ملخص
ظهر مصطلح ” الأدب الرقمي”([1]) في الولايات المتحدة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ثم انتشر بعد ذلك في عدد كبير من الدول الأوروبية. أما في العالم العربي، فقد بدأ الاهتمام بالأدب الرقمي رسميّا بعد ظهور رواية “ظلال الواحد” عام 2001 للكاتب
الأردني محمد سناجلة، كأول رواية رقمية عربية (Digital Novel)، تلتها بعض الأعمال الأخرى لكتّاب آخرين من مختلف الدول العربية.شهد الأدب الرقمي تطورات هائلة في الحقلين الثقافيين الغربي والشرقي منذ مطلع الألفية الثالثة إلى يومنا هذا. ومع ذلك، فإذا ألقينا نظرة متفحصة على واقع هذا الأدب في العالم العربي سنكتشف وجود فجوة كبيرة تفصل بينه وبين نظيره في العالم الغربي سواء على مستوى الإبداع أو التنظير.
وعليه، تأتي هذه الدراسة بهدف تسليط الضوء على واقع الأدب الرقمي العربي وما حققه من إنجازات على مستويي الإبداع والتنظير، ومن ثم الوقوف عند أبرز التحديات التي يواجهها في مختلف المستويات، وأخيرا طرح تصور مستقبلي لهذا الأدب في العالم العربي خلال السنوات القريبة القادمة.
كلمات مفتاحية: الأدب الرقمي، الفجوة الرقمية، التنوّر الرقمي، البلاغة الرقمية، النقد الرقمي
تمهيد
قبل الخوض في لبّ الدراسة، نرى من الأهمية بمكان تعريف الأدب الرقمي وإبراز خصائصه، وذلك حتى يسهل علينا الربط بين ماهية هذا الأدب والتحديات التي يواجهها في العالم العربي.
الأدب الرقمي كما تعرّفه منظمة الأدب الإلكتروني العالمية “ELO” ([2]) هو :
“work with an important literary aspect that takes advantage of the capabilities and contexts provided by the stand-alone or networked computer”([3]).
استنادًا إلى هذا التعريف، فإنّ الأدب الرقمي هو ذلك الأدب الذي يستفيد من الإمكانيات التقنية التي تتيحها برامج الكمبيوتر وشبكة الإنترنت. بكلمات أخرى، فالأدب الرقمي هو ذلك الأدب الذي يعتمد على خصائص وتقنيات تكنولوجية في إنتاجه وتلقيه بحيث لا يمكن طباعته على الورق دون أن يفقد من خصائصه. ومن هذه التقنيات: استخدام الرسومات والصور الفوتوغرافية ولقطات الفيديو، وتوظيف الحركة والصوت وإدراج الروابط، وغير ذلك.
أدى توظيف هذه التقنيات في الكتابة الأدبية إلى ظهور أجناس أدبية جديدة تجمع بين الخصائص التكنولوجية من ناحية والخصائص الأدبية من ناحية ثانية، فبدأنا نسمع عن “الرواية التفاعلية” (Interactive Fiction) و”الشعر التفاعلي” (visual digital poetry) و”الكتابة الجماعية” (Collaborative Writing) وغيرها. ولما كان الغرب سبّاقا في هذا المجال، فقد راح الكتّاب الغربيون يتنافسون في ابتكار نصوص أدبية رقمية معقدة ومثيرة في آن واحد.
وهنا لابدّ لنا أن نتساءل عما ألمّ بالإبداع الأدبي العربي إزاء كل هذه التطورات، وكيف استجاب الكتّاب العرب لمثل هذه المتغيرات؟ وهل استطاعوا التخلي عن أدواتهم الكتابية القديمة واستثمار أدوات العصر الرقمي؟ وإلى أي مدى نجحوا في ذلك؟ وما هي التحديات التي واجهها الأدباء الرقميون؟ وهل استطاع النقد العربي في المقابل أن يواكب كل هذه التغييرات بالدراسة والبحث؟ وما هو المستقبل المتوقع لهذا الأدب في العالم العربي؟
للإجابة عن هذه التساؤلات علينا أولا أن نحدّد الاتجاه (model) الذي سنتبناه في هذه الدراسة. إذ توجد اليوم ثلاثة اتجاهات رئيسية يتبناها النقّاد في تعاملهم مع الأدب الرقمي، وهي:
- الاتجاه التقليدي (Formal model): وهو اتجاه نسبي يتعامل مع الأدب الرقمي بناء على أجيال الأدب الرقمي، وهو الاتجاه الذي تتبناه الناقدة الأمريكية كاثرين هيلز. هذا الاتجاه يهتم بالأدب الذي ولد أصلا بشكل رقمي (Born Digital).
الاتجاه الشكلي (Figure model): وهو الاتجاه الذي يتعامل مع الأدب الرقمي بناء على صفاته وخصائصه التقنية، وهو الاتجاه الذي تتبناه منظمة الأدب الإلكتروني العالمية”ELO” .
- الاتجاه المجتمعي (Social model): وهو الاتجاه الذي يتعامل مع الأدب الرقمي بناء على تصور مجتمع معين له. فكل مجتمع يتعامل مع التكنولوجيا بطريقة مختلفة وفقا لثقافته. ممّا يؤثر على مفهوم الأدب الإلكتروني عند هذا المجتمع وتصوّره له. وهذا الاتجاه تتبناه منظمة ElMicip ([4]) لأنها تركز على الأدب الرقمي السائد في أوروبا فقط.
وقد ارتأينا في هذه الدراسة أن ندمج بين الاتجاهات الثلاثة عند تحليلنا لواقع الأدب الرقمي والتحديات التي يواجهها في العالم العربي، وذلك حتى نستطيع تكوين رؤية شمولية عميقة حوله، والإحاطة به من جميع جوانبه، مما يساعدنا في نهاية المطاف في بلورة تصور مستقبلي لهذا الأدب في السنوات المقبلة.
- الأدب الرقمي العربي: الواقع
سنحاول فيما يلي أن نرصد أهم الإنجازات والتطورات التي حققها الأدب الرقمي العربي منذ بداية انطلاقه إلى يومنا هذا بغية الربط بين ما أنجز حتى الآن وما يقف في وجه هذا الإنجاز من تحديات سنأتي على ذكرها فيما بعد.
تعود الريادة في خوض غمار التجربة الأدبية الرقمية في العالم العربي إلى الكاتب الأردني محمد سناجلة الذي أصدر حتى الآن أربعة أعمال أدبية رقمية، هي رواية “ظلال الواحد” (2001)، ورواية “شات” (2005)، وقصة تفاعلية قصيرة بعنوان “صقيع” (2007)([5]). أما آخر أعماله فكان “ظلال العاشق” الذي صدر عام (2016) على موقع خاص بالعمل نفسه([6]).
ومن كتّاب السرد الرقميين العرب نذكر أيضا كاتب الخيال العلمي المصري أحمد خالد توفيق الذي أصدر قصة قصيرة بعنوان “قصة ربع مخيفة” (2005)، والكاتبين المغربيين محمد أشويكة الذي أصدر قصة “احتمالات” (2009)، واسماعيل البويحياوي صاحب “حفنات جمر” وهي عبارة عن مجموعة قصص تفاعلية صدرت عام (2015). بالإضافة إلى ذلك صدرت بعض الروايات الجماعية العربية مثل روايتي “على قد لحافك” و”الكنبة الحمرا” والتي اشترك في تأليفها عدد من الكتّاب الشباب.
وكما طرق الأدباء العرب باب السرد فقد طرقوا باب الشعر أيضا، وحمل راية الريادة في مجال الشعر البصري الرقمي الشاعر المغربي منعم الأزرق، فكتب العديد من القصائد البصرية الرقمية (Visual Digital Poetry)، مثل “سيدة الماء“، “الدنو من الحجر الدائري“، “نبيذ الليل الأبيض” وغيرها، وجميعها منشورة في منتديات موقع “المرساة”([7]). أما الشعر التفاعلي(Interactive Poetry) فقد كان الأقل حظًا من حيث الكم في التجربة العربية الرقمية، وكان أول من قدّم قصيدة تفاعلية هو الشاعر العراقي عباس مشتاق معن، وحملت عنوان “تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق” (2007)، التي نشرها الشاعر على موقع “النخلة والجيران” آنذاك، تلتها قصيدة “شجر البوغاز” (2014) لمنعم الأزرق، ثم قصيدة أخرى للشاعر عباس مشتاق معن بعنوان “لا متناهيات الجدار الناري” (2017)([8])، ليتوقف الشعر التفاعلي العربي عند هذه التجارب الثلاث فقط.
إلى جانب ذلك ظهر ما يعرف بأدب شبكات التواصل الاجتماعي، نحو “رواية الفيسبوك” ونذكر منها رواية “على بعد ملمتر واحد” (2013) للكاتب المغربي محمد أستيتو، وكذلك “أدب التويتر” وهو ما يعرف بالانجليزية بـ “Twitter Bobs” واشتهر فيه الكاتب السعودي محمد حبيبي. وفي هذا السياق نذكر أيضا “رواية المنتديات”، وهي رواية تنزل على شكل أجزاء متسلسلة في منتدى معين، وغالبًا ما تنشر تحت أسماء مستعارة، وتكون أحيانا باللهجة العامية. وقد لاقى هذا النوع من الأدب رواجًا كبيرًا في المجتمع الخليجي على وجه خاص([9]). ونذكر من روايات المنتديات “ملامح الحزن العتيق” و “للأيام قرار آخر” اللتين نشرتا في منتدى “ألم الإمارات”، وغيرهما الكثير.
بالإضافة إلى ذلك، فقد ظهرت أعمال أدبية قصيرة على تطبيقات الهواتف النقالة، مثل “أدب الواتس أب”. ونشير هنا إلى تجربة الصحفي الإيراني الكردي Behrouz Boochani الذي كتب رواية “لا صديق سوى الجبال” (2013)، من خلال رسائل نصية أرسلها إلى صديقه على تطبيق “واتس اب” أثناء تواجده في معسكر الاحتجاز detenation camp)).
أما في مجال النقد الأدبي، فقد صدرت العديد من الدراسات والأبحاث الأكاديمية التي واكبت مسيرة الأدب الرقمي العربي بالدراسة والبحث، معتمدة على ما قدمه التنظير الغربي في هذا المجال مع بعض المحاولات لتقديم رؤى جديدة في التحليل وكذلك اقتراح أساليب وطرائق جديدة لترقيم النصوص التراثية والكلاسيكية وخاصة القرآن الكريم. هذا، بالإضافة إلى بعض الاجتهادات التي قدمها هؤلاء الدارسون في مجال ترجمة المصطلحات والتسميات المختلفة للأجناس الأدبية الجديدة.
من الدراسات البارزة في هذا المجال نذكر كتاب من النص إلى النص المترابط(2005) لسعيد يقطين، ومدخل إلى الأدب التفاعلي (2006) لفاطمة البريكي، والأدب الرقمي، أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية (2009) لزهور كرام، وتأثير الإنترنت على أشكال الإبداع والتلقي (2011) لإيمان يونس، والرقمية وتحولات الكتابة (2015) لإبراهيم ملحم، والتفاعل الفني الأدبي في الشعر الرقمي (2015) لعايدة نصرالله وإيمان يونس، وخطاب الSMS الإبداعي (2008) لعبدالرحمن المحسني، وغيرها.
إلى جانب ذلك، نشرت مقالات علمية عديدة في المواقع المختلفة على الشبكة، مثل مقالات محمد أسليم ومحمد الداهي وعبدالنور إدريس والسيد نجم وأحمد فضل شبلول وسعيد الوكيل وعبير سلامة وحسام الخطيب، وسمر الديوب ومحمد هندي وريهام حسني، ومها جرجور، وغيرهم.
على الرغم من جميع هذه الجهود العربية المبذولة على مستويي الإنتاج والنقد، إلا أنّ الدراسات المختلفة في هذا الميدان تشير إلى وجود فجوة هائلة بين الغرب والشرق فيما ينتج رقميا من نصوص أدبية وما يعقبها فيما بعد من أبحاث ودراسات علمية. فعدد الكتّاب العرب الذين خاضوا غمار التجربة الرقمية حتى الآن لا يتجاوز عدد أصابع اليد، كما أن عدد النصوص الأدبية الرقمية نفسها التي صدرت لا تتجاوز الثلاثين نصًا، مقابل مئات الكتب والنصوص في العالم الغربي. ونجد الفجوة نفسها أيضا بالنسبة لعدد المواقع والمجلات الإلكترونية المهتمة في الموضوع، كما سنبيّن لاحقا.
تعود حالة الضمور التي يعاني منها الأدب الرقمي في العالم العربي إلى عوامل مختلفة تندرج كلها تحت مظلة واحدة هي “الفجوة الرقمية” ) (Digital Divide)[10]) التي تفصل بين الشرق والغرب بتبعياتها المختلفة في جميع مجالات الحياة([11]). ويمكننا تقسيم هذه العوامل إلى قسمين: عوامل أدبية، وهي العوامل المتعلقة بماهية الأدب الرقمي نفسه من حيث الخصائص والصفات، وعوامل غير أدبية أو خارج أدبية، وهي العوامل الاجتماعية الثقافية، البيداجوجية، الاقتصادية، التكنولوجية، السياسية، والأكاديمية. وجميع هذه العوامل تترابط فيما بينها ترابطًا قويًا، فتشكل الواحدة امتدادًا للأخرى، كما سنوضح فيما يلي.
- الأدب الرقمي العربي: التحديات
يمكننا أن نميز بين نوعين عامين من التحديات التي يواجهها الأدب الرقمي في العالم العربي: التحديات الداخلية، وتتعلق بعوامل أدبية ذات صلة بخصائص ومزايا الأدب الرقمي نفسه. والتحديات الخارجية، وتتعلق بعوامل خارجة عن الأدب كالعوامل الاقتصادية والبيداجوجية والسياسية.
- التحديات الداخلية
تشكل ماهية الأعمال الرقمية من حيث اختلافها عن الأعمال الورقية المطبوعة، عائقًا أمام قبولها وانتشارها لدى نسبة معينة من القرّاء والنقّاد وكذلك المؤلفين في العالم العربي. فالأدب الرقمي بما يحمله من خصائص ومميزات أدبية مستحدثة يشكل نقلة نوعية في تاريخ الأدب، تحتاج إلى الكثير من الوقت حتى تترسخ في الذهنية العربية وحتى الغربية.
كل تجديد في الأدب كثيرًا ما يلاقى عادة بتحفظ من قبل الأدباء والنقّاد على حدّ سواء، إلى أن يرسخ ويثبت نفسه على الساحة الأدبية. فلو راجعنا حركات التجديد التي طرأت على الأدب بشكل عام، نجد أن هذه الحركات كانت تواجه بالرفض والتصدي في بداية مشوارها، كما حدث مع رواد حركة الشعر الحديث في منتصف القرن الماضي على سبيل المثال. وقد أشارت نازك الملائكة في كتابها قضايا الشعر العربي المعاصر إلى هذا الموضوع متطرقة إلى ذكر الصعوبات التي واجهت الشعراء الذين تمرّدوا على القوالب الكلاسيكية ونفروا من القيود العروضية، وتجنبوا تقليد النماذج الجاهزة فثاروا على الرومانسية وسعوا إلى التفرد والاستقلال، وبحثوا لأنفسهم عن خطوط شعرية جديدة وموضوعات واقعية تخاطب الهم الجماعي، أمثال بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وآخرين. إلا أنّ حركة التجديد التي نادوا بها واجهت الكثير من الصعوبات قبل أن يستتب بها الحال وتفرض نفسها بقوة([12]).
ليس غريبًا إذا أن يواجه الأدب الرقمي، خاصة وأنه لا يوال في طور التبلور، الكثير من الهجوم والتصدي وحتى الرفض، لدرجة جعلت بعض المتعصبين للقلم والورقة يشونون هجومًا حادًّا على الأدب الرقمي مدّعين بأن الكلمة هي العمود الفقري للنص الأدبي وأن الوسائط المتعددة تؤدي إلى تراجع القيمة الفنية للنص وتفقده الكثير من غوايته كما تسلبه أحد أهم أركانه وهو عنصر التخييل([13]).
فإذا أخذنا القصائد البصرية الرقمية للشاعر المغربي منعم الأزرق، نجد أنها تقوم بالأساس على المزج بين المؤثرات السمعية والبصرية إلى جانب الكلمة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في قصيدة “سيدة الماء” وظّف الشاعر اللون الأزرق بشكل طاغ ليحمّله دلالة بصرية ومعنوية، كما وظّف عنصر الحركة بشكل رمزي، فجعل الكلمات تتحرك بشكل دائري تارة وتموجي تارة أخرى، كما تلاعب بأحجام الخط، فجعل بعض الكلمات تكبر وتصغر بشكل يرتبط بالمعنى الذي يريد إيصاله للقارئ. وكل هذه التقنيات باعتبارها علامات ذات دلالات ومعان جديدة وغريبة بالنسبة لقارئ معتاد على قراءة نص شعري قوامه اللغة فقط. وفي قصيدة “تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق” استعار الشاعر بعض العناصر الفنية من المجالات الأخرى، فوظّف العديد من اللوحات التشكيلية مثل لوحة سلفادور دالي الموسومة ب”الزمن” وجعلها ترتبط بالفكرة المركزية للقصيدة، كذلك لجأ إلى توظيف فن النحت، فاستعار صورة التمثال الشهير المعروف باسم “الصرخة” وهو عمل فني لأحد الفنانين التشكيليين العراقيين، ووضعه في واجهة القصيدة مع خلفية موسيقية جنائزية ذات دلالات وإيحاءات كثيرة، يصعب على القارئ التقليدي فهمها إن لم يمتلك خلفية ثقافية في مجال الفن. ولم يكتف الشاعر بذلك، بل وظف تقنية الهايبرتكست (hypertext) ليجعل من عمله لوحة تشكيلية تتشابك فيها المواد والنصوص، فدمج بين النصوص الوظيفية الإخبارية، والنصوص الشعرية بنوعيها العمودي والحر، وأضاف في الواجهات المختلفة مقطوعات موسيقية غربية وشرقية.
أدى استخدام هذه التقنيات في الكتابة الابداعية إلى قلب الكثير من المصطلحات والمفاهيم المتعارف عليها في النظريات والاتجاهات النقدية الحديثة، ومن بينها مفهوم البلاغة. فإذا كانت بلاغة النص (قبل ظهور النص الرقمي) تقاس بمقدرة الكاتب على توظيف الكلمة لتوليد المعاني والافكار والصور الفنية، والمحسنات اللفظية كالاستعارة والمجاز والكناية والجناس والطباق، وقدرته على الإقناع والحجاج، أصبحت اليوم تقاس وفق معايير وآليات أخرى. فلم يعد الكاتب يكتب بالكلمة فقط، بل أصبح بإمكانه أن يتوسل بوسائل أخرى للتعبير. فيوظف اللون كرمز، والحركة كمعنى والموسيقى كإيحاء، والصورة ككناية. والشيء نفسه بالنسبة للروابط، اذ أصبح بمقدور الكاتب أن يضمن نصه بعض الروابط فيجعل منه لوحة فسيفسائية تتداخل وتتشابك فيها نصوص كثيرة، وهو ما بات يعرف اليوم بـ “الهايبريد تكست” (Hybrid text) أي “النص الهجين” أو “الجامع للأجناس”، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك فأطلقوا عليه اسم ((Archiart أي النص الجامع للفنون بحيث تتضافر فيه أنواع الفنون كافة، مثل فن الموسيقى الى جانب فن الاخراج السينمائي إلى جانب فن الرسم إلى جانب فن المسرح، مما أدى إلى تغيير مفهوم التناص كأحد الأساليب البلاغية، فبدأنا نسمع اليوم الحديث عن “التناص التقني” ([14]).
إن الكتابة بهذا الشكل كما يدعي روبرتو سيمانوفشكي أحد نقاد الادب التفاعلي، نقلت النص من دائرة الادب إلى دائرة أشمل وأعمّ وأكبر هي دائرة الفن، فأصبح الأدب الرقمي أحد فروع الفن الرقمي، ولم يعد النص ينتج ليقرأ فقط، بل ليُرى ويُشاهد ويُسمع أيضًا ([15])، وهو ما يفسر بالتأكيد تردّد بعض النقاد والمبدعين بشأن تصنيفه وكيفية التعامل معه، فهل هو فن أم أدب؟
أضف إلى ذلك، فإن تقنية الهابرتكست أدت إلى إحداث تغييرات جذرية في اتجاهات القراءة وجعلت القارئ شريكًا في بناء النص. فبوجود هذه التقنية لم تعد القراءة خطية Linear) ) ذات اتجاه واحد كما هو الامر مع النص المطبوع، بل أصبحت متفرعة وذات اتجاهات عديدة، وأصبح مبنى النص يعتمد على اختيارات القارئ لهذه الروابط. فلو تناولنا “قصة ربع مخيفة” مثلا، نجد أن المؤلف يخاطب القارئ في نهاية كل صفحة ويطلب منه أن يتخذ قرارًا بالنسبة لسير الحداث وذلك عن طريق اختياره للروابط، فكل رابط يحيل إلى نهاية مختلفة للقصة. وبذلك تتفرع اتجاهات القراءة ويصيح القارئ مشاركًا فاعلا في بناء الحبكة، ويقرر مصير الشخصيات. وفي رواية “شات” يجد القارئ نفسه أيضا أمام روابط كثرة، يمكنها الاختيار بينها، فيقرر ما يريد فتحها منها وما يريد القفز عنها دون قراءة محتواها.
نستنتج مما ذكر بأن الأدب الرقمي قد غيّر مفهوم القراءة والقارئ معا، فالقارئ لا يتلقى الكلمة فحسب، بل يتلقى أيضا الصور والألوان والموسيقى، كما وينبغي عليه استكشاف محتويات النوافذ التي تُفتح أمامه، ومن ثم فهم التعالقات اللغوية وغير اللغوية في النص. وهذه التغييرات الهائلة تتطلب في المقابل إعادة النظر في الكثير من المصطلحات التي وضعها أصحاب نظرية جماليات التلقي مثل Roland Barthes، Wolfgang-Isère، Umberto Eco وغيرهم، مما يشكل تحديا كبيرًا بالنسبة للقارئ والناقد معًا غير المعتادين على هذا النوع من الأدب.
لم تقتصر التغييرات التي طالت النص الأدبي على النص والقارئ فقط، بل طالت المؤلف أيضا. فلم يعد الكاتب هو المالك الوحيد للنص كما هو مألوف، بل يعمل إلى جانبه مجموعة من المبرمجين والخبراء وربما الفنانين. ففي قصة “صقيع” على سبيل المثال يُذكر في بداية عرض القصة اسم المؤلف واسم مخرج العمل. أما في الرواية الفيسبكية “على بعد ملمتر واحد” للكاتب المغربي محمد أستيتو، فقد لعب القرّاء دوًرا مزدوجًا، فكانوا متلقين تارة ومؤلفين تارة أخرى، إذ كانوا يقترحون على الكاتب نهايات وأحداث مختلفة، بعد أن يقوم الكاتب بتنزيل فصل من فصول الرواية على صفحته في الفيسبوك. بكلمات أخرى شارك القراء في تأليف الرواية.
ومن أكثر الأسئلة الحرجة التي أثارها الأدب الرقمي بالنسبة لمفهوم المؤلف هو السؤال المتعلق بحقوق الملكية. فقصيدة الرسوم المتحركة (Animation Poetry) “لاعب النرد” هي مثال جيد على ذلك. فالقصيدة في الأصل للشاعر الفلسطيني محمود درويش، وقد أخذتها مخرجة الرّسوم المتحرّكة والمصمّمة الإعلاميّة المصريّة نسمة رشدي Nissmah Roshdy وحولتها إلى Animation Poetry ([16]). وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ القصيدة الأصلية لدرويش طويلة جدًّا، حاولت المخرجة ترجمتها وتلخيصها وانتقاء المقاطع الأكثر قوّة فيها والأكثر طواعيّة للتّصوير البصريّ، وبذلك ألغت منها ما يقارب 38 مقطعًا سعت إلى التّعبير عنها عبر تقديم رؤية إبداعيّة جديدة للشّعر. فاستخدمت خلفيّة ورق البرديّ القديم وموسيقى العود والحبر الأسود والخطّ العربيّ. وقد قالت الناقدة ريهام حسني “إنّ القصيدة بحلتها الرقمية الجديدة تتضمن مؤثرات سمعية وبصرية تؤثر على تلقي القصيدة وفهمها وتجعلها مختلفة كليًا عن القصيدة الأصل”([17]).
لا شكّ أن مثل هذه الأعمال تدعو إلى التفكير في مسألة الملكية، فمن هو المالك الحقيقي للنص؟ وهل يحق لشخص ما أن يجري تغييرات بهذا الحجم على النص الأدبي حتى وإن سقطت عنه حقوق الملكية؟ وهل النص في هذه الحالة يبقى ملكًا للكاتب الأصلي أم للكاتب الجديد؟
بناء على ما تقدم يمكننا القول إن قبول الأدب الرقمي يعني كسر العديد من الثوابت الأدبية المتعلقة بمفاهيم النص والقارئ والمؤلف. ولاشكّ أن كسر مثل هذه الثوابت يحتاج إلى سيرورة طويلة المدى، وإلى استعدادات ذهنية ونفسية وثقافية ربما يفتقدها العديد من المبدعين العرب في الوقت الراهن لا سيما من الجيل القديم، جيل المحافظين على التراث والذين لا يزالون مرتبطين بالورقة والقلم، المقاومين لأي وافد غريب عن ثقافتهم الأصل، كما سنبين في البند التالي.
- التحديات الخارجية
- عوامل ثقافية اجتماعية
تشكل العوامل الثقافية الاجتماعية تحدّيا آخر أمام انتشار الأدب الرقمي في العالم العربي، ووفي الوقت نفسه للعوامل الأدبية. فثقافة كل مجتمع هي محصلة أفكاره وعاداته وقناعاته وإنجازاته التي تراكمت على مدار سنوات طويلة، مما يجعل تغييرها عملية صعبة وبطيئة خاصة إذا فرض هذا التغيير من الخارج. وبما أن الأدب الرقمي يقتضي إجراء تغييرات كثيرة كما رأينا في مفاهيم المجتمع المتعلقة بالقراءة والكتابة والتلقي، فإن هذه التغييرات تبدو صعبة المنال في الوقت الراهن نتيجة الجمود الذي أصاب الذهنية العربية منذ أكثر من نصف قرن من الزمن.
حتى نوضح الفكرة أكثر، سوف نسترجع التاريخ الأدبي قليلا لفهم الذهنية العربية ومدى قابليتها للإبداع والتلقي بطرائق وأشكال مختلفة فيما يتعلق بالإنتاج الأدبي.
من الشائع في النقد الغربي الربط بين الأدب البصري الرقمي والحركات الفنية التي سادت أوروبا منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وأهمها: الحركة التكعيبية، الحركة المستقبلية، وحركة الدادا، والتي مهّدت للتفكير في الأدب الرقمي برمته([18]). غير أن الدراسات الأدبية المختلفة تؤكد على أنّ التعبير البصري قد ظهر عند العرب قبل الغرب بكثير. إذ عرف العرب الشعر البصري منذ العصر المملوكي، وقد أطلقوا عليه في ذلك الوقت تسميات كثيرة، منها: الشعر المشجر والشعر المرسوم والشعر الهندسي وغيرها. ولعلّ فن الخط العربي الذي ازدهر في العصر العباسي وتأثّر به عدد كبير من الفنّانيين الغربيين، دليل آخر على اهتمام العرب بالبعد البصري وإدراك أثره في التلقي([19]).
وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدل على أنّ الذهنية العربية قد خرجت عن المألوف في التعبير وتجاوزت الكلمة منذ زمن بعيد. وهذا يعني أنّ الاستعداد الفكري لتقبل أنماط تعبيرية جديدة، موجود في الثقافة العربية منذ زمن، بل وأصيلٌ فيها. لكنّ هذا الانفتاح الذي اتسمت به الذهنية العربية في العصور السابقة لم يدم طويلا.
يرى أسعد الخفاجي أنّه بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية ذات الخطاب الديني التقليدي وجدت الدول العربية نفسها بمستوى ثقافي متواضع إزاء الحضارة العالمية؛ مما أصاب غالبية المجتمعات العربية بنوع من رد الفعل الهستيري الذي لا يخلو من الدفاع عن الثوابت (المقدسة)، ورفض “المتغيرات” بجميع أشكالها. فارتفعت أصوات عنيفة تدعو إلى الحفاظ الآلي على ما هو موجود من الثقافة، ومنازعة كل أشكال الحداثة التي تهدف إلى القضاء على الأصالة في ثقافتنا التاريخية([20]).
من هنا فإن تردّد الكتاب العرب في الإقبال على الأدب الرقمي، يكمن إذن في مفهومهم لعملية التجديد هذه والتي يرون فيها دخيلا يهدد تراثهم وعاداتهم القرائية والكتابية الموروثة من ناحية، وعدم قدرتهم على استيعاب هذه التغييرات ومجاراتها من ناحية ثانية، كما بينا في البند السابق.
يقتضي تقبل الأدب الرقمي إذن إحداث تغييرات جذرية في ثقافة المجتمع، وحتى تتغير ثقافة المجتمع يجب تغيير طرائق تفكيره أيضا. وهنا لا بد من طرح السؤال التالي: كيف يمكن تغيير طرائق التفكير عامة وطرائق التفكير الأدبي خاصة، من دون تغيير طرائق الكتابة التقليدية نفسها؟
يقول سعيد يقطين في هذا السياق “إن تجديد الكتابة واللغة لتتلاءم مع الوسائط المتعددة هو رهان أي تطور في عصرنا الحالي لأنه يضع أي أمة مباشرة أمام مطابقة تفكيرها وأدوات هذا التفكير مع الوسائط الجديدة باعتبارها ليس فقط أدوات ووسائل، ولكن أيضا طرائق للتفكير، وشكلا من أشكال الثقافة”([21]).
غير أن المتصفح للمحتوى العربي على شبكة الانترنت يجد أن العالم العربي قد دخل العصر الرقمي بدون أن يتخلص من ثقافة العصر الورقي فيما يتعلق بأنماط الكتابة والتلقي. فمعظم ما هو منشور في العربية على شبكة الإنترنت لا يختلف عما ينشر في الصحف والمجلات والكتب الورقية. وهذا يعني أنه لم يتم استثمار المعطيات التكنولوجية كما يجب لتغيير طرائق الكتابة ومن ثم طرائق التفكير والإبداع في المجتمعات العربية. ويضيف سعيد يقطين في هذا المضمار:
“لا يعقل أن ندخل عصرًا جديدًا بأفكار قديمة وبلغة قديمة … لقد بدأت علاقتنا بتكنولوجيا الإعلام والتواصل عن طريق استيراد هذه التكنولوجيا، وبدأنا نتعامل معها وكأنها فقط قطع غيار أو وسائل نعوض بها غيرها. لكنّنا بمنأى عن استيعاب حركية هذه التكنولوجيا في نمط التفكير والحياة ونتجاوز كونها “وسيلة” جديدة، فلم نفكر فيها بالصورة التي تحدث تحولا على مستوى تعليمنا وتربيتنا وإنتاجنا الأدبي والفني ونقدنا الأدبي والفني وثقافاتنا والعلوم التي ما نزال لم نعمل على ترسيخها وتجذيرها في تربيتنا العربية” ([22]).
يؤكد قول يقطين أعلاه، متوافقًا في ذلك مع الموديل المجتمعي الذي ذكرناه في بداية المقالة بأنّ أزمة الأدب الرقمي العربي مرتبطة بثقافة المجتمع العربي على مستويات عديدة: مفهومه للكتابة والإبداع في العصر التكنولوجي، تصوره لماهية التكنولوجيا، ومدى استيعابه لها وقدرته على التعامل معها. وبما أن الأدب الرقمي يتطلب إحداث تغييرات في جميع هذه المستويات، ويتطلب ثقافة تكنولوجية مختلفة، فإنّ إمكانيات تطويره في المجتمع العربي قد تستغرق زمنا طويلا. فالتكنولوجيا دخيلة على العالم العربي وليست أصيلة فيه، مما يجعل استيعابها أمرًا صعبًا وبطيئًا، لأنّ ذلك يتطلب تبني طرائق تفكير الآخر الخارجي، بينما يجب أن يولد الإبداع من الداخل، من صميم التفكير والوجدان.
يمكن القول إذن إنّ الأدب الرقمي بات حقيقةً أدبية تميّز العصر التكنولوجي في الغرب لأنّه نتيجة حتمية لمنجزاته العلمية، ولكنّه في العالم العربي في المقابل، مجرد سلعة مستوردة لا تتلاءم مع ثقافته غير المبنية على أسس تكنولوجية أساسًا. فإن لم تكن تكنولوجيا فمن الصعب أن تفكر تكنولوجيا، وهذا هو التحدي الكبير.
بناء على ما تقدم يجب على الباحثين الاعتراف بأنه من الصعوبة بمكان أن تلبس ثقافة ما زيّا غير زيّها، والأصعب أن تطالبها بأن تتباهى به. لذلك فإن تطور الأدب الرقمي العربي سيحتاج إلى وقت طويل يكون المجتمع فيه قد طوّر ثقافة تكنولوجية واستعدّ للتعامل معها بشكل طبيعي غير تعسفي.
- عوامل بيداغوجية اقتصادية
من أهم التحديات الأخرى التي تقف في وجه الأدب الرقمي العربي، عدم تمكن الأفراد والمجتمعات العربية من تذويت وتطبيق مهارات التنور الرقمي(Digital Literacy) في التعليم والتعلم. علمًا أن هذه المهارات تشكل القاعدة الأساس لأي تطور في مجال الإبداع الرقمي بشكل عام([23]). وجدير بالذكر هنا، أنّ العديد من الأبحاث تؤكد على أنّ الأدب الرقمي يمكنه أن يكون المجال الأنسب لتطوير مهارات التنور الرقمي المطلوبة لملاءمة الطلاب لمتطلبات واحتياجات هذا العصر([24]).
إذ تشير الأبحاث الميدانية إلى وجود تفاوت كبير بين الدول على مستوى الأفراد والمؤسسات في تنمية هذه المهارات. وتؤكد التقارير السنوية التي تنشرها منظمة الـ OECD على وجود الدول العربية في مؤخرة الدول من حيث تمكن الأفراد فيها من مهارات التنور الرقمي ([25]).
إن السبب الرئيس لغياب هذا التنور في عالمنا العربي يعود إلى عدم جاهزية الكثير من المدارس والمؤسسات التعليمية العربية للانتقال الى مرحلة التعليم المحوسب (E-Learning) لما يتطلبه ذلك من موارد اقتصادية تكنولوجية ضخمة من أجل إنشاء بنى تحتية ووصل المدارس بشبكات اتصال خاصة، وتوفير الألواح الذكية في الغرف الصفية، واستبدال الكتب والكراريس بالكتب الالكترونية وكذلك تدريب المعلمين وتأهيلهم من أجل تغيير طرائق ونظم التدريس([26]). في المقابل نجد أن الدول الأوروبية عكفت على تحقيق هذه الاجراءات منذ مطلع الالفية الثالثة، إذ قامت المفوضية الاوروبية بوضع مبادرة اتخذت مسمى “تصميم تعليم الغد” (Designing Tomorrow’s Education) في مدارسها الابتدائية والثانوية ضمن الخطة التنفيذية لأوروبا الإلكترونية منذ عام 2001 ([27]).
يلعب العامل الاقتصادي دورًا كبيرًا في عدم تمكن الدول العربية من إجراء التغييرات اللازمة في إطار التعليم والتعلم بما يتناسب ومتطلبات القرن الحالي. فعلى الرغم من أن معدل دخل الفرد في بعض هذه الدول معتدل، مثل: المغرب، الأردن، لبنان، الجزائر، تونس، إلا أنها تعاني من ضعف في البنى التحتية بما في ذلك البنى التحتية المتعلقة بشبكة الإنترنت والاتصالات.
أمّا الدول التي تتمتع بوضع اقتصادي جيد مثل: السعودية، الكويت، البحرين، الإمارات، وبإمكان الفرد فيها أن يحصل على مختلف الأجهزة الإلكترونية التي يريد، فإنها تعاني من مشكلة أشد خطورة، هي الأمية ([28]). فوفق الاحصائيات الجديدة التي أجرتها منظمة اليونسكو العام الماضي 2016 فإن نسبة الأمية في العالم العربي هي 20% ([29])، وهذا معناه أن العالم العربي في زحفه نحو مجتمع المعرفة ما زال يحمل أغلالا ثقيلة من الأمية، ويجرّ خلفه ملايين الأميين غالبيتهم من النساء. أضف إلى ذلك فإن الأدب الرقمي لم يظهر حتى الآن في الدول العربية المرفهة اقتصاديًا، ما يجعل الموضوع برمته بعيدًا عن اهتمام المسؤولين في وزارات التربية والتعليم في هذه الدول.
وأما بالنسبة لبقية الدول العربية نحو الصومال، السودان، اليمن، موريتانيا فإنها تعاني من الفقر والأوضاع الاقتصادية المتردية ما يجعل التوجه فيها نحو التعليم المحوسب ضربًا من الخيال([30]). فكم بالحريّ تعليم وتعلم الأدب الرقمي!
ترتبط العوامل البيداغوجية إذن ارتباطًا وثيقًا بالعوامل الاقتصادية، ولذلك لا فائدة من إجراء تعديلات على مناهج التعليم إن لم تتوفر الإمكانية لتنفيذها. فإلقاء نظرة سريعة على المناهج المدرسية لتدريس الأدب العربي في بعض الدول العربية كفيل بتقديم دليل قاطع على استمرارية تعامل هذه الدول مع تعليم الأدب وتعلّمه بطريقة تقليدية من دون مراعاة التغييرات التي تفرضها التطورات التكنولوجية في هذا المجال([31])، وذلك لعدم توفر الإمكانيات والموارد.
ونجد المشكلة ذاتها حتى على مستوى الجامعات، فبعض الجامعات في الدول العربية ما تزال حتى يومنا هذا تفتقر إلى وجود حواسيب وشبكة إنترنت وعارضة داخل غرف التدريس([32]). ولذلك فإن الجامعات العربية التي أدخلت موضوع الأدب الرقمي إلى مناهجها قليلة جدًا. إذ بدأت التجربة الأكاديمية الأولى في هذا المجال في جامعة محمد الخامس في المغرب، وذلك عام 2007، أي بعد عشرين عامًا من ظهور الأدب الرقمي في الغرب.
وعليه، فالتحدي الأوّل يكمن في تغيير مناهج التعليم وأساليب التدريس وملاءمتها لمهارات التعليم والتعلم في القرن الواحد والعشرين، وذلك في المدارس قبل الجامعات. إذ لا يمكننا أن نصبو إلى كتابة أدب عربي رقمي أصيل ما لم ننشئ جيلا مختلفا، جيلا مزودا بأبجدية الحاسوب، متمكنًا من مهاراته، واعيًا بأسسه، قادرًا على النفوذ الى العالم الافتراضي والانخراط فيه للبحث والتعلم ومن ثم الإبداع بطريقة مختلفة. ولكن كل هذا يتطلب بلا شك دعما اقتصاديا هائلا، ينبغي على الدول العربية أن تفكر في كيفية الحصول عليه عن طريق وضع الاستراتيجيات والخطط المناسبة، فتقدم الدول العربية القادرة اقتصاديا الإمدادات والمساعدات للدول العربية غير القادرة، من أجل تطوير البنى التحتية وتزويد المدارس والجامعات بالموارد التكنولوجية اللازمة، ومن ثم تتعاون فيما بينها على وضع مناهج تعليم بديلة استعدادا للانتقال إلى مرحلة التعليم المحوسب تداركا لاتساع الهوة التي تفصل بينها وبين الدول الأجنبية في هذا المجال.
- عوامل تكنولوجية
إذا كان النشء الجديد غير مدرب على امتلاك مهارات التنور الرقمي، فكم بالأحرى الجيل الكبير من الكتّاب والأدباء الذين يعاني معظمهم مما يعرف بـ “أمية الحاسوب” أي عدم القدرة بتاتًا على التعامل مع الحاسوب وبرمجياته المختلفة التي تتطلب نوعًا مختلفا من المهارات تعرف بـ “التنور الحاسوبي” (Computer Literacy). فالكثير من هؤلاء الكتّاب لا يمتلكون الحد الأدنى من هذه المهارات، الأمر الذي يترتب عليه الكثير من التخلف في مجال الإبداع الأدبي الرقمي لما يتطلبه من مهارات تتجاوز الكتابة بالقلم والورقة.
يقول الناقد المغربي محمد أسليم “إنّ تفشي هذا النوع من الأمية في العالم العربي، سيجعل الأدب الرقمي بعيد المنال في الوقت الراهن، فهذا النوع من الأدب وإن بدأ بعض الأدباء العرب باكتشافه وخوض تجربته، إلا أنه ما يزال بكرًا، وسيستغرق الأمر وقتًا طويلا حتى يصلوا إلى المرحلة التي يمكن أن يفكروا فيها بالتخلي عن الأدب الورقي، والتوجه إلى الأدب الرقمي”. ويضيف أسليم قائلا “يجب على الكاتب الرقمي أن يجيد لغة أخرى غير لغة القلم، عليه أن يجيد لغة الحاسوب، وأن يلم ببرامجه من أجل كتابة نص رقمي. ولا يكفي أن يعرف الأديب هذه اللغة، بل عليه أن يتقنها جيدًا أيضًا، لأن عدم إتقانها، يؤدي إلى إخراج نصوص دون المستوى المطلوب”([33]). هذا يعني أنه على الكاتب أن يقرن موهبته الأدبية بدراسة برامج الكمبيوتر ولغاته، وإلا تعذر عليه أن يكتب نصًا رقميًا بالمواصفات المطلوبة، مما يعني أن الكتابة الأدبية الرقمية مرهونة بمعرفة “كمبيوترية” يفتقر إليها معظم الكتّاب العرب. وأمّا أولئك الذين خاضوا غمار هذه التجربة، فقد جاءت كتاباتهم متشابهة وبسيطة من حيث التقنيات المستخدمة، فلجأ معظمهم إلى استخدام تقنية الهايبرتكست (hypertext) والوسائط المتعددة(multimedia) والفلاشات البسيطة (flash). في حين نجد أن التقنيات المعتمدة في الأعمال الأدبية الرقمية الغربية أكثر تركيبًا وأكثر تنوّعا.
وقد تحدثت كاثرين هيلز بإسهاب عن التقنيات التي اعتمدها الكتاب الغربيون في أعمالهم الأدبية الرقمية، وقسمت هذه الأعمال إلى فترتين زمنيتين:
- الفترة الكلاسيكية، وتشمل الأعمال التي ظهرت في الثمانينيات وأوائل التسعينيات التي استُخدِمت فيها تقنيات محدودة نحو Macintosh’s Hypercard graphics, animation, colors and sound, links, كما هو الحال في قصة afternoon: a story” ” لـMichael Joyce’s وغيرها من الأعمال التي عرفت بـ “Storyspace school”
- الفترة الحديثة، وتشمل الأعمال التي ظهرت بعد عام 1995 وتعتمد على تقنيات مركّبة جدا نتيجة لتطور برمجيات الحاسوب وتطور شبكة الإنترنت، مثل: installation pieces, “codework,” generative poem” ولكل منها خصائص تكنولوجية مختلفة، وجميع هذه الأجناس باستثناء الأولى، لم يعرفها الأدب العربي الرقمي بتاتا([34]).
بناء على ما تقدم يمكن القول بأن الأدب الرقمي العربي قد توقف عند الفترة الكلاسيكية بحسب تقسيم هيلز، فلم يطور أدواته وتقنياته مقارنة بنظيره الغربي الذي وصل إلى مراحل متقدمة جدًا من هذه الناحية. والسبب في ذلك يعود إلى عدم إلمام الكتاب العرب بمثل هذه التقنيات، وعدم انكشافهم عليها أصلا.
- عوامل سياسية – قومية
جميعنا يعلم أن العالم العربي اليوم مشغول بقضايا وأزمات أهم وأكبر بكثير من مسألة الأدب الرقمي. فالشعوب العربية تناضل من أجل تحريرها وتحديد مصيرها، وتعيش فترات مفصلية في تاريخها. وعليه، فمن الطبيعي في خضم هذه الأزمات، أن يقصى موضوع بحث الأدب الرقمي عن سلم الأولويات، وألا يكون هناك متسع للتفكير الجاد في الفن والإبداع والابتكار. فما يحدث اليوم في سوريا ومصر والعراق وفلسطين على سبيل المثال، كفيل بأن يجمد ويشل أي حركة إبداعية فيها.
وعليه، فمن الصعوبة بمكان أن يجد الأدب الرقمي منفذا له وسط هذه الظروف القاسية، مما يرجح الكفة لصالح الكلمة المطبوعة. ولتوضيح الفكرة، سنقدم مثالا بسيطًا لما حدث في مصر. فبعد مضي أشهر قليلة على اندلاع ثورة 25 يناير، نُشرت الكثير من الروايات والدواوين الشعرية الورقية التي قيلت في وصف الثورة، فهل كان بالإمكان ان يُكتب أدب رقمي فوري لوصف الثورة وسط الأحداث الدامية؟ الجواب بالتأكيد: لا! والسبب ليس فقط لأنه يحتاج إلى موارد اقتصادية، وشبكة إنترنت وجهود تقنية وتكلفة باهظة الثمن. بل لأنه يحتاج فوق هذا كله إلى هدوء فكري وهدوء نفسي وإلى الكثير من الوقت لإنجازه، مما يجعل الكلمة المطبوعة أكثر تلبية لحاجات الكاتب العربي وأكثر ملاءمة لقدراته وإمكانياته في الوقت الراهن.
إن قراءة التاريخ تبين لنا أنّ الرفاه الاقتصادي والأمن السياسي يمكن أن يسهما في ازدهار حركات الفن والإبداع، فهذا ما حصل للعرب في العصر الذهبي، وهذا ما يحصل الآن مع الشعوب الأوروبية التي تنعم غالبيتها باستقرار أمني اقتصادي. وبما أن الشعوب العربية اليوم تعيش أزمات اقتصادية وأزمات سياسية كبرى فإن جميع أشكال الإبداع ومن ضمنها الأدب ستقع في أزمة هي الأخرى.
إلى جانب ذلك، تلعب الناحية القومية دورها في التصدي للأدب الرقمي من وجهة نظر معينة، وذلك لارتباطه بمفهوم العولمة التي رُوج لها على اعتبار أنها الشكل الجديد لحياة البشرية في ظل القطب الأمريكي ودعوة للتحرر من الهوية القومية([35]).
تشكل شبكة الإنترنت القاعدة الرئيسية لبلورة فكرة العولمة، التي تمارس ضغوطات كثيرة على مختلف المجالات لكي تنزع عنها طابعها المحلي، وتقضي على التنوع وتفرض على المجتمعات نسقًا جديدًا متجانسًا قدر الإمكان. وهذا معناه محو الثقافة والهوية اللتين تميزان مجتمعا معينا عن غيره، وبالتالي تمحو الخصوصية عن أساليب التعبير، فتنهار فكرة الأصالة التي ينبغي أن تكون موجودة في المنتج الفني([36]).
يرى حلمي ساري بأن الثقافة الجديدة التي تفرضها العولمة على كافة المجتمعات تتناقض مع المفهوم العام للثقافة باعتبارها مجموعة من الصفات الخصوصية والروحانية والمادية والفكرية والشعورية التي تميز مجتمعًا أو مجموعة اجتماعية؛ إلا أنها ثقافة الخليط الثقافي وتتسم بصبغة سريعة ومتسارعة متنامية ومتطورة لا تكاد تعرف حدًا تقف عنده، وكل أديب يطمح أن يندمج في القرية العالمية الموحدة، لا بد أن يكتب بما يتلاءم وروح هذه الثقافة ([37]).
وعليه، فقد رأى بعض الباحثين أن الأدب الرقمي يمكن أن يكون الصيغة المنشودة لعولمة الأدب، أو أدب المستقبل الذي سيتم من خلاله توحيد شكل الأدب وأسلوبه، فيكون أدبًا مفتوحا غير محدد الهوية، يخاطب جميع الثقافات من دون تمييز. وقد قامت مجلة Hyperrhiz بإصدار عدد خاص عام 2016 للترويج لهذه الفكرة ([38]).
إن التعامل مع الأدب الرقمي من هذا المنطلق يضيف تحديا آخر يحول دون قبوله، بل ويكثف جهود التصدي له ورفضه في العالم العربي المناهض لمبدأ العولمة. أضف إلى ذلك فنحن نؤمن بأنّ الأدب- كل أدب- لا بدَّ أن يكون إبداعًا ممثلا لصاحبه ومعبرّا عنه، فإذا أصبح البشر نسخة واحدة متشابهين في الفن والتعبير والهوية، فلن يكون هناك إبداع متميز.
- عوامل بحثية نقدية
قبل الخوض في العوامل البحثية النقدية، لابدّ من طرح السؤال الجوهري التالي: ما دور الأكاديمية النقدية في التعامل مع المنجز الرقمي العربي، وما مدى تأثيرها؟ فعلى الرغم من الجهود النقدية العربية الكبيرة التي بذلت حتى الآن لمواكبة تطور الأدب الرقمي، إلا أنّه لا تزال الكثير من العقبات تقف أمام النقاد والباحثين في هذا المجال. ويعود ذلك إلى قلة الإنتاج الأدبي الرقمي العربي، والاعتماد على النقد الغربي على مستوى التنظير فقط بمعزل عن التطبيق، وكذلك إلى عدم الإحاطة بأسس وأدوات هذا النقد.
أشرنا سابقًا إلى أن الإنتاج الأدبي الرقمي الغربي لا يقارن بما ينتج في الشرق من حيث تعدد الأجناس الأدبية واختلاف أنواعها ومدى تركيبها وماهية التقنية المستخدمة فيها. ولذلك فإن أي ممارسة نقدية تعتمد على هذا الأدب لا يمكن تطبيقها في كثير من الأحيان على ما هو موجود في الأدب الرقمي العربي، مما يجعل بعض المحاولات المبذولة مقحمة وتعسفية ومحصورة في الإطار التنظيري وغير مقرونة بالأمثلة والنماذج.
أضف إلى ذلك فإنه لا يمكن بناء وتطوير نظرية نقدية جديدة في الأدب طالما أن عدد النصوص المتوفرة قليل جدا، فالنقد يأتي دائما بعد الإبداع ولا يسبقه، وحتى تكون للنظرية النقدية قاعدة ثابتة، لا بدّ من توفر عدد كاف من النصوص يسمح ببناء هذه القاعدة، وهو ما لا يمكن تطبيقه على الأدب الرقمي العربي في وضعه الراهن.
أضف إلى ذلك، فإنّ معظم الدراسات النقدية العربية تتناول الإنتاج الأدبي الرقمي العربي فقط، باستثناء بعض المحاولات القليلة جدا في مجال النقد المقارن، مما يجعلها في كثير من الأحيان اجترارا لما قيل في دراسات أخرى، ولا تضيف شيئا جديدًا. ونتج عن ذلك أن انتصر النقد الرقمي العربي على الإنتاج، أي أنّ عدد الدراسات النقدية أكثر بكثير من عدد النصوص!
وفوق ذلك كله، ففي العالم العربي لا توجد حتى الآن أطر أكاديمية رسمية ترعى هذا الأدب وتعمل على مأسسته. ففي حين نجد عددًا كبيرًا من المواقع والمجلات الالكترونية الأجنبية المتخصصة بنشر الأعمال الأدبية والدراسات العلمية المتعلقة بالأدب الرقمي، مثل: ELO- Electronic Literature Organization”[39]” و- trAce”[40]“ و-Word Circuits”[41] “، و- “Hermeneia”[42]، bleuOrange”[43]“ و- RiLUnE”[44]” و- [45]Dichtung Digital“” و- Beehive”[46]“ وغيرها الكثير، نكاد لا نجد موقعًا عربيًا واحدًا متخصصًا بموضوع الأدب الرقمي باستثناء موقع “اتحاد كتاب الانترنت العرب“([47]) وهو مؤسسة غير أكاديمية. وكذلك الأمر بالنسبة للمجلات العربية، فهناك بعض المواقع والمجلات العربية التي تدرج الأدب الرقمي ضمن موضوعاتها المختلفة لكنها غير متخصصة فيه كما هو الحال بالنسبة للمواقع والمجلات الإلكترونية الغربية.
وما يزيد من أزمة النقد الأدبي الرقمي حدة، أنه لا يزال حقلا غضّا غير واضح المعالم حتى في الثقافة الغربية رغم كل ما وصل إليه من تطور. إذ نجد دعوة صريحة من قبل إدموند كوشو (Edmond Kyushu) إلى وجوب تأسيس نظرية للنقد الرقمي تواكب الإبداع الرقمي وتنطلق من الإعدادات المنهجية التقنية بغية تأسيس نقد مختلف لم يوضع بعد([48]).
وعليه، وعلى الرغم من وجود العديد من الدراسات النقدية الجادة سواء الغربية أو العربية، إلا أنه لا يمكن القول حتى الآن بأن النقد الرقمي قد أرسى قواعده تمامًا.
مما لا شك فيه أن تغيير شكل النص يؤدي إلى تغيير المعايير التي سيعتمدها الناقد في تقييمه لهذا النص. ففي النصوص الورقية كانت الكلمة المطبوعة وسيلة النص الوحيدة، فكان الحكم على القيمة الجمالية للنص من خلال لغته وأسلوبه ومدى براعة الكاتب في استخدام الصور الفنية المعبرة، من استعارة وكناية ومجاز وغيرها من أساليب البلاغة. إضافة إلى طريقة عرضه للأفكار وبناء الحبكة وتسلسلها. هذا في الأجناس السردية، أما في الشعر فكان الناقد يوجه اهتمامه إضافة إلى اللغة والأسلوب، إلى المبنى والوزن والتفعيلة والبحر والموسيقى والقافية وغير ذلك. لكن النص الرقمي أضاف معايير أخرى جديدة لم تكن معروفة من قبل، تستوجب أن يأخذها الناقد بعين الاعتبار قبل أن يصدر أحكامه وآراءه.
وبناء على ذلك يقول ادموند كوشو إنه عندما يستعمل الفنان تقنية ما أكثر تعقيدا وتركيبا مثلما هو الحال في الإبداع الرقمي، فإنه من غير المعقول أن يتجاهل الناقد أو أي خبير في الاستيتقا تفاصيل وأجزاء الصيرورة التكنولوجية([49]).
ويتفق محمد رمضان بسطاويس مع ادموند في ضرورة إلمام الناقد بتفاصيل التقنية، لأن التكنولوجيا المعاصرة أضافت إمكانيات جديدة أدت إلى استحداث قيم جمالية جديدة لم تكن موجودة ولم تتطرق لها المذاهب والنظريات الكلاسيكية القديمة. ويضيف بسطاويس: “إن الناقد اليوم مطالب بالاستعانة بكل العلوم والأدوات البحثية المتاحة في فهم النص الأدبي المركب الذي يقدم عبر أدوات الاتصال”([50]). لقد أصبح موضوع العمل الفني كما يرى بسطاويس محمد، كائنًا في العلاقات الداخلية للوسيط الجمالي المستخدم، فهو يتمثل في العلاقة بين الألفاظ والصور والأخيلة المستخدمة في القصيدة، ويتمثل في العلاقة بين الألوان ودرجاتها وأبعادها، ومستويات التشكيل البصري أو السمعي([51]).
وقد حاول الناقد أمجد عبد الله أن يبحث في الأصول الفكرية والأسس الفنية التي يجب أن يبنى عليها النقد الثقافي التفاعلي الكفيل بملاحقة الأدب التفاعلي الرقمي وكشف جمالياته وعلائقه السياقية والثقافية، من خلال الحفر في الأصول الفكرية الثقافية لهذا النقد، وأهمها فكر الحداثة. فالحداثة تمثل ذلك الوعي بمتغيرات الحياة والمستجدات الحضارية، والانسلاخ من أغلال الماضي من أجل تلبية الحاجات الجديدة. ويضيف عبد الله أنه إذا كانت اللغة قد أخذت حصتها من التجديد في الألفية الثانية، فإن عصرنا الحالي يمثل عصر الصورة والحركة بمعنى هيمنتهما على المشهد الثقافي والأدبي، وهذا ما يفسح المجال أمام عناصر جديدة غير اللغة لتقول كلمتها في الخطاب الأدبي([52]).
وفي كتابنا المشترك “التفاعل الفني الأدبي في الشعر الرقمي” اقترحنا مصطلح (Hyper Critics) أي الناقد الفائق، الذي يجب أن يتمتع بصفات عديدة حتى يتمكن من تقييم العمل الفني الأدبي الرقمي. فعليه أن يمتلك، إضافة إلى خبرة الناقد الورقي، مهارات إضافية مثل: الإلمام ببرامج الكمبيوتر، ولغاته، وأن يعرف أصول فن التصميم والإخراج السينمائي، وفن الرسوم المتحركة، وغيرها. كذلك عليه أن يكون ملمًا بخصائص الفنون السردية والشعرية، وسيناريو السينما، وكتابة المشاهد المسرحية، ومعرفة في الفنون التشكيلية. بكلمات أخرى عليه أن يجمع بين امتلاك الأدوات النقدية الأدبية والأدوات النقدية الفنية والتقنية([53]).
قد يعارض البعض هذا التوجه بحجة أن القارئ له الحق في فهم العمل الأدبي كيفما يشاء بناء على ثقافته، مما يكسب النص تأويلات مختلفة باختلاف القراء. ونحن نتفق مع هذا الرأي عندما يكون الحديث عن القارئ العادي، لكن الأمر يختلف عندما يكون الحديث عن الناقد. لأن الناقد بخلاف القارئ العادي نتوقع منه امتلاك أدوات لا يمتلكها القارئ البسيط.
يضيف الناقد ميموت تالان (Talan (Memmottفي هذا السياق، أننّا بتنا بالفعل في أمس الحاجة إلى مدارس ومذاهب نقدية جديدة تلائم خصائص النص الرقمي، لأن الأدب الرقمي آخذ بالانتشار والتطور يومًا بعد يوم، لكن لا توجد حتى الآن نظريات ومدارس نقدية تعنى به، وتحدد أصوله ومفاهيمه ومصطلحاته. ويضيف تالان أن من يرغب أن يقدم نقدًا كهذا، عليه أن يشارك بشكل فعال في الثقافة الرقمية، ويسهم فيها، إذ لا يستطيع من هو خارج هذه الثقافة أن يقدم نقدًا لها([54]). ولعل مقولة تالان هذه تختصر أزمة الأدب الرقمي العربي برمته!
- الأدب الرقمي العربي: المستقبل
نستنتج مما سبق أن ضمور الأدب الرقمي في العالم العربي يعود بالأساس إلى الفجوة الرقمية الهائلة التي تفصل بين الشرق والغرب من النواحي المختلفة. وبينا أن هناك عدة عوامل أدبية، بيداغوجية واقتصادية واجتماعية ثقافية وسياسية قومية ونقدية أكاديمية تحول دون مواكبة العالم العربي للتطورات التي يشهدها العالم في مجال الإبداع الأدبي. فطبيعة الرقمنة في الغرب تختلف عنها في الشرق. الرقمنة في العالم الغربي نتيجة منطقية لتطور موضوعي للمجتمع في مختلف مجالاته المادية والرمزية، هي نتاج البحث عن مزيد من الإبداع والتطور والجمال والحرية والمتعة. وأما في العالم العربي فإن الرقمنة ما هي إلا تطبيق لمبدأي التقليد والتبعية. فالعالم العربي لا يزال حتى الآن في مرحلة الاستهلاك وليس الإنتاج، ولا يزال أمامه طريق طويل حتى يستطيع أن يبلغ مستوى المنافسة مع الأدب الرقمي الغربي.
إن هذه الفجوة الرقمية بين الشرق والغرب يمكن أن تكون خطيرة لما تنطوي عليه من أبعاد ستؤثر في مستقبل الثقافة العربية ومستقبل الفرد العربي في عالم متغير باستمرار. فقد بتنا نسمع كل يوم مصطلحًا جديدا يتبادله المثقفون لوسم هذا العصر وإنسان هذا العصر والتحولات الكبرى التي تشهدها المجتمعات في شتى بقاع العالم، مثل: “عصر ما بعد الإنسانية” و “عصر الثورة الرقمية” و “عصر المعلومات” و”الإنسان الرقمي” و”ما بعد الإنسان” و”السيبورغ” و”مجتمع المعرفة” و”مجتمع الإعلام”، ناهيك عن المصطلحات التي تنذر بنهايات أشكال وأنماط حضارة العصر السابق، مثل: “نهاية عصر الورق” و “نهاية الكتاب الورقي” و”نهاية المثقف” وغير ذلك الكثير. ووسط هذا الخضم المتلاطم من المصطلحات وفي ضوء هذه التحولات لا بد من التفكير مليّا في مستقبل المجتمع العربي ومستقبل الفرد العربي وإمكانية التكيف مع كل هذه التحولات بشكل طبيعي وقابل للتراكم والتحول النوعي. وهذا يتطلب دراسات معمقة وأبحاثا تشمل مختلف المجالات ولا تقتصر على الأدب وحده.
وفيما يتعلق بإمكانيات تطوير الإبداع الأدبي، وهو موضوعنا الرئيس في هذه الدراسة، فإننا نعتقد أننا شئنا أم أبينا سنسير باتجاه التقنية، وقد يكون ذلك أكثر يسرًا وطواعية مع الأجيال القادمة مما هو الحال عليه مع الأجيال الحاضرة، ذلك لأن الأجيال القادمة نمت مع التقنية وترعرعت في كنفها، وصارت جزءا من منظومة حياتها اليومية. ومواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أن الفرد بات أكثر تعلقًا بالفرد الافتراضي للحصول على المعرفة، أو تبادلها وإنشاء روابط صداقة افتراضية. ونحن مطالبون أن نكتب بأدوات العصر وأن نعبر عن إنسان هذا العصر في كينونته التكنولوجية وفي عالمه الافتراضي، وأن نتناول موضوع الأدب الرقمي بالتحليل والمساءلة والنقد. ومع ذلك يجب ألا ننسى أن العالم العربي يواجه تحديات وعقبات كبرى، عليه تذليلها حتى يحقق كل ذلك، ويحقق ما يصبو إليه وهذا يتطلب العمل على مستويات عديدة:
- تنمية مهارات التنور الرقمي لدى الطلاب في مختلف المراحل العمرية من خلال إدراج هذه المهارات كمواد الزامية في مناهج التعليم، وتجهيز المدارس بكافة الوسائل والبنى التحتية اللازمة لمواكبة مهارات التعلم في القرن الواحد والعشرين، وكذلك تأهيل المعلمين لتدريس أسس هذه المهارات من خلال دورات استكمال في مختلف المواضيع.
- العمل على ضرورة تدريس هذا الأدب وعلى كيفية إنتاجه وتلقيه في المدارس والجامعات، ذلك لأن البحث العلمي يضمن تحصين هذا الأدب كظاهرة حديثة وحداثية من الانفلات، ويمنحها شرعية القبول التداول ويحميها من المتعصبين والمعادين لها لأسباب غير علمية.
- افتتاح ورشات عمل واقعية وافتراضية أكاديمية وغير أكاديمية لمحو أمية الحاسوب وتعليم الكتابة الإبداعية الرقمية كما هو متبع في بعض الدول الغربية.
- تخصيص مواقع ومجلات أكاديمية وعلمية لنشر الأبحاث والمقالات والإسهامات الإبداعية في مجال الأدب الرقمي لزيادة الوعي به من منطلق الخصخصة.
- وضع تعريفات واضحة للأدب الرقمي، أنواعه وأشكاله، وتقديم شرح للمصطلحات المتداولة، والتقنيات المستخدمة فيه لمنع اللبس وإزالة الضبابية عن بعض المفاهيم المتعلقة فيه.
- إجراء أبحاث ودراسات تعتمد منهج الأدب المقارن حتى نظل مواكبين للتطورات التي يصل إليها المنجز الغربي في هذا المضمار.
وأخيرا بقي أن نؤكد بأن عملية التغيير المرجوة يجب أن تتم بطريقة تدريجية وصحية وطبيعية، وقد تستغرق وقتا أكثر بكثير مما نتصور.
المصادر
إبراهيم ملحم. (2013). الأدب والتقنية، مدخل إلى الأدب التفاعلي، إربد: عالم الكتب الحديث.
إدموند كوشو (2008). أسئلة النقد في الابداع الرقمي، ترجمة عبده حقي، مجلة اتحاد كتاب الانترنت المغاربة: https://ueimag.blogspot.com/2018/10/blog-post_99.html
أسعد الخفاجي (2004). الثوابت والمتغيرات في الثقافة العربية، الحوار المتمدن:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=15737&r=0
إيمان يونس (2011). تأثير الإنترنت على أشكال الإبداع والتلقي في الأدب العربي الحديث، كفر قرع: دار الهدى للنشر كريم.
ايمان يونس (2012). مفهوم المصطلح هايبرتكست في النقد الرقمي المعاصر، مجلة مجمع القاسمي، باقة الغربية: مجمع اللغة العربية.
تاريخ الكتابة، من التعبير الصوري الى الوسائط المتعددة (2005)، القاهرة: مكتبة الإسكندرية.
ساري حلمي (2005). ثقافة الإنترنت، عمان: دار مجدلاوي للنشر.
سمايرز جووست (2005). الفنون والآداب تحت ضغط العولمة، ترجمة طلعت الشايب، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة.
سعيد يقطين (2008). النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية. المغرب: المركز الثقافي العربي
سمير قطامي (2009). تأثيرات التكنولوجيا في الرواية العربية، الجامعة الأردنية: كلية الدراسات العليا.
زهور كرام(2016). الأدب الرقمي حقيقة أدبية تميز العصر الرقمي، مجلة دفاتر الاختلاف الالكترونية:
http://cahiersdifference.over-blog.net/article-46125368.html
زهور كرام (2009). الأدب الرقمي، أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية. القاهرة: رؤية للنشر والتوزيع.
عبد الله أمجد حميد(2009). مقدمة في النقد الثقافي التفاعلي، بغداد: الزوراء.
عزت السيد أحمد (2000). انهيار مزاعم العولمة، دمشق: اتحاد كتاب العرب.
محمد أسليم (2016). مفهوم الكاتب الرقمي، وزارة الثقافة المغربية: http://www.minculture.gov.ma/index.php/2010-01-11-01-40-04/etudes-essaie/512-mohamed-aslim-ecrivain-numerique-essai
محمد بسطاويس (2011). النص الأدبي بين المعلوماتية والتوظيف، آفاق الإبداع ومرجعيته في عصر العولمة، دمشق: دار الفكر، دمشق، ص 157-158
محمد التلاوي (1998). القصيدة التشكيلية في الشعر العربي، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
محمد سناجلة (2005). رواية الواقعية الرقمية، عمان: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
نازك الملائكة (1967). قضايا الشعر العربي المعاصر، بيروت: دار العلم للملايين.
نبيل علي، نادية حجازي (2005). الفجوة الرقمية. الكويت: عالم المعرفة
نصرالله عايدة، يونس ايمان (2015). التفاعل الفني الادبي في الشعر الرقمي، بيت بيرل: مركز ابحاث اللغة والمجتمع العربي.
Eman Younis (2015). The Concept Of Rhetoric In Arabic Visual Poetry, Texto Digital, Brazil Federal De Santa Catarina:
https://periodicos.ufsc.br/index.php/textodigital/article/view/1807-9288.2015v11n1p118/29792
Dene Grigar (2008). Electronic Literature: Where Is It?, EBR: https://electronicbookreview.com/essay/electronic-literature-where-is-it/
Katherine Hayles (2007). Electronic Literature: What is it?:
https://eliterature.org/pad/elp.html#note85 .
Memmott Talan (2006). Beyond Taxonomy: Digital Poetics and the Problem of Reading, New Media Poetics, Contexts, Technotexts, and Theories, London:Cambridge, Massachusetts.
Reham Hosny (2016). E-Lit in Arabic Universities: Status Quo and Challenges, Hyperrhiz, https://doi.org/10.20415/hyp/016.e06
Rossario Giovanna (2011). Electronic Poetry, Understanding Poetry in the Digital Environment, Jyvaskyla: University print.
Roberto Simanowski (2010). Reading Moving Letters, London: Transaction Publisher.
Yoram Eshet-Alkakai (2004). Digital Literacy: A Conceptual Framework for Survival Skills in the Digital Era, Jl. of Educational Multimedia and Hypermedia ,13(1),93-106
[1] تستخدم اليوم مصطلحات كثيرة للإشارة إلى هذا النوع من الأدب، مثل “الأدب الالكتروني”، الأدب المعلوماتي، الأدب الافتراضي، السايبر أدب، الأدب التكنولوجي، وغيرها. ولكنّا فضلنا مصطلح “الأدب الرقمي” وذلك لسببين رئيسيين: أولا، لتوافقه مع مصطلحات أخرى ذات صلة، نحو “الفجوة الرقمية” و “البلاغة الرقمية”. وثانيًا، لشيوعه أكثر من غيره في الأدبيات الغربية والعربية.
[2] Electronic Literature Organization: https://eliterature.org/
[3]Katherine Hayles (2007), Electronic Literature: What is it?: https://eliterature.org/pad/elp.html#note85 .
[4] Electronic Literature as a Model of Creativity and Innovation in Practice: https://elmcip.net/
[5] جميع هذه أعمال الكاتب متوفرة على موقع “اتحاد كتاب الانترنت العرب”: www.arab-ewriters.com/
[6] http://sanajleh-shades.com/mohammad-sanagleh-winning-bet
[7] http://imzran.org/mountada/
[8] http://dr-mushtaq.iq/My-poetry-works/Interactive-digital/
[9] سمير قطامي (2009)، ص 159.
[10] ظهر مصطلح الفجوة الرقمية على مستوى محلي في البداية، فقد كانت نشأته في الولايات المتحدة عام 1995، بصدور تقرير وزارة التجارة الأمريكية الشهير بعنوان Falling through the net والذي لفت الأنظار إلى الفارق الكبير بين فئات المجتمع الأمريكي في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخاصة الإنترنت، بالنسبة للسود والنازحين إليها من المكسيك وآسيا وامريكا اللاتينية، ولكن سرعان ما اتسع المفهوم متجاوزا النطاق المحلي لينتشر استخدامه عالميا ويصبح بديلا جامعا لمجموع الفوارق بين العالم المتقدم والعالم النامي وبين أقاليم العالم المختلفة من منظور معلوماتي (نبيل علي، نادية حجازي (2005)، ص 26)
[11] نبيل علي، نادية حجازي (2005)، ص 32.
[12] نازك الملائكة (1976)، ص 38.
[13] يونس إيمان (2011)، ص 113
[14] إبراهيم ملحم (2013)، ص 26.
[15] Roberto Simanowski (2010), p. 17
[16] https://www.youtube.com/watch?v=aehlMo644ZU&t=102s
[17] Reham Hosny (2016).
[18] عايدة نصر الله، إيمان يونس (2016). ص 19
[19] محمد التلاوي (1998)، ص 14-28
[20] أسعد الخفاجي (2004).
[21] سعيد يقطين (2008)، ص 58.
[22] ن.م ص 96-97.
[23]Yoram Eshet-Alkakai (2004), PP 93-106.
[24] Dene Grigar (2008).
[25] http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4821091,00.html وانظر: http://www.oecd.org/
[26] إبراهيم ملحم (2015)، ص 41.
[27] انظر: http://eur-lex.europa.eu/legal-content/BG/ALL/?uri=URISERV:c11046.
[28] Reham Hosny (2017).
[29] انظر: http://www.uis.unesco.org/literacy/Pages/literacy-day-2015.aspx
[30] ipid
[31] انظر على سبيل المثال لا الحصر: المنهج الفلسطيني للصف التاسع: https://shobiddak.com/courses/135، المنهج المصري للصف السادس http://aafwag.alafdal.net/، المنهج السوري للصف الثالث ثانوي http://www.nccd.gov.sy/…/Seco…/G12/Arabic-Bac-scientific.pdf
[32] Reham (2017).
[33] محمد أسليم (2016).
[34] Katherine Hayles (2007).
[35] عزت السيد أحمد (2000)، ص67.
[36] سمايرز جووست (2005)، ص 212-214
[37] حلمي ساري (2005)، ص207
[38] http://hyperrhiz.io/hyperrhiz16/introduction/1-introduction.html
[41] http://www.wordcircuits.com/
[42] http://www.hermeneia.net/index.php?option=com_content&view=article&id=2300&Itemid=522
[43] http://revuebleuorange.org/
[44] http://www.rilune.org/ENGLISH/mono5/digitallit.htm
[45] http://www.dichtung-digital.de/
[46] http://beehive.temporalimage.com/
[47] http://arab-ewriters.over-blog.net/
[48] ادموند كوشو (2008).
[49] ن.م
[50] محمد بسطاويس (2001)، ص 157-158
[51] ن. م، ص 105.
[52] عبد الله أمجد حميد(2009)، ص 21-26
[53] نصرالله عايدة، يونس ايمان (2015)، ص 172
[54] Memmott, Talan (2006), p. 305
http://jilrc.com/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9%D8%8C-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA/