الناقد المغربي عبده حقي:بعض الكتاب يُصابون بسكتة
أدبية في منتصف الطريق
حوار: سكينة أصنيب - الرباط
2015/06/25
يعتبر الكاتب والناقد المغربي عبده حقي واحداً من أكثر الأدباء المغاربة
اهتماماً بالنشر الإلكتروني، فإلى جانب عمله الأدبي والنقدي فهو يدير موقع اتحاد كتاب
الإنترنت المغاربة ويرأس لجنة الإنترنت والعلاقات الرقمية باتحاد كتاب الإنترنت العرب،
وصدرت له عدة مؤلفات من بينها مجموعة قصصية بعنوان «حروف الفقدان» ورواية بعنوان «زمن
العودة إلى واحة الأسياد».
حول واقع الأدب المغربي والمنافسة بين القصة والرواية،
ورؤيته للتحولات النوعية التي تشهدها الساحة الأدبية بالمغرب، يدور هذا الحوار..
, ما المسار الذي تسلكه القصة الجديدة بالمغرب،
من حيث خصائص الأسلوب وتقنيات الكتابة؟
- أعتقد أن القصة القصيرة في المغرب تعرف
إقلاعاً متفرداً منذ عشر سنين على مستوى العالم العربي تأنيثاً وتذكيراً.. كماً ونوعاً
ولعل ما ساعدها على هذه الطفرة الناتئة هو مرونة النشر الفوري التي وفرها الإنترنت
كوسيط تواصلي مفتوح على المتلقي العربي في جميع أنحاء المعمور عبر المنتديات والمدونات
والمواقع الموضوعاتية وشبكات التواصل الاجتماعي..
فقد برزت العشرات من الأصوات القصصية في العشرية
الأخيرة وفرضت خصوصيتها السردية والحكائية باعتمادها أساساً على التجريب وآلياته وتقنياته
التي جعلت المتن القصصي المغربي يقطع مع الامتداد التقليدي حتى لا نقول الكلاسيكي السبعيني
والثمانيني ويتحول إلى طلقات من الومضات والرسائل المشفرة الخاطفة التي أفضت أخيراً
إلى شكل جديد هو ما يصطلح عليه بالقصة القصيرة جداً.
القصة والأدب المغربي
, تعرف القصة في المغرب انتشاراً مهماً ما
تأثير ذلك على الأدب المغربي؟
- طبعاً هذا التراكم الهائل واللافت في الإبداع
القصصي في المغرب قد وسم الأدب المغربي إلى حد ما بأنه أدب «حكي» و«قص» يروم تمرير
خطابه الجمالي والأيديولوجي وتدوين راهنيته عبر الجملة السردية القصصية القصيرة التي
تتلبس بهاجس القلق الزمني والوجودي الذاتي كما الاجتماعي.
, غالباً ما يتحول الأديب من كاتب قصة إلى
كاتب رواية، لكن الأمر يختلف في المغرب، حيث يتمسك القصاصون بهذا الجنس الأدبي، ماذا
ينقص الأدباء المغاربة ليبدعوا في الرواية؟
- بالعكس فالكثير من كاتبات وكتاب القصة القصيرة
في المغرب من انعطفوا إلى مدارات الكتابة الروائية ويكفي أن أشير في هذا المقام إلى
أن سنة 2013 شهدت إصدار ما يناهز 80 عملاً روائياً هذا فضلاً عن حضور الأعمال الروائية
في جل الجوائز العربية والعالمية، وأخيراً ليس كل كاتبة أو كاتب قصة أو قصيدة مرغماً
في محطة ما من ريبرتواره الإبداعي على كتابة رواية إذا لم يكن مستعداً لذلك وإذا لم
يسعفه نفسه السردي على إنجاز عمل روائي يتطلب رؤية إنسانية وإستراتيجية سردية وإلماماً
واسعاً بالتراكم العربي والعالمي، وبكل صراحة أنني أكره اليوم معضلة التطاول على المسافات
السردية الطويلة التي قد تؤدي ببعض المغامرين من الكتاب الشباب خصوصاً إلى السكتة الأدبية
في نصف الطريق وذلك بإنتاج أعمال روائية ممسوخة لا تتعدى في الغالب 80 صفحة.
بلد قصص بامتياز
, يرى النقاد أن المغرب بلد قصص بامتياز،
إذا قارنا الحركة القصصية بالشعرية في المغرب، ما النتيجة؟
- أولاً لا مجال للمقارنة بين الجنسين الأدبيين
فلكل منهما خصوصياته الأدبية والجمالية وأدوات مختبراته السردية وذائقته الفنية وقراؤه
النوعيون، لكن النتيجة في المحصلة واعدة في المستقبل.
, ماذا ينقص الأدب المغربي ليحقق الانتشار
في المشرق؟
- بل أكاد أقول ماذا ينقص القراء في الشرق
العربي كي يتعرفوا أكثر على الأدب المغربي بكل أجناسه وتنويعاته وروافده وأجياله؟..
لقد كان الكتاب المغاربة منذ بداية القرن العشرين
وما زالوا منفتحين على الأدب المشرقي قراءة ونقداً ومواكبة، فعديد من الدراسات النقدية
والبحوث الأكاديمية الجامعية في المغرب قد قاربت الظاهرة الأدبية المشرقية في مختلف
تجلياتها الفكرية والأدبية خصوصاً عند كبار الأدباء مثل نجيب محفوظ ومحمود درويش وأدونيس
والطيب صالح وأمل دنقل وعز الدين المناصرة وغيرهم لكن في المقابل ماذا قدم أدباء ونقاد
المشرق العربي للأدب المغربي من دراسات ونقود أدبية عدا القليل جداً من المحاولات التي
اهتمت أساساً بتجارب روائية مغربية سبعينية وثمانينية معدودة على رؤوس الأصابع خصوصاً
عند محمد زفزاف في روايته «المرأة والوردة» ومحمد شكري و«الخبز الحافي» ومحمد برادة
و«لعبة النسيان». فهل سنستطيع تجاوز هذا الخلل واللاتكافؤ النقدي مع شبكة الإنترنت
إذا كان معضلة النشر الورقي في المغرب هي المشجب الذي يعلق عليه الدارسون المشارقة
مختلف أعذارهم.
كاتبات القصة
, في السنوات الأخيرة، ظهرت كوكبة طموحة من
كاتبات القصة في المغرب، كيف تقيم تجربتهن؟
- طبعاً الفضل يعود أساساً إلى انتشار الوسائط
الجديدة والارتقاء بالوعي الحقوقي النسوي منذ بداية تسعينيات القرن الماضي التي أفرزت
مجتمعاً نسوياً متحركاً وديناميكياً في مختلف مجالات الإبداع والعطاء في السينما والمسرح
والتشكيل والرياضة كما في الإبداع والنقد الأدبيين خصوصاً في مجالي الشعر والقصة القصيرة،
حيث برزت المئات من الأصوات النسائية المغربية التي تحررت من رقابة النشر الورقي وإكراهاته
ومحدوديته المكانية وبالتالي فرضت حساسيتها وتفردها على المستوى العربي، وأعتقد أن
الفضل كل الفضل يعود إلى شبكة الإنترنت.
الجوائز الأدبية
, هناك الكثير من الجوائز الأدبية في المغرب
والكثير من المهرجانات واللقاءات الثقافية التي تكرم الأدباء، هل هذه الجوائز تمنح
فعلاً لمستحقيها؟
- هذا سؤال يجب أن يوجه إلى الجهات المنظمة
لهذه الجوائز وإلى الجهات الداعمة والممولة لها وإلى وسائل الإعلام التي تروج لها لكن
البقاء دائماً للأصلح، والجوائز مهما كانت قيمتها الرمزية والمالية لن تصنع مبدعين
وإن صنعتهم قسراً فهي لن تضمن لهم الاستمرارية في المغرب كما في كل مكان من العالم.
تهم
, ما حقيقة التهم التي تلاحق النقاد المغاربة
بإهمال النصوص الحقيقية والمواهب الجديدة والتركيز على الأسماء المعروفة؟
- تركيز المقاربات النقدية على الأسماء المعروفة
يعود أساساً إلى التجربة الرائدة لهذه الأسماء وعمق رؤيتها الإبداعية وتراكمها المشهود
له وحضورها الوازن في المشهد الثقافي العربي؛ مما يضفي على الدراسات النقدية المحتفية
بها قيمتها النقدية والرمزية والأكاديمية أيضاً.. لكن أعتقد أن الاحتفاء نقداً بإبداعات
الشباب جدير أيضاً بالاهتمام ليس على المستوى الفردي وإنما على مستوى مقاربة الظاهرة
في شموليتها وخصوصياتها الجمالية والسوسيوثقافية.
الساحة النقدية
, احتل النقد الأدبي بالمغرب الساحة النقدية
مكانة متقدمة في العربية المعاصرة، ما العوامل التي أهلت الناقد المغربي ليصبح في هذه
المكانة؟
- هناك عديد من العوامل الخاصة والعامة أذكر
منها على الخصوص دراسة عديد من هؤلاء النقاد منذ خمسينيات القرن العشرين في الجامعات
الشرقية في القاهرة وبغداد ودمشق ثم الاطلاع الواسع لعديد من النقاد والأكاديميين المغاربة
على المذاهب والتيارات النقدية الأدبية الغربية خصوصاً الفرنسية رولان بارت مثلاً وغيره
وأخيراً الإقبال المشجع للباحثين الشباب على هذه الأعمال النقدية التي قد تسعفهم في
إنجاز بحوثهم الجامعية.