-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

محمد عزالدين التازي صدَى السنين الحاكي : نجيب العوفي


اسمٌ من عيار ثقيل وعريق لكاتب  ماراطوني  النفَس والقلم ، نيّفت تآليفه الأدبية على

الخمسين . وهو رقم قياسي لم يشترعه فيما أزعم سوى قلة قليلة من الكتّاب المغاربة ،

أستحضر منهم عبد الكريم غلاب ومبارك ربيع وأحمد المديني  ..

وهذا الكمّ الزاخر – الزاهر من العطاء الأدبي ممْهورٌ بجودة أدبية ولغوية وبنائية راقية في الكتابة . فهو اذن كمّ مُعضّد بالكيْف .  بتجويد وتجديد الكتابة .

ونادرا ما تستقيم هذه المعادلة الصعبة الحَرون لدى الكتاب والمبدعين .

هذا ميْسم أول لهذا الكاتب الوازن – المتميّز العابرِ للأجيال والمُبحر في أرخبيل الكتابة  والإبداع منذ أكثر من ستة عقود سمان ، لا يعتريه كلال ولا ينضُب له معين .

الميسم الثاني ، أنه مُبحر في أكثر من جزيرة أدبية في هذا الأرخبيل الفسيح ، قاصّا وروائيا  وناقدا – باحثا وكاتبا لأدب الطفولة ، وهو الطفل الدائم  الساكن في عمقه وطويّته .

وكل كاتب أصيل ، يسكنه طفل مشاغب طليق .

وفي كل هذه المدارات الأدبية التي انتجعها التازي ، كان سهمه نافذا لا يخطيء ضالّته .

ومثل هذا الكمّ الوفير – النمير من الإنتاج الأدبي عطفا ، دليل على أن الكتابة هي الشغل الشاغل للتازي وهمّه الجميل الذي يلازمه آناء الليل وأطراف النهار . وكأن الرجل ناسكٌ  في محراب الكتابة .

يقول في أحد حواراته /

( أتنفس الهواء أثناء الكتابة وأعيش الحياة ، وأشعر بالضياع في اليوم الذي لا أكتب فيه ، ما يجعلني أكتب كل يوم . والكتابة بالنسبة لي ليست مجرد تعبير عن قضية ما ، بل هي جمالية الحياة التي تجعل من الأدب أدبا ، لأن معالجة الأديب للقضايا ليست كمعالجة عالم الاجتماع أو الاقتصاد أو المحلل السياسي ، فالاختلاف يكمن في أننا نُضفي طابع الجمالية على اللغة من خلال البناء الروائي .. ) دارين شبير/ نت - جريدة البيان الإماراتية – 11 – 7 - 2014

هكذا تغدو الكتابة عند التازي قسيما للحياة . أو بالأحرى حياة في الحياة . حياة مضاعفة .

إنه على غرار شيخه وخِلّه غابرييل غارسيا ماركيز يحيا ليكتب ويسرد ، ويكتب ويسرد ليحيا . ( vivir para contarla )

وقد اختار التازي ، وهو سليلُ الحداثة وغذيّها ، الكتابة في أخطر وأشهر شكلين أدبيين حداثيين ، وهما القصة القصيرة والرواية . من حيث كان الشعر يَطْرِز لغته واستعاراته .

اختار القصة القصيرة باعتبارها كبسولة العصر الإبداعية ، والشكلَ المطابق للهوامش الاجتماعية المشتتة والمتوترة المنعزلة ، حسب فرانك أوكونور وعبد الله العروي .

واختار الرواية ، باعتبارها ملحمة العصر والأزمنة الحديثة ، حسب هيجل ولوكاش ، ولأنها توسّع فُسحة الكتابة والبوح والغوص فيما سطرته القصة القصيرة إيماء وتلميحا .

وقد بدأ التازي مساره الأدبي قاصّا نابها ، قبل أن يُدير الدفّة صوب الرواية ، بعد أن امتلأ الخزّان وطفح كيلُ الوقت .

وأذكرُ أن أول قصة طلع بها على الناس ، كانت بعنوان ( تمُوء كالقطط ) سنة 1966

بالملحق الثقافي لجريدة (الأنباء) .

وتستثيرهذه الإشارة شجَنا نوستالجيا خاصأ عندي . فقد كانت أول قصة أنشرها بعنوان

(نهاية حب ) سنة 1963 بجريدة (صوت المغرب ) .

والمفارقة ، أن تكون بداية ناشيء مُقترنة ب (نهاية حب ) .

ومن حيث واصل التازي وفاءه لمشروعه السردي الرائع ، خذلتُ مشروعي السردي الوليد

وعُوقبتُ بنكْد النقد . وكل مُيسّر لما خُلق له .

وقد كانت قصة (تموء كالقطط) للتازي بمثابة القطر الذي يسبق الغيث . حيث تهاطلت نصوصه القصصية على الملاحق الثقافية لكبريات الجرائد والمجلات المغربية والعربية .

فهو اذن كاتب مُخضرم عابر للحدود والأجيال ، متحدّر من ضفاف الستينيات من القرن الماضي ، ومحسوب تحقيبيا periodisation  على جيل السبعينيات الذي أشرُف بالانتماء إليه .

وللأمانة التاريخية أقول ، إن التازي كان من أسبق القاصين المغاربة إلى قرْع جرس الحداثة القصصية وتجديد دماء القصة القصيرة المغربية . ومجموعته القصصية الأولى الرائدة ( أوصال الشجر المقطوعة ) الصادرة سنة 1975 ، والمتضمّنة لنصوص ستينية

مبكّرة ، شاهدة على ذلك .

علما بأن الطفرات والقطائع الأدبية ليست من توقيع فرد بذاته ، ولكن من توقيع جيل أو مرحلة برمّتها . والاستثناء الوارد هنا ، أن ( من فاتك بليلة فاتك بحيلة ) .

والإبداع الأدبي  كما هومعلوم ، حِيل وابتداع وابتكار و"صناعة" وفق عبارة ابن سلام الجمحي .

ولأن الرواية مرآة تجوب الشوارع ، كما قال ستاندال ، فقد جعلها التازي مِطلّا مركزيا بانوراميا لهمومه الفكرية والوجودية والإبداعية .

جعلها مرآة تجوب شوارع الحياة والذات ومدائن الأعماق .

فكان عبر رواياته صدَى السنين الحاكي . كانت رواياته تراجيعَ إبداعية جميلة وشجية للسنين الحوافل التي عاشها وسبر اغوارها وأسرارها ، وفتوحاتها وانكساراتها ..

وما أكثر وأشرسَ الانكسارات التي توالت على المشهد العربي ، بعد أن دخل مكرُ التاريخ على الخط ، وقلب المشهد رأسا على عقب .

تلك هي مزرعة الألغام الروائية التي جاب عبرها التازي  وأضرابُه من الروائيين المغاربة والعرب بعامة .

وجديرٌ بالتنويه ، أن التازي لمع وطلع أدبيا في مرحلة ساخنة كان الالتزام والواقعية من عناوينها الرئيسة . وكان التازي بدَهيا ، منحازا لقيم جيله التنويرية والتغييرية .

لكن التازي كان منحازا أدبيا وإبداعيا في المقابل ، لجمالية الحداثة وشعريتها الاختراقية ، فلم يكن سواء في قصصه أو رواياته ، حكّاء واقعيا فظّا عالي الصوت ، بل كان فنانا رهيف الحس واللغة ، شغلُه الشاغل ، الكتابة في أعلى درجات توهّجها وبهجتها .

ومن ثمّ ، حين نقرأ التازي قصصيا وروائيا نقرأ من جهة ، واقعنا وحمَأنا المسنون منشورافوق السطور وخلف السطور .

كما نقرأ من جهة ثانية وأساسية ، مُتعة الكتابة ومباهجها ، وفق تعبيررولان بارت .

* * *

هل تُراني أجزلتُ المديح – المُريح لمحمد عزالدين التازي ؟

ما أظن بتاتا أن هذه الملحوظة واردة في حضرة كاتب كبير من عيار محمد عز الدين التازي ، سليل فاس ( زهرة الآس / عنوان ثلاثية روائية له ) ، الذي صرف زهرة عمره في  خدمة الأدب المغربي والعربي ، في أزمنة عربية وعالمية كالحة – جائحة ، لا تُبقي ولا تذر ، لوّاحة للبشر .

ولصديقي التاريخي أقول /

كانت الكتابة باستمرار رفيقتك الأثيرة الأميرة في الحياة .

هذه الكتابة بالتحديد ، هي التي ستمنح اسمك عشبة الخلود المنشود .

ذلك هو مجد الكتابة والكتّاب .

لك العمر كله .


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا