-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

المجالس الثقافية الإفتراضية : سعيد يقطين

نشر باتفاق مع الكاتب
لعبت مجالس السمر في الثقافة الشفاهية دورا كبيرا في صون الذاكرة الجماعية العربية. لقد كانت ملتقى يمارس فيه العرب تبادل الأخبار والحكايات واستماع الأشعار من أفواه
أصحابها، أو روايات الحفاظ.
وعندما انتقل العرب إلى ممارسة الكتابة، انتقل الرواة إلى مواطن مجالس الســــمر في البوادي، فدونوا ما تأتى لهم جمعه مما حافظت عليه الذاكرة، فقـــدموا لنا بذلك تراثا غزيرا.
في صدر الإسلام أصبح المسجد مجلسا يلتقي فيه الناس للذكر والتذاكر. ولما صارت المجالس المسجدية فضاء للتداول في أمور تتعدى ما هو ديني، أغلقت دون القصاص الذين ظلوا يروون فيها الأعاجيب للترغيب والترهيب. فلم يجدوا أمامهم سوى الساحة العمومية في الأسواق والتجمعات، فتحولت بذلك هذه الساحات لتصبح فضاء للثقافة الشعبية، بينما احتوت مجالس الخلفاء والأمراء على النخب الثقافية والدينية والفكرية التي كانت تتداول في أمور مختلفة حسب ثقافة صاحب المجلس ونوعية المدعوين إليه.
انتهت إلينا صور متكاملة عما كان يجري في تلك المجالس عن طريق تدوين وقائعها. ولنا في ما نقله أبو حيان التوحيدي في «الإمتاع والمؤانسة»، وفي بعض مصنفات ابن الجوزي والمجالس المؤيدية، ما يبين لنا قيمة هذه المجالس. ومع الطباعة والمؤسسات الثقافية اتخذت المجالس أشكالا مختلفة عما كان قديما، وصارت هذه المجالس تعقد في قاعات خاصة بالمؤتمرات والندوات. كانت أهم سمة تشترك فيها كل هذه المجالس ذات طبيعة واقعية يتعاقد فيه «المتجالسون» على فضاء محدد يلتقون فيه بذواتهم وصفاتهم، فيتكلف بعضهم بالحديث، وآخرون بالاستماع أو إبداء الرأي. لكن الوسائط المتفاعلة أوجدت صيغة جديدة للمجلس، يمكن أن نطلق عليها صفة «المجلس الافتراضي» الذي يضطلع بكل مقتضيات المجالس القديمة ويقوم بوظيفتها في اللقاء والتفاعل.
تماشيا مع ضرورة التحول، وتجاوزا لإكراهات الوسائط الجماهيرية، وخلقا لبدائل جديدة للتواصل ، برزت مع التطور الذي طرأ على شبكات التواصل الجماهيرية ظاهرة «الجروبات» أو «القروبات»، ومنها ما يمكن أن نعثر عليه من خلال تطبيقات الفيسبوك أو الواتساب. ليست هذه «الجماعات» سوى مجالس جديدة يمليها الواقع الافتراضي. يتكلف شخص ما، (مدير المجموعة)، بإنشاء حساب، ويدعون آخرين إلى الاشتراك، وتظل الرسائل تتقاطر على أفراد المجموعة كلما كانوا على اتصال بالفضاء الشبكي. فيكون الحوار، وتبادل الرأي والأخبار والصور والفيديوهات، وطرح الأسئلة. وفي بعض مجالس الواتساب تعقد الندوات، ويستضاف الشعراء والباحثون في أوقات محددة، وكل من يتابع هذه الفعاليات يمكنه أن يشارك بكتابة سؤال أو بتسجيل صوتي، أو بالتعليق على ما يطرح من قضايا إيجابا أو سلبا.
ظاهرة جديدة فعلا تبين الدور الذي صارت تلعبه الوسائط المتفاعلة في حياة الناس، فإذا كانت المجالس التقليدية خاصة أو عامة، نهارية أو ليلية، فإن المجالس الافتراضية تتعدى حدود الزمان والمكان والإنسان، فهناك مجالس رجالية، وأخرى نسائية، وثالثة مختلطة. ويمكن لأي كان، وفي أي فضاء واقعي يوجد فيه أن «يجالس» أشخاصا، قد يكون على معرفة بهم أو ليست له بهم أي علاقة، وهم في أصقاع شتى من العالم أجمع. وفي هذه «المجالسة» الافتراضية يمكنك أن تشاركهم وتتفاعل معهم حسب الموضوعات المتناولة، أو القضايا المطروحة، وبالطريقة التي ترضيك وتتلاءم مع شخصيتك.
تتنوع هذه المجالس الافتراضية وتتعدد بتعدد وتنوع الموضوعات والقضايا. وكل ميسر لما خلق له. يتجاور في هذه المجالس الدين والسياسة والاجتماع والتجارة والأدب، والجد والهزل والسخرية، واللغة الراقية واللغة اليومية… وكل يختار الـ«مجالس» التي تهمه حسب ميولاته واهتماماته ونزواته ونوازعه. إنها مفتوحة أبدا، ويكفي أن تكون منخرطا أو مشاركا في أحد هذه المجالس لتجد نفسك كلما اتصلت بالفضاء الشبكي أمام سيل من الرسائل التي تعلمك بجديد ما يجري فيها من حوارات وتفاعلات، ولك أن تشارك برأي أو بتعليق ينم عن التقدير والإعجاب، أو إثارة البلبة أو المشاكل؟
لقد حولت الوسائط المتفاعلة المرء أيا كان مستواه أو جنسه أو عمره إلى مشارك وفاعل، عكس الوسائط الجماهيرية التي جعلته متلقيا فقط. وهذا التحول إذا لم تصاحبه المسؤولية والوعي لا يمكن أن يجعل ذلك من المتلقي التقليدي مرسلا إيجابيا. وهنا تأتي أهمية التربية الرقمية، يمكن لهذه المجالس الافتراضية أن تكون مناسبَة ومناسِبة للارتقاء بهذه التربية الرقمية إلى مستوى أحسن، عن طريق الحوار والنقاش الهادئ. ولعل أهم مبدأ يجب أن تتأسس عليه: احترام الآخر.
لم يكتف العرب القدامى بعقد المجالس أو تدوين ما ورد فيها من أفكار، ولكنهم ألفوا أيضا في آدابها، فبينوا ما ينبغي للمتكلم، وما يجب على السامع. ولنا في ما قدمه التوحيدي من ملاحظات حول «المجالسة» ما يشكل بيانا للمجلس ليتحقق المراد منه. وبدون الانضباط لضرورات هذه المجالس الافتراضية لا يمكن تحقيق مقاصدها التفاعلية وأبعادها التواصلية، لكن هذه المجالس الافتراضية تظل وقفا على المنخرطين. ولما كانت لبعض هذه المجالس قيمة ثقافية، تملي الضرورة نقلها من الافتراضي إلى الواقعي، أي نقلها من المجلس باعتباره فضاء خاصا إلى الفضاء الثقافي العام فتلك إحدى الوظائف المجلسية.

٭ كاتب مغربي

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا