إن مفاهيم الأدب الرقمي ما يزال فيها لَبس على مستوى الفهم والتمثل، وهذا
في نظرنا أمر طبيعي على اعتبار أن تجربة البحث والإنجاز في هذا المجال عربيا لازالت
جنينية
ولم ترقى إلى حد الساعة إلى تطلعات منظري هذا الأدب. ولازالت تحتاج تجربة
"الأدب الرقمي" في العالم العربي إلى تأملات نقدية تدعم وتؤطِّر هذا الأدب
الذي قطع أشواطا كبيرة غربيا، فيما يظل المنجز الرقمي في عالمنا العربي محتشما إلى
حد ما، عدا بعض المحاولات الإبداعية كتجربة "محمد سنجلة، محمد شويكة..."
بالإضافة إلى محاولات أخرى متفرقة يسعى أصاحبها إلى دخول التجربة إبداعا, إلا أنها
غير كافيا مقارنة مع ما ينجز نقديا في هذا الباب.
ومن الأمور التي لازلت تختلط لذا متلقي هذا الأدب هو عدم التمييز بين
"النصوص الرقمية" و"النصوص الإلكترونية"، واعتبار أن كل ما يقدم
على شاشة الحاسوب هو يدخل ضمن "الأدب الرقمي" وهذا أمر غير صحيح. وهذا ما
سنحاوله توضيحه بشكل مختصر في هذه الورقة.
لكن قبل ذلك لابد ن نتعرف على مُنتِج هذا النص الرقمي حتى تقترب لنا الصورة
أكثر والشروط لتي وجب توفرها في هذا المؤلف أو المبدع حتى يستطيع إنتاج نص أو أدب رقمي:
كان لولوج "الحاسوب"
عالم الإبـداع الأدبـي وتوظيفه في عملية إنتاج النـصوص ونشرهـا (إلكترونيا)، وما يتطلب
ذلك من مـهارات ومعرفة بطبيـعة الوسيط الجديد، أن يؤدي إلى تغيير في مفـهوم الكاتب/المؤلف،
من مبدع يستخـدمُ الورق وسيـطا في عمليتي الإنتاج والنشر، ويسمى (مبدع ورقي)، وبين
مبدعٍ يستخدم جهاز "الحاسوب" والوسائط الإلكترونية المتعددة -ويستثمـر ما تتيحه من إمكانات- في إنتاج ونشر أعماله
الإبداعية. وهذا يستدعـي الوقوف عنـد هذا الكاتب/المبدع الجديد :
تُعرّف الدكتورة
"زهور كرام" المؤلف الرقمي بأنه ذلك الكاتب: « الذي يُـؤلّف النص الرقمـي،
مستثمـراً وسائـط التكنولوجـيا الحديثة، ومشتغـلاً على تقنيـة "النص المترابـط" Hypertext. وموضـفا مُـختلف أشـكال
الوسائـط المتعددة. هـو لا يعتمِد فقـط فعل الرغـبة في الكتابـة والإلهام الذي يرافـق
عادة زمـن التخْيِيـل في النص المطبوع أو الشفـهي، ولكنـه إضافة إلى ذلك إنه كـاتب
عالِمٌ بثقـافة المعلومـيات، ولغة البرامج المَعلومـــاتية، والتقنيـة الرقميـة بل
يتقن تطبيـقها في علاقتهـا بفن الكـتابة، أو يستعـين بتقنييـن ومُبرمِجين في المـــعلوميات
.»[1] وهذا يعـني أن ممارسة الكتابة أصبح أكثر تعقيدا -من الكتابة الورقية- وتتطلب
معرفـة شامـلة بالوسائط الإلكترونيـة المتعددة، والتوفر على مجموعة من القدرات المعرفـية
والمؤهـلات التقنية والعلميـة، ومعرفـة واسعة بجهاز "الحاسـوب/الكمبيوتـر"
"وفضاء الإنترنت" وكذا "البرامج المعلوماتية" المخصصة للكتابة
وما توفـره من إمكانات مذهلة وغيـر محدودة من شأنها أن تضفي نوعا من الجمالية على النصوص الأدبية.
من هنا يمكننا أن نطرح سؤالا مهما : هل كـل كاتب استخدم "الحـاسوب"
كأداة للكتابة يصنف كاتـبا رقــميا؟ وهل يمكن
اعتبار ما يقدم من خلال الشبكة، أدباً رقميا؟
يمكننا أن نجزم بالجواب ونقول: إن ليس كل ما ينشر على الشبكة هو أدب رقمي
أو نص رقمي "لأن الأدب الرقمي ليس أن
ننجز نصا ورقيا مثلا ثم نحوله إلكترونيا في الشبكة لكي نقول إنه رقمي. في الشبكة نتعامل
مع مختلف الوثائق والنصوص التي تم تحويلها إلكترونيا والتي يمكن طبعها على الورق. الأدب
الرقمي لا يمكن إنجازه خارج المجال الإلكتروني[2] لأنه يتحقق بواسطة البرامج المعلوماتية،
ولا يقرأ إلا من خلال شاشة الكومبيوتر وعبر تشغيل البرامج، ولذلك يصعب طبعه باعتباره
نصا أي وحدة إبداعية."
لكن هناك بعض الكُتاب الذيـن يتّخدون جـهاز "الحاسـوب" (متصـل
"بشبـكة الإنترنت) ويعتمدون على آلية النشر الإلكتروني لنشـر إبداعاته الأدبيـة
نـشـرا خطـيا، أو يُحـوِّل أعماله من الصيغة الورقية إلى الصيغة الإلكترونية أو ينتج
أعمالا أدبيـة بعقليـة ورقية ويضعــها على شبكة الإنترنت، دون أن يسـتفيد من الإمكانيات
التي توفرها التكنولوجــيا الحديثة كتقنية "الهيبرتكست أو الميلتميديا" (كأن يدمج بين الصوت والصورة ومقاطع فيديو..."
أو يستخـدم البرامج المعلوماتية في عملية إنتاجه لنصه الأدبي ). وصفة الرقمية التي
تُطلق على هذه الأعمال (المنشورة إلكترونيا) هي نتيجة استخدام الحامل الإلكتروني الجديد
"الحاســـوب".أي أنها تُكتَب باللغة الرقمية التي تعتمد ثنائية (0/1).
ومن هنا يمكننا أن نحدد أهم شرط يجعلنا أمام نص أو أدب رقمي هو أن ينتج هذا
النص في بيئة رقمية ليس لها مقابل ورقي بل لا يمكن تحويله إلى نسخة ورقية. باعتبار
أن هذا النص وظفت فيه مجموعة من الروابط الإلكترونية ومدعوم بكل ما تتيحه الشابكة والحاسوب
من توظيف للصورة والحركة والموسيقى إلى غير ذلك من الإمكانيات الأخرى. يعني أن النّص
الرقمي مبتعد تماما عن النص المطبوع، ولا يمكن
قراءته أو التعامـل معه إلاّ من خلال الشاشـة ومن خلال تكنولوجيا الكتـابة والنـشر
الإلكتروني، وبمجرد طباعـته يفقد خاصياته الأساسية.
وخلاصة القول إنّ المثقـف
أو الكاتب العربي عــموما ما يـزال ورقيا، رغم استعـماله لهذا الوسيط الإلكتروني (أي
جهاز الحاسوب) إلا أنه يكتب ببنــية الكتابة الورقــية. ولم يستطع لحد الآن إلا القليل
أن يستثـمر الأدوات التي يتيحها الفضاء الرقمـي، لخلق نوع من الفرجـة الأدبية .اللهم
بعض الأعمال للروائي الأردني "محمد سناجـلة" و الكاتب المغربي "محمد
شويكة" وبعض القصائد التفاعلية الأخرى.
.1 زهور كرام ،الأدب الرقمـي
: أسئلة ثقافـية وتأملات مفاهـيمية، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى:2009
، ص: 35
[2] - الأدب الرقمي حقيقة أدبية تميّز العصر التكنولوجي،
زهور كرام، مقال بجريدة القدس العربي، العدد 6834، 2010
البريد الإلكتروني: ahmedelaroussi89@gmail.com