مر الحكيم "كونفسيوس" بامراة تبكي بحرقة على قبر زوجها
وابنها ..فسالها عن السبب فاجابته بان
نمرا افترس زوجها ثم ابنها ..فقال لها لماذا لا ترحلين من هذا
المكان الى ارض امنة
..فقالت هنا لا توجد حكومة ظالمة متجبرة ..تذكرت هذه القصة الرمزية لحكيم الصين العظيم ..وانا اتابع ما يجري في بلاد الشناقطة من تجبر الحاكم العسكري الجاهل الفاسد المحاط بجماعات وقوى انتهازية جشعة تزين له الطغيان والاثم والطلم و العوان والاستكبار كما كانت تفعل طغمة فرعون و زمرة المستبدون في كل عصر ..
لا احد يتعظ ..ولكن دروس التاريخ ماثلة في الاذهان حاضرة في الذاكرة تشهد با ن كل طاغية الى زوال الى زوال وكل استبداد ظالم له نهاية محتومة ..انه يتجبر ويتكبر ويصاب بالغرور والعمى والبكم فيتوهم بخياله المريض وبصره الكليل انه هو الشمس وهو القانون وهو السيف الغالب والحاكم بامره على رقاب العباد
فاذا تعطل العقل فقد الرشد والصلاح و اذا سادت الاهواء طمست البصيرة وتحكم الفاسدون والمتملقون وسدنة الفرعونية والاستبداد وذلك في كل زمان وفي كل مجتمع وملة .. ويبرز على السطح دعاة الاستعباد و ممجدي الحاكم المستبد ..
وفي هذه الحالة يكون الناس والاشياء درجة واحدة ..والمستعبد يتلقى الاحكام املاء .من السيد المستبد الذي جعل نفسه هو القانون وفوق كل قانون ..
ومن المسلم به ان سيادة القانون مستمدة من الشعب وان السيادة لا تفوض كما يقول روسو في العقد الاجتماعي ....وان اي مس بسيادة القانون يعتبر يهددا لامن المجتمع وامانه..
فقدان السيادة يؤدي الى فوضى جامحة وغضب طائش لا امان فيه لاحد سواء كانوا معتزلين او كانوا من المصانعين والمدارين ..
ومن دروس التاريخ التي يجب ان يقف عندها الناس و يتدبروا وينعمون النظر فيها ان كل الفتن والثورات المدمرة كانت نتيجة الاستبداد والطغيان لانه يكبل ارادة الناس ويقيد حريتهم ويسلبهم القوة والقدرة على الفعالية الحضارية ..
فالاستبداد هو اس المشكلة التي تعاني منها المجتمعات العربية الاسلامية ولن تستطيع هذه المجتمعات ان تعود الى مسرح التاريخ الى اذا تخلصت من النظم الاستبدادية العشائرية والعسكرتارية والبيروقراطية الدولتية الدهرانية ..
ان المجتمع الذي يحتكم الى سيادة الشرع والقانون هو الذي تستطيع كل طبقة فيه ان تاخذ بنصيبها و تذود عن حقها بوسائلها ..ومثل هذا المجتمع لن يوجد بتمامه الا اذا اتسعت وتعددت مرافق المعاملات الاقتصادية وظهرت طبقة وسطى على ارقى درجة من الانتظام والعدل والحرية..فلا سبيل الى استبداد فئة بغيرها في مجتمع تتكافا فيه الفرص وتتوازن طبقاته في القدرة والوسيلة..
فالاستبداد في الاصل انما نجم عن نغلب فئة على سائر الفئات بحيث تعجز الفئات المغلوبة عن مقاومتها ورد سطوتها بسلاح المصلحة والكفاية وفقا لسيادة القانون الحاكم الناظم للمجتمعات المتحضرة..
وكل مس يطال جوهر القانون ويمس هيبته فهو الشر الذي يشقى به الحاكم والمحكوم وينخر اركان الدولة ويعجل باسباب فنائها ..
ولا شك بان للتاريخ الانساني وجهة تدل عليها الدوافع والممهدات نهتدي بها من البداية للنهاية .. وكل اصلاح في شان من من شؤون الامم لا يتناول تصحيح مقاييس الحياة هو عبث فارغ ..
فاصدق ما تمتحن به مقاييس الحياة الامم ان تعرف الفضائل التي ترجح التبعة والمسؤولية والاضطلاع بالحقوق والواجبات.. يهتدي به الافراد والجماعات عامة من اجل الرفعة والارتقاء ..
وجملة القول ان خير الحكومات هي الحكومة لمصلة المحكومين لا لمصلحة الحاكمين يطاع فيها الشرع والقانون ويحكم فيها بالعدل بين الناس ..
فالحاكمون والمحكومون متعاونون في امانة الحكم وامانة الاصلاح ..
ولاحق في طغيان لفرد جبار ولا لجماعة كثيرة العدد ..بل الحق كله للجماعة كلها والتشاور والتنبيه والارشاد والاسترشاد ..
فما من حماعة بشرية تقوم على امنانة التشاور وامانة الاصلاح وامانة التعاون وتوزيع الثروة ويخشى عليها من الفساد والانحلال ..
والامم تمتحن بالبلاء في نظمها وقواعد حكمها فاذا انحرفت عن هذه المبادئ والفضائل والقيم الحاكمة الهادية ..
فان العيش في الغابة وبين الوحوش الضارية يكون افضل من
العيش في
كنف الدولة الظالمة المستبدة..