ومن المعوقات ما تطالب به الفلسفة نفسها في خطابها
وما يحمل من مفارقات في "تعليم ما لا يمكن تعليمه""1[1]
أصدر
مجموعة من المؤلفين والأستاذة الجامعيين كتابا مشتركا بالتعاون مع المركز الدولي لعلوم
الإنسان ببيبلوس وبرعاية اليونسكو منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة. ولقد
انقسم هذا التأليف إلى عدة محاور وأقسام وقدم لمحات من تاريخ وتجارب تدريس الفلسفة
في الدول العربية في المرحلة الإعدادية والثانوية وفي أقسام الفلسفة في الجامعات العربية
بالعديد من الوثائق الرسمية واليداغوجية الهامة ، وبحث المشاركون والمشتركات في الوضعية
الإشكالية للعلاقة بين الفلسفة والعرب بالرغم من المنزلة الرفيعة التي كانت تحتلها
العلوم الفلسفية من الثقافة العربية في عصور الازدهار الفكري والحضاري وموقف التراث
الايجابي من الفكر العقلاني وشخص أزمة تعليم الفلسفة اليوم في المدارس والمعاهد والكليات
العربية وربط بين الفلسفة والديمقراطية وبين ممارسة التفلسف وممارسة الحرية وبين تمرين
النقد الفلسفي وتمرين حقوق الإنسان والمواطنة والالتزام والمقاومة واعتبر الفلسفة مدرسة
للحرية ودعا إلى الحق العربي في الفلسفة وإجراء حوارات بين الجهات وبين الثقافات والاستفادة
من التجارب التعليمية الناجحة في الدول والثقافات المتقدمة.
أما
القسم الثاني من الكتاب فقد طرح قضية المشاكل والعوائق ونصص على إجراء عملية تقويم
جذرية قصد إصلاح الأحوال وتجويد العبارة والمنهج والمقال وتهذيب العقول وإعداد الطلاب
بطريقة عصرية. لقد غطى الكتاب مختلف المنطقة العربية وقدم الأستاذة والكتاب ورقات تفكيكية
حول المعاناة والمعارك اليومية التي يخوضونها من أجل التصدي للفكر المتزمت والتعصب
الإيديولوجي والهيمنة السلطوية الشمولية وشملت دول لبنان وتونس وسوريا والمغرب ومصر
والجزائر والأردن والعراق وفلسطين وليبيا وموريتانيا وجيبوتي والسودان واليمن والكويت
والسعودية والبحرين والإمارات وعمان وقطر.
لقد
قدمت في الأثناء شهادات ونصوص مترجمة ونصوص حية من تجارب محلية وقطرية تتميز بالعزم
بالإصرار والمثابرة والتحدي أمام الجهل المقدس والمحاصرة والتضييق رافعة مشعل التنوير
والمعرفة.
تقوم
الفلسفة حسب هذا الكتاب بعدة أدوار ومهمات ووظائف منها السياسي وهو تدعيم الديمقراطية
والعدالة والمرافعة على أهمية حقوق الإنسان ومنها الإبستيمولوجي وهو الدفاع على قيم
المعرفة والعقل ضد الجهل والخرافة ومنا الأخلاقي وهو التشريع لمنظومة المعايير والواجبات
وبناء رؤية إيتيقية للوجود.
لقد
كان حرص المشاركين في هذا الكتاب على أن تقوم الفلسفة بتقديم حلول مقترحة للمشكلات
الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على غرار التحرير والوحدة والتنمية والعدالة وعدم
الاقتصار على التثقيف العلمي وشرح الأنساق وعرض النظريات وتقديم المرجعيات والاعتناء
بالمفاهيم المجردة وتحليل طبقات الكلام.
لقد
أعلن جاك دريدا عن الحق الكوني في تعليم الفلسفي بالاستناد إلى الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان والمواطن لسنة 1948 وبرر ذلك كما يلي:" نجد الحق في التعاليم والثقافة
والتربية ... ونتساءل أولا عما إذا كانت تتضمن الحق في الفلسفة كحق كوني يتجاوز الاختلافات
الوطنية والاجتماعية، وبأي معنى يتم ذلك، وبصيغة أخرى عما اذا كانت الفلسفة مادة تخصصية
من بين مواد أخرى ، لها الحقوق نفسها والحدود داخل ما نسميه بشكل ملتبس بالثقافة. وثانيا
إذا كان بإمكان الفكر (الفلسفي وغير الفلسفي) الذي يمنح لنفسه أو يطالب بالحق في مساءلة
سلطة وأسس الخطاب القانوني وخطاب حقوق الإنسان ، أن يدرس وأن يكون في المتناول باسم
الحق الكوني"2[2].
خلاصة
الموضوع أن العرب في حاجة أكيدة إلى الفلسفة والى تعميم تعليمها وتطوير مناهجها من
أجل إحداث الثورة الثقافية المنشودة وتغيير الذهنية والانتقال من الاحيائية إلى الإبداعية
وتدشين الاستئناف. فمتى تكف الفلسفة على أن تكون تعليم ما يمكن تعليمه ؟ وهل نرى في
الزمن اللاحق الحق العربي في التفلسف وتعليم الفلسفة وطلب الحكمة وممارسة النقد يتجسد
بطريقة ملموسة على أرض الواقع؟
الإحالات:
[1] كتاب حال تدريس الفلسفة في العالم العربي،
مجموعة باحثين، بيبلوس-2015.ص585.
[2] جاك دريدا، الحق في الفلسفة، من كتاب حال
تدريس الفلسفة في العالم العربي، مجموعة باحثين، بيبلوس-2015.صص37-38,
المصدر:
كتاب
حال تدريس الفلسفة في العالم العربي، مجموعة باحثين، المركز الدولي لعلوم الانسان برعاية
اليونسكو، بيبلوس-2015.
كاتب
فلسفي
[1] كتاب حال تدريس الفلسفة في العالم العربي،
مجموعة باحثين، بيبلوس-2015.ص585.
[2] جاك دريدا، الحق في الفلسفة، من كتاب حال
تدريس الفلسفة في العالم العربي، مجموعة باحثين، بيبلوس-2015.صص37-38,