تتواصل التشكيلية أرحيل مع مادتها التشكيلية وفق رؤى تعبيرية محلية، إذ تجعل من الأشكال والحروف والألوان مادة انطباعية لبسط بعض الجماليات الموتيفية، والأشكال التراثية لصناعة مجموعة من العلامات التي تتقصد بها الصفات الظاهرية لما هو في الواقع المحلي، تُكثف بها الفضاء، وفق عملية البناء الفني، مع بسط نوع من المفارقات بين مفردات المادة التشكيلية، التي تولد عددا من الدلالات والمعاني، والبؤر اللونية وصناعة الشكل، الذي يؤطر المجال الجمالي.
فالإيقاعات اللونية والأشكال التراثية والرموز القديمة والحروفيات، كلها تشكل ركاما دالا على مقصديات ثقافية محلية، كما أن عمليات توزيع الأشكال والألوان تشكل مجالا جماليا تكسب أعمالها التشكيلية حيوية ورشاقة، فهي تروم التعبير بعمق عما يحيط بها ثقافيا وتراثيا، وعما تتأثر به من خلال سيميولوجيتها المحلية. وهو ما يُعد انغلاقا إلى حد ما في هذه السيميولوجية، علما بأن التفاعل الشكلي مع الألوان تحديدا ومع كل العناصر المكونة لأعمالها تؤكد هذا التوجه، لكن على الرغم من ذلك، فإن بناء الصورة التشكيلية البصرية بإنجازات فنية تعتبر ذات قيمة تشكيلية وجمالية، وخصوصيات متفردة تؤطرها طاقة الفنانة الإبداعية التي تحرر اللوحة من القيود وتصهرها في اللون بقيمته الانطباعية، بل تؤكد قدرة الأشكال الفنية على التطور في إطار ليونتها ومطاوعتها للألوان التوظيفية والتعبيرية، التي تنهجها المبدعة، بأبعاد ودلالات فنية ترتكز على رؤى ثقافية وتراثية تهدف إلى إبراز مختلف الجماليات بانطباعية بائنة، فتحقق بذلك التوازن الإبداعي بين المادة الفنية وتشكيل المكان المحلي.
إن بعض الضربات اللونية والطلاء والأشكال والعلامات المختلفة بكثافتها المتسمة بالانطباعية وبالعفوية والانسيابية، تشكل ترنيمة تستند إلى الموروث الحضاري أحيانا، لكن في نطاق توليف علائقي لإثقال المساحات بإحداثيات التعابير من منظور الواقع المحلي، وما يحتويه من مقومات تراثية وعادات وتقاليد، وبإيحاءات قادرة على التحول إلى دال يستند إلى مرجع تشكيلي ورمزي وعلاماتي معين. فالتقاسيم اللونية الغنائية ترسل نبراتها وفق الرؤية البصرية، ما يؤكد أن المبدعة تشكل من التعبير الشكلي واللوني فضاء كثيفا يفصح مباشرة عن جهاز مضاميني وجمالي، وينتج حوارا تشكيليا بين المادة الواقعية المحلية، ومكونات العمل الإبداعي، من كتل وتكوينات ورموز وعلامات، بحركة تشكيلية تحول الواقع بانطباعية إلى صيغ تشكيلية وجمالية. وهي وإن كانت تسد منافذ الفضاء، وتثقل المساحة بالكثافة الشكلية واللونية، وتعتم على الفراغ، بالإجهاز على عملية الاختزال، إلا أنها تصنع مساحة انطباعية في التشكيل الحداثي المعاصر، لتحدث إيحاءات عميقة الدلالات والمغازي. فهي تعبر بمفردات تشكيلية تستقي من الواقع مادتها الخصبة، بتدرجات لونية متجانسة وبنماذج شكلية، تنسجها وفق بنائها الفضائي، بقدر ما تحمله تقنياتها من تغيرات، تجعل من الكتل اللونية بناء فنيا منظما في تواشج من الإبداع، فاستخداماتها العلاماتية والشكلية بانسجام تام مع جوهر العمل ككل، يعكسه المزج بين ملامح الألوان المتجانسة تبعا لنسق الواقع الأساس للبيئة المحلية. فيتجلى حسها الفني في الانطباع بتوظيف الكثافة اللونية، والوصل بين مختلف المفردات، وبذلك فإن هذا المنجز التشكيلي الانطباعي تتبدى فيه اجتهادات، وتظهر فيه الإيحاءات ومختلف الدلالات التي تستمد وجودها من محيط المبدعة.
كاتب مغربي