-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

قراءة في كتاب سوسيولوجية التربية والتنشئة الاجتماعية. ل. د. عبد الرحيم تمحري.‎


قراءة أنجزها الباحث إلياس تاغي : هذا الكتاب يجسد مجموعة محاضرات في سوسيولوجية التربية، التي ألقيت على طلبة الفصل الرابع في مسلك السوسيولوجيا.
وغاية هذا الكتاب أن تفيد الطلاب بأهمية الدراسات السوسيولوجية للتربية والأسرة والمدرسة ، على الرغم من محدوديتها. ذلك حتى يواصلوا التساؤل ويساهموا في البحث وينخرطوا في تقدم وتطوير البلاد.وعليه، يمكننا أن نطرح التساؤلات التي يحاول د.عبد الرحيم تمحري الإجابة عنها في هذا الكتاب، وهي كالتالي:                                                                                       
ما أهمية دراسة السوسيولوجيا وسوسيولوجية التربية خاصة بالنسبة للطالب المغربي؟ ماهي المهام الراهنة للسوسيولوجيا، ولسوسيولوجية التربية خاصة بالمغرب؟ ماهي سوسيولوجية التربية؟ ومالذي يميزها عن سوسيولوجية المدرسة؟ ماخصائص التربية التي تقدمها الأسرة وتلك التي تقدمها المدرسة؟ ماهي أوجه الائتلاف والاختلاف بينهما؟ كيف لهما أن يتكاملا من أجل تنشئة سوية لشخصية متناغمة قادرة على الإبداع والتجديد والتواصل وإحترام الغير والسلم والإنماء الحضاري؟ ماهي وظيفة المدرسة بعيدا عن التنشئة الظاهرة ونقل المعارف والإعداد للحياة العلمية؟ كيف تعمل على الطبع الإيديولوجي للأفراد، وتكريس الوضع الطبقي للمجتمع واللامساواة وشرعنة السلطة؟ ما علاقة السلطة بالمعرفة المدرسية؟ ماهي خصائص هذا التوجه الجديد للتربية، أي تربية الآباء؟ كيف يربي الأبناء آباءهم؟ . هذه معظم وجل الأسئلة التي يتوخى الكتاب الذي ألفه د.عبد الرحيم تمحري الإجابة عنها من خلال الفصول العشرة التي تتراوح مابين مائة وستين صفحة.
      قبل الإجابة عن هذه التساؤلات الإشكالية، لا بد، الوقوف عند المفاهيم الأساسية التي جاءت في الكتاب، بإعتبار المفاهيم تلعب دورا أساسيا في الدرس السوسيولوجي بشكل عام وسوسيولوجية التربية بشكل خاص، ذلك أن المفاهيم تعد منطلق التحليل والتفكيك والتشريح والتأويل وفهم المحتوى والمغزى الذي يرمي إليه الكتاب، ولعل من أهم المفاهيم التي يحتويها الكتاب، التي تم تحديدها على المستوى القاموسي والنسقي. بالإضافة إلى ذلك كما تناولها الباحثون الممارسون،نجد:
السوسيولوجيا الذي يرى أندري لالاند، مصطلح خلقه "أجست كونت ـ 1798ـ1857 ـ "للإشارة إلى مكان يسمه في البداية بالفزياء الاجتماعية. أي دراسة الظواهر الاجتماعية باعتبارها تشكل مجموعة من الآثار الطبيعية الخاضعة للقوانين مثلها مثل الظواهر الفزيائية والبيولوجية.
التربية الذي يرى غاستون ميالاري أنها كلمة ترجع إلى الأصل اللاتيني ـEducer ـ التي تعني: القيادة خارج. أي قيادة الفرد أو الجماعة سيطبق عليهم الفعل التربوي بهدف إخراجهم من وضع أدنى إلى وضع أعلى يحققون فيه إنسانيتهم. ويرى هنري بييرون أنها مجموع الوسائل التي بمساعدتها يتم توجيه نمو الطفل من لدن مربيه حتى يتمكن من توجيه نموه بذاته بفعل مناهج نشيطة تستبدل تدريس الأستاذ بتعلمات التلاميذ. هذه الوسائل قد تكون مادية أو عقلية أو سيكولوجية أو وجدانية...الغرض منها السير بنموالطفل من الاعتماد على الغير، إلى الاعتماد على الذات وتحقيق الإستقلالية. أما روبيردو ترانس وغيره في المؤلف الذي خصصوه لـ.التربية والتعليم، فيعرفون التربية إنطلاقا من التمييز داخلها بين فعلين: فعل يتجه إلى ذات الفرد نفسه، وفعل يتجه إلى الآخرين ويحددون كل فعل انطلاقا من خصائصه. أما السوسيولوجي إميل دوركهايم يرى أنها الفعل الذي تمارسه الأجيال الراشدة على الأجيال التي لم تنضج بعد للحياة الاجتماعية. والغرض منها إحداث عدد معين من الحالات الجسمية والعملية والأخلاقية لدى الطفل وإنمائها لديه وفقا لما يطالب به المجتمع السياسي  في مجموعه ،والوسط الاجتماعي الخاص الذي يتهيأ له.
سوسيولوجية التربية، جاء في قاموس التربية وعلوم التربية تحت إشراف كاسترون ميالاري أنها تهتم بدراسة للأشكال المؤسساتية للنشاط التربوي ـ مدارس، مدارسون، إداريون، تلاميذ. ـ بقصد وصف طبيعة العلاقات والأنشطة القابلة للتحليل. كما تهتم بدراسة العلاقات بين المؤسسات التربوية وغيرها من المؤسسات ـ  الأسرة، الجيش، الكنيسة. ـ . وكذلك بين المؤسسات التربوية والشروط التي تحيا داخلها هذه المؤسسات ـ اقتصادية، سياسية. ـ . في حين يرى ريمون بودون وآخرون في القاموس الذي أعدوه للسوسيولوجيا أن سوسيولوجية التربية تهم العلوم الاجتماعية عامة والسوسيولوجيا خاصة. ذلك يرى أن الثقافة تنقل عبر وساطة المؤسسات، وهذه الأخيرة يتباين حولها الأخصائيون: الإنثربولوجيون وعلماء النفس الاجتماعي يهتمون بآليات هذا النقل وتأثيراتها على الفرد، بمعنى كيف يتم نقل الثقافة وكيف يتم نقل الثقافة المجتمعية، وكيف تصوغ الأفراد وشخصياتهم حتى يصبحوا اجتماعيين... وعلماء الاقتصاد والاجتماع يهتمون بكيفية الاشتغال المؤسسات في سياقها الاجتماعي، أي كيف تشتغل اقتصاديا المدرسة كمؤسسة مثل باقي المؤسسات، وبأي معنى يعد التعليم مشروعا اقتصاديا وسياسيا؟... إن هذين التوجهين المتباينين في تصور التربية، باختلاف موضوع البحث، ما يفتآن أن يجتمعا في سوسيولوجية التربية، أي أن دراسة سوسيولوجية التربية تهتم بعملية نقل الثقافة ودراسة مؤسسة نقل الثقافة.
سوسيولوجية المدرسة حددها د.عبد الرحيم تمحري، بإعتبارها فرعا من فروع السوسيولوجا استفادت من مكانتها المركزية داخل النظريات والاهتمامات السياسية لإميل دوركهايم، ولأبحاث سوسيولوجيين آخريين طوروا أطروحات حول اشتغال المجتمع انطلاقا من تحليل وقائع التمدرس. وبالنسبة للسوسيولوجي تعد المدرسة قبل كل شيء مؤسسة تقوم بالوظائف الاجمالية للإندماج والحركية الاجتماعيين. ومن بين المواضيع التي يهتم بها هذا الفرع، نجد:دور المدرسة في إعادة إنتاج اللامساواة، تأثير الفضاء  ـ المؤسسات والأقسام ـ على المتعلمين، دور الوالدين في التعبئة المدرسية لصالح أولادهم ـ علاقة الأسرة بالمدرسة ـ ، التفاوتات بين الوسط الحضري والقروي...
المؤسسة التربوية حددها د.عبد الرحيم في كتابه هذا،  بإعتبارها عبارة عن بنية متشابكة. تبدأ بالبنية المادية، أي نوع العمارة وموقعها. بعض البنايات المدرسية تبهج النفس بمنظهرها وشكلها وألوانها ومغروساتها ونافوراتها واللوحات التي تدل على مرافقها بدءا من الباب الذي يشكل المدخل الرئيسي. أما بنايات المدرسية أخرى، فتضيق منها النفس وتتقزز بسبب منظرها المنفر وشكلها وألوانها القاتمة وانعدام المغروسات أو أشواكها المهملة التي حولتها إلى أرض خلاء. هناك مؤسسات تربوية من الداخل فسيحة ومنظمة كأن الذاهب إليها ذاهب إلى مسرح في الهواء الطلق. وهناك مؤسسات أخرى لا يستطيع  الداخل إليها أن يميز هل هو في سجن أو معمل من القرون الماضية أم سراديب ومتاهات الأحياء القديمة في المدن العتيقة. وهناك البنية العلائقية التي يستدل عليها من أول لقاء مع حارس المؤسسة: طريقة استقباله وتحيته وجوابه ومحياه ومعلوماته. الحارس هو المؤشر الدال على طبيعة العلاقات الإنسانية بين الإداريين والمربيين والمتعلمين. ولاحظ أن الأنظمة التربوية داخل المؤسسات ليس إلا إنعكاسا للأنظمة السائدة في المجتمع. فالنظام التربوي هو الوجه الآخر للنظام الاجتماعي والاقتصادي والثقافي السائد.
مفهوم الثقافة حسب موران يعني كل ما لا يكون ذو طبيعة فطرية ويجب تعلمه واستيعابه، ويمكن أن يعني كل السلوكات والقيم والمعتقدات الخاصة بجماعة إثنية  أو بأمة. كما يمكن أن يعني كل ما أنتجته الإنسانية من آداب وفن وفلسفة
التنشئة الاجتماعية يمكن أن يؤخذ في مساواة مع مفهوم التربية أحيانا، فالتحديد القاموسي" نشأ الطفل ونشؤ الطفل، يعني ربى وشب، ونشأ الغلام تنشئة، يعني رباه. كما نجد، إميل دوركهايم يحدده كما يحدد مفهوم التربية، باعتبارها الفعل الذي تمارسه الأجيال الرائدة على الأجيال التي لم تنضج بعد، من أجل إعدادها للحياة الاجتماعية. والغرض منها تنمية مجموعة من الحالات الجسدية والفكرية والأخلاقية لدى الطفل، التي يتطلبها منه المجتمع السياسي في عموميته والمجتمع الذي هو مهيأ له في خصوصيته. إذ وجهت لدوركهايم من طرف د.عبد الرحيم تمحري بعض الإنتقادات حول تحديده لهذا المفهوم، من بينها: أنه نزع عن طبيعة البشرية كل استعداد للتنشئة الاجتماعية التي عبر عنها بخضوع الإنسان لسياسة بلده، وإحترام قاعدة الأخلاق مجتمعه واستعداده لتضحية في سبيل غيره وعبادة إلهه. بمعنى أنه شُيئ تلك القابلية للتنشئة لدى الفرد لكي يصبح اجتماعيا. ويعطي نموذجا يتمثل في الطفل المتوحش "فرانسوا تريفوا" الذي تم العثور عليه في غابة أفنيون قد تعلم المشي المستقيم واللغة والحساب وآداب الأكل والشرب واللعب، أي الحياة الاجتماعية، على الرغم أنه كان يعيش في الغابة مع الحيوانات. كما جاء في قاموس السوسيولوحيا لرايمون بدون وغيره؛ التنشئة في معناها القوي هي عملية تحويل كائن لا اجتماعي إلى كائن اجتماعي، وذلك بترسيخ أنماط التفكير والإحساس والفعل، بهدف تثبيت استعدادات السلوك التي تم اكتسابها... وجعل الفرد يمتلك ما استدخله من معايير وقيم وقواعد خارجية عنه، وزيادة الالتحام بين أعضاء الجماعة.
المرحلة يحددها هنري بييرون " ذلك الجزء المتميز من مراحل النمو. بمعنى يحيل على مفهوم النمو المجزأ وعلى نموذج لتصور ذلك النمو". فمثلا نموذج فرويد ليس هو بياجي أو والو أو ريكسون... ذلك أن علماء النفس لم يتفقوا على خطاطة واحدة وموحدة لوصف أهم مراحل التي يمر بها الأطفال أثناء مراحل نموهم النفسي، كما لاحظ ذلك كاستون ميالاري. على سبيل المثال: فرويد ركز على البعد الجنسي للمرحلة النمائية. وبياجي ركز على البعد العقلي. ووالو ركز على البعد النفسي. وركز إريكسون على البعد الهوياتي.
مفهموم الراشد في أذهان علماء النفس والاجتماع، الإنسان المستقل اقتصاديا وفكريا، وهو أيضا المندمج في البيئة... إنهم يتصوره كمنجز ومجد في نجاحه الخاص، لذلك يعهد إليه بدور رب الأسرة، ورب العمل... إلا أن هذا التحديد يراه لاباساد أن مفهوم الراشد ما هو إلا أسطورة رجعية في خدمة المؤسسات، لأن الراشد حسب هذا الفهم هو الكائن المنجز، الذي أكمل كل شيء، وأتقن لعب الدور الموكل إليه والذي أعد له قناعا خاصا به يمكنه من الحفاظ على مكانته داخل مؤسسات المجتمع.
مفهوم السلطة يحددها روبول بأنها القدرة على أن نطاع شريطة أن تكون تلك القدرة مشروعة بواحد من هذه المؤشرات، التالية: أن يكون الشخص الذي يمارس السلطة يملكها طبقا لدور يلعبه أو مهمة يقوم بها أو عمل يعمله. وأن يكون الشخص الذي يمارسها مدين بها لتفوقه في مجال محدد أو نفوذه على الذين تمارس عليهم أو لهيمنته التي تتأتى من تفوقه ونفوذه. لذلك يرى أن مختلف نماذج السلطة تتحدد انطلاقا من مختلف نماذج المشروعة التي ترتكز عليها السلطة. وهي أربعة نماذج: سلطة العقد التي يرتبط بها طرفان برضاهما السابق بناء على التعاقد الذي يجمعهما والذي عليهما أن يحترماه. وسلطة الخبير الذي نخضع لرأيه ونتبع مشورته بفضل كفايته في مجاله. وهو لا يمارس تلك السلطة بالأوامر بل بالوصفات، كما هو الحال لدى الطبيب. وكل مخالفة لتلك السلطة تعد طيشا وعلينا أن نتحمل عواقبها. وسلطة الحكم كالتي نجدها لدى القاضي الذي يملك سلطة إصدار القرارات ينهي بمقتضاها النزاعات. سلطة الملك الملطلق والحاكم الإلهي والقائد المستبد في الحرب. وهذه أقل السلطات خضوعا للعقل حسب المؤلف، لأنها مرفوضة مسبقا قبل أي تفسير أو مناقشة، وعلى الذين تمارس عليهم أن يخضعوا لها، دون أن يفهموها. وهذه الأخيرة هي التي تمارس في التربية الأسرية ثم التربية المدرسية حسب رأيه. وهنا نشير بإيجاز لمظهرين لسلطة: السلطة المادية التي تتمثل ملامحها في جهاز سلطة الدولة المتمثل في الجيش والأمن وقوات التدخل بمختلف أنواعها، وسلطة المنفذين للقوانين وسياسية الدولة في التربية والتعليم...والسلطة الرمزية التي لا يتم الوعي بها،أو التي تتم مساندتها من لدن المدرسين والآباء والجهاز الإداري والبيداغوجي. إنها السلطات الاجتماعية التي تمررها الكتب المدرسية والوثائق التربوية الرسمية من خلال الدروس والتمارين والعروض والتقويملت... هي الرموز الدينية والرموز التربوية المؤسساتية والأسرية. ويحدد بيار بورديو السلطة الرمزية هي سلطة لا مرئية ولا يمكن أن تمارس إلا بتواطؤ أولئك الذين يأبون الإعتراف بأنهم يخضعون لها، بل ويمارسونها. ويحدد هذا المفهوم انطلاقا من حديثه حول رأسمال، ذلك يرى مهما كانت الصورة التي يتخذها الرأسمال يمارس عنفا رمزيا بمجرد أن يعترف به، أي أن يتجاهل في حقيقته كراسمال ويفرض كسيادة تستدعي الإعتراف. غير الذي يمارس عليهم العنف الرمزي بواسطة وبفعل الرأسمال لا يدركون هذا في الغالب، لأنهم يعترفون بأنه رأسمال ويغفلون عنه كسيادة من جهة، ومن جهة أخرى لأنه لا يمارس عليهم العنف المادي بشكله الصارخ والظاهر. وتلك السيادة هي السلطة الرمزية في نظره. بمعنى هذه السلطة شبيهة بلعبة ظاهرها النية الحسنة وباطنها المكر. إلا أن الفيلسوف الذي عمل على دراسة مجهرية و تشريح وتحليل ميكروفيزيائي وتفكيك هذا المفهوم هو الفيلسوف الفرنسي مشيل فوكو، ذلك يرى أن السلطة مرتبطة بالحقيقة، وأن الحقيقة ليست مفارقة أو حكرا على جماعة فلسفية منغلقة على ذاتها كما كان قدماء اليونان. بل هي اجتماعية وسياسية. ولها مسؤولون عنها ممن يحددون الحقيقي والممكن قوله، وغير الحقيقي مما لا يمكن قوله. ويسلط الضوء على تصريف النظام الخاص بالحقيقة من خلال السمات التالية: الحقيقة متمركزة على شكل الخطاب العلمي وعلى المؤسسات التي تنتجه، الحقيقة خاضعة لنوع من التحريض الاقتصادي والسياسي الدائم ـ سواءا لأجل الإنتاج أو السلطة ـ . الحقيقة هي موضوع نشر واستهلاك يتم تداولها في أجهزة التربية أو الإعلام، فوسائل الإعلام على سبيل المثال الرسمية تكرس خطاب السلطة، والخاصة منها لتجارة أو لترويج قيم معينة. الحقيقة يتم إنتاجها ونقلها تحت المراقبة المهيمنة لبعض الأجهزة السياسية أو الاقتصادية الكبرى. الحقيقة هي مدار كل النقاش السياسي وكل صراع اجتماعي وإديولوجي. ويطلق فوكو على هذه السمات الاقتصاد السياسي للحقيقة. وهنا يمكننا القول أن السلطة حسب فوكو ليست دائما قمعية منعية أي قانونية، بل أكثر إتساعا وانفتاحا على عالم الحقيقة. وهي شبكة منتجة تمر عبر الجسم الاجتماعي كله، لذلك مارس عليها تحليلا اقتصاديا وسياسيا على غرار ما فعل ماركس مع الرأسمال، ليبين حقيقة مفاعيله على العمال، وكيف يخضعهم ويستعبدهم ويستلبهم. يمكن هاهنا القول، أن السلطة متعددة وموزعة في نفس الآن، تظهر في نقاط وخصوصيات محددة، وهي بمثابة الغابة التي لا يجب أن تحجب شجرة الدولة. وتلك النقاط والخصوصيات هي تمزيقات قام بها فوكو لتاريخ الذات الغربية لمعرفة كيف تتوزع أشكال صغيرة من السلطة.
مفهوم الرأسمال يحدده بوهم باورك بأنه الحاصل الناتج في مقابل الأرباح والفوائد. كما يحدده آدم سميث بأنه كل ثورة ينتج عنها أو قابل لأن ينتج عنها مدخول لصاحبها، بالمعنى العام لكلمة مدخول ، أي فوائد وأرباح. كما أنه حسب لالاند كل ثروة تصلح للإستهلاك المباشر ولكنها موجهة لجعل إنتاج الثروات أكثرة وفرة ويسرا. من المعلوم أن الثروات موضوع علم الاقتصاد السياسي، الذي يعرف بأنه العلم الذي يتخذ من معرفة ظواهر الثراوت وتحديد قوانين توزيعها وكذلك إنتاجها وأيضا استهلاكها... وتسمى ثروات بالمعنى التقني للكلمة، كل ما هو قابل للإستعمال.
مفهوم رأسمال الاجتماعي هو مجموع الوسائل التي يمتلكها الفرد الساعي إلى منصب الشغل بفضل الموقع الطبقي لأسرته وانتمائه الاجتماعي كما جاء في الكتاب.
الأبوة والأمومة، لقد حدد الأستاذ الجليل في كتابه أن ليست كل والدة أم، وليس كل والد أب، فالأم هي التي تؤم وتحضن، والأب هو الذي يحنو ويرق. كلاهما يريان في الابن الكائن الذي يتجاوزهما ويفترق عنهما ويسمو عليهما ويحلق بعيدا لتأكيد هويته هو لا هويتهما هما.
  من خلال ماسبق يمكننا القول حول تحديد المفاهيم لا يوجد تعريف واحد موحد جامع مانع، إذ أنه يعطي لنا ضمنيا أن المفهوم في الدرس السوسيولوجي و سوسيولوجية التربية شبيه بالزئبق الذي يرمز للمراوغة و الإنفلات. ومن هنا سنحاول الإجابة عن التساؤلات التي يتوخى الكتاب الإجابة عنها، يمكننا اختزالها وإيجازها كتالي:
ما أهمية السوسيولوجيا وسويولوجية التربية خاصة بالنسبة للطالب المغربي؟
يمكن القول أن الميادين التي سيلجها طالب السوسيولوجيا في المغرب هي التربية والتكوين حسب المؤلف، لذا من الحكمة أن يتعرف على هذا الميدان. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ينتظر من الطالب أن يكون مواطنا إيجابيا، أي منخرطا في عملية النماء التي يعرفها وطنه. لكن إذا لم يفهم النظام التربوي، كيف سيحقق مواطنته الإجابية؟ . بمعنى الأكثر وضوحا، تتجلى أهمية السوسيولوجيا وبضبظ سوسيولوجية التربية عند تحليله لنسق التربوي ، بمعنى سيفهم كثيرا من المقاومات التي يعاني منها المواطن، ويعاني منها هو كذلك كمواطن، والتي تمنعه من الانخراط الفعال في تنمية بلده والمشاركة المثمرة في أورشها:سياسية،التربوية،السيكولوجية...
ما المهام الراهنة للسوسيولوجيا، ولسوسيولوجية التربية خاصة بالمغرب؟
لقد حددها سوسيولوجي المغربي عبد الكبير الخطيبي، كالتالي:
تحصيل معرفة ميدانية تتعلق بالمجموعة الأساسية " الأسرة، القرية، الحي وما إلى ذلك من المجالين القروي والحضري، وبالتحولات في سلوكات الأفراد والجماعات".
دراسة التأثيرات التي تحدثها العولمة الجديدة على المجتمع المغربي في كليته، وعلى هوية الشخصية المغربية، وكيف تشتغل آليات الاستئصال على الفرد في المجتمع، وتؤدي إلى هجرته كمظهر من مظاهرها. وفي هذا الصدد يميز صاحب الكتاب بين الهجرة خارج الوطن والهجرة داخل الوطن والهجرة خارج وداخل الداخل، التي  يعبر عنها بالإغتراب النفسي.
كما يحدد الخطيبي أيضا مهمتها في ترقية الثقافة السوسيولوجية عبر النداوات واللقاءات وخلق جمعيات وطنية وجهوية، تكون هذه الجمعيات متخصصة في مجال محدد ثم تشارك بأنشطتها وسائل الإعلام حول أوضاع وأزمات المجتمع بغية إعطاء الأمل للشباب والأطفال. وأخيرا، مواصلة البحث على المستوى النظري للإغناء المعرفة التي تتجدد.
ما الذي يميزسوسيولوجية التربية عن سوسيولوجية المدرسة؟
يمكن القول أن سوسيولوجية المدرسة أكثر تخصصا من سوسيولوجية التربية، ذلك لإهتمامها بمؤسسة موحدة وبنوع الأنشطة داخلها، ونوع العلاقات بين الفاعلين فيها، وكذا تحليل تلك الأنشطة المعرفية والتربوية والعلاقات التربوية في مختلف تجلياتها، دون إغفال العلاقات التي تنسج بين  مؤسسة المدرسة بالتحديد وبين المؤسسات التربوية الأخرى " الأسرة، الجمعيات، النوادي.. " .
نستنتج أن هناك علاقة تشابكية بين سوسيولوجية التربية  وسوسيولوجية المدرسة. كما لا حظنا أن هذه الأخيرة أضيق من سوسيولوجية التربية، لأنها لن تهتم بمؤسسات الأسرة و المسجد أو الكنيسة  والحزب والنوادي والجمعيات... ممن تساهم في تنشئة الفرد عبر وسائلها التربوية الخاصة، وإنما تقتصر على مؤسسة المدرسة، بإعتبارها كوحدة مفردة توفر ميدانا لإجراء المقارنات واختبار الفرضيات في إطار دراسات مونوغرافية.
قبل الخوض في الإجابة عن السؤال ما خصائص التربية التي تقدمها الأسرة وتلك التي تقدمها المدرسة لتربية الطفل، لا بد من الإشارة إلى نقطة جوهرية وأساسية، وهي على الوالدين أن يفكرا آلاف المرات قبل المغامرة بإخراج الطفل إلى هذا العالم سيما إذا لم يكونا قد هيئا له أسباب السعادة والوجود الكريم، ومن بينها: الحب العميق بين الوالدين. وأن يكون الطفل ثمرة الحب، وهذا ما يطلق عليه د. عبد الرحيم تمحري بالشرط العاطفي. ثم الشرط المادي،ا لذي عنى به توفير للطفل: السكن، الغذاءنالصحة، اللعب، النظافة، التعلم والتعليم والإبداع... ثم الشرط النفسي، هو رعاية الطفل كنبتة صغيرة تنمو باستمرار في مراحل مختلفة. هذا معناه من الرخوصة بمكان إخراجه إلى الوجود بلا معنى وبلا تخطيط وبلا حب وبلا مشروع. ومن بين الافتراضات التي يفترضها المؤلف في كتابه عن مجئ الأطفال إلى هذا العالم، نجد:
إما بالخطأ، بالعادة، بالعبث، بالتخطيط، وهذه الفئة الأخيرة، حسب رأيه،  تكون قد راعت الشروط السابقة المذكورة، ونظمت حياتها وفق شروط الواقع وخططت لحملها ولطفلها بعد أن خططت لحبها وحياتها وزواجها وميزانيتها. وفق هذا الإفتراض في رأيه، قد إحترمت معطيين على الأقل:
 ميتا ـ مجتمعي ـ، بمعنى أن الإتخاذ قرار الإنجاب بعد التخطيط والتدبير من طرف الزوجين هو بمثابة ضــيـــافة مـــستـثـــارة، أي أنهما يدعوان ضيفا جديدا، ليس فقط إلى بيتهما، بل إليهما أولا ثم إلى بيت الدنيا والحياة برمتها.
والآخر طبي ـ علمي ـ، بمعنى  التخطيط للإنجاب باستعمال مختلف وسائل الحمل التي وفرها الطب، وذلك من أجل الحفاظ على حياة سليمة تضمن كرامة الزاوجين، وتضمن كرامة الضيف الذي يمكن أن يستثار مجيؤه دون سابق التخطيط، فيعيش عذابا بسبب ذنب لم يقترفه. وبهذا المعنى، ينبغي فهم مقولة سارتر" لا أنبل من أن نكون أولادا، ولكن كم تنطوي حيازتهم على ظلم " . كما ينبغي أيضا فهم مقولة كارل ماكس" أن المربي بحاجة إلى أن يربى" . وفي هذا الصدد يمكن القول أننا حينما نتحدث حول خصائص التي تقدمها لنا الأسرة والمدرسة للطفل، فهذا معناه نتحدث عن مؤسستين التي تساهمان في تنشئة الاجتماعية للطفل. هنا، يجرنا الحديث حول أهمية التنشئة الاجتماعية التي ليس فقط أهميتها تتجلى  في تحويل الفرد البيولوجي إلى كائن اجتماعي وترسيخ لقيم مجتمعه والعمل على إستمراره وإعادة نفس بنياته وتراتباته، وإنما أيضا تشكيل صورة الذات لدى الفرد ومفهومه عن ذاته ونمو هويته وتطور شخصيته وإعداده للعب أدوار الاجتماعية. وفي هذا الصدد يقول الباحث حدية " من خلال عملية التنشئة الاجتماعية تتشكل ذات الفرد وتتشكل صورته ومفهومه عن ذاته وعبر تفاعله مع الآخرين، ابتداء من الأسرة إلى باقي المؤسسات الاجتماعية الأخرى... إنها عملية ضرورية للربط بين الفرد والمجتمع، آلية أساسية تمكن الفرد من التكوين الاجتماعي. وتساهم في سيرورة توافقه وتكيفه من أجل اندماجه مع الآخرين في الحياة الاجتماعية. " . ومن هنا يمكن القول أن الأسرة تعد مؤسسة  الأولى لتعليم وغرس مجموعة من القيم والمعايير الثقافية لطفل، لعل من أهمها:
تعليم الطفل اللغة وبعض السلوكات والأفعال والتصرفات لكي يتفاعل مع أفراد المجتمع الذي يعيش فيه. من هنا أهميتها وخطورتها في إخراج فرد سوي ومتفتح ومتواصل ومتفاعل، أو العكس، إخراج فرد منحرف ومتعصب ومنغلق ومنزو.
كما يمكننا القول أن مؤسسة المدرسة بعد المؤسسات الأخرى ـ الأسرة والأصدقاء... ـ تساهم بشكل كبير في تنشئة الطفل. ذلك من خلال تعليمه الحساب والقراءة والكتابة. فإن التنشئة المدرسية تلقن الفرد لقيم وثقافة المجتمع بقصد التوافق معها والحفاظ على استمرارية وتوازن المجتمع... ولعل من ضمن مساهمة المدرسة في تنشئة الطفل، نجد:
 بدلت العقليات، وفتحت المتعليمين من الأطفال على ثقافة أخرى وأسهمت في الوعي والتحسيس بموضوعات كانت مغفلة في المجتمع  المغربي، بإعتبارها مرتبطة بظهور المدرسة العصرية التي عرفها المجتمع المغربي مع دخول المستعمر الذي فرض شكلا جديد للتربية. وفي هذا السياق نشير لمسألة أوجه الائتلاف والاختلاف بينهما ـ ولو بشكل مختصر ـ. يمكن القول أن التنشئة المدرسية تختلف عن التنشئة الأسرية في نقطة جوهرية وأساسية، وهي كتالي:
التنشئة المدرسية تتأسس على نظام وقواعد ينبغي مراعتها داخل المؤسسة، وعلى مضامين معرفية تعطى بمنهجية. خلافا للأسرة التي يطغى عليها اللانظام المؤسساتي ـ إلا في النادر ـ . ولكي  يتكاملا من أجل تنشئة سوية لشخصية متناغمة لطفل، علي كلا المؤسستين أن تكونا على تواصل مستمر حتى تجعلا الطفل قادرا على الإبداع والتجديد والتواصل وإحترام الغير والسلم والإنماء الحضاري. وهذا هو الهدف الذي ينبغي أن يكون المحور الأساسي لمؤسسة الأسرة والمدرسة. إلا أن دراسات في علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع ـ نموذجا عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنسي في مقالها " لماذا يوجد أطفالنا في الأزقة ـ أن الأسرة ليست هي ذلك المرفأ الأمين للحب والأمان، فإنها على خلاف ذلك، هي خلية من خلايا التي تسود داخلها اللامساواة والتفاوت. في هذا السياق، يفترض المؤلف أن المدرسة أيضا ليس ذلك المرفأ الأمين للتكوين والعلم و تفتح الذهني وتفتح الشخصية. ذلك أنها تخنق التفكير الإبداعي إلا في النادر. وجود التسلط، ذلك بعض الأساتذة يعاقب من لم يحسن الجواب كما يريده هو لا كما يمكن أن يبتكره التلميذ. وهذا ما يجعل المتعلمون يسلكون إزاء المعرفة سلوكا نفعيا للإمتحان، ثم ينسونها إلى الأبد. مسخ الشخصية، بمعنى هناك بعض المدرسين يمارسون منقطق أنا الملك الوحيد للحقيقة، وعليك أن تلغي عقلك وتخضع لي. لذلك نجد المتعلم يتعامل مع المدرسين ومع المواد بنفاق ومصلحة. كذلك تحريم النقد، ذلك لا يقوم التلميذ القيام بفعل النقد لأستاذه، وهنا يتحول المتعلم إلى خاضع تابع لا حق له في إبداء الرأي أو التعبير عنه. والحق، أن المعرفة هي بناء وحوار وتوسيع أفق وتصحيح خطأ كما قال بشلار. المجتمعات التي سمحت لمفكريها وشبابها بالنقد هي التي تقدمت وجددت. أما المجتمعات التي منعت النقد فهي التي تحجرت وتبلدت وتخلفت. وما دمنا نتحدث على خصائص التربية بين الأسرة والمدرسة مع أوجه الاختلاف، وكذا كيف لهما ان يتكاملا من أجل تنشئة وتربية الطفل تربية سليمة ومتناغمة، أو العكس.
يسلط الضوء د.عبد الرحيم تمحري على بعض الدراسات التي اهتمت بدراسة الطفل في المغرب، إذ لاحظ أن في المغرب يتحدثون الباحثين عادة عن نموذجين لتربية الطفل وتنشئته: النموذج العصري والنموذج التقليدي. من بين هذه الدراسات، نجد: الفرنسي مويت الذي أنجز في كتابين حول فترتي حكم السلطانين العلويين المولى رشيد والمولى إسماعيل. لكونه عاش في أهم الحواضر آنذاك ـ مكناس وفاس وسلا ـ لمدة إحدى عشر سنة، أي مابين عامي  1670و1681. فقدم شهادة تاريخية على مراحل التنشئة الاجتماعية آنذاك، يرى أن بعد ميلاد الطفل، تحتفل الأسرة به تزيينا لبيتها وابتهاجا بغنائها. في اليوم السابع يعطى للطفل اسما، وترضع الأم طفلها، وتربيه كما تربي الفرنسيات أطفالهن من حيث الرعاية مع اختلاف المغربية لا تفارق ابنها وتحملها على ظهرها أينما حلت وارتحلت، فينام أغلب الوقت. فيما بين سن ست وسبع سنوات، يتم ختان الولد الذكر، وبعد ذلك يرسل الطفل إلى المسيد لحفظ القرآن وتعلم القراءة والكتابة بقلم من قصب ولوحة من خشب مكسوة بصلصال أبيض، ويكتب عليها بمساعدة الفقيه، ويمحوها في اليوم التالي بعد الحفظ. بعد الحفظ القرآن كاملا، تنظم الأسرة حفل طواف بهيج للطفل، حيث يمتطي الطفل صهوة جواد عربي مزين بالخلل، ويحيط به رفقاؤه منهم الراكب ومنهم الماشي يحملون ألواحا مكتوبة عليها قواعد الأخلاق الإسلامية. وإذا قررت العائلة إرسال الطفل إلى صاحب الحرفة ليتعلم مهارة صناعية تقليدية، فإن الطفل يتسلم مبلغا ماليا بسيطا كل يوم، وعادة ما يكون المعلم الحرفي للطفل معروفا بكفاءته.يكون هنا الطفل قد بلغ تقريبا ما بين أربع عشرة سنة وخمس عشرة سنة، فيكف الآباء عن حلق شعر الأطفال، ليسمحوا لهم بنبته واعتمار قبعة حمراء يطلق عليها  "الشاشية" وتكون النضج الجسدي والتأهيل للزواج. في هذا السياق نشير أن د. عبد الرحيم تمحري قدم بعض الإنتقادة، منها: أنه لم يذكر كيف كان يتم تعليم، ولا نوع العقوبات التي يتعرض لها المتعلم. أما الدراسة الثانية التي سلط عليها الضوء المؤلف، نجد:
الدراسة التي أنجزها السوسيولوجي ميشو بيلير الذي يصور بعض جوانب التربية، وهي كتالي:
الميلاد: في بداية القرن العشرين كان المجتمع الجبلي عندما يزداد في مولود ذكر يقيمون حفل عقيقة بذبح ديك في اليوم السابع، وإذا كان المولود أنثى يدبحون دجاجة، ثم يطلق الجد من البندقية طلقات من البارود في فناء المنزل ـ أيا كان الجنس المولود ـ . يحضر الضيوف لتقديم هدياهم للوالدين. وفي يوم الأربعين، يقص شيء من الشعر من مقدمة رأس المولود، ثم يحضر الأقارب المقربون للإحتفال لتناول " الفطاير ".
الختان: عندما يكبر طفل قليلا بين العام و الخمسة أعوام، يتم ختانه، يتم إلباسه لباسا جديدا ـ الجلاب ـ، ويضع فوقه البردة ـ السلهام ـ إذا كانت الأسر ميسورة، وتوضع الحناء على كفي الطفل وأسفل قدمه، ويربط شريط من الحرير الأحمر وداخله قطعة نقدية زهيدة، وحبة مربان، وصرة من الملح والشب والحمرمل، على عرقوبه الأيمن. يتم الختان في إحدى مزارات القبيلة ـ حول قبة المسجد ـ  في يوم المولود النبوي ـ  الثاني عشر من ربيع الأول ـ  من لدن واحد من المعلمين. ويرافق الطفل ذهابا وإيابا مركب من العازفين ـ الطبالة والغياطة ـ والنساء يزغردن فرحا به. يشترك سكان القبيلة في تجهيز أسرة المختون بالخبز والعسل ويهدين لأمه مبالغ نقدية بسيطة، ويحتفظ الطفل بالشريط الحريري إلى أن يشفى من الجرح.
التعليم: يتابع الأطفال في قبائل جبالة في الكتاتيب القرآنية مستعملين ألواحا من خشب صلب يختلف باختلاف المناطق. ويتزود الكثير من الآباء بالألواح المصنوعة مزار مولاي عبد السلام بن مشيش. تبركا بهذا الولي المنحدر من سلالة الرسول  محمد. هذه الأواح مستخرجة من خشب يجلب من غابة جبل العلم. يطلى اللوح بالصلصال ويكتب عليه بقلم القصب الذي يغمس في مداء الصمغ يوضع في دواة، يكتب الحروف، ثم يكتب الآيات وأولها الفاتحة، ثم يتلوها آخر سورة في القرآن، الناس، الفلق، ليتعلم الحفظ القليل ثم الكثير.
إذا لم يحفظ جيدا أو ارتكب خطأ أو إشتكى أبواه للفقيه، فإنه يعاقب بالضرب بقضيب السفرجل أسفل قدميه. إذا لم يتوفق طفل في حفظ القرآن بعد تردده سنوات على الكتاب ونيله العقاب المتنوع من ضرب وقرص وعض وربط لليدين والرجلين فوق عاضة خشبية، ينصرف لاحتراف مهنة معينة أو رعي الماشية، ويخلق هذا أسى كبير لدى أسرته، لأنها كانت تود لو حصل القرآن في صدره وختمه، لتحتفل به حسب مستواها المادي، فالأغنياء يدبحون جديا ويعدون كسكسا كثيرا ويقدمون للفقيه مالا. أما الفقراء فحسب مستطاعهم، يهيؤون خبزاوعسلا، أو خبزا وتينا وزبيبا، أو خبزا وزيت وزيتون، ويقدمون للفقيه بعض المال.
يساق الطالب الجديد الذي حفظ القرآن من الكتاب إلى بيته مصحوبا بالطبالة والغياطة متكلفا الرزانة في مشيته وقد أسدل غطاء رأس جلبابه على رأسه، بحيث لا يرى إلا موضع قدميه، حاملا لوحه وقد كتب سورة الفاتحة والآيات الأولى من سورة البقرة بخط جميل من أحدهم، ثم كتب على هوامشه أوائل سورة الفاتحة. تصحبه جميع نساء القبيلة وهن يحملن خرقا ذات ألوان زاهية معلقة على أعمدة طويلة من قصب وهن يزغردن، ورماة القبيلة الحارسين للموكب يهتفون باسم الولي الشهير بالقبيلة.
بعض الشباب من  "المحضرا "  بين الخامسة عشر والعشرين يغادرون القبيلة  إلى قبائل جبلية أخرى لمتابعة الدروس في اللغة والنحو والفقه وحفظ مصنفات ابن عشير وابن قاسم والأجرومية والألفية.ومن أراد منهم التعمق أكثر يرحل إلى فاس.
لا يخضع طلبة جبالة إلى قسوة الفقية، بل إلى استغلال الطلبة الكبار لزملائهم الصغار في السن أيضا،  بدعوى الإمتثال الطبيعي للصغير تجاه الكبير. والمؤسف هو أن الآباء يرون ذلك ويدركونه ومع ذلك لا يغتاظون.
أما الدراسة الثالثة التي استحضرها د. تمحري، نجد الدراسة التي انجزها الباحث المغربي في علم النفس الاجتماعي عبد الواحد الراضي سنة 1965، تحت عنوان: سيرورة التنشئة الاجتماعية للطفل المغربي، ذلك عبر مراحل أربع:
المرحلة الأولى: من الولادة إلى سنتين، ينال كل الرضا من الأم لدوام إتصالها به: رضاعة في كل وقت، استجابة عن كل بكاء، نوما على فراشها، ركوب على الظهر بالنهار أثناء اشتغالها في الحقل أو وجودها بالمطبخ. كما ينال الاهتمام من الأب عند بداية تلفظه بأولى الكلمات، وحركته لتعلم المشي، كما أنه يكون محط إهتمام من لدن كل أعضاء الأسرة. مما يجعل منه متفوقا عاطفيا وذهنيا على أقرانه في أوربا عند إجراء اختبارات الطفولة المبكرة.
المرحلة الثانية: من السنة الثالثة حتى السادسة، مرحلة التغيير الجذري في علاقة الطفل بوسطه العائلي:إن إتقانه المشي واكتسابه للغة يعني استقلاله الذاتي المزعج للأسرة التي تحد من نشاطه الحركي بالنهي والضرب. بعد فطامه، يطرد من فراش الأم وغرفتها، كما يمنع مرافقة والديه في تنقلاتهما، ليبقى في رعاية، الخادمة أو قريبة. يبدأ التخويف بالجن والعفاريت، وتقمع اسئلته الكثيرة بحجة عدم فهمه ونظرا لصغر سنه. يرسل في سن الخامسة إلى المسيد لتعلم القرآن ولتعلم تربية الخضوع لسلطة الكبار.
المرحلة الثالثة: من السادسة إلى الثانية عشر، تستمر مرحلة التعلم بالمسيد مع الخضوع لسلطة الكبار لا سيما الوالدين اللذين يستعملان سلطة " السخط" التي تغرقه بسلطة الخجل ـ الحشومة ـ ، مع استمرار الخضوع للعقاب البدني الدال على المكانة الحقيرة التي يحتلها في عيون الكبار. فيتشكل لديه سلم قيم ملئ بسوء فهم للعدل والحرية، وتكسر طاقته على التجريد.
المرحلة الرابعة: ما بعد سن الثانية عشر، يظل مرتبطا بوالديه وبالكبار بكيفية شبه طفولية دون أي مواقف شخصية من الجماعة التي يحترمها ويقدسها ويتخذها إطارا مرجعيا في تدابير حياته، كما يختار والديه  تزويجه وهو مازال مراهقا  ، كما يعيش تحت سقف واحد مع الديه.
في ختام كل الدراسات التي سلط الضوء عليها د. عبد الرحيم تمحري، يعطي بعض الملاحظات لهذه الدراسات، ذلك في رأيه عدم ذكرها لبعض الخصائص الدقيقة في تربية الفرد وتنشئته والتي ستطبع حياة الفرد، وهي كتالي:
الحمل وكيف تتمثله أسرتا كل واحد من الزوجين، وكيف تعيشه الزوجة من داخلها والزوج من خارجه. تربية الفتاة وتعليمها لأشغال البيت، وعنايتها بأخوتها الصغار، وعيشها تجربة البلوغ وطقوسه، ثم إعدادها للزواج وطقوسه... هذه معظم النقاط التي قام بذكرها خلال تحليله لنموذج التربية التقليدية. أما فيما يخص حديثه عن النموذج التربية الحديثة، لم يستشهد بدراسات كما هو الحال في تحليله لنموذج التربية التقليدية، لكن أشار على أن النموذج التربوي المغربي تأثر بشكل كبير بالمستعمر الفرنسي الذي أحدث تغييرا، ذلك من خلال مدارس الذي أحدثها، والتي أنبت قيما ومعايير ثقافية جديدة. كما أدخلت وسائل الإتصال الحديثة من جرائد وإذاعة ثم سينما وتلفزيون فيما بعد، فظهر التناقض بين الكيانين. أي تمازج وتركيب بين النموذج التقليدي والعصري. في هذا السياق نستحضر بول باسكون على الرغم لم يسلط الضوء عليه في الكتاب خلال تحليله لنموذج التربوي المغربي. لا يخفى على أحد أن بول باسكون عالم في حقل السوسيولوجيا بالأخص في سوسيولوجيا القروية. لكن كل ما يهمنا في هذا الإطار أن نشير بشكل موجز لرؤيته للمجتمع المغربي، بالمناسبة كان الابن العاق لدراسات الكولونيالية، وانتقد الدراسات التي تقوم على الانقسامية والثنائية لدراسات المجتمع. بل اطمئن لمفهوم المجتمع المركب، ذلك لإقتناعه بأن المفهوم الأكثر تعبيرا عن خصوصيات المجتمع المغربي. فالتمازج والتركيب من أبرز ملامح هذا المجتمع حسب السوسيولوجي بول باسكون الذي كان يرى أن المعرفة جعلت من أجل تغيير العالم، بل تظل هي معرفة المجتمع بما تعنيه هذه المعرفة من تحليل ودرس لأدق التفاصيل، والوصول إلى المطمح العلمي الذي يتجسد في الموضوعية .فالسوسيولوجيا في رأيه تسعى إلى جعل المجتمع مفهوما ومفضوحا أيضا. وعالم الاجتماع هو الذي، ينبغي أن يكون، ذاك الذي تأتي الفضيحة عن طريقة. وهذا الأخير في رأيه يهمش ويتهمش وسرعان ما يجد نفسه مهددا بإفراطين، هما أن يتخذ موقعا محايدا أو يتلاعب به. ونحن نقول أو يقتل أيضا كما وقع له، أي لبول باسكون. لكن من أجل تأكيد أطروحته عمد إلى التساؤل عن هوية المجتمع المغربي. والجواب عن هذا السؤال لجأ إلى تحليل وتفكيك آليات انبناء واشتغال مجموعة من الحقول المجتمعية، لينتهي ختاما إلى التمازج والتركيب، بحكم التجاور والتداخل لمجتمعات عدة في المجتمع الواحد. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ، تساكن التقليد والحداثة التي تحدد وجود الكائن المغربي. بالإضافة إلى التناقض الذي أشار إليه د.تمحري بين الكيانين.لا حظ أن حتى بعد الاستقلال عام 1956، ظل الشرخ هو هو، ذ لك حينما بنت الدولة الجديدة المدارس، هب إليها أبناء الشعب طمعا في العلم والوظيفة والمكانة الاجتماعية والحضارة مقارنة بالكتاتيب أو الزوايا. لكن المدارس وخاصة الثانويات والجامعات لا تقدم فقط العلم المحض حسب رأي د. تمحري، بل تقدم أفكار وفلسفات و إيديولوجيات وتيارات ومذاهب تعكس واقع المفارقة الصارخة بين ما تعيش فعليا وتتعلمه نظريا. هذا في منظور د. تمحري انعكس على النموذج التربوي في المغرب.
 بعد هذه المراحل من محاولة القبض على معظم الأسئلة التي توخى الكتاب الإجابة عنها، سنحاول أن نمر للإجابة عن السؤال الأكثر أهمية والأكثر تعقيدا، ذلك أنه يحاول تفكيك وتشريح  وظيفة المدرسة بعيدا عن التنشئة الظاهرة ونقل المعارف والإعداد للحياة العلمية، كما أنه يحاول الإجابة عن كيف تعمل على الطبع الإيديولوجي للأفراد، وتكريس الوضع الطبقي للمجتمع واللامساواة وشرعنة السلطة، كما أنه يعطي لنا صورة جديدة عن علاقة السلطة بالمعرفة المدرسية. لكن قبل ذلك، لابد، الوقوف أمام أصناف التحليل السوسيولوجي للأنظمة التربوية، بإعتبار المدرسة جزء لا يتجزء من هذه الأخيرة. كما جاء في الكتاب أن التحليل السوسيولوجي يعتمد على صنفين من التحليل: إما من الماكرو سوسيولوجي إلى الميكروسوسيولوجي، أي من النظام الاجتماعي العام إلى المؤسسة، أو من الميكرو سوسيولوجي إلى الماكرو سوسيولوجي ، أي من المؤسسة إلى النظام الاجتماعي العام. د. تمحري اعتمد على الصنف الثاني خلال تحليله لمؤسسة التربوية ومنها المدرسة. بمعنى اكثر وضوحا، اعتمد على التحليل الذي ينطلق من الميكرو سوسيولوجي إلى الماكرو سوسيولوجي ، أي من المؤسسة إلى النظام الاجتماعي العام. لاحظ أن المؤسسة التربوية عبارة عن بنية متشابكة. وتتشكل من البنية المادية والعلائقية. واستنتج أن الأنظمة التربوية داخل المؤسسات ومنها المدرسة ليس إلا إنعكاسا للأنظمة السائدة في المجتمع. فالنظام التربوي هو الوجه الآخر للنظام الاجتماعي والاقتصادي والثقافي السائد. بمعنى أدق، الأنظمة الاجتماعية هي الصورة الماكرو سوسيولوجية للأنظمة التربوية، والأنظمة التربوية هي الصورة الميكرو سوسيولوجية للأنظمة الاجتماعية. وما يريد المجتمع في صورته السياسية أو صورته الثقافية أن يمرره إلى الأجيال الناشئة، فإنه يلجأ إلى المدرسة التي يضفي عليها صفة الرسمية من حيث القوانين المنظمة لها والشواهد التي تسلمها، وما تتيحه داخل المجتمع. وهنا،  يسمح لنا بالقول أن ما تعيشه المؤسسات التربوية المغربية من انحطاط على المستوى العلمي والفكري والثقافي والأخلاقي ـ ومنها مؤسسة المدرسة والجامعة ـ ، ليس إلا نتيجة للمؤسسة الكبرى، أي الدولة ، بإعتبارها تقوم بتظيم الاجتماعي عبر سلطتها التي تتجسد في مجموعة من المؤسسات والأجهزة المراقبة لها. ولعل أبزر ملامح الانحطاط على المستوى العلمي، نجد نموذجا حيا خلال هذه السنة: مقتل طالب عشريني بضربات قاتلة على الرأس  أثناء مواجهة دامية بين فصائل طلابية.هل وظيفة مؤسسة الجامعة هي التنشئة ونقل المعارف وإنتاج الأبحاث العلمية التي تساعد أصحاب القرار السياسي والاقتصادي على محاولة إيجاد الحلول للمشاكل الموجودة في البلاد أم أنها أرضية خصبة لإنتاج صراعات إديولوجية بين الطلبة؟. والمشهد الذي تعيشه مؤسسة المدرسة والجامعة المغربية ليس إلا صورة من الصور الذي يعيشه المشهد السياسي حاليا. وفي هذا الصدد سنحاول تسليط الضوء على بعض الدراسات التي اهتمت بدراسة النظام التعليم وعن نظام المدرسي، التي جاءت في الكتاب، نجد:
الدراسة التي أنجزها " لويس باي " عن نظام التعليم وعن المدرسة في وضعية إستعمارية وحلل الخلفيات السياسية والثقافية لمختلف الصراعات الاجتماعية حول فرض التعليم العمومي وتعليم الفتيات، وعن الدور الذي أداه التعليم الفرنسي في عصرنة المجتمع. وكذلك هناك دراسات أخرى سلط الضوء عليها د . تمحري، ولاحظ أنها تبرر النظام التربوي الإستعماري في المغرب من خلال دراسة عالم المتمدرس المغربي كتلك التي أنجزها" بول بورجوا" ، ذلك يرى أن المتمدرس المذكور لا يفكر كالأوربي، لأن قدراته الذكائية ضعيفة وتقتصر على ماهو مشخص وملموس، وأن تعليمه ينبغي أن يكون مهنيا نافعا لا تجريديا محضا، كما هو الحال في دراسة الرياضيات. كما لاحظ أيضا أن الدراسات المغربية بدأت تخرج إلى الوجود منذ السبعنيات، وتوجهت في رأيه إلى إبراز المضامين القيمية والإيديولوجية من خلال كتب التلاميذ، وتحليل الخطاب المدرسي لإستخراج النموذج الاجتماعي المقصود، وتحليل النظام المدرسي من خلال تحليل خطاب المدرسة الإبتدائية بالمغرب. ومقارنتها في الكتب العربية والفرنسية، كالزمن والمقدس... كما بدأت تظهر دراسات مغربية داخل الوطن تهتم بالمعرفة والمؤسسات وتحليل الكتب المدرسية. وبهذا المعنى أن التحليل السوسيولوجي للأنظمة التربوية ينصب على الوثائق والعلاقات والقيم الحاملة لها... في هذا الصدد نستحضر بعض الافتراضات عن وظيفة المؤسسات التربوية بشكل عام ومؤسسة المدرسة بشكل خاص، لعل من أهمها:
الافتراض الذي ذهب فيه بيير بورديو وزملاؤه يرون أن المدرسة تعمل على تكريس اللامساواة وإعادة البنيات الاجتماعية، بغرض الرفع من حظوظ نجاح المنتمين إلى بنيات اجتماعية محظوظة والزيادة في رأسمالهم الاجتماعي والاقتصادي وتمكينهم من الحظوة والسطوة السياسية والإدارية في مقابل الإبقاء على الوضع الاجتماعي والاقتصادي لأبناء الفئات المنتمية إلى بنيات غير محظوظة في آخر السلم الاجتماعي. ذلك في رأيهم أن الفئات المحظوظة تستثمر في تعليم أبنائها في مدارس خصوصية، وتبذل في سبيل ذلك المال، لينالوا تكوينا يمكنهم من أن يحصلوا على الوظائف الممتازة والمناصب العليا التي تتيح لهم إسترداد ما استثمرته أسرهم فيهم، ثم يعيدون نفس العملية مع أبنائهم، وهكذا دوالليك. والحصيلة أن المدرسة أداة إديولوجية ووسيلة سياسية للتفريق والتمييز الاجتماعي.بالإضافة إلى ذلك، يرون أن أبناء الفئات غير المحظوظة يكتفون بولوج مدارس عمومية، وأخرى مهنية، ليعملوا كأطر متوسطة ـ وأحيانا كأطر متدينة ـ. لأن الشروط المجتمعية والأسرية لم تمكنهم من أكثر من ذلك، وبالتالي فلن ينجحوا في الدفع بأبنائهم إلى أعلى مستويات التكوين التي تتيح لهم الحصول على الوظائف والمناصب التي تمكنهم من نيل الحظوة الاجتماعية والمكانة الاقتصادية. ونحن في هذا الصدد نشير لنموذج : الطفل الذي نشأ وترعرع في منطقة ريفية و جبلية وقروية منعزلة التي تحتوي على الأساتذة لا يلتزمون بالقوانين والمعايير القانونية المحددة لهم من لدن وزارة التربية والتعليم العالي، ذلك لظروف العيش القاسية هناك . هذا من جهة، ومن جهة أخرى في الغالب يرسلون الأساتذة يعانون من نقص في التكوين وغير مؤهلين لتعليم الأطفال والتلاميذ، بل هم بحاجة ماسة لتكوين. إذ نجد الأساتذة الذين يُعترف لهم بالكفاءة في مهنتهم في الأغلب يرسلونهم إلى المجالات الحضرية، باعتبارها تشكل نمط العيش المميزللمدينة. وبالتالي يمكن القول أن المناطق الريفية و الجبلية و القروية المكان والمأوى لتهميش والجهل والأمية والفقر. هذا معناه، معظم التلاميذ الذين يدرسون في المناطق الجبلية والقروية لن يتح لهم الحصول على الوظائف والمناصب التي تمكنهم من نيل الحظوة الاجتماعية والمكانة الاقتصادية. ذلك أن الشروط المجتمعية لا تمكنهم من ذلك.
كما سلط الضوء المؤلف على الافتراض الذي يرى أن الجدارة والاستحقاق لها الأولوية على الرأسمال وميراث الأسرة المادي والرمزي كالاسم. بمعنى أن الطموح أمر مشروع في واقع المنافسة الليبرالية التربوية التي تعتمد فكرة توظيف كل  فرد لذكائه وطاقاته إلى أقصى الحدود ليزاحم غيره. إلا أن السؤال الذي يستفزنا هنا، كيف سيدخل الفرد الذي يقطن في منطقة من مناطق الجبالة أو الريف وتربى ونشأ في أسرة غير محظوظة، والمدرسة التي رسخت له معايير قيم ومعايير ثقافية التي لا يتطلبها سوق العمل، أن ينافس الفرد الذي يعيش في أرقى المدن وتربى تربية في أسرة محظوظة وتعلم  في أحسن المدارس الذي يُشهد لها بالكفاءة أن يدخل في المنافسة  معه؟ بأي معنى؟ . كما نجد في الكتاب استحضر بعض الافتراضات التي تقوم على إيديولوجية قدرية مسكنة لا تخو من صواب لما يتعلق الأمر ببعض الاستثناءات الفردية ـ طه حسين في مصر، جان جوني في فرنسا... ـ . أو بعض الاستثناءات التاريخية مثل فلااسفة اليونان غير الأرستقراطيين، وبعض الفقراء في الدولة العباسية... كما استحضر  طرح الموضوع في فرنسا حول المدرسة، لاحظ أن اشتغال  سوسيولوجية التربية  لها علاقة وطيدة بين المدرسة والسلطة والسياسة. ذلك ان أصحاب القرار السياسي يلجؤن إلى علماء الاجتماعي التربية ليفيدوهم فيما يهم البلاد والمؤسسات التربوية. وبالمثل يلجأ العلماء والمثقفون في مختلف العلوم الإنسانية إلى أصحاب القرار السياسي ليعرضوا عليهم مقتراحاتهم العلمية لتغيير المدرسة نحو الأفضل. كما يرى صاحب الكتاب أن المهتمون التربويون في فرنسا بعد ما قاموا بمساهمة كبير في إعادة نمودجها المدرسي الذي كان سبب قوتها، اكتفى أولئك بنقد خجول للمدرسة فيما بينهم، كما لا حظ " باتي" لم يستطيع اليسار أن يلعب دوره بوضع مشروع تربوي مُنفتح قادر على تغدية دينامية موحدة للخيال الاجتماعي، وارتد إلى إديولوجية تقليدية تفرغ المشروع التربوي من محتواه الاجتماعي، في مقابل تمجيد كيان الدولة. ولعل أهم الدراسات في فرنسا حول موضوع المدرسة ، نجد:
التي قام بها ريمون إستابلي في أطروحته لنيل درجة الدكتوراه تحت عنوان" المردودية الاجتماعية الفارقية للتمدرس " . لاحظ أن التعليم في فرنسا لم يطرأ عليه أي تحول ديمقراطي وأن المدرسة تتبع نهج إعادة إنتاج نفس البنيات الاجتماعية التمايزية والطبقية، كما هي داخل المجتمع .بالإضافة هذا، نجد كلود باسرون الذي درس التمايزات الطبقية التي تشكل واحدة من وظائف المدرسة من خلال متغير الشهادات التي توزعها المدارس على المتعلمين. ذلك أن الولوج إلى المدرسة والحصول على شهادة، يعني الدخول إلى فئة اجتماعية معينة جديدة، أي تحقيق الترقي في السلم الاجتماعي.كما نجد، بيير بورديو الذي درس خصائص النسق التربوي في فرنسا من خلال عدة متغيرات وظواهر، منها: الامتحان المدرسي والتكريس الاجتماعي . من خلال دراسة الأقسام التحضيرية في المدارس العليا ومقارنتها بالكليا الجامعية". انتهت المقارنة إلى أن هناك نظامين تربويين يختلفان عن بعضهما كليا عن مختلف المستويات: توظيف المدرسين وقبول الطلبة وقواعد الإنتساب وتصور العمل... لاحظ أن في الأقسام التحضيرية، يقومون المدرسون بأدوار مشتركة بفعل التماهي مع مؤسستهم وبدافع من قدسية وظيفتهم، وبنسج علاقات مع طلابهم تنتمي إلى تقاليد موروثة، وبإبلاغ المتعلمين أن الصراعات لا وجود لها أو هي وهمية لا حقيقة، وبترويج ثقافة إنتقائية وتوفيقية في عالم مسيج خاص بالطلبة. أما في الكليات  والجامعات، فالأمر يختلف حسب رأيه ، بسبت تقسيم الأعمال التعليمية للمدرسين والتدقيق في مهامهم. كما لاحظ أيضا،  بسبب التأكيد على نوعية المادة المدرسية أكثر منها على كميتها، وبسبب حريتهم في المراقبة والتقويم، وكذلك بسبب الحرية التي يتمتع بها الطالب على أكثر من منحى. وعليه، خلص إلى نتيجة جوهر وأساسية، وهي كتالي: أن هناك وظيفة اجتماعية لهذه البنية المؤسساتية القائمة على ثنائية المؤسسات التعليمية، تستهدف التمييز وتروم اللامساواة، لأن المؤسسة الأولى تستقطب الجمهور المحظوظ من المتعلمين. بينما تفتح المؤسسة الثانية على جمهور من المتعلمين أقل حظوة. وفي هذا السياق يرى بورديو أن المؤسسات التربوية ، من بينها المدرسة عبر نوع القيم التي ترويجها، وعبر التراتبات التي تحدثها بين المدارس، تككرس امتلاك أبناء المحظوظين لسلطة الخطاب المدرسي الذي يتلاءم مع تربيتهم وثقافة والديهم.
 الحديث عن علاقة السلطة بالمعرفة المدرسية، بدون أدنى شك، سيتبادر إلى أذهاننا الفيلسوف الذي قام بتشريح مجهري لفهموم السلطة، الفيلسوف الفرنسي مشيل فوكو الذي يرى أن أي نظام التربوي ـ من بينها النظام المدرسي ـ هو وسيلة سياسية للحفاظ على تملك الخطاب من لدن الفئة المسيطرة لمصالحها، أو إحداث تغيير يضمن ملاءمة مع أصناف المعرفة ـ التي هي وسيلة لسلطة ـ والسلطة التي يكون من حقها أن تفوز بذلك الخطاب، وبالتالي الهيمنة. بهذا المنطق تصبح مؤسسة المدرسة ليست وظيفتها تنشئة الفرد تنشئة سليمة، على المستوى العقلي والانفعالي والاجتماعي ، بل غايتها وهدفها ودورها و وظيفتها حسب مشيل فوكو وسيلة سياسة للحفاظ على تملك الخطاب من لدن الفئة المسيطرة لمصالحها.
نختم أخيرا، الحديث عن خصائص التوجه الجديد للتربية أي تربية الآباء؟ كيف يربي الأبناء آباءهم. لإجابة هذا السؤال الأخير، يمكن القول أن الأبناء يربون آباءهم، من خلال النقاط التالي:
إن الأبناء يغيرون هويتهم ، أي هوية الآباء. بمعنى من زوجين إلى الوالدين ، ويؤنس وحدتهما، ويعطيهما غاية يعيشان من أجلها، تحقيق طموحهما المجهض. بالفعل، أن الأبناء يربون الوالدين انطلاقا من تعليمهما خبرة الأمومة والأبوة، وهنا يجب أن نفهم قولة روبول حينما قال "الولد مربي والديه"... ومن هنا ننتقل إلى الإجابة على النصف الآخر من السؤال، بمعنى تربية الآباء، لكن بأي معنى تربية الأباء؟، نحن دائما نسمع القول السائد تربية الأبناء .سوف ننطلق من قولة كارل ماكس الذي قال أن "المربي بحاجة إلى أن يربى". ذلك أن المربي الذي ينكر حدود سلطته وحرية الذين يربيهم لا يكون سوى شرطي للنفوس. أو كما كتب فرانز كافكا في كتابه تحت عنوان: رسالة إلى الأب. بقوله "يا أبي كنت تحكم العالم، رأيك دائما صائبا، كل الآراء الأخرى خاطئة، كنت تمنعني من الكلام وحتى من التفكير وحجتك أنني لا اعرف الكلام ولا أعرف التفكير .إنك لا تحترم الرأي الآخر. إنك لا تعرف إلا الشتائم. إن غضبك وإحمرار وجهك أشد علي من الضرب...".
وعليه، إن النموذج التربوي لطفل هو القدوة التي يطمح الطفل أو المراهق إلى التوحد معها ،عبر تقليدها. لذلك على الآباء أن يجسدوا في أنفسهم حب العلم ، وحب العمل ، وحب الجهد والصبر والحوار والتفاهم والمصاحبة والمواساة والمشاركة الوجدانية، التعلم الذي لا ينتهي إلا بانتهاء العمر، وبتعبير آخر، إن ما يريد الآباء أن يكون الأبناء عليه، يتوجب عليهم أن يفعلوه، ليس أمامهم فقط أو بهم فقط، بل معهم وفي غيابهم. فدرس العمل أبلغ من درس القول. ومن هنا، أمكننا القول أن كارل ماركس كان على حق، حينما قال إن المربي في حاجة أن يربى، وإلا خلف اضطرابات شديدة، كما كان فرويد فاطنا لهذا، حينما قال " أن أصول اضطرابات التي ندرسها يجب البحث عنها في تاريخ تطور الفرد، أعني في العهد الأول من حياته".
لا يمكن للآباء أن يملكوا الأبناء ويمارسوا بالتالي عليهم سلطة تكرار أفكارهم وإعادة نماذجهم.لأن الأبناء وإن جاؤوا من خلالهم، فهو نداء الحياة وليسوا أشياء الامتلاك. إن الأبناء تسجيل جديد في هذا الوجود القديم. إنهم كينونة لا تتكرر، وبالتالي لا من أن تترك بصمتها الخاصة في هذا الوجود لا بصمة آبائها. كل ما يستطيع الآباء فعله هو المصاحية في الطريق لإيجاد طريقهم الخاص، ثم ذلك تحريرهم ليمشوا. كما يقول جبران خليل جبران " فإذا كنا نحب أبناءنا فلنساعدهم لكي يكونوا أنفسهم ويحققوا ذواتهم بمباركة منا ويتجاوزوا كل الحدود الإبداعية التي رسمناها لهم، لأنهم يؤمنون بأن لا حدود لطاقاتهم وهم صغار ومراهقون وشباب. والحلول التي يتقدم بها د. تمحري  في ختام الكتاب من أجل الخروج من التطرف الأسري إلى الاعتدال الأسري، ومن وهم تربية الأبناء إلى حقيقة تربية الآباء ،يمكننا تحديدها كتالي:
رجوع الآباء بذاكرتهم إلى الوراء لكي يتذكروا طموحات وأحلام وتطلعات طفولتهم ومراهقتهم وشبابهم، وما عانوه من احباط لها وإجهاض، ومقدار الأسى النفسي الذي عاشوه حتى يجنبوا أبناءهم إعادة عيش التجربة من جديد، خاصة إذا كان آباء هؤلاء آباءهم من قهروهم بجهلمهم وجمودهم، أو كانوا مدرسين لهم بلا أفق واسع فأطفئوا طموحهم.
تذكُر الآباء لمراحل نموهم وما اعتراها من سوء فهم من لدن الكبار، وخاصة الاهتمامات الكبرى لكل مرحلة ، في الطفولة، وفي المراهقة، حتى يتفهم الكبار الصعوبات الأبناء ويساعدوهم على تجاوزها.
أن يبدأ الآباء حياة جديدة قوامها التغدية الصحية، وممارسة الرياضة بانتظام، والاهتمام بهواية مفيدة، فيها الجهد والمتعة والفائدة...
أن يتحرر الآباء من أغلال الماضي ومن جروح الأمس والندوب التي أحدثها فيهم آباؤهم ومعلموهم في المسيد وفي المدارس ورجال السلطة في سنوات القمع، ومن الخوف من غدر الزمان وتقلبات الدهر... وأن يخططوا لحياتهم كي يعيشوا ويرافقوا أبناءهم في تخطيط حياتهم ليعيشوا كذلك، وأن يتحولوا إلى شركاء لأبناءهم حتى يكتسبوا ثقتهم ويرجعوا إليهم في مشاريعهم.
التواضع عند التعلم من الأبناء، وطلب رأيهم في الأمور التي لا يعرفها الآباء. بل طلب المعونة ونشدان التعلم مع الاعتراف بالجميل والتشجيع، لأن هذا هو ما سيحول أبناءنا إلى أصدقاء لنا، وتحفيزهم على الإبداع والعطاء و الثقة فينا وطلب مشورتنا.
إتاحة الفرصة للأبناء للتوجه نحوالمستقبل خلاف للماضي الذي نتشبث به كقيد، ثم نربط لهم المستقبل بالماضي كلما كان فيه تنوير، ونحفزهم بذلك على الرجوع إليه بمحبة وتسامح واستثمار لتلتقي الأجيال في تناغم، ونتراحم في محبة، ويذكر بعضها بعضا بفخر.
السؤال الذي يستفزني كطالب في مجال السوسيولوجيا،و الذي يحتاج إلى إجابة وافية ووقفة جادة:  نلاحظ أن كل من هب ودب أن يقوم بمهنة الزوج والزوجة دون تكوين أو دراسة أو شهادة، في حين نجد من أراد أن يمتهن ويمارس أي مهنة: مهنة الحلاقة، الطبخ، الخياطة... لا بد أن من التكوين بالمدارس والحصول على الشهادات والترخيص، أليس من الحق، أن تكون مهنة الزوج والزوجة أولى بتكوبن و دراسة وترخيص علمي من منهنة الحلاقة والطبخ...؟





                                                         


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا