في البدء أزهر الفرح: لم يعد رئيس الحكومة المُعين يستطيع إخفاء غصته،بل
بؤسه الكبير ، جراء ما آلت إليه مشاوراته مع
الفاعلين السياسين الحزبيين، الذين اختارهم لتشكيل الحكومة "الملتحية"
اختارهم ،وصنفهم،حسب عهده بهم؛وكُله ثقة في تجاوبهم،إن
لم أقل في تهافت بعضهم، المألوف، على مقاعد الحكم،أو ظله.
ولعله قدر أن زمن المشاورات لن يتجاوز أسابيعَ معدودة
،تُصَبِحه فيها وتُمَسِيه البشاشةُ والسلاسة
والكياسة ،حيثما حل وارتحل.
كلها كؤوس شاي ،وقهقهات من البحر الطويل،وحتى من
حمار الشعراء،يجاريها الضيوف بوجوه محمرة خجلا،ونأيا بالنفس عن الإسفاف ؛لتقف الحكومة شامخة بأنف دستوري لا زكام به .
ولم يكن بنكيران متفردا في تقديره هذا؛لأن تعيينه
من طرف جلالة الملك،قبل أن يرتد إليه طرفه،ويعود إليه الهدهد، حمل أغلبَ الفرقاء السياسيين
على الاقتناع بأن العهدة الحكومية الثانية
أسلمت قيادها ،فعلا، لأحكام الصناديق،وان هزلت تمثيليتها.
حتى حزب الأصالة والمعاصرة،الفتي والقوي، سرعان
ما صرح بأنه انتقل من نزال الصناديق الذي أفسده الريع الديني،وغيره، إلى نزال الممانعة؛مُبادئا بإجهاض أي عرض قد يُفكر فيه رئيس الحكومة ،من باب
الانفتاح أو حتى الاستقواء بشعرة الأسد،كما يقال.
لو لم يكن الجرار واثقا ، وقتها
،بأن الأمر آل إلى خصمه، الشكاء والبكاء،والمبكي لَتَريث حتى ينجلي الغبار.
ولو لم يكن أسلم القياد السياسي لخصمه الديني لما
دعاه إلى ما يشبه صلح الحديبية. ولولا ركون هذا الخصم إلى الثقة الزائدة في النفس والزمان
،لما كان الجواب:نحن المنتصرون؛مما يعني :
نحن الذين صبحوا الصباحا يوم النخيل غارة ملحاحا
أما أغلب المواطنين فأيقنوا أن ليس لهم إلا الصدق
والصبر،عساهم يفتحون الأندلس ثانية ،مع هذا الطارق الإسلامي الكبير الذي أحرق كل سفنهم ،ومراكبهم صوب الوظيفة ،التقاعد المريح ،التعليم
الفعال،العدالة العادلة،الصحة؛وحتى صوب مجرد جزر الأمن والاطمئنان،حيث لا يُشرمل زيد
عمروا .
ومن المواطنين من اختلط عليهم الديني والسياسي ؛ولم
يعودوا يعرفون بأي منظار ينظرون؛خصوصا حينما استفاقوا من أحلام الجنة الأرضية التي
وُعدوا بها ذات حملات وأدعية، وتصويت من جنس زوجتك نفسي.
هل يغضبون لدينهم في دنياهم ،حيث شحت الأرزاق،وانسدت
الآفاق ,وخَذلَ من زعم المشيخة في الرقية الشرعية للدولة؛حتى لا تسقط نعجة في نهر ملوية
إلا وعند الحكومة علمها؟
أم ينفرون مغاضبين،فقط ،من أجل أقواتهم المهددة،
صوب هذا الذي أثبت أنه يخاف بدوره من العفاريت والجن؛ويسالم المفسدين من الإنس،ويَزاوَرُ
سهمُه حينما يوهم بالتسديد ؟
مشاورات أم رقصة فلامينغو؟
حيث تشمخ الأنوثة الاسبانية مُوقعة على الغواية، التي تنتهي بدق عنق
الذكورة،تكرارا، على الركح الهزاز. أنثى الفلامينغو ضاربة بتفعيلاتها القَدمية المتتالية
،والجامحة جموح فرس عربي .
تُغري بنهديها النافرين وترج الخلاخل حتى لا يقترب
غير الفرسان .
ولكم أن تتصوروا بعد هذا غواية الكراسي الوزارية،وقد توهم الرجل أنه يملك أمرها
،ليزوجها من يشاء،مثنى وثلاث ورباع. ولكم أن تتخيلوا سُمَار الليل وزوار الفجر من فُتُوة
الأحزاب ؛أولائك الذين لا يرون أنفسهم ،يقظة ومناما،إلا على شكل كراسي وزارية؛ولهذا
لا يمكن أن يكونوا إلا وزراء،حتى وان طالت لحية الحكومة.
فجأة امتقعت الوجوه ،وخفقت القلوب كمدا على وزارات
كانت قاب قوسين من بعض أولاد حارتنا؛فقد عاد الهدهد من دكار بأخبار غير سارة لأهل العريس
والعروس على حد سواء.
انفض العرس دون عرس .وحدها راقصة الفلامينغو واصلت
الغواية،في انتظار الفتى الساموراي.
لنجرب الرقية التيكنوقراطية:
لا تنفع الرقية الشرعية في تدبير الدول؛ ولا حتى
وعود الجنة أرضا وجوا؛تصدر من سياسي محترف ،متخم ريعا.الجنة لله والوطن للمواطنين ،يتعهدونه
كما يتعهدون صومهم وصلاتهم.
جَرب بنكيران كل حبات السبحة في تدبير حكومة لم تحاكم غير المواطنين البسطاء.
جرب القهقهة والبكاء معا ،كما جرب الوعد والوعيد ؛ولم يبق إلا أن يجرب حكومة قوية يشكلها
غيره؛ حكومة يرى فيها هناته ومثالبَه رأي العين؛بل رأي المواطنين الذين لم يرتكب في
أي يوم من أيام حكومته معصية تصديقهم في شكاتهم.
ومن صدق رئيسُ حكومتنا،في الداخل المغربي، حتى يصدق
مواطنيه؟
ألم يعلن عن نتائج الانتخابات بنفسه ،غير مكترث
حتى بالاختصاصات الحكومية،وهو على رأسها؟
كيف يقنعنا بأن نثق فيه ،ونصبر ،وهو لا يثق في أحد،
ولا يصبر؟
على أي فمارد الفساد ،وبعد ولاية حكومية كاملة ،سالمته
وحاربت ضحاياه ،لم يزدد إلا عضلا وشحما وفحولة؛بل صار يبحث عن وزيرة مصونة يخطبها لنفسه
من رئيس الحكومة،إذ الصهر حمى الظهر كما تقول العرب.
أو لم يُوسَد الأمر للعشق الوزاري والحركي،وفناني
(السح السح مبو)؟
ألم يتم خفض العتبة الوطنية في كل شيء ،بعوادي الحكومة
والزمان؟
ألم يحفر الأحياء من المثقفين قبورهم،في جزر النسيان
؛منتظرين الخلاص الأبدي من أوزار العقل الفعال،وجرثومة المادة الرمادية؟
ألم يقبض الله حتى العلم السياسي ؛بعد أن اختار
إلى جواره كبار الساسة؟
ومهما قلنا في الحكومة،فلا بد لنا من حكومة؛لكن
(ها العار) لا تجعلوها حكومة تصاهر الفساد،وكل زادها الرقية الشرعية.
إن أقرب وأفضل طريق صوب الحكومة المُستَحقة،بعد
احتراق حكومة الصناديق،قبل ميلادها،هي الطريق التي يعبرها التيكنوقراطيون الأكفاء صوب
نجاحهم الفردي الذي يقفز إلى عيون الجميع ،قبل صرامة البراهين.
عصاميون لا يريدون أن يعرفهم أحد،لأن الشهرة لا
تعني لهم شيئا مما تعنيه للسياسين.
من يعرفهم؟
عصاميون مثلهم،لم تنزل عندهم عتبة المواطنة.
Sidizekri.ahlablog.com