-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

بداية الوجع: دراسة نقدية للمجموعة القصصية "جذوة " للقاص نجيب الخالدي بقلم: ثريا بن الشيخ

بداية الوجع: دراسة نقدية للمجموعة القصصية "جذوة "  للقاص نجيب الخالدي
بقلم: ثريا بن الشيخ   
ونحن نحتفل بموسم ثقافي جديد، لابد من بنائه على اساس مشروع قرائي يضع بعين
الاعتبار السياقات التداولية الجديدة لفعل اقراء متعدد الرهانات . ولن يتأتى لنا ذلك إلا من خلال ترسيخ ثقافة قرائية جديدة تنفتح على متطلبات الراهن كما تقوم على أساس ترسيخ القيم العليا والتمثلات التي نبني عليها منظومتها الثقاقية والفكرية. القراءة معراج مستمر إلى عوالم أخرى ما كان الولوج إليها ممكنا. هي رحلة اكتشاف واستكشاف تجعل المتلقي مسؤولا عن نفسه ووطنه ومستقبل أبنائه.
يسعدني طرح الإشكالية من خلال تقديم ودراسة المجموعة القصصية للكاتب المغربي الأستاذ نجيب الخالدي والتي تحمل عنوان " جذوة ". والجدير بالذكر، أن ما ينطوي عليه هذا الكتاب وقد اخفاه طي ، استدل عليه بعتبة العنوان .
المؤلف كتاب من الحجم المتوسط ، مكون من سبع وتسعين (97 ) صفحة . وهو عبارة عن أربع عشرة (14 ) قصة قصيرة إن هي جمعت في عمل واحد، يمكن ان تصبح رواية متكاملة .
عتبة العنوان:
يعتبر العنوان علامة جوهرية للمصاحب النصي. ويختلف النقاد في صياغة وضعه الاعتباري؛ فقد يكون جزءا من النص بكونه أول متوالية لسانية فيه. وقد يعتبر عنصرا أكثر خارجية ضمن المصاحبات النصية التي تؤطر العمل. ويصير الأمر مدعاة للتأمل حين تكون هذه العناصر كاملة وليدة مرجعية نقدية واحدة. صحيح أن الأعمال المكونة للمجموعة القصصية تتفرع إلى عناوين فرعية، إلا أن اختيار عنوان نص واحد، ليمثل عتبة المجموعة ككل. يدل على مغامرة نقدية أولا، ثم على انطلاق المبدع من عتبة مركزية تستند أساسا إلى وجود تسلسل مضمر أحيانا، ومعلن أخرى بين مختلف الأعمال المكونة للمجموعة. العنوان الأصلي " جذوة " وهو عنوان القصة الثامنة ضمن المجموعة. من هنا يتحدث جيرار جينيت عن لحظة معينة قائمة على ظهور جهاز عنواني بمستويين: الأول يتشكل من عنوان المجموع من جهة ، وثان يتشكل من قائمة العناوين الصغرى .
والعنوان هنا دال مركزي ومتفرع في آن، مما يجعله لا يتمتع في تفاعله مع زمن التلقي ببنية ثابتة. ولا شك أن له دورا كبيرا في تحقيق الألفة وفي ترسيخ طبيعة انتمائه إلى نمط حكائي ضمن مفهوم السرد كجنس أدبي .
صحيح أن علم السرد ارتبط بالدرس اللساني وبجيرار جينيت ، إلا ان خصوصية السرد العربي تستوجب إدراك مختلف العلاقات الرابطة بين عناصره المكونة والتي تساهم في نجاحه أو اخفاقه في احتواء مفهوم الحقيقة .
ففي لسان العرب، وفي صفحة 581 من الجزء الأول، وردت كلمة "جذوة" بكسر الجيم وفتحها ورفعها، وهي القبسة من النار. وقيل هي الجمرة، والجمع جذا بكسر الجيم وجذا بضمها، وقيل جذاء اي جمع جذوة. وهي قطعة غليظة من الخشب ليس فيها لهب، عود غليظ يؤخذ فيه نار ...
انفتاح النص الدلالي:
من هنا ننطلق للحديث عن انفتاح النص الدلالي. ويتجلى ذلك في ما يتيحه من جمالية التلقي عبر مخاطبة المرسل اليه وهو يسعى إلى ترهين قراءة جمالية تضمن النص الاستمرار. فملامح المتلقي الضمني محمولة داخل النص نفسه، وهي تتيح له إمكانية نشاط تأويلي يجمع بين سخونة المعايشة والقدرة على تمثل الأحداث في صياغة فنية جميلة .
ننطلق أساسا من نجاح الكتابة القصصية عند الأستاذ نجيب الخالدي في القدرة على إنتاج خطاب متماسك . فإن نحن تتبعنا عناوين هذه المجموعة القصصية نجد أولا: موضع الثقة، وهي رسالة مفتوحة إلى تلميذة يمكن اعتبارها المرحلة الأولى من مراحل البناء الفنى في النسيج الدرامي ككل.  فلأول مرة وليس من باب الصدفة، ان نجد ارتباط رهانات الخطاب برهانات محتواه. وتتمحور الرسالة حول تدخل المدرس في انقاذ مستقبل تلميذة مراهقة كادت تضيع في زحمة متاعب أصعب المراحل التي يمر منها التلميذ. تشعبت الأدوار من خلال زمن سردي قائم على بهاء، في الجمع بين السرد والوصف بشكل يقل مثيله في الكتابة العربية. من هنا ننطلق ومن هذه المجموعة القصصية كورش سردي على درجة كبيرة من التفرد والتميز. فابتداء من القصة الأولى نفاجأ بما يسمى " التطابق الكلي " بين عناصر السرد الثلاثة: وهي الكاتب والسارد والبطل، وقد استمر من خلال تواطؤ فني وبنيوي إلى حدود الاقصوصة التاسعة - اكتئاب  . وهذا التطابق يؤدي إلى كسر الحدود النوعية الفاصلة بين الأنماط السردية . فإن نحن انطلقنا من كون السرد جنسا أدبيا، فقد تحولت هذه المجموعة إلى سيرة ذاتية بالمعنى النقدي للكلمة .
ويذكرنا هذا التطابق الاسمي بأوراق عبد الله العروي ، حيث أننا نتتبع مختلف المراحل والأحداث الكبرى التي أثرت على بنية الخطاب. وأول المتعاليات النصية المتحكمة فيه دلاليا " حجم الطفولة ". ولاشك ان كل إبداع ينبني أساسا وضمنيا على الطفولة و الحلم والثورة على حد تعبير الشاعر العربي الكبير نزار قباني . هذا التطابق ساهم أيضا في تحقيق التواطؤ الكلي للسارد ضمن الأحداث؛ فهو البطل وهو الكاتب في نفس الآن.  والنتيجة ان قيام هذه المجموعة القصصية على مرونة الانتماء النوعي لعدة انماط سردية جعلها تنجح في تحقيق خطاب على درجة كبيرة من الجدة والتميز، تخول له إمكانية الترشيح للتدريس داخل المدرسة المغربية .
لتكريس فعل قرائي سليم في زحمة عصر النت، لابد من السعي إلى التحكم في السياقات التداولية التي يتم إثرها استقبال الخطاب الفني. فالمضامين التي راجت فيها قصص هذه المجموعة، تلامس واقع التلميذ والأستاذ على حد سواء. فنحن أمام أنموذج للأستاذ المنخرط في فعل التدريس بكل مسؤولية ومحبة، ورغبة في خدمة المعرفة أولا و مساعدة التلاميذ على تفهم المرحلة التي يمرون منها، وما يواجههم من عقبات قد تعرضهم للسقوط في افة المخذرات، أو ما من شأنه أن يؤدي بهم إلى الانحراف .
مستويات السرد:
في توزيع المستويات عند اوسبنسكي نجد نوعا من الانسجام يذهب من الخارجي (الأيديولوجي ) إلى الداخلي ( السيكولوجي ) مرورا بالمستويين التعبيري والمكاني -الزماني. لقد نجح الخطاب عبر هذا التسلسل في زمن الحكي والذي انعكس على العناوين الفرعية: موضع الثقة - الحصة الأولى - غربة - تحرش -الموت الزؤام - فرحة موؤودة - با صالح وجذوة، في استيعاب كل العناصر السردية عن طريق الإحاطة والشمول، وإن أوهمنا الخطاب بإلغاء عنصر هام من الزمن وهو التواتر، هنا يتولد السؤال، لم هذا الإلغاء؟
إن ذكاء المؤلف جعله يرتب الأعمال بشكل يورط المتلقي عبر المضامين والأشكال؛ كما انه ابتداء من الاقصوصة التاسعة، غيّر الضمائر لإبعاد كتابته عن ان تكون سيرة ذاتية تحكي عنه، وتقدم صورة صحيحة عن أهم العناصر الفاعلة في حياته وفي تكوينه النفسي والاجتماعي والفكري. هذه النقلة أيضا، ذكرتنا بأوراق عبد الله العروي حين تنصل لصديقه شعيب بابعاده - موتا - حتى يتجنب التطابق الكلي بين العناصر الثلاث التي ينبني عليها زمن الحكي .
فعل القراءة:
ونحن نسعى إلى بناء مشروع إقراء جديد في زمن العولمة، لابد من تأسيسه بشكل يتضمن آليات ومواصفات قابلة للأجرأة على أرض الواقع :
أول ما يربط الطفل او التلميذ باي كتاب من أنماط سردية هي لغته، واللغة هي المكون الأساسي لمشروع الكتابة. وانتقاء هذه المجموعة للدرس والتدريس، عمل بناء لما يقوم عليه من رهانات أولها ضمان جمالية التلقي  .
جمالية التلقي:
تضطلع لغة القاص بجمال فني يربط بين العناصر الفكرية التي انبنى عليها، وأبعاد فنية على درجة كبيرة من القدرة على الاستجابة لمختلف السياقات التداولية للخطاب . وتقوم جمالية التلقي بالإضافة الى نية تكريس فعل القراءة، إلى انتقاء نصوص تنجح في الربط بين القراءة والوقع الجمالي . فهذا النوع من النصوص، يستدعي الانطلاق من كونها نصوصا مفتوحة تترك  للمتلقي المبتدىء والمنتج معا، إمكانية التموقع داخلها وربطها بالمعيش اليومي ( من خلال المضامين التي راجت فيها ) ومن خلال استجابتها لأفق الانتظار من خلال ما تسمح به من علاقات .
وهذا النوع من النصوص محكم " ديداكتيكيا "، لأنه على الرغم من تركيز مضامينه على الأستاذ والتلميذ معا، فإن المعنى غير مشكل مسبقا، وإنما يتم التوصل إليه من خلال الخلفية التي ينطلق منها القارىء نفسه، وهو يشترك مع السارد في تقديس المشترك بينهما بملء الفراغات والبياضات وتوظيف واقع التلاميذ أنفسهم، وقدرتهم على تنمية الوعي لديهم بإشراكهم في إيجاد الحلول الناجعة لمواجهة ما يواجههم من عقبات .
ابتداء ا من القصة التاسعة تغير زمن الحكي: انتقل الضمير إلى " الهو " ، أي البطل. و بدأ السارد يصوغ قصصا أخرى ليس هو بطلها وإنما سواه. هنا تألقت لغة السارد وقد بنت لها طوال القصص الأولى جسرا للتواصل، من خلال قوة وجمال الوصف والسرد معا . بدت المجموعة القصصية متكاملة جدا. والواقع أنها ليست أول إبداع للكاتب يشهد خروجا محتشما إلى عالم الكتابة، وإنما هي بداية النشر لا الإبداع، فالكاتب مبدع في صمت. وحين قرر الخروج بكتاباته إلى النور، كانت ناضجة آسرة... لغة فاتنة لها قدرة خارقة على التغلغل في الوصف، نادرا ما نجدها حتى عند كبار المبدعين. إن معشوقة الكاتب لغته، وهي قادرة على صياغة عالم جديد، تتحول فيها ذات المبدع إلى عنصر فعال وفاعل في فعل الكتابة بجدارة تضمن له كسب كل الرهانات .
إن نحن ربطنا مختلف العناوين الفرعية بالجذوة، ينقدح مفهوم وجع البداية. فنحن أمام كتابة تكسب صاحبها القدرة على تأسيس وإعادة أمجاد الكتابة القصصية العربية.
اللغة البيضاء:
يذهب النقد الحديث عند بارث وجماعته إلى مفهوم الكتابة البيضاء، وهي قدرة على التمرد على النظرية الأجناسية القديمة. فهذه المجموعة القصصية لها وجود فيزيقي مستقل، وهي في نفس الوقت وفي تآلفها تنتج خطابا متماسكا يقتحم حياة ووعي الكاتب في عمل سير ذاتي من جهة، وروائي من جهة ثانية. من خلال العناوين الصغرى وارتباطها بنيويا ببعضها البعض، تولدت لغة بيضاء يكون فيها الوصف أهم الرهانات التي نجحت، وبحق في الربط بين المعطيات الفنية والفكرية في نفس الآن. بذلك تشكلت دلالة النصوص وفق استراتيجية محددة، ولم تتأسس دفعة واحدة. فآليات الاشتغال داخل الخطاب من سرد ووصف وحوار (القسم الأخير)، ساهمت في تحقيق إمكانيات الالتحام للقارىء ليظل مفتوحا امام إمكانية الفهم والتأويل .
القراءة فعل وممارسة:
ولاشك ان قيام الخطاب السردي في هذه المجموعة على إدراك الوهم المقصدي هو شرط لقيام الموضوع الجمالي. إن أهمية الطفولة ودورها في العمل القصصي من هذا النوع، ليس فقط من المتعاليات النصية الفاعلة فيه، وإنما هي أيضا جسر لربط التواصل وإدراك الإنساني المشترك، والذي يجعل أي عمل قائما على وجع البداية. بداية تقبل الواقع وتمثله، ووجع إعادة صياغته فنيا ثم وجع التلقي .
الكتابة فعل ارتقاء وترقي، وهي وليدة وجع ممتد في زمن برزخي يحرم صاحبه متعة الشعور بالأمان. الكتابة هاجس وطن وعشق الرغبة في البحث عن قيم أصيلة في مجتمع متدهور. فخيال المبدع وإعادة تشكيل المعيش واقعا وتخيلا وتمثلات القارئ، أمور تظل في تجاذب بحثا عن خلق وضعية مشتركة مرتبطة بسلطة السياق من جهة، وسلطة اللغة وسلطة المعرفة . فالنص الجيد هو الذي يكشف توتراته ولا يزعم امتلاك المعرفة او الحقيقة.  وهو الذي يسمح للذات بالتموقع والاكتشاف أثناء القراءة الناقدة. ونحن أمام نصوص مستقلة عن بعضها البعض كقصص قصيرة، وهي في ذات الوقت عمل " سير ذاتي " ان صح التعبير؛ كما انها رواية تعاقبت فيها مجموع العناصر الفاعلة في نفسية المبدع، وهو يتشكل من جديد داخل خانة المبدعين المغاربة في القدرة على بناء الذات المبدعة .
وجع البداية بوابة هذا العمل ونحن نحتفل اليوم بميلاد شرعي لروائي مغربي مختمر التجربة، قادر على خوض غمار الكتابة السردية من خلال التحكم في آليات اشتغالها وكيفية انبنائها، وطريقة تشكلها وهي تجمع بين الاصالة والمعاصرة .
وهذا التفاعل القرائي  الذي سمح به العمل يكشف ان القراءة والإبداع معا عملية ذاتية وتداولية في نفس الآن ، وان فعل القراءة يكشف ايضا ان الذات بعيدة عن كونها حقيقة معطاة خاصة وان الوجود المادي لمثل هذا العمل الجاد يكسبه قيمة تداولية عالية .
المراجع:
أدونيس أبجدية ثانية دار توبقال ك الأولى 1994
- المختارات الشعرية وأجهزة تلقيها عند العرب / منشورات جامعة محمد الخامس ط الأولى 1995
- الشكل والخطاب / المركز الثقافي العربي ط الأولى 1991 / مجموعة أساتذة .
نظرية التلقي (اسكالات وتطبيقات ) منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط ط 1
- الخطاب الموازي القصيدة العربية المعاصرة نبيل منصر - علم السرد / مدخل إلى نظرية السرد /يان مانفريد /ترجمة أماني ابو رحمة - مؤلفات الدكتور سعيد يقطين ...


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا