-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الناقد محمد الشغروشني: حداثة المسرح المغربي شكلية وجمالية أكثر منها فكرية أو مضمونية

أجرى الحوار: محمد شيكي
باقتراح من محمد السغروشني 
محمد الشغروشني ناقد وكاتب مسرحي مغربي متميز. ساهم وما يزال في تأطير المشهد المسرحي المغربي على مدى ثلاثة عقود من الزمن. بنظر ثاقب ورؤية عميقة في مرجعياتها الفكرية وإطلاعها الواسع على الثقافات المسرحية العالمية؛ وبقدرتها على الخلق والإبداع المسرحي بشكل يجمع بين حضور القضية وجمالية النص بحكمة وبعد نظر. جرأته النقدية وصراحته في تناول قضايا المسرح المغربي سبب له حصارا حتى بدا في السنوات الأخيرة وكأنه اعتزل الكتابة والنقد المسرحيين. وإنصافا لهذا الصوت المتميز نقدم هذا الحوار الذي أجريناه معه، حيث أبهرنا بجرأته المعهودة وتمثلاته المتفردة لواقع مسرحنا المغربي.
* من نافلة القول التأكيد على أن اليد السحرية للحداثة هي قدر كل المجتمعات، في مسيرة تطورها التاريخي، وتكمن تجلياتها بشكل أكثر بروزا في إبداعاتها المادية واللامادية، في علومها ومعارفها الفكرية والفلسفية وفنونها، من هذا المنطلق يمكنني أن أتساءل معك عن كيفية دخول المسرح المغربي باب الحداثة؟
** يمكن تلمس بوادر الحداثة المسرحية في المغرب مع التدريبات التي أجراها جان فيلار مع فرقة المعمورة، تلك الفرقة التي كانت تابعة لوزارة الشبيبة والرياضة، مرورا بالتجربة الرائدة للطيب الصديقي، بينما سعى مسرح الهواة إلى تحديث الكتابة المسرحية، سواء على مستوى النص الدرامي أو العرض المسرحي، انطلاقا من كتابة نصوص طموحة لتجاوز الترجمة والتعريب والمغربة والإعداد للنصوص الدرامية الأجنبية، واشرأبت لارتياد آفاق فكرية وإنسانية تمثلت في قضايا الحرية وحقوق الإنسان ووضعية المواطن في العالم الثالث. غير أن هذه الحركية الحداثية في المسرح المغربي سرعان ما سجنت نفسها في نصوصها الدرامية وإبداعاتها الركحية في رؤى ضيقة لحسابات انكشفت ظرفيتها في ما بعد، وانبرت البقية منها لمهادنة الواقع ضدا على مهمة المثقف والفاعل المسرحي، وهي في كلتا الحالتين قد عصفت بها رياح الأيديولوجيا، لتهوي بها في صراعات بدا فيها المسرح خاسرا بشكل كبير.
في مرحلة تالية من مسيرة المسرح المغربي الطموح لمعانقة آفاق الحداثة، عقدت آمال كبيرة على خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وقد ساهم بالفعل في تطوير وتحديث الممارسة المسرحية المغربية، على مستوى تقنيات الإخراج والسينوغرافيا والتشخيص، وقدمت فرق الخريجين من هذا المعهد أعمالا متميزة فنيا وجماليا، وأغنت المشهد المسرحي والتلفزيوني والسينمائي بوجوه وقامات في التمثيل والإبداع، ولكنها لم تعر أي اهتمام بالنص المسرحي، ومن ثم يمكن القول بأن حداثة المسرح المغربي الآن حداثة شكلية وجمالية أكثر منها فكرية أو مضمونية..
■ من خلال توصيفك لمحطات التحديث التي طالت الممارسة المسرحية المغربية، أجدك تعرج على انزلاقاتها وأعطابها، فإلى ماذا يمكن رد هذه الإخفاقات في نظرك؟
□ يمكن ردها لمجموعة من الأسباب منها ما هو مؤسسي، وأقصد به تأخر الجهات الوصية على قطاع الفن المسرحي في إيجاد ترسانة قانونية منظمة للممارسة المسرحية، وبالتالي غياب تنظيم مؤسسي حقيقي وفاعل للفرق المسرحية، وتأرجح العديد من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بين الوظيفة لضمان العيش الكريم والعمل الفني، وسيادة النزعات الشخصية والشللية ـ أعني الشلة أو الرفقة ـ في العمل التنظيمي في ما بين المسرحيين أنفسهم، هذا بالإضافة إلى أن تجربة الدعم الأولى كانت قد أدخلت المسرح المغربي في متاهات المحسوبية والزبونية، وتشكلت لجان الدعم ـ في أغلب الأحيان ـ من أشخاص لا علاقة لهم مباشرة بالعمل المسرحي، يلتقون ليوم وليلة وقد يفتون في وريقات مقدمة من فلان أو علان.. فساد التهريج وأجهضت المحاولات الجادة، فكسدت سوق المسرح، وانسحب المنسحبون وبقي المسرح للمسرحيين وما يفعلون..
■ لقد اشتغلت طويلا على النقد المسرحي وعايشت تحولاته المنهجية وممارساته الفنية على مدى ثلاثين سنة من الزمن، فكيف ترى أثر النقد في تطوير الحركة المسرحية عموما والمسرح المغربي الحالي على الخصوص؟
□ الحديث عن النقد المسرحي حديث ذو شجون، إذ لا يمكننا الحديث عن نوع واحد من النقد المسرحي في ظل ما عرفه المشهد المسرحي من أشكال نقدية، منها النقد التاريخي والنقد الصحافي ونقد المتابعة للعروض والتظاهرات المسرحية، والنقد الجامعي الذي شكل ظاهرة متميزة للقراءة العلمية للحركة المسرحية في مختلف مراحلها، وأخيرا النقد التحليلي الذي يستمد أدواته المفاهيمية والمنهجية من مراجع مختلفة، كسوسيولوجيا الفن والظاهراتية والسيميولوجيا، ونظرية التلقي وغيرها. ومن خلالها توسعت رؤية الناقد للعرض المسرحي تشخيصيا وسينوغرافيا وموسيقيا وإخراجيا، من خلال مقاربات عالمة لعلامات العرض المسرحي البصرية والسمعية وأوجه تلقيه الجماهيري؛ ومن هنا يمكنني القول بكل تواضع، بأنني من أوائل النقاد المسرحيين الذين ساهموا بقسط وافر في إعادة النظر إلى الممارسة المسرحية وخلخة المفاهيم التي كانت سائدة من قبل حول المسرح وتجلياته الشكلية والمضمونية، وفتح آفاق لقراءة العرض المسرحي بمنظور حداثي، ومد جسور الحوار الفكري بين الفاعلين في الحقل المسرحي ونقاده، عوض الارتماء في أتون القطيعة والصراعات كما كان من قبل.
تغييب قسري
■ إذا كان الأمر كذلك وأنت اسم سجل حضورا نقديا لافتا فكيف تفسر غيابك الآن نقديا عن تجليات المشهد المسرحي العام؟
□ ذاك لم يكن غيابا بل كان استراحة محارب، بعدما قوبلت بمجموعة من الإكراهات التي لم أستطع لها ردا، منها ما هو شخصي ومنها ما هو موضوعي؛ فعلى المستوى الموضوعي فقد أتى على المسرح المغربي حين من الدهر اختلط فيه الحابل بالنابل، فلم نعد قادرين على التمييز بين المسرحي والمتكسب بالمسرح، ولا بين الهاوي والمحترف. وبكلمة واحدة، غدا المشهد المسرحي بين أواسط التسعينيات من القرن الماضي وبدايات الألفية الثالثة ضبابيا، يغمره ضجيج الإضحاك المجاني والفرجات الفارغة من أي معنى واللهاث وراء الدعم وما خفي أعظم…
وعلى المستوى الشخصي، عانيت من صراعات مريرة نتيجة اختياراتي الرؤيوية والنقدية من جهة، لكوني اخترت توجها نقديا سبب حرجا أو اهتزازات لدى سدنة النقد المسرحي القديم، وبت مشكلا في قبيلتهم من حيث لا أدري، ومن هنا كان الإقصاء الممنهج من التظاهرات والمهرجانات واللقاءات. ومن الغريب في هذا الأمر أن يعمد بعضهم لإدراج اسمي في مهرجان ما، وأنا لا علم لي بذلك، فأفاجأ بحضوري الغائب وغيابي الحاضر، أو يستحضرني في تظاهرة أو لقاء بشكل افتراضي، وما بين التغييب القسري والاستحضار الافتراضي بدأت أشك في مقدرتي الخارقة على خلق الصداع النصفي لهؤلاء وأولئك. لذلك، حقّ لي أن أقول مع بطل مسرحية «تراتيل النرجس»: (من لا يحب نفسه لا يحب الآخرين) .
■ في خضم التحولات التي عرفتها الممارسة المسرحية الحديثة أما زال هناك مفهوم يدعي أن النص يمكن الركون إليه في إنتاج عرض مسرحي؟
□ النصوص باقية والعروض زائلة، أو لتقل يعاد إنتاجها عشرات بل مئات المرات، برؤى إخراجية وسينوغرافية مختلفة، فنصوص شكسبير وأرابال وبيكيت ولوركا وهارولد بينتر وغيرهم، لازالت حية ويستمر إنتاجها في بقاع متعددة من العالم بلغات ورؤى مختلفة، غير أنني ـ وإن كنت مناصرا للنص المسرحي، فأنا مؤمن أشد ما يكون الإيمان بحرية المبدع أو المخرج المسرحي في اختيار ما يشاء من نصوص شعرية أو روائية أو قصصية أو أخبار أو وقائع ومسرحتها، والكلمة الفصل في كل ذلك هي للرؤية رؤية الإمتاع والفائدة والفرجة والانحياز للجمال.
■ عطفاً على ما تفضلت به، أما لهذه الحرية من حدود أو سقف يحميها من الزلل، ومن ثم يفترض التساؤل عن منطلقات وضوابط التمسرح والدراماتورجيا، أم هي بديل عن النص المسرحي لمسرح المؤلف المكتفي بذاته؟
□ بصدد الإبداع، الحدود يتم تجاوزها بطرق شتى، ولولا الخرق والانتهاك المتواصل للقوالب والأنماط لما كان هناك إبداع أصلا، ثم إن المبدع المتمكن من أدواته يعرف كيف يوسع مساحة حريته، سواء داخل مجاله الإبداعي أو خارجه، دونما مساس بالتوافقات العامة؛ والنص المسرحي سواء كان نص مؤلف درامي أو نصا معدا للعرض من قبل مخرج ما، لا بد ـ حسب زعمي ـ أن ينطلق من مرجعية فكرية وجمالية تنتصر لقيم إنسانية، عوض أن يكون سابحا في فضاءات المجانية، ولديك أكبر دليل في مسرح اللامعقول، إذ المعنى كامن في اللامعنى أو العبث.
■ لا يغيب عن أي قارئ لمسرحياتك حضور النفس الشعري بامتياز بدءا من عملك المسرحي الأول «طلاسم وأرقام»، وقد بدوت مصرا عليه أكثر في عملك الأخير «تراتيل النرجس»، فكيف تبرر جماليا هذا الاختيار؟
□ باعتبار المسرح لغات متنوعة، فهو لغة اللون والضوء والجسد والحركة والموسيقى والإيقاع، بالإضافة إلى لغة الحوار، التي يفترض فيها أن ترتفع إلى مستوى الجمال المبتغى في أي منتوج إبداعي، ولكون المتلقي لم يعد متلقيا عاديا بل أصبح محملا بخبرات بصرية وسمعية وثقافية، أتاحتها وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، فقد غدا يبحث عن الجودة الفنية والمتعة والفكرة. وانسجاما مع قناعاتي الفكرية والمسرحية تجدني ميالا لمسرح ينطلق من نص درامي ذي ميسم شعري، يتخذ نسغه من فكر إنساني مفتوح على العالم بلغة أقرب إلى الشعر منها إلى النثر، مما يحقق لي متعة أثناء الكتابة، لذة عبر مسافة التوتر والألم ، لتقديم مشاهد وإبحارات ترفل في إشراقات ورؤى غير مشروطة بالمباشرة، أو الدعاية، أو اللغة المباشرة، بقناعة مؤِداها أن المسرح صناعة متكاملة ومنسجمة فكريا وفنيا، أرى النص من خلالها لا يقل جمالية في بنائه الدرامي ونمو أحداثه وتطور شخصياته وبلاغة خطابه، سواء كان حوارا خارجيا أو داخليا، وذاك هو أحد الرهانات التي صغت على هديها النص الأول المعنون بـ»طلاسم وأرقام « والذي تشتغل عليه فرقة جمعية الجرس للمسرح والموسيقى لتقدمه عرضا خلال هذا الموسم الثقافي، وهو الهدف نفسه الذي عملت على بلورته في نص «تراتيل النرجس»، ويبقى العملان معا تجربة أتمنى أن أكون قد وفقت في جزء منها، وللمتلقي واسع النظر.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا