عفوا، إنها ليست نظرية المؤامرة بل هي مؤامرة وما قاله الملك محمد السادس في خطابه بالقمة الخليجية المغربية صحيح فهناك مخطط لتقسيم المغرب، وتستهدف
استقراره ووحدته وشرعية وجوده في الصحراء.
لكن من يتآمر على المغرب؟
الجواب واضح: كل من يرى أن الدولة القطرية بعد الاستعمارية في الوطن العربي والإسلامي لا بد أن يصار إلى تقسيمها وتفتيتها من جديد حتى تسهل الهيمنة والسيطرة عليها أي: الاستعمار والصهيونية. في هذا الصدد ليس هناك دولة عربية وإسلامية في مأمن من هذه المؤامرة / المخططات. هناك مؤامرة ضد المغرب كما هي موجودة ضد الجزائر ولكن لا تختلف سوى المداخل لإنجاحها في هذا البلد أو ذاك.
ونحن إزاء إستراتيجيات طويلة الأمد وليس تكتيكات ظرفية وإذا ركزنا على التفاصيل والمتغيرات والتبس علينا الأمر بين ما هو استراتيجي وما هو ظرفي تمليه شروط ومتغيرات آنية غابت عنا البانوراما والقدرة على النظر للأمور في عمقها.
في مقال نشرته في أكتوبر 2013 على صفحتي بالفايسبوك ونشرته جريدة “المساء” تحت عنوان “جنرال وخريطة” تطرقت إلى محاضرة ألقاها في 2013 عاموس يادلين رئيس الاستخبارات الحربية الإسرائيلية السابق ونقلتها القناتين السابعة والعاشرة الإسرائليتين، قال فيها إن :”شعبة الاستخبارات العسكرية نجحت في تصعيد الاضطراب والتوترات الاجتماعية والطائفية في الأماكن التي تعمل فيها، وبالأخص في مصر؛ لقد أحدثت تل أبيب سلسلة من الاختراقات على الصعيد السياسي والاستخباراتى والاقتصادي في عدد كبير من المواقع، وتفوقنا في تأجيج حالات التوتر والاحتقان الطائفي ونظيره الاجتماعي لخلق بيئة متحاربة ومتوترة على الدوام ومنشطرة إلى أكثر من جزء، وذلك بهدف تجذير وتعميق حالة الانهيار داخل المجتمع في مصر، ولكي يفشل أي نظام حكم في فترة ما بعد مبارك في التعامل مع الانقسام والتخلف والضعف المستشري بالبلاد”. كما جاء في المحاضرة أيضا أن “تل أبيب لديها عديد من العملاء في بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر وسوريا واليمن والسودان علاوة على دول شمال إفريقيا”. ويضيف رئيس الاستخبارات الحربية الإسرائيلية السابق: “أما في شمال إفريقيا، فقد تقدمنا إلى الأمام كثيراً في نشر شبكات جمع المعلومات في كل من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، والتي أصبح فيها كل شيء في متناول أيدينا، وهي قادرة على التأثير السلبي أو الإيجابي في مجمل أمور هذه البلاد، في السياسة والاقتصاد أو حتى المشهد الاجتماعي”.
لم يكن هذا التصريح منفردا فلقد عاد عاموس يادلين ليقول بعد ذلك بوضوح إن الموساد لديها أزيد من 300 عميل في المغرب وأنه بإمكان إسرائيل زعزعة أمن المملكة المغربية.
وعندما تأسس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع وقف هذا المرصد على أسرار غاية في الخطورة منها أعمال تستهدف وحدة المغرب بوضوح ليس فقط في الصحراء بل في الريف وفي الجنوب الشرقي للمملكة. الأستاذ أحمد وايحمان تحدث في أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة عمومية عن هذا الأمر بوضوح وأعطى معلومات غاية في الدقة تستهدف وحدة بلادنا. تحدث عمّا أسماه السعي لإقامة جمهورية “الشروق” في الجنوب الشرقي من المغرب وتحدث عن بعض اللذين يلتحقون بثوار الزنتان للتدرب على استعمال الأسلحة وتحدث عن علاقة بعض النشطاء المغاربة مع جهات أجنبية وخصوصا إسرائيلية. ولقد حاول المواطن المغربي اليهودي يعقوب كوهين أن يفضح المستور عندما تحدث عن خطورة العلاقة التي تربط بعض المغاربة بالموساد في حوار “كرسي الاعتراف” بجريدة “المساء”. لكن المغاربة غارقون في المناقرات السياسية والخطابات الشعبوية ومنشغلون بالغث والسمين: من نطحة بوتازوط إلى مثليي بني ملال إلى فضائح أوراق باناما… فلم يهتموا كثيرا بهذه التصريحات الخطيرة.
وحتى عندما جاءت السيدة نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الإشتراكي الموحد وقالت للمغاربة بوجود مخطط لتقسيم المغرب لأربع دول لم يتم الاهتمام كما يجب بما قالت ومرت تصريحاتها مرور الكرام ولم تثر فضول مهنة المتاعب ولا رجال السياسة ولا المجتمع المدني.
وفي مقال لي كتبته في دجنبر 2013 أيضا تحت عنوان “نبوءات” عوديد عينون Oded Yinon، قلت فيه أن هذا الموظف السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية في عقد الثمانينات من القرن العشرين، كان قد كتب مقالا مثيرا نشر في مجلة ” Kivunim ” وهي مجلة تابعة للمنظمة الصهيونية العالمية: (The World Zionist Organization) عدد 14 فبراير 1982. في هذا المقال شبَّه عينون العالم العربي والإسلامي بقصر متداعي من أوراق اللعب، تأسس من طرف قوى أجنبية قسمته بشكل فوضوي إلى دول هي خليط من الأقليات العرقية لا يمكن أن تتعايش في ما بينها.
ومن أهم ما قاله في مقاله هذا: “تفتح اليوم أمامنا إمكانيات كبيرة من أجل قلب الأوضاع رأسا على عقب، هذا ما يتوجب علينا إنجازه في العشرية القادمة، لتصبح إسرائيل قوة عظمى إمبريالية وتبقى في الوجود وإلا فإن مصير إسرائيل إلى زوال: يجب أن تعمل إسرئيل على انفجار وتفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة عاجزة وغير قادرة على مواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية…”.
ويضيف تفتيت مصر، وتجزيئها إلى وحدات جغرافية متفرقة: هذا هو هدف السياسة الإسرائيلية على الجبهة الغربية في الثمانينات …. إذا فتتت مصر، فإن دولا مثل ليبيا أو السودان وحتى الدول الأكثر بعدا لن تتمكن من الاستمرار في شكلها الحالي وسيصاحبون مصر في سقوطها وتفتتها.
ستكون هناك دولة قبطية في صعيد مصر وعدد من الدول الضعيفة محدودة النفوذ عوض الحكومة المركزية الحالية.
تفتيت لبنان لخمسة مناطق تجسد المصير الذي ينتظر العالم العربي بكليته بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وكل شبه الجزيرة العربية؛ في لبنان هذا أمر واقع اليوم.
تفتيت سوريا والعراق إلى مناطق متجانسة عرقيا ودينيا كما في لبنان هي من أولويات إسرائيل على المدى البعيد، على المستوى القريب الهدف هو الإضعاف العسكري لهذه الدول.
سوريا ستقسم إلى العديد من الدول، حسب الأقليات الإثنية، بشكل ستكون فيه منطقة الساحل دولة علوية شيعية، ومنطقة حلب دولة سنية؛ في دمشق ستكون هناك دولة أخرى سنية معادية لجارتها الشمالية؛ وسيكون للدروز دولتهم الخاصة بهم والتي ستمتد حتى الجولان المحتل، في جميع الحالات حتى حوران وفي شمال الأردن.
العراق، بلد غني بالنفط ومسرح خلافات داخلية خطيرة، وهو أرض خصبة للعمل الإسرائيلي. فتجزيء هذا البلد يفيدنا أكثر من تجزيء سوريا . فالعراق أكثر قوة من سوريا؛ وعلى المستوى القريب، فالنظام العراقي هو الأكثر تهديدا لأمن إسرائيل. والحرب (…) ستفتت الدولة العراقية قبل أن تتم استعداداتها لمحاربتنا.
تقسيم العراق على أساس قبلي إثني أو ديني، يمكن أن يتم بنفس الطريقة التي قسمت بها سوريا في زمن هيمنة الدولة العثمانية. ثلاث دول أو أكثر تتأسس حول ثلاث مدن رئيسية هي: البصرة، بغداد، والموصل؛ وستنفصل المناطق الشيعية في الجنوب عن المناطق السنية والكردية في الشمال.
لا يمكن للأردن أن يستمر طويلا في بنيته الحالية، ومخططات إسرائيل سواء العسكرية أو الدبلوماسية، يجب أن تستهدف تصفية النظام الأردني وتحويله لنظام بأغلبية فلسطينية…
تغيير النظام في الأردن سيحل مشكلة أراضي الضفة الغربية ذات الأغلبية العربية؛ وسواء بالحرب أو بشروط العملية السلمية، لا بد أن يتم تهجير سكان الضفة الغربية، مع مراقبة صارمة اقتصادية وديموغرافية، كضمانات لتحولات نهائية للضفة الغربية والأردن. علينا أن نعمل على تسريع هذا المسار حتى يتسنى الوصول إلى النتائج المرجوة في المستقبل القريب. يجب رفض مخطط الحكم الذاتي وأي اقترح لحل توافقي من أجل اقتسام الأراضي المحتلة؛ فباعتبار مشاريع منظمة التحرير الفلسطينية وعرب إسرائيل لم يعد ممكنا السماح بالاستمرار في إدامة الوضعية الحالية من دون فصل الأمتين: العرب في الأردن واليهود في الضفة الغربية”.
هكذا نرى كيف أن وصفة رئيس الاستخبارات الحربية الإسرائيلية السابق، عوديد عينون، لاستمرار إسرائيل رهينة بتفتيت الدول العربية والإسلامية وحتى تبقى أي إسرائيل القوة العظمى الإمبريالية وسط محيط من الدويلات الضعيفة المتنازعة. ومن هنا كان التركيز على التنوع العرقي واللغوي والمذهبي الموجود بهذا الوطن العربي والإسلامي لجعله قاعدة الصراع في أفق التفكيك لهذه المنطقة. وهذه السياسات الإسرائلية المعلنة سيتبناها جزئيا السياسي اليهودي الأمريكي وواضع معالم السياسة الخارجية الأمريكية المعاصرة: هنري كيسينجر، وإن ظلت الإدارات الأمريكية تتحفظ على بلقنة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لأسباب ارتبطت بالحرب الباردة التي كانت رحاها تدور بين المعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة أمريكا والمعسكر الشرقي الاشتراكي بقيادة الإتحاد السوفياتي. لكن بعد الهجمات الإرهابية على توين سانتر والبانتاغون يوم 11شتنبر 2001 وما ترتب عن ذلك من إعلان الحرب العالمية ضد الإرهاب، سوف تتبنى الإدارات الأمريكية فكرة نشر الفوضى وبلقنة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويعكس هذا التوجه الجديد نسبيا في السياسة الخارجية الأمريكية، التصريح الذي قدمه للشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بتاريخ 19 أكتوبر 2005 ميكائيل ليدن Michael Ledeen مساعد ريدشارد بيرل Richard Perle المعروف بتوجهاته المحافظة والذي كان يشتغل مع وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس وقال فيه:
“إذا لم ننخرط في تغيير طبيعة الشرق الأوسط وإذا أحسسنا بالتعب وقررنا الانسحاب وترك شعوب الشرق الأوسط وسط الإحساس بالغبن والضياع ، أؤكد لكم أن شعب الولايات المتحدة سيعيش حالة من انعدام الأمن لعشرات السنين القادمة”، وأضاف: “بداية يجب الانتهاء من الأنظمة الإرهابية، والبداية بالثلاثة الكبار: إيران، العراق وسوريا. ثم بعد ذلك سنهتم بالعربية السعودية. ومتى ما تم التخلص من السفاحين، سوف لن نقف عند هذا المستوى.. علينا إنهاء الثورة الديمقراطية… فالاستقرار هي مهمة لا تناسب أمريكا، ومفهوم مُخادع يجب إبعاده. لا نريد استقرار العراق ولا استقرار سوريا ولا استقرار لبنان ولا إيران أو استقرار العربية السعودية. نريد أن تتغير الأشياء. السؤال لن يكون هو هل نريد عدم استقرار المنطقة ولكن كيف نحققه”.
هناك أيضا جهات استعمارية ولوبيات في أوروبا: في فرنسا وإسبانيا وهولاندا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، مقتنعة بضرورة إعادة تقسيم الدول العربية والإسلامية (سايس بيكو II). ولعل ما قام به الفرنسي بيرنارد هنري ليڤي B.H.L في هذا الصدد من توجيه للسياسة الخارجية الفرنسية خلال الحرب في ليبيا وسوريا وغيرهما هو مثال واضح لما نقوله.
ليس معنى هذا أن السياسات الخارجية لدولة كالولايات المتحدة غير قابلة للتغيير خصوصا في هذا الزمن الذي نعيش وفي ظل الأزمة النيوليبرالية المتفاقمة مع ما يترتب عنه اليوم من إعادة تشكل نظام عالمي جديد قد توكل فيه لكيانات كبيرة دور إقليمي وجهوي متميز في دعم السلم والأمن العالمي، كيانات قد تحتاجها أمريكا وأوروبا بما فيها روسيا مستقبلا لاحتواء الخطر الناتج عن التوسع الصيني وظهور ميولات امبريالية لدى هذا البلد.