ضمن سلسلة "كتاب ميريت الثقافية"- الكتاب الخامس، صدر –بالاشتراك مع دار الأدهم للنشر- مجموعة قصصية بعنوان " شرفة زينب الجزار" للروائي والقاص العراقي عائد خصباك، كهدية مع عدد المجلة رقم (35)- نوفمبر 2021.
تقع المجموعة في 125 صفحة، وتضم (35) قصة قصيرة تتراوح بين الطول والقصر، كتبت بأسلوب خاص، لكاتب تمرس على الكتابة وخاض غمار التجريب في الكتابة القصصية كغيره من أبناء جيله، وساهمت تجربته الطويلة في تأسيس نمط جديد من الكتابة، يندرج ضمن ما يسمى بالانتقاء من الواقع، فالواقع في نظر الكاتب فخاخ منصوبة، والانتقاء يبعد عنه الاستغراق فيه فيصبح سوقيًّا. كما أنها قصص تجريبية تستمد مرجعيتها مما هو فوق الواقع أيضًا، والاستفادة من العجائبي والسحري والواقعي لكنه غير مألوف، فهي مع ذلك تجعل القارئ ينصت لعمقها ويتفاعل مع صداها.
تتشكل القصة من حكاية واحدة، وأحيانًا أكثر من حكاية، ولا علاقة لطول القصة أو قصرها بذلك، وقد تتشعب خيوط السرد لتكشف عن المخفي والمضمر في أحداثها ووقائعها، وتتطور بواسطة حبكة تتوسل معاني تكفل لها الاكتمال، وباعتمادها على أسلوب شد القارئ وجذبه إلى معترك الحدث، ليصبح جزءًا منه، تعتمد كثير من القصص على أسلوب السخرية، وهو خير معبر عن واقع ليس مريرًا فقط، إنما عجائبي أيضًا.
اعتمدت القصص هنا على السيرة الذاتية، فأُدمجت السيرة وصيغت قصصيًّا، لدرجة أن القارئ لا يدري أين الفاصل بين السيرة والقصة بعد أن التحما وصارا شيئًا واحدًا، وإذا كانت السيرة قد وجدت لها مكانًا واسعًا في كتابة الرواية، فالأمر يختلف عنه في كتابة القصة، والمثال هذه القصص التي يضمها كتاب "شرفة زينب الجزّار".
قد تجنح بعض القصص القصيرة لهذا الكاتب أو ذاك إلى أساليب الحكي من هذا النوع، لكن ذلك الأسلوب تراه مكرَّسًا هنا ليكون سمة من سمات هذه المجموعة من القصص.
بدأ عائد خصباك مسيرته الأدبية بكتابة القصة القصيرة، وكانت حينها شاغله الأدبي الوحيد، فصار ينشر هنا وهناك في المجلات الأدبية التي فتحت ذراعيها لكل من يقدم أدبًا مختلفًا عن سابقه، وكان لمجلة "الكلمة" الفضل في جمعها وإصدارها في كتاب من منشوراتها، عنوانه "الموقعة". وقد أسهمت قصصها في ترسيخ أصول جيل جديد هو "جيل الستينيات".
في القصة القصيرة، ظهرت له بعد ذلك مجاميع قصصية، "الكوميديا العدوانية"، "صباح الملائكة"، "الطائر والنهر"، وهي من منشورات فصول في مصر، وأخيرًا في 1992 نشر له "الغروب الأخير".
عندما باشر عائد خصباك نشاطه الإبداعي من جديد، كان مندفعًا لكتابة الرواية، نشرت له في دار الهلال بمصر "سوق هرج"، ورواية "المقهى الإسباني" عن سلسلة "آفاق عربية" في الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر، بعدها "يا دنيا يا غرامي"، ثم "معك وبدونك" و"قات ومانجو".
هذه القصص هنا، التي أخذت مجلة ميريت الثقافية على عاتقها طبعها في كتاب، جاءت لتسهم مع غيرها من الكتابات الجادة، والجديدة، التي تعتمد صيغًا أسلوبية مغايرة، لبعث الحياة وبقوة في فن هو ليس بأقل من غيره في الساحة الإبداعية. يقول البعض بموت القصة القصيرة أو أفولها، أو انتفاء الحاجة إليها واستنفاد أغراضها، وكل هذه اجتهادات أو آراء لا تصمد أمام حقيقة أن الأجناس الإبداعية، ومنها القصة القصيرة، تتجدد وتتطور، لكنها لا تموت. قد تتراجع، تكسد، تتوارى، تفقد بريقها، لكنها تبقى حاضرة في المشهد الإبداعي، رقمًا لا يمكن تجاوزه.
يذكر أن هيئة تحرير سلسلة كتاب ميريت الثقافية تتكون من: سمير درويش رئيس التحرير، عادل سميح نائب رئيس التحرير والمخرج الفني والمدقق اللغوي، سارة الإسكافي مدير التحرير، والغلاف إهداء من الفنان الكبير أحمد اللباد.