-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

لماذا يحتاج الإسلاميون إلى تقنيين لا إلى مفكرين وفلاسفة وفنانين ؟ أحمد عصيد

رغم أنّ التاريخ لا يعيد نفسه، إلا أنه يبدو كذلك بالنسبة لبعض مواقف رئيس الحكومة ووزيره في التعليم العالي وآخرين من جماعته، فالقول إن الدولة لا تحتاج إلى مفكرين وفلاسفة وأدباء وفنانين بل فقط إلى تقنيين، هو كلام الراحل الحسن الثاني في عزّ سنوات الرصاص، أيام كانت الفلسفة والفكر والأدب والفن تخصصات تبدو لرئيس دولة تتخبط في متاهات التخلف، خطرا على شرعية الحاكم الذي يعتبر أن من واجبه قتل ثلث رعاياه ليتمكن من إخضاع الثلثين الباقيين، مُحيلا على المذهب الديني الرسمي الذي اعتبره المرجع  في شرعية تنفيذ ذلك الوعيد الوحشي.
ولأن الإسلاميين في النهاية لا يخرجون في مشروعهم عن دائرة الاستبداد، أي السعي إلى التحكم في الرقاب باستعمال الدين، فإنهم لا بدّ أن يجدوا أنفسهم في أمسّ الحاجة إلى تقنيين منفذين، لا إلى فلاسفة مفكرين أو فنانين ساخرين وأحرار، أو أدباء منتقدين، إن الفكر والإبداع هما عدوّ الاستبداد وكل النزعات الشمولية، ولهذا يُعتبران  حجر عثرة في طريق السلطوية بكل أنواعها.
وتلتقي هذه النظرة المحتقرة للفكر وللإبداع مع النزوع القوي الذي أصبحنا نلمسه نحو تنميط المجتمع على أساس الإيديولوجيا الدينية، التي تعمل على اختزال الثقافة في الدين، مما يشيع ردّة قوية في جميع المجالات تنتهي إلى تكريس وضع عام يشلّ طاقات المجتمع، ويحوله إلى "جماعة" مغلقة تعيش على الرقابة والعنف واللاتسامح، أي باختصار على حالة استنفار دائمة . ففي حين تحيل الثقافة على النسبية والتنوع، تحيل التقنوية المتشحة بالدين على التنميط والخضوع لـ"الضوغما".
إن الفرق الرئيسي بين الفيلسوف والتقني هو أن الأول يعتبر المعرفة مشروعا لا يكتمل، وبحثا دائبا لا ينتهي، كما يرى في الذات الإنسانية طاقة كبيرة تتواجد باستمرار في المستقبل، بينما التقني هو الذي يمتلك مجموعة من المعارف العملية القائمة على قواعد  محدّدة، تُعتمد منطلقات في تنفيذ خطة جاهزة لا يضعها التقني بنفسه. فعندما يعتبر الإسلامي أن التقني هو المطلوب وليس المفكر والفيلسوف، فلأن الإطار الفكري بالنسبة له محدّد سلفا وهو الدين، وهو إطار من النصوص الثابتة لا يتلاءم مع المنطلقات المعرفية والفنية الأخرى لأنها ذات فضاءات أرحب، كما أنها ليست ملزمة بنصوص نهائية، فالمعرفة والإبداع الإنسانيان لا متناهيان.
يحتاج الإسلاميون للاستيلاء على الدولة وتحقيق مشروعهم في العودة إلى الدولة الدينية ـ دولة الفقهاء ـ إلى تقنيين منفذين، لا إلى من يفكر في البدائل الحقيقية، أو يطرح الأسئلة، أو يمتلك حسا نقديا، أو يشكك في الحلول الوهمية، ولهذا كتب أحد منظريهم قبل سنوات " إن العسكري أقرب إليّ من المتفلسف"، كما اعتقدت جماعة دينية قبل ربع قرن بأن من خياراتها  للوصول إلى السلطة التحالف مع فصيل من الجيش وحلّ الأحزاب من أجل إقامة الدين، إنه نفس المشروع الذي يلتقي مع الانزعاج من الصحافة الحرّة، ومع تحقير النساء وعرقلة مبدأ المساواة بين الجنسين، ورفض التنوع الثقافي واللغوي والتحفظ على الحريات، كما يلتقي مع الحجر على الصحافة والسينما والأدب والتعامل معها بمنطق الحظر والمنع.
هكذا قد يعيد المغاربة سنوات رصاصهم من جديد لكن بشعارات مختلفة ووجوه جديدة. مع شرعنة دينية لكل التجاوزات باسم الأغلبية والتيار العام، وهو أسوأ مصير يمكن تصوره لبلدنا بالنظر إلى ما يحدث في بلدان الفتنة الشرقوسطية.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا