ ‬سوى‭ ‬علاقة‭ ‬التضاد‭ ‬والتنافر‭. ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الطبيعة‭ ‬تحتمل‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭ ‬الجميل‭ ‬والقبح،‭ ‬فدور‭ ‬الفنان‭ ‬هو‭ ‬تحويل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قبيح‭ ‬إلى‭ ‬جميل‭. ‬بينما‭ ‬نقف‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬الفن‭ ‬المعاصرة،‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬ملحوظ‭ ‬لهذا‭ ‬التصور‭ ‬الفني‭ ‬نحو‭ ‬براديغم‭ ‬مغاير،‭ ‬ينظر‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬إلى‭ ‬كون‭ ‬القبح‭ ‬أو‭ ‬الجميل‭ ‬شيئا‭ ‬واحدا،‭ ‬إذ‭ ‬‮«‬يكفي‭ ‬النظر‭ ‬العميق‭ ‬لشيء‭ ‬مهمل،‭ ‬ليصير‭ ‬ذا‭ ‬قيمة‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬لعل‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬انطلقت‭ ‬مع‭ ‬غويا‭ ‬ورسوماته‭ ‬الصادمة،‭ ‬عبر‭ ‬تصويره‭ ‬للرعب‭ ‬في‭ ‬مسعى‭ ‬منه‭ ‬للإشارة‭ ‬لكون‭ ‬الجمال‭ ‬والقبح‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬بينهما‭.‬
يتمثل‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الصدمة‭ ‬التي‭ ‬تتولد‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬المتلقي‭ ‬وهو‭ ‬يواجه‭ ‬الخامات‭ ‬الاعتيادية‭ ‬والمتلاشية،‭ ‬التي‭ ‬يعتبرها‭ ‬أمورا‭ ‬‮«‬قبيحة‮»‬‭ ‬يتخلص‭ ‬منها‭ ‬بإلقائها‭ ‬في‭ ‬المطارح‭ ‬والأزقة‭. ‬فهذا‭ ‬الفنان‭ ‬يروم‭ ‬جعل‭ ‬المتلقي‭ ‬يعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬رؤيته‭ ‬للعالم‭ ‬وللأمور‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬به،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬تغيرا‭ ‬سريعا‭ ‬ومهولا،‭ ‬يقود‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬الزوال‭ ‬والاندثار‭. ‬
الصورة‭ ‬تخليد‭:‬
من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬فحينما‭ ‬ينقل‭ ‬خليل‭ ‬الغريب‭ ‬متلاشياته‭ ‬إلى‭ ‬مخزنه،‭ ‬حيث‭ ‬يستودعها‭ ‬إلى‭ ‬حين،‭ ‬فإنما‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬جعلها‭ ‬تتعرض‭ ‬إلى‭ ‬عامل‭ ‬الزمن‭ ‬داخل‭ ‬ورشته‭ ‬وقريبا‭ ‬من‭ ‬معاينته‭. ‬إذ‭ ‬تتراكم‭ ‬الخامات‭ ‬داخل‭ ‬ورشته‭ ‬بشكل‭ ‬فوضوي‭. ‬خاماته‭ ‬التي‭ ‬يبتغي‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬منها‭ ‬تراكيب‭ ‬ومركبات‭ ‬لأعماله‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬تتحلل‭ ‬وتندثر‭ ‬وتختفي‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬المطاف،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تموت،‭ ‬بل‭ ‬تتناسخ‭ ‬عبر‭ ‬شكل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الحياة،‭ ‬إذ‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬تخليد‭ ‬‮«‬روحها‮»‬‭ ‬عبر‭ ‬الفوتوغرافيا‭. ‬فقد‭ ‬لعب‭ ‬التصوير‭ ‬الفوتوغرافي‭ ‬الدور‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬التمهيد‭ ‬إلى‭ ‬الفن‭ ‬المعاصر،‭ ‬بل‭ ‬بات‭ ‬جزءا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬منه‭ ‬وأحد‭ ‬ركائزه‭ ‬التي‭ ‬يستند‭ ‬إليها‭ ‬لتخليد‭ ‬ذاته‭. ‬انطلقت‭ ‬أولى‭ ‬التوظيفات‭ ‬الفنية‭ ‬للفوتوغرافيا‭ ‬باعتبارها‭ ‬عملا‭ ‬فنيا،‭ ‬مع‭ ‬مدرسة‭ ‬فن‭ ‬الأرض،‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬الذي‭ ‬سعى‭ ‬رواده‭ ‬منذ‭ ‬ظهوره‭ ‬سنة‭ ‬1960‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬إلى‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬متاهة‭ ‬الأوراش‭ ‬والمتاحف‭ ‬والأروقة،‭ ‬في‭ ‬بحث‭ ‬عن‭ ‬بديل‭ ‬لسطوة‭ ‬السوق‭ ‬الفنية‭. ‬فعمد‭ ‬أصحاب‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬الفني‭ ‬المعاصر،‭ ‬أمثال‭ ‬ماريو‭ ‬ميرز‭ ‬وربي‭ ‬سميتون‭ ‬وبترتران‭ ‬لافيي‭… ‬إلى‭ ‬جعل‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭ (‬المحيط‭) ‬وسيلتهم‭ ‬المعبرة‭ ‬عما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ«فن‭- ‬عمل‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تفسيره‭ ‬بأن‭ ‬الفن‭ ‬هو‭ ‬حصيلة‭ ‬ونتاج‭ ‬لعمل‭ ‬ما،‭ ‬‮«‬عمل‭ ‬يبقى‭ ‬أثرا‭ ‬للطاقة‭ ‬المُجَسِّد‭ ‬لها‮»‬‭. ‬هذه‭ ‬الطاقة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنفلت‭ ‬عبر‭ ‬عامل‭ ‬الزمن‭ ‬والتغيّر‭ ‬المحيطي،‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬الإبقاء‭ ‬عليها‭ ‬خالدة‭ ‬إلا‭ ‬عبر‭ ‬تصويرها‭ ‬فوتوغرافيا‭ ‬أو‭ ‬داخل‭ ‬شريط‭ ‬تلفزيوني‭ (‬سينماتوغرافي‭). ‬
تندرج‭ ‬أعمال‭ ‬ضمن‭ ‬هذه‭ ‬الفاعلية‭ ‬وهذا‭ ‬التيار‭ ‬الفني‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬الأعمال‭ ‬لديه‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬شيئا‭ ‬متجسدا‭ ‬وماديا‭ ‬إلى‭ ‬كونها‭ ‬زائلة‭ ‬فتصير‭ ‬مجرد‭ ‬ذكرى،‭ ‬ليست‭ ‬ملكا‭ ‬لأحــــد‭. ‬إنها‭ ‬منفلتة‭ ‬ومنسابة‭ ‬في‭ ‬الزمن‭. ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬خليل‭ ‬غريب‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬‮«‬الهواء‭ ‬الطلق‮»‬‭ ‬معرضا‭ ‬يعرض‭ ‬فيه‭ ‬أعماله‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬لدى‭ ‬فناني‭ ‬‮«‬فن‭ ‬الأرض‮»‬،‭ ‬فهو‭ ‬ينقلها‭ ‬إلى‭ ‬المعارض‭ ‬ويعيدها‭ ‬إلى‭ ‬ورشته‭ ‬ليترك‭ ‬عوامل‭ ‬البيئة‭ ‬تتكفل‭ ‬بمحوها‭. ‬بينما‭ ‬تحضر‭ ‬الفوتوغرافيا‭ ‬كأداة‭ ‬تخليد،‭ ‬لتصير‭ ‬الصورة‭ ‬‮«‬عملا‭ ‬فنيا‭ ‬بديلا‮»‬‭.‬
المحو‭ ‬إظهار‭: ‬
لقد‭ ‬قدمت‭ ‬الفوتوغرافيا‭ ‬للامرئي‭ ‬قوته‭ ‬بأن‭ ‬يصير‭ ‬مرئيا،‭ ‬فما‭ ‬يجعل‭ ‬أعمال‭ ‬خليل‭ ‬الغريب‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬جمالي،‭ ‬كونها‭ ‬غير‭ ‬متكررة‭ ‬وصعبت‭ ‬إعادة‭ ‬الصياغة‭ ‬والتكرار‭. ‬وأيضا‭ ‬ـ‭ ‬وهذا‭ ‬الأهم‭ – ‬لكونها‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭ ‬ليس‭ ‬باعتبارها‭ ‬فانية،‭ ‬بل‭ ‬باعتبارها‭ ‬منفلتة‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬الامتلاك‭ ‬والاستحواذ‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬السوق‭ ‬الفنية‭. ‬هذه‭ ‬الثنائية‭ ‬‮«‬إظهار‭ /‬محو‮»‬‭ ‬تعطي‭ ‬للعمل‭ ‬الفني‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭ ‬خلاقة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الفنان،‭ ‬بعده‭ ‬الوجودي‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الحصر‭ ‬والتأريخ‭ ‬والإمساك‭. ‬فما‭ ‬أن‭ ‬يصير‭ ‬العمل‭ ‬‮«‬ممحوا‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬تختفي‭ ‬كل‭ ‬الخيوط‭ ‬التي‭ ‬تربطه‭ ‬بالفنان‭ ‬والمشاهد،‭ ‬ولا‭ ‬يبقى‭ ‬سوى‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬‮«‬المقتنصة‮»‬‭ ‬بعين‭ ‬آلة‭ ‬التصوير‭.‬
لا‭ ‬يعمد‭ ‬الفنان‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬إضافات‭ ‬على‭ ‬الخامات،‭ ‬بل‭ ‬يجعلها‭ ‬‮«‬حية‮»‬‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬بها‭ ‬أول‭ ‬مرة،‭ ‬يضعها‭ ‬داخل‭ ‬إطاراته‭ ‬الخشبية‭ ‬أو‭ ‬يجعل‭ ‬منها‭ ‬أعمالا‭ ‬مستقلة‭ ‬بذاتها‭. ‬من‭ ‬حيث‭ ‬كون‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬المعاصر‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الحديث‭ ‬والكلاسيكي،‭ ‬لا‭ ‬ينصاع‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مقاييس‭ ‬وضوابط‭ ‬محددة‭ ‬سلفا‭. ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬الفنان‭ ‬المعاصر‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬الاشتغال‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬غير‭ ‬المادي‭ ‬واللاشكلي،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬صعب‭ ‬التكرار‭ ‬والتجسيم،‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬لكل‭ ‬القواعد‭ ‬التي‭ ‬هيمنت‭ ‬على‭ ‬الرؤية‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬البراديغمات‭ ‬السابقة‭. ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬بالتحديد‭ ‬ينطلق‭ ‬في‭ ‬تراكيبه‭ ‬الجمالية،‭ ‬جاعلا‭ ‬إياها‭ ‬معرضا‭ ‬للمحو‭ ‬والاندثار‭ ‬والانفلات‭. ‬فلا‭ ‬يبقى‭ ‬منها‭ ‬أي‭ ‬أثر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يطالها‭ ‬المحو،‭ ‬إذ‭ ‬تراود‭ ‬الفراغ‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬وتصير‭ ‬استعارة‭ ‬قابلة‭ ‬للزوال‭ ‬وذكرى‭ ‬بصرية‭. ‬
فما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬خليل‭ ‬غريب‭ ‬سوى‭ ‬اللعب‭ ‬واللهو‭ ‬بخاماته،‭ ‬التي‭ ‬يمتلكها‭ ‬لبرهة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬والتي‭ ‬يعشق‭ ‬تعريضها‭ ‬لعوامل‭ ‬بيولوجية‭ ‬وزمنية‭ ‬و«هشاشة‭ ‬وجودية‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬يعمد‭ ‬الغريب‭ ‬إلى‭ ‬جعل‭ ‬المتلقي‭ ‬أمام‭ ‬تجسيد‭ ‬لهشاشة‭ ‬العالم‭ ‬والإنسان‭ ‬لا‭ ‬هشاشة‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭. ‬فمسعى‭ ‬الفن‭ ‬المعاصر‭ ‬هو‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬الزائل‭ ‬والعابر‭ ‬والمتلاشي،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬الفنان‭ ‬المعاصر‭ ‬يسكنه‭ ‬سؤال‭ ‬البقاء‭ ‬والخلود‭ ‬والظهور‭ ‬والانمحاء‭. ‬فقد‭ ‬استبدل‭ ‬الفنان‭ ‬مفهوم‭ ‬الدائم‭ ‬والخالد‭ ‬بالصيرورة‭ ‬والفاني‭ ‬والمؤقت‭ ‬والعابر‭.‬
٭‭ ‬شاعر‭ ‬وباحث‭ ‬جمالي‭ ‬مغربي

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا