-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

النقد الرقمي ومستقبل السرد مع الوسائط الحديثة: بقلم: السيد نجم

شكلت التقنية الرقمية الجديدة قوام الحياة اليومية للأفراد (وإن إختلفت من مكان إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى).. فزادت المعلومات وعلت المعرفة، حتى أصبحت تقود
إلى الثروة والتحديث، من خلال "الإبداع" و"الإبتكار"، سواء فى الثقافية أو فى الإقتصاد.
ففي مجال الإبداع الأدبي الرقمى، شهد عام1968م من القرن الماضي أول النصوص الإبداعية (بعد الظهر- مايكل جويس). وبرز السؤال حول طبيعة "النص الرقمي" وهويته، كما برز السؤال: ماذا عن القارئ/ المتلقي/ المستهلك/ المتصفح، وماذا عن القراءة؟ هل من إشتراطات لقارئ جديد؟ ثم ماذا عن تأثير تلك التقنية الرقمية الجديدة على النص الرقمى، وجماليات النص الأدبى الجديد؟ وبالتالى أصبح عن إجابة هو البحث عن محاور النقد الرقمى الجديد.
لقد تشكلت بعض المفاهيم المتجددة مع التقنية الرقمية، ما يلزم التوقف معها، والتعرف من خلالها، على ذلك التأثير المتبادل، ما بين ثوابت المفاهيم والتقنية الرقمية:                            * ما اللغة؟.. لعل الإقتراب من تعريف اللغة، هو التعرف على كونها وسيلة- بحسب تعريف اللغويين والفلاسفة- أي من خلال "الوظيفة"، وظيفة اللغة، حيث هي وسيلة التواصل والتماثل بين الأفراد والجماعات. فهي شفرة الإتصال وصورة تمثل الأشياء والعالم والكون كله إلى أنفسنا. فباللغة نتعارف معاً ونتعامل أكثر عمقاً، وبها نعلم تصنيف الأشياء. ومن المتفق عليه أن هناك قراءة للموسيقى والفنون التشكيلية وغيرها، دون الحاجة إلى الأبجدية (غير الموظفة أصلا في إنتاجها). وقد أصبحت هي نفسها (أى الموسيقى) من مفردات اللغة الرقمية في مجال "الإبداع الرقمي".. حيث تتشكل أبجدية نصوص الإبداع الرقمى من: الصورة- الصوت- اللون- الحركة- الكلمة.
* ما القراءة؟.. هي عملية إرادية، متفق على قواعدها، لفك طلسم ما، وتحويله من رمز إلى معنى ودلالة متفق عليها سلفا، وهو المعنى البارز في قراءة اللغات، سواء المعتمدة على الشكل "مثل الهيروغليفية"، و"المسمارية"، و"الصينية"، أو المعتمدة على "حروف الأبجدية" التي عرفتها أغلب اللغات في العالم فيما بعد.
* ما السرد؟..  للكتابة أساليب عدّة كأدوات بين يدي الكاتب؛ حيث يختار الأداة التي تناسب ما يطمح لإفكاره ومشاعره، والسرد من الأساليب المتّبعة في القصص والروايات، ويعدّ أداةً للتعبير الإنساني، ويقوم الكاتب بترجمة الأفعال والسلوكيات الإنسانية، والأماكن إلى قوالب من المعاني بأسلوب السرد، وبذلك يكون الكاتب قد قام بتحويل المعلومة إلى كلام مع ترتيب الأحداث. وفي السرد تتلاشى الحاجة لشرح أفكار أو لتلخيص المراد أو إعطاء مواعظ، وإن حصل ذلك فهو زيادة وحشو، قد يُسبّب ضعفاً لهذا الأسلوب، وله تأثير سلبي على بنية النص وتركيبته.
للسرد صيغ متنوّعة؛ حيث يمكن أن يروى شفهياً أو كتابةً أو أن يكون عن طريق الصور والإيماءات، وقد لعبت التقنية الرقمية دورها الفاعل فى مجمل تلك المناحى الأسلوبية. وهنا يجىء دور النقد الرقمى الجديد من حيث تصنيف وتوصيف وتحليل النصوص التى إستفادت ووظفت الخواص والملامح الرقمية فى سرود النصوص الروائية المختلفة.              
* ما علاقة المعرفة واللغة بالإبداع؟.. أما وقد إتسمت التقنية الرقمية الجديدة، بالقدرة الهائلة على توفير "المعلومة/ المعلومات"، بات من الطبيعى البحث بعلوم جديدة حول تحويل تلك المعلومات إلى معرفة، قادرة على إضافة الجديد للفكر الإنسانى.
تلك المعرفة المتوقعة مع التقنية الرقمية، تعتمد على توظيف لغة أكثر تعقيدا من لغة "الأبجدية"، مع توظيف ملكة الإبداع. وقد حاول البعض تعريف "الإبداع" بكونه الإتيان بالجديد، وهو تعريف غامض، فليس كل جديد يعد إبداعاً. لعله تعريف ناقص لم يعط الإبداع الفني والأدبي دلالاته (الإبداع الجمالي).. ذلك الجمال الذي هو نتيجة ملكات أعلى (التفكير) والتي تميز الإنسان عن غيره من الكائنات. ومع معطيات الرقمية أو التكنولوجيا الجديدة في الإتصال والإعلام، بكل وسائطها المرئية والمسموعة والمكتوبة والممغنطة والإلكترونية، تصبح الأسئلة التالية مطروحة ومشروعة:                                                                                                                 ماذا عن حال الإبداع فيها؟                                                                                     وما تأثيرها على المتلقي؟                                                                                     وهل هناك مفهوم جديد للإبداع بالنظر إلى هذا المعطى الجديد، وبالتالي كيف نقرأ معطيات "الإبداع" الجديد والمتاح أيضا؟
* عناصر الإبداع الرقمى الجديد..  وسائط التقنية الرقمية، هي: الصورة– الصوت- اللون، ثم الحركة، وتجيء الكلمة في النهاية (بعد أن كانت قبلا "الكلمة" في المقدمة). وهو ما يعنى أن "النص الرقمي" متعدد الأدوات، ومتنوع، يخاطب الأحاسيس والمشاعر ولم يتخل عن العقل.                              سوف نتناول عنصرى "الصورة" و"الصوت"، أكثر تفصيلا، نظرًا لسيادتهما على التقنية الجديدة في كل المجالات، حتى سمى العصر الجديد بـ "عصر الصورة"، وإمكانية مشاركة الصوت فى كافة الإبداعات المختلفة.. (وهناك اللون والحركة والكلمة.. ولها مجالا آخر تفصيلا)
: "الصورة" نصاً ثقافياً: الآن لا يمكن تصور الحياة المعاصرة من دون الصورة. فالصورة حاضرة في الأسواق وفي الوسائل التعليمية، وعبر الإعلام والفنون المرئية، وأخيراً على شاشات أجهزة الكمبيوتر.
تعريف الصورة ودورها.. يشتق المصطلح من كلمة لاتينية تعنى "محاكاة"، وفي المجال السيكولوجي مترادفة مع: "التشابه"، "النسخ"، "إعادة الإنتاج"، وفى العربية تعنى: "هيئة الفعل"، "الأمر وصفته".  أما "الصورة الرقمية" المولدة بالكمبيوتر فقد أدت إلى تحولات جذرية في الثقافة الإنسانية، نظراً لدورها كمعلومة، مع سهولة الحصول عليها والتعامل معها، ثم تخزينها وإنزالها.
وعلاقة الصورة بالإتصال الأدبي أساسية لأن الصورة واحدة من أهم وسائل الإتصال، فقد وضع "شارل بالي" الصورة الأدبية في الإتصال الشفاهى جوهر المجاز، وإعتبر المجاز معياراً للتميز بين المكتوب والمنطوق. ما جعل الأنثروبولوجيين يعتمدون على الفولكلور الشفهي بوصفه مفاتيح لفهم أفضل للثقافة. أما وقد كانت "الصورة" من خلال البحوث الأدبية محددة بالوظيفة الإستعارية للصورة اللفظية.. أصبحت "الصورة" في مرحلة تالية تعامل بوصفها "نصا ثقافيا".
المقصود بهذا المصطلح الجديد، كون الصورة وحدها قادرة على خلق حالة معرفية وشعورية تغنى عن الكثير بل والكثير جداً من الكلمات (كما فى صورة الطفل الفلسطينى الذى يحمل حجراً بيده فى مواجهة دبابة إسرائيلية، وقد أصبحث أيقونة ورمز الإنتفاضة الأولى والثانية).
* الصوت معضد للصورة في اللغة الرقمية.. يعد الصوت وسيط هام بين الإنسان والبيئة التي يعيش فيها، وهو عادة يقسم إلى صوت مرتفع وآخر منخفض. أو أصوات منفرة وأخرى محببة. وقد بدأ الموسيقى "شيفر" دراساته حول كون الصوت مجال هام في الإتصال، أو "الإتصال الصوتي". وقد تبعه في البحث "تروا"، الذي خلص إلى أهمية الصوت في كونه وسيلة لتبادل المعلومات، وخلص إلى أنه عادة يرجع الصوت إلى السؤال: ما أو من؟ أي السؤال عن مصدر الصوت، إلا أنه لاحظ أن بيئة المستقبل، يمكن أن تتقبل أصواتا ربما حادة أو منفرة، مثل تلك الصفارة (الصوت الحاد) التي تسبق تشغيل الإنترنت، ومع ذلك لا يشعر المستمع بالنفور، لأنها تهىء المستمع إلى الدخول في الشبكة العنكبوتية.
وقد أنتج الباحث/ الموسيقى ما يعرف بـ "الموسيقى البيئية"، وذلك بأن قام بتسجيل بعض الأصوات الموسيقية، ثم قام بتمديد الموجات الصوتية، فبدت وكأنها تذاع بالسرعة البطيئة، وهو ما يجعل المستمع لها يشعر بإحساس وكأنه داخلها.
* بلاغة جديدة لتقنية جديدة:                                                                          هناك أربعة مصطلحات لتعريف بلاغة الوسائط الجديدة: البلاغة الرقمية Digital Rhetoric/ البلاغة الإلكترونية Erhetoric/ البلاغة المرئية Visual rhetoric/ بلاغة الإنترنت Web Rhetoric فإذا كانت الرقمية وبلاغتها تعني: فن الإقناع في وسائل الإعلام الإلكترونية، أو فن توجيه المحتوى- في أنواع جديدة من الخطاب: كالبريد الإلكتروني، صفحات المواقع، ألعاب الفيديو، المدونات، والصور المعدّلة ليناسب الوسط الذي يُقدم عبره (الإنترنت).. ولا يمكن إغفال النص الأدبى أساساً.
"البلاغة" هنا تهتم بالعلاقة بين الصورة والنص (في النص الأدبى والأفلام، الإعلانات، صفحات الإنترنت، الخ)، الصور في البلاغة المرئية تعبيرات عقلية عن المعني الثقافي. يستوعب مصطلح بلاغة الإنترنت جوانب جديدة للدراسة، قد يساعد في تفسير كيفية الإقناع/ التأثير في هذه البلاغة، عندما يُعاد تشكيلها في الوسط الإلكتروني، والأهم أنه يساعد في تفسير كيف يدعم الإتصال طرق التعبير عن الذات والإبداع المشترك؟
فبلاغة الإنترنت تقاس علي جانبين: الجانب الأول "الإعتبارات الوظيفية" (مجموع ما يجعل الموقع مُستخدما بسهولة، ومُفضلا)، والجانب الآخر "الإعتبارات الجمالية" (الإعتبارات المرئية، النصية، والتفاعلية).
الإعتبارات الوظيفية:                                                                                         فهى تقع ضمن مهام الفنى أو المهندس التقنى، وهو من يقدم البرامج والآليات التى تمكن المستخدم من إنتاج النص الرقمى الجيد أو لنقل على أعلى درجة من الجودة، سواء كان نصا تجاريا كما الإعلانات أو فى المنتج الفنى كما الأفلام والروايات وغيره.
إعتبارات جمالية:                                                                                                لم تعد القراءة بالمعنى التقليدى شرطاً وحيداً عند مطالعة النص الابداعى الرقمى، نظراً لغلبة الصورة، ولأن ما يُقرأ لم يعد بنية خطية بالضرورة (أى بتوظيف الأبجدية اللغوية التقليدية). و بات قارئ صفحات الإنترنت هو كاتب أيضا، سواء كان النص إبداعياً أو غير إبداعى (فالنصوص الإبداعية المعتمدة على التفاعلية شاعت- وإن بدت المقالات من أوائل النصوص توظيفا للتفاعلية بين الكاتب والقارىء).                                                                     كما لا تشغل الكلمات في وسط الإنترنت بالطريقة التي إعتدنا عليها، بل تذوب مع المحتوى في التصميم المرئي، سقطت سطوة الكلمات التي ترجع إلى مسيرة الأبجدية الصوتية والتتابع المنطقي للجمل، تراجعت أمام سطوة الأيقونات والصور المحملة بالأفكار والإنفعالات (وهو ما يلاحظ أيضا فى غير النصوص الرقمية الإبداعية، بخاصة أوساط غرف الدردشة/ الشات أو المحادثات الفورية، والمنتديات).
.. الخصائص الجمالية للغة البجدية (الكلمات):                                                        وضوح النص في هذه السياقات أفضل من جودته، حيث الجمل الكاملة/ الفقرات المحكمة/ المحسنات البديعية تغدو عبئا ثقيلا على النص يهدد إستمراره، والتفاهم المشترك يعد هدفا فى ذاته. وهو ما يبرر حالة الإختصارات المتعلقة بالتعبيرات، وكثرة توظيف علامات الإستفهام والتعجب، وإدراج مفردات من اللهجة العامية، وغيره. وكلها بهدف التمرير السريع للأفكار والمفاهيم، في زمن محدود وبضربات قليلة على لوحة المفاتيح، التلقائية، التركيز على اللحظة الحاضرة، مبادئ أساسية في الكتابة للإنترنت، لأن السياق المتدفق يتطلب تعليقات عاجلة، لا يوجد مجال للإستطراد والشرح، هناك ضرورة تقنية لأن يكون التعبير موجزاً.
.. الخصائص الجمالية لذائقة الكتابة والقراءة معا:                                                        لقد أنتجت "الشاشة"/ الكمبيوتر والتقنية الرقمية، ذائقة جديدة بالكتابة والقراءة معا، نظراً لتغييرات عديدة جوهرية، ومنها:                                                                                "الكتابة" بإعتبارها ورشة مفتوحة على الدوام: وهو الجانب الأول، بعد أن فتح الكمبيوتر أمام الكتابة آفاقا عديدة، (إمكانية إدراج الصورة والصوت في النص المكتوب.. وقابلية الإستنساخ السريعة واللانهائية.. وتحميل النص على نصوص أخرى كتابية أو سمعية أو مرئية، وتحميلها إلى نص آخر عبر الروابط التشعبية.. بالإضافة إلى إمكانية تحوير الكتابة والنصوص بالإضافة أو الحذف، مما يجعل النص أشبه بورشة عمل لا تنتهي.. (وما يقال عن الكاتب، يمكن أن يقال عن القارىء، لأنه يملك أسرار التقنية أيضا).
الخصائص الجمالية لصفحة الكتابة الرقمية (الشاشة): للوهلة الأولى يجب النظر إلى الشاشة بإعتبارها جسداً رباعي الأبعاد؛ فبالإضافة إلى الطول والعرض والصفحة، ثمة بُعد رابع غير مرئي بمثابة متاهة أو عمق لا متناهٍ يتضمن في الحقيقة مجموع النصوص الموجودة في الشبكة..
 "القراءة" المتشظية: كما أن الملمح الثاني للقراءة، يتمثل في تشظية النصوص أو القراءة الشذرية، أى إمكان قراءة محور فى النص دون غيره، بالالتزام ببعض الروابط "اللينكات" دون غيرها.
.. سمة جديدة ل"الكاتب الرقمى":                                                                            فلم يعد هو الكاتب التقليدى، بعد أن أصبح القارىء التقليدى قادرا على الدخول والمشاركة فى النص.
.. "التوثيق العميق" وهو من أهم معطيات التقنية الرقمية:                                                 أخيرا، مع الرقمية بات حلم الإنسان بالتوثيق منذ آلاف السنين؛ وقد أثمر مشروع مثل مكتبة الإسكندرية في جمع المعارف البشرية المعروفة. وحلم الشاعر “لويس بورخيس” بما أسماه بـ “المكتبة الكونية” التي تضم في رفوفها كل كتب العالم. نشير إلى أن الموسوعة البريطانية الآن في علبة من الأقراص الممغنطة، بينما وضعها ورقيا يملأ حوائط ثلاث غرف كبيرة. وقد نشر قريبا قرص واحد يضم التراث الشعري العربي كله حتى منتصف القرن الماضي، وبعشرة جنيهات مصرية فقط.
*******  
**السؤال حول النقد الرقمي، طبيعته ومواصفات الناقد الرقمي الجديد؟
أولا: ماهية النقد الرقمي..                                                                                  لعل محوري النقد الأدبي الآن (بصرف النظر عن النقد الرقمي)، هما التعامل مع "النص" باستخدام المنهج الداخلي (بحسب ما قال به "رينيه ويلك" في "نظرية الأدب")، وهو بذلك إنتقل بالنقد من المنهج التاريخي "اللانسونية" نسبة إلى "جوستاف لانسون" إلى التعامل المباشر مع النص، على أساس أنه وحدة متكاملة مستقلة.. حيث إقترب النقد من دائرة علم الاجتماع الأدبي، من خلال دراسة النص من الخارج: من خلال حياة الكاتب، وعلاقته بالمجتمع، وعلاقة النص ذاته بالمجتمع، وكلها أمور تخرج عن إطار النقد الأدبي في نظر البعض. بينما تقوم (البنيوية مثلا) على أساس إستخدام وسائل وأدوات خاصة كمفاتيح لفهم النص الأدبي وتحليل مكوناته.
أما المحور الآخر في نقد النص الأدبي، فهو ما قدمه "النقد الثقافي" بالنظر إلى النص، وكأنه مغلق على ذاته، ولا شيء خارجه، وفى الحين نفسه يعلن عن إمكانية الإستفادة من المناهج التي تتناول الخلفية التاريخية، وتأويل النص، والإستفادة من الموقف الثقافي النقدي.    
فيما ينظر إلى مستقبل الكتابة أنه مرتبط بشكل مباشر بنوع الحياة التي يعيشها الإنسان، وقدر المتغيرات التي بدأت تمس حياته. لعل جوهر التغيير في الفنون كلها عموما، وقد بانت بشائرها هو تحولها من الفن البسيط إلى الأكثر تعقيدا.. تحولها من التقديم البسيط للخبرات والرؤى إلى فنون تستوعب الخبرات ولا تقدم حلولا جاهزة أو معان محددة بقدر ما تقدم إثارة ما لخبراته أي يصبح (المتلقي مشاركا أكثر عما قبل).. وبالتالي أصبح من الضروري الاستعانة بفهم نقدي يعين الكاتب والقارئ معا. هناك عدد من المهام على النقد الرقمي التعامل معها، وبانجاز تلك المهام تتحدد هويته من خلال وظيفته.(مع الوضع في الإعتبار أن المقصود ليس النقد الرقمي الأدبي وحده)، تلك المهام هى:
: "صعوبة" التعامل مع الإبداع الرقمي..                                                         صعوبة قراءة عمل جديد طويل (مثل الرواية) أو حتى قصير (مثل القصيدة) على شاشة الحاسوب يرجع بداية إلى عدم الاعتياد على القراءة المباشرة على شاشة الحاسوب.. فضلا عن كون العمل الابداعى الرقمي، غير تقليدي، فهو ليس سرديا بالكامل، وليس موسيقيا أو مشهديا بالكامل أيضا.. إلا أن تلك الصعوبة تخص أولئك الذين اعتادوا على القراءة من خلال الكتاب الورقي المطبوع، هؤلاء سيجدون صعوبة في التأقلم مع القراءة من خلال شاشة الكمبيوتر، وهي صعوبة مؤقتة سرعان ما تزول مع الاعتياد على القراءة من خلال شاشات الكمبيوتر، إن العلاقة بين النص ومتلقيه هي علاقة جدلية، وتعتمد على الطرفين، وحالة من التفاعل المشترك بين النص والمتلقي.. وليس من حل سوى أن يتولى النقد الرقمي تحليل مبررات تلك الصعوبة المفترضة، هل من طول مدة القراءة, أو طول العمل, أو طبيعة وجوهر العمل الابداعى (مملا فتكون قراءته صعبة.. وهكذا) بالتالي فإن مهمة النقد الرقمي هي إرشاد الكاتب والقارئ إلى مواضع المتعة في الإبداع الرقمي، والتوجيه لتجاوز تلك الصعوبة.
: التعريف بأسرار العمل الابداعى الرقمي..                                                           أي تقريبه إلى القارئ العادي مع شرح المصطلحات المتداولة، مع المفاهيم والتقنيات المستخدمة، وهي المهمة الأخرى التي يجب على النقد الرقمي التصدي لها. وبذلك يزكى المتعة التي هي الهدف الأسمى من العمل الابداعى.. فالمؤثرات البصرية والسمعية المستخدمة كفيلة بأن تجعل القارئ في حالة من المفاجأة المستمرة، والترقب. فقارئ الإبداع الرقمي سوف يجد عالماً جديداً، فيه من التقنيات الفنية ما يتقابل مع فنون أخرى غير فنون الكلمة، مثل "المونتاج" و"المكساج" و"الموسيقى التصويرية"، و"الإخراج الفني"، بالإضافة إلى توظيف تقنيات الكمبيوتر نفسها.. مع توظيف برنامج "الفلاش ماكرو ميديا" والعارفين بدهاليز التقنية وتطوراتها المتلاحقة في العالم يعرفون أن برنامج الفلاش هو مستقبل برامج تصميم صفحات الويب في العالم، وقد عبر "سناجلة" عن هذه الفكرة في حوار معه حول تجربته الإبداعية الرقمية:«إنه في اللغة المستخدمة في كتابة رواية الواقعية الرقمية لن تكون الكلمة سوِى جزء من كل، فبالإضافة إلى الكلمات يجب أن نكتب بالصورة والصوت والمشهد السينمائي والحركة. كما أن الكلمات نفسها يجب أن ترسم مشاهد ذهنية ومادية متحركة، أي أن الكلمة يجب أن تعود لأصلها في أن ترسم وتصور، وبما أن الرواية أحداث تحدث في زمان ضمن مكان، وهذه الأحداث قد تكون مادية ملموسة أو ذهنية متخيلة فعلى الكلمات أن تمشهد هذه الأحداث بشقيها. وعلى اللغة نفسها أن تكون سريعة، مباغتة".
: وضع المعايير المساعدة..                                                                           على إبراز خصائص العمل الابداعى الرقمي، فلا يقل أهمية عما سبق من مهام نقدية. ففي جنس الرواية الرقمية (مثلا) يفضل إلا تزيد عن خمسين صفحة (إذا اعتبرنا أن قراءة ومتابعة الصفحة تحتاج إلى دقيقتين على الأقل لقراءتها، أي تحتاج الرواية إلى مائة دقيقة وهى فترة مناسبة جدا ومع عناصر التشويق لن يشعر القارئ بالملل).. كما أن استخدام الجمل القصيرة، والحوار السريع المختصر.. بالإضافة إلى توظف الكلمات الخبرية التي ترسم الصورة أفضل في الدلالة عن تلك الانشائيه.
: شرح وتوضيح البرامج والتقنيات المستخدمة..                                                   في العمل الابداعى الرقمي، مع إبراز مزاياه وضروراته في العمل، كإضافة فنية وليس حلية جماليه أو استعراضية لإمكانات المبدع الرقمي.
: التوعية لتفادى سلبيات "الواقع الافتراضي" مع مزاياه..                                      حيث أن الواقع الافتراضي ينقسم إلى ثلاث حالات.. "واقع افتراضي يخلق حالة من التوحد الكامل بين المستخدم والحاسوب، بحيث لا يشعر سوى هذا العالم المصنوع، وبقدرته على التعالم داخله بمقدره وبساطة وحرية، بينما لا يستطيع المستخدم الانفصال عن واقعه الافتراضي ، فور مغادرة الحاسوب، ويبقى معلقا بواقعه الافتراضي".. و"واقع افتراضي محدود، تلك التي بين المستخدم وأجهزة المحاكاة (simulators) مثل أجهزة قياس تأثير الجاذبية الأرضية".. و"واقع افتراضي خارجي، حيث يعيش المستخدم مع شاشة الحاسب، منفصلا دون الشعور بالتواجد داخل واقعه المصنوع، كما يظل المستخدم معلقا، إلا أنه قادر على الانفصال فور مغادرة المستخدم للجهاز ".
: الكشف عن عقبة "التكنو اجتماعي"..                                                                  وهى العقبة الناتجة عن بروز بعض المشكلات عند تماس ما هو تكنولوجي وما هو اجتماعي وسلوكي، ليقوم النقد الرقمي بشرح الحقائق والبحث عن الحلول.
: الدعوة إلى توفير المعلومات والبيانات والإحصاءات..                                            والسعي لفض الاشتباك بين المعلوماتية والبيروقراطية ونظرة التخوف والشك مع المعلوماتية.
: البحث عن الأسئلة المتجددة في الساحة الرقمية..                                                     ماذا نريد من المعلوماتية؟ ما المشكلات الواجب مواجهتها بالمعلوماتية؟ ما هي الطموحات في المجالات المختلفة وحلها بتوظيف المعلوماتية؟.. وغيرها من الأسئلة التي تتوالد عنها.
: البحث في جوهر ودقائق خصائص الثقافة الرقمية..                                                   لم يعد "النقد" منفصلا عن جوهر العملية الإبداعية، بحيث بات على النقد دراسة قضايا "غلبة الصورة على الكلمة في الثقافة الرقمية- آفاق الانجازات المتوقعة بفضل توظيف التقنية الرقمية.. وغيرها". 
** الآن الإقتراب من تعريف هوية النقد الرقمي                                                        هو:  "التناول الموضوعي الواعي بأسرار التقنيات السردية/المشهدية، بالإضافة إلى أسرار التقنيات التكنولوجية، في تحليل العمل الابداعى الرقمي، وإبراز عناصره الأولية التي شكلته، ثم بيان قدرة المبدع الرقمي في توظيف هذا العنصر أو ذاك، وبأي درجة نجاح تحقق توظيف هذا العنصر في البناء الكلى للعمل الابداعى الرقمي."
وهو: "جملة أدوات الناقد الرقمي ووسائله المتاحة في فهم وتفسير العمل الابداعى الرقمي، منها المدخل التقني البحت، أو المدخل الابداعى البحت، وأخيرا المدخل المزدوج سواء التقني والجمالي في تعامل الناقد الرقمي مع العمل الرقمي."
بذلك قد يتفق النقد الرقمي مع النقد الأدبي المتعارف عليه في كونه.. يرفض أحكام القيمة، أي إطلاق الحكم المطلق بأن العمل سيء أو جيد، بل يعتمد على التحليل وإبراز مواطن القوة والجمل ومواطن الضعف دون إصدار أحكاما نهائية. وأيضا يمكن أن يتفق مع النقد الأدبي التقليدي في تنسيب العمل الابداعى الرقمي إلى مذهب ما كأن يكون العمل رومانسيا أو واقعيا أو اجتماعيا.. بينما لا يتفق مع النقد الأدبي السردي في تنسيب العمل الابداعى الرقمي إلى مدرسة أدبية ما مثل البنيوية والشكلانية والتفكيكية (تلك التي تعتمد على الأسلوب، أي الكلمة وتركيبتها). هكذا قد تقترب هوية النقد الرقمي من النقد السينمائي والمسرحي، وتبتعد قليلا عن النقد الأدبي السردي.
ثانيا: مواصفات الناقد الرقمي                                                                             إذا كان العرف يشير إلى أن الكاتب/ المبدع (عموما) يتميز بقدر وافر من الخيال الحي والخصب، مع المثابرة على الانجاز، امتلاك الرؤية المستقبلية، الإحاطة بالواقع المعاش، خصوصية التناول والمعالجة الفنية لأفكاره.. وغيرها من الملامح الضرورية لإنتاج فن إبداعى جاد وحقيقي. كما لا يقل أهمية لإنتاج حلول وعمليات تجارية وفنية ما لا تقل أهمية عن الإبداع الفني. فان الناقد لا يقل عنه إحتياجا لتلك الملامح، والناقد الرقمي أكثر إحتياجا إلى أهمية الربط بين المنجز التقني والإبداع، وربما يلزم أن يكون أكثر حنكة من الكاتب/ المبدع/ المستخدم النشط الرقمي في جانب المنجز التقني، حتى تصبح أحكامه وآرائه محل تقدير.
مؤكد أن مهمة الناقد الرقمي رائدة وثقيلة، لذا عليه أن يتسلح بالعديد من الأسلحة المعرفية، لعله يحقق نجاحا هو موضع إهتمام الحياة الثقافية الآن ولفترات طويلة قادمة.. من خلال السؤال المحوري: كيف تم التعبير، وليس عم عبر؟ وكيف بحث في المشكلة/ المشكلات، وليس عم طرح من مشاكل في مجالات التعليم والتجارة والإعلام وغيرها؟
: على الناقد ألإلمام بأسرار الكمبيوتر ولغة البرمجة، وعليه أن يتقن لغة ال HTML  وغيرها.. كما عليه أن يعرف فن الجرافيك والإخراج السينمائي، أن يعرف فن ال Animation. .. الكتابة بالصورة المتحركة والثابتة.. إستخدمت مؤثرات بصرية وسمعية مختلفة، باستخدام برنامج الفلاش ماكرو ميدياً.. طرق الاستعانة بمقاطع من أفلام سينمائية.. وغير ذلك من إمكانات التقنية المتاحة.
: أن يكون ملما بأسرار فنون الكتابة السردية.. سيناريو السينما وكتابة المشاهد المسرحية.. أسرار الكتابة الشعرية من موسيقى وصور فنية وأوزان وغيرها.
: أن يكون ملما بأبعاد القضية/ المشكلة المطروحة للبحث، في المجالات المعرفية والاقتصادية والإعلامية المختلفة.
: مع الوضع في الاعتبار أن المنفذ الفعلي للتقنيات المهارية، ربما مبرمج أو مهندس، أو تقني ما، ومع ذلك يلزم أن يكون الناقد متابعاً عن فهم.
: أن يكون الناقد ذات معرفة تاريخية للتقنيات التكنولوجية، مع الإلمام بخصائص كل مرحلة، والمعطيات التقنية الجديدة.. وهو ما يكفى الناقد الرقمي العام (في غير النقد للأعمال الإبداعية الرقمية).
: أن يملك الناقد الرقمي حس وفهم وخبرة الناقد المتعارف عليه أولا، ثم يضاف إليها كل ما سبق من خصائص واجب توافرها.. في حالة التخصص في مجال النقد الرقمي الأدبي أو غير الأدبي.
: قد يكون التخصص النقدي حاليا غير متاح، إلا أنه مستقبلا يفضل الناقد الرقمي المتخصص. فالناقد الرقمي أمامه مجالات عديدة وهامة، مثل مجالات "الأدب بفروعه"، "التعليم"، "الإعلام"، "الاقتصاد والتجارة".. وغيرها من المجالات التي قد تجعل من الناقد الرقمي رائدا إجتماعيا في تلك المجالات وغيرها، نظرا لكونه حلقة الوصل بين العامة والمستجدات العالمية في عالم الثقافة الرقمية الجديد، والذي يمثل أحدث المعطيات العلمية.
: الوعي بسلبيات "الصورة"، مثلما الوعي بكل معطياتها الايجابية، مثل معطى السماء المفتوحة وتأثيرها على خصوصية الشعوب، عدم مراعاة الصورة للمراحل السنية بالنسبة للأطفال.
: الوعي بسلبيات الشبكة العنكبوتية، مثل سهولة النشر وإقدام البعض على نشر ما يعد تجارب أولية وغير جديرة بالنشر، وأيضا السرقات الفكرية نظرا لاتساع مجال الاطلاع والنشر.
*مما سبق، قد يشتمل النقد الرقمي على المباحث التالية:                                          *نقد رقمي تنظيري.. وهو النقد الرقمي الذي يعتني بالنظر إلى الجوانب التنظيرية في الثقافة الرقمية، مثل معطيات التقنيات التكنولوجية الجديدة ومنجزاتها والبحث في تأثيراتها. وهو ما تمثل في بعض المحاور مثل "علاقة الصورة بالأدب الرقمي"..                                    *نقد رقمي تطبيقي.. وهو المتضمن النقد الرقمي المتخصص في احد المجالات الرقمية، مثل الإبداع الرقمي، أو أي مجال آخر.                                                                     *نقد رقمي تاريخي ومستقبلي.. وهو الذي يتضمن تفاعل الناقد الرقمي مع المعطيات التاريخية للتقنية الرقمية، واستشراف المعطيات المستقبلية، في كافة محاور الثقافة الرقمية.            كلمة: المتابع لمعطيات البحث في الثقافة الرقمية.. سواء في الإبداع الرقمي أو غيره، حتما سوف يتعاطى العديد والعديد الكثر من الأبحاث والدراسات الجادة في مجال النقد الرقمي، وبعض تطبيقاته المختلفة والمتنوعة. ولن ننتظر طويلا، حتى نجد التصنيفات والتنويعات المختلفة للنقد والناقد الرقمي العربي.. حتى أنه يبدو الآن أن الرفض المعلن عند البعض، حول الإبداع الرقمي، غير مبرر.
*************
**نبؤة الإبداع السردى فى المستقبل!                                                    لعله من المناسب النظر إلى جملة المتغيرات الجمالية الفاعلة بسبب التقنيات الجديدة وعلاقتها بالسرد:                                                                                                     : "القارئ" للنص الأدبى الرقمى على صفحات الإنترنت هو كاتب أيضا- حسبما ورد.
: "القراءة" بالمعنى التقليدي ليست شرطاً وحيداً لما يحدث عندما نطالع نصا إلكترونيا، لأن ما يُقرأ لم يعد بنية خطية بالضرورة. كما لا تشغل الكلمات في وسط الإنترنت بالطريقة التي إعتدنا عليها، بل تذوب- مع المحتوى- في التصميم المرئي، سقطت سطوة الكلمات التي ترجع إلى مسيرة الأبجدية الصوتية والتتابع المنطقي للجمل- تراجعت أمام سطوة الأيقونات والصور المحملة بالأفكار والإنفعالات، سواء فى التناول التقليدى على مواقع الشبكة (غرف الدردشة/ المحادثات الفورية/ والمنتديات.. وغيرها)                                                              وقد حاول المبدع توظيف تلك الخاصية بتوظيف المرئى والمسموع مع الكلمة الأبجدية فى النصوص الأدبية الرقمية.
: "الكلمة" بالنص السردى.. وضوح النص في هذه السياقات أفضل من جودته، حيث الجمل الكاملة/ الفقرات المحكمة/ المحسنات البديعية تغدو عبئا ثقيلا على النص يهدد إستمراره، والتفاهم المشترك متاح بدون صفاء النص وإكتماله، كما في حالة الإختصارات المتعلقة بالتعبيرات المختلفة.. (بعيدا عن النص الأدبى، تشكلت لغة جديدة للتحاور مع توظيف الوسائط الحديثة).
: التمرير السريع للأفكار والمفاهيم، في زمن محدود وبضربات قليلة على لوحة المفاتيح، التلقائية، التركيز على اللحظة الحاضرة- مبادئ أساسية في الكتابة للإنترنت، لأن السياق المتدفق يتطلب تعليقات عاجلة، لا يوجد مجال للإستطراد والشرح، هناك ضرورة تقنية لأن يكون التعبير موجزاً.
 : متغيرات ذائقة الكتابة والقراءة.. لقد أنتجت "الشاشة"/ الكمبيوتر والتقنية الرقمية، ذائقة جديدة بالكتابة والقراءة معاً، نظراً لتغييرات عديدة جوهرية، ومنها:
-    الكتابة بإعتبارها ورشة مفتوحة على الدوام: وهو الجانب الأول، حيث فتح الكمبيوتر أمام الكتابة آفاقا عديدة، (إمكانية إدراج الصورة والصوت في النص المكتوب.. قابلية الإستنساخ السريعة واللانهائية.. تحميل النص على نصوص أخرى كتابية أو سمعية أو مرئية، وتحميلها إلى نص آخر عبر الروابط الشعبية.. بالإضافة إلى إمكانية تحوير الكتابة والنصوص بالإضافة أو الحذف، مما يجعل النص أشبه بورشة عمل لا تنتهي..
-    إختفاء أو تضاؤل دور الكتاب الورقي التقليدي: يعد ثاني المتغيرات المنتظرة وأرى أن هذا الرأي والمنشور في بعض الكتابات العربية/ الغربية، إلا أنني ممن يرون عدم تحقق تلك الإحتمالية لإعتبارات كثيرة، لعل أهمها أن كل التقنيات التي إبتكرها الإنسان الجديد منها لم يلغ السابق عليها، بل إستفاد منها.. كما حدث مع إكتشاف آلة التصوير السينما لم يلغ خشبة المسرح، ولا إبتكار آلة الفيديو التليفزيونية، لم تلغ شاشة عرض الأفلام السينمائية.
-    آفاق جديدة للإبداع الأدبي:  وهى ثالث المعطيات التقنية. ومن الصعب الإحاطة بجميع هذه الأجناس التي تتوالد كل حين، منها: 1) التبادل الشعري..2) الأدب التركيبي..3) الأدب الشعبي التخيلي (أو ما يجمعه البعض تحت مفهوم «الخيال التفاعلي»)..4) الأدب التوليدي..5) الأدب المشهدى أو الفرجوي..6) أشكال هجين..6 ) رواية الواقعية الرقمية..7) الشعر الرقمي..
-    بيد أن مسألة "الكتاب" تظل أعمق من إختفاء الورق؛ من الباحثين مَن يرى أن عصر الكتاب بكامله هو بصدد التقويض تحت أعيننا، لأن الكتاب الإلكتروني نفسه لا يعدو مُجرَّد تجل أخير للكتاب نفسه باعتباره أحد سمات ما يعرف بـ «حضارة الكتاب» التي دخلت الآن مرحلة الأفول.
يبدو أننا نعيش نهاية الكتاب أيا كان شكله؛ الإنتقال جار الآن من الكتاب إلى النص، من المغلق إلى المفتوح، من البسيط إلى المعقد، من الخطية كتابة وتفكير إلى التشعبية، من الكتاب إلى المكتبة، بل ومن المكتبة إلى الشبكات.
: الشاشة وتحولات القراءة: الملمح الأول.. للوهلة الأولى يجب النظر إلى الشاشة بإعتبارها جسداً رباعي الأبعاد؛ فبالإضافة إلى الطول والعرض والصفحة، ثمة بُعد رابع غير مرئي بمثابة متاهة أو عمق لا متناهي يتضمن في الحقيقة مجموع النصوص الموجودة في الشبكة. كما أن الملمح الثاني للقراءة.. يتمثل في تشظية النصوص أو القراءة الشذرية. أما الملمح الثالث فهو مشاركة القارئ..
: توظيف البلاغة الرقمية فى غير النصوص الأدبية التقليدية.. لم تعد تلك البلاغة المشار إليها هى معيار القراءة النقدية الجديدة، للنصوص الأدبية المتاحة وحدها. فقد أشار "د.ثائر العذارى" إلى ممارسة أحد أصدقائه من كتاب السيناريو لتلك البلاغة الرقمية، يقول:                          "أرسل لي المخرج المسرحي العراقي المقيم في السويد أسعد راشد مرة سيناريو مسرحية الطاعون التي عرضها في كل الدول الأوربية تقريبا، فلاحظت أنه يستخدم التقنيات الرقمية بفاعلية في كتابته، فقد إستغنى عن التعليقات الإرشادية التقليدية التي تأخذ مساحات كبيرة في الشكل التقليدي للسيناريو المسرحي، مثل تلك التي تشير إلى تغيير صوت الممثل من حيث الشدة، أو التعبيرات الإنفعالية أو العاطفية، وغيرها، فقد إستعاض عن كل تلك التعليقات بتوظيف نوع الخط ولونه وحجمه".
: هل هى نبؤة؟                                                                                           إن السرد اليوم هو نتيجة لعدة عوامل: ظهورالمطبعة، وإتساع دائرة القراء والكتَّاب- وهى التعبير الأدبى عن التحولات التي عرفها مجتمع دون كيشوت وقيمه الثقافية والأخلاقية..       الآن نعيش تحولات شبيهة، ولكن بإيقاع أسرع وأشكال أعنف، ونتائج أكبر: إنتشار الحواسيب والشبكة ورواج الثورة الرقمية التي نعيش بداياتها الآن بصدد إجراء تغييرات جذرية.
المحقق اليوم أن الأدب بإنتقاله من الورق إلى الرقم لم يعد هو الأدب وعسر عليه أن يظل كما كان. وعلى النقد الرقمى الجديد رصد تلك المرحلة وتحليلها، والنظر إلى الكتابة الجديدة باعتبارها بداية حلقة جديدة في تاريخ الأدب الطويل متصلة بالماضي.. كلا لا يتجزأ متألفا من مراحل ثلاث: شفهية (الأدب الشفهي)-  وكتابية (أدب عصر الكوديكس)، ثم رقمية (الأدب الرقمي)  يكفى الآشارة الآن أن التقنية الرقمية باتت أسلوب حياة، وليست نمطا فى الإبداع الأدبى فقط، وتلك هى القضية..
المؤكد أن البلاغة الرقمية لن تؤدى إلى تراجع القيمة الفنية للنص اللغوي التقليدى، بل ينتظر أن تغنيه، فتجعله أكثر جمالا وحاملا للكثير من الشحنات الدلالية، بفضل: الصورة والصوت والحركة واللون. فضلا عن أن أي كلمة في النص يمكن أن تكون رابطا لنص متفرع يضيء تلك الكلمة، أو أن تحمل تعليقا يظهر بمجرد مرور مؤشر الفأرة فوقها، ليضيف معنى مخبأً ربما يحل غموضا لا يفهم من غيره.  كل ما يحتاجه الكاتب والقارىء معا، معرفة برامج معالجة الصور والأصوات، مثل (Photo Shop, Adobe Flash, Sound Forge …….) فهذه البرامجيات تمكن الأديب من صنع ما يتخيل من وسائط متعددة بيسر وسهولة.
والآن.. هل من جماليات جديدة متوقعة مع النص الأدبى الرقمى (المتوافر منه والمنتظر مستقبلا)؟ أرانى إنتهيت من حيث يجب أن أبدأ؟!.                    
*أخيراً،                                                                                                 مع الرقمية بات حلم الإنسان بالتوثيق منذ آلاف السنين؛ وقد أثمر مشروع مثل مكتبة الإسكندرية في جمع المعارف البشرية المعروفة. وحلم الشاعر "لويس بورخيس" بما أسماه بـ «المكتبة الكونية» التي تضم في رفوفها كل كتب العالم.. وبالتالى يمكن بالتقنية الرقمية توثيق التراث البشرى كله، بعد أن يتم رقمنته، لسهولة المطالعة والحفظ عليه.
 نشير إلى أن الموسوعة البريطانية الآن في علبة من الأقراص الممغنطة، بينما وضعها ورقيا يملأ حوائط ثلاث غرف كبيرة.. وقد نشر قريبا قرص واحد يضم التراث الشعري العربي كله حتى منتصف القرن الماضي، وبعشرة جنيهات فقط!
***************   
توصيات
1ـ أن تتوجه الحكومات والمؤسسات لتوفير البنية التحتية اللازمة لتنشيط التقنية الرقمية.                     2– أن يتم البحث عن حلول عملية، مثل "نوادي الإنترنت" لتوفير الخدمة للأفراد غير القادرين على تكلفتها.                                                                                                      3ـ إستكمال النقص القانوني والتشريعات اللازمة للتكنولوجيا.                                         4- تعضيد البنية المؤسسية الحكومية، بالتدريب وتوفير التقنيات المتطورة والإدارية الواعية..             5ـ سد النقص فى كفاءة شبكات الإتصال وشبكات النقل والطرق والكهرباء والمياه، ونقص وتدني مفاهيم وقواعد العمل الاقتصادي، وكذا نقص المعارف باللغات الأجنبية.                      6– سد الفجوة الرقمية، ونقص المحتوى العربي على شبكة الانترنت، والخوف من الثقافة الغربية، وعدم الثقة في الاقتصاد الرقمي، ونسبة الأمية ومستوى التعليم.                           7– إقامة ورش فنية للتعريف بفنون التقنية الرقمية.. لمبدعي الأدب الرقمى.                       8– التعريف بمصطلحات، وترجمة جملة معارفه، مع تبسيط المعلومات حوله.                               9– إستثمار علاقة الجيل الجديد بالتكنولوجيا لتقريبهم من الأدب الافتراضي، فمن المعلن أن ممارسي التعامل مع أجهزة الكمبيوتر في العالم العربي حتى عمر ثلاثين سنة، حوالي 65% من جملة المستخدمين.. وهى نسبة يلزم معها التوجه إلى تلك الشريحة العمرية بالضرورة.    
10– الاستفادة من نماذج الأدب الرقمى غير العربي, ونشره للتعريف بتجارب الآخر في هذا المجال.. سواء مترجمة أو غير مترجمة.                                                                             11– تبني المواهب الجديدة والشابة وتوجيهها نحو هذا النوع من الكتابة الذى قد يستقطب جمهورًا جديدا.
12- الاهتمام بالشباب خارج المدن الكبرى (القرى- مناطق التجمعات الجبلية والصحراوية)
13- رعاية وتشجيع أدباء وكتاب الأدب الرقمى ماديا ومعنويا.
Ab_negm2014@yahoo.com
مراجع ومصادر:
-         كتب حول الثقافة الرقمية للسيد نجم (الثقافة والابداع الرقمى- أمانة عمان الاردن2008م)- (النشر الالكترونى والابداع الرقمى- هيئة قصور الثقافة 2010م)- (النشر الالكترونى.. تقنية جديدة نحوآفاق جديدة- هيئة الكتاب 2012م)
-         أبحاث المؤتمر الرقمى الاول والثانى بالاسكندرية – عامى 2009- 2011م. (د.محمد د.حسين حبيب- منير عتيبة- حسام عبدالقادر- د.خالد عزب- أمانى أحمد أمين- د.مصطفى الضبع- السيد نجم)
-         أبحاث الحلقة النقاشية حول الثقافة والادب الرقمى بالملتقى الرابع للرواية بالقاهرة- عام 2010م (د.عبير سلامة- د.سعيد يقطين- أحمد فضل شبلول- محمد سناجلة- نبيل سليمان- د.زهور كرام- السيد نجم)
أولا: كتب ورقية..
1-نبيل على- "قضايا عصرية رؤية معلوماتية"-القاهرة-2006م-هيئة الكتاب المصرية.
2-شاكر عبدالحميد- "عصر الصورة"- سلسلة "عالم المعرفة/الكويت- عام2005م
3-محمد سناجلة – "رواية الواقعية الرقمية"- "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"- عام2002م
4-نبيل على-"الثقافة العربية في عصر المعلومات"-الكويت-2001م-سلسلة "عالم المعرفة"-العدد يناير رقم 265.
5-فرانش كيلش- "ثورة الانفوميديا"- ترجمة "حسام الدين زكريا"-الكويت-2000م- سلسلة "عالم المعرفة"- عدد253.
6-بيل جيتس-"المعلوماتية بعد الانترنت"- ترجمة "عبدالسلام رضوان"-الكويت-مارس1998م-سلسلة "عالم المعرفة" رقم231.

ثانيا: موضوعات متنوعة على الشبكة (ذات علاقة)
1-عبير سلامة، الرقمية والرقمنة:
www .arab-ewriters.com/?action=library&&type=ON1&&title=3342
2-محمد أسليم، مفهوم الكاتب الرقمي ونظرية الواقعية الرقمية:

-3- موقع د.محمد أسليم  http://www.midouza.net/prog/farshy.exe
- يتوفر به مجموعة من القصائد التي كتبت جماعيا في الإصدار الأول لمنتديات ميدوزا، ّوشارك في كتابتها: منعم الأزرق وأحمد العمراوي إدريس عبد النور وعبد الحميد الغرباوي وسولارا الصباح وفتيحة الحمدوني، فضلا عن عدد من القصائد الفردية لمنعم الأزرق. والقاسم المشترك بين هذه القصائد جميعا هو توظيف الخط والصورة والصوت دون إدراج أي رابط تشعبي.


-4- مواقع لنشر بعض النصوص الرقمية                                                                    أ- موقع اتحاد كتاب الانترنت العرب www .arab-ewriters.com/? وبه أعمال محمد سناجلة. ب- نص رقمى "ربع مخيفة» للدكتور أحمد خالد توفيق:                            
http://www.angelfire.com/sk3/mystory                                                       ج- إحتمالات (سيرة افتراضية لكائن من زماننا) للقاص المغربي محمد اشويكة:                                http://chouika.atspace.com

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا