منذ أحداث باريس دخلت أوروبا في مواجهة مفتوحة مع نمط جديد من الارهاب. ارهاب غير تقليدي، بمعنى عمليات بسيطة لا تحتاج الى تخطيط كبير لكنها مبنية بالاساس على عامل المفاجأة. فنمط الحياة الاوروبي هو المستهدف الرئيسي اليوم، و المحلل لهذا النمط من الحياة يدرك أنه نمط مبني على تفاصيل مدنية كثيرة يصعب التعامل معها أمنياً كما يستحيل تحويل المجتمع لثكنات عسكرية مغلقة.
اوروبا اليوم تواجه استراتيجية نشر الفوضى المتركزة في هذه المرحلة على الدول الاكبر فرنسا و المانيا.
عمليات متكررة بسيطة الاجراء، لا تحتاج الى اعداد كبيرة من الارهابيين، ادواتها غير معقدة و تفاصيلها سهلة التطبيق. العمليات في مجملها موجهة لضرب تفاصيل الحياة اليومية التي تعد جزء من الحياة اليومية في اوروبا التي لا يمكن فعلياً حمايتها بشكل مبالغ به كالمقاهي و المطاعم ووسائل المواصلات العامة الخ.
لكن هذا لا يعني ان طريقة الاستهداف هذه ستبقى على ما هي عليه في المستقبل
. فالامور قد تتجه باتجاه التصعيد و باتجاه تبني عمليات اكثر تعقيداً و اخطر نتائجاً على السلم الاهلي. العلميات البسيطة هذه تشكل اسلوب خطير قادر على الضرب باقل التكاليف و قادر في الوقت نفسه على زيادة الضغوط على الاجهزة الامنية و استنزاف طاقاتها، و قادر في المقابل على خلق مناخات من القلق و الخوف تستطيع احداث خلل في البنية المجتمعية و السياسية لكثير من الدول الاوروبية.
التحدي الاكبر اليوم امام اوروبا داخلياً، هو مواجهة تيارات اليمين المتطرف التي بدأت بالصعود الملحوظ على المشهد السياسي الاوروبي. فتيارات اليمين المتطرف عادة ما تعتاش على مادة الخوف و التخويف و خطابات العداء و الكراهية و التصنيفات العنصرية المبينة على مبدأ انا و الاخر. لهذا فان موجات الارهاب التي تضرب اوروبا اليوم تقدم فرصة ذهبية للتيارات المتطرفة للظهورو الاستفادة من الازمات السياسية و الامنية.
على الصعيد السياسي، يخسر طرفي المعادلة السياسية من أحزاب اليمين و اليسار على حد سواء. فاليمين المعتدل يخسر اليوم معركته لصالح أحزاب و تيارات اليمين المتطرف اما اليسار فيخسر معركته هو الاخر لمصلحة احزاب جديدة تبني اجندتها على فكرة رفض السياسات الحالية للحكومات، مما يعني ان تحولات حقيقية و جوهرية ممكن ان تطال شكل الحكومات و الاحزاب الحاكمة في اوروبا قريباً، الامر الذي قد يقود في النهاية الى حالة من عدم الاستقرار السياسي في كثير من الدول. موجة التحولات هذه لابد ان تؤثر كذلك على الاجهزة الامنية و تركيبتها و طريقة اداءها، فالهزات التي تتعرض لها الاجهزة اليوم هي هزات خطيرة تفتح باب التساؤلات على مصراعيه، خصوصاً فيما يتعلق بقدرة هذه الاجهزة على التعامل مع الاخطار الحالية او التعاطي مع الاخطار القادمة و قدرتها على الحفاظ على منظومة الامن الداخلي في بلدانها دون الاضرار بالمكتسبات الحضارية و القيم الانسانية التي تعد من ثوابت الدساتير الاوروبية .
التحدي الامني امام اوروبا في ازدياد مستمر، و عدم رغبة كثير من السياسين الاوروبيين بالاعتراف بالداء و اصله في بعض الاحيان قد يؤدي الى تفاقم الخطرالامني و ارتفاع منسوب الخطر المهدد للسلم الاهلي الداخلي في اوروبا
. العمليات التي ضربت اوروبا الى الان هي ليست عمليات معقدة و لا تحتوي على اسلحة نوعية مع ذلك فان وقعها و تأثيرها بدأ يفوق وقع العمليات المعقدة و الاسلحة غير التقليدية، لكن ماذا لو تطورت هذه العمليات في المرحلة القادمة؟ ماذا لو فشلت الاجهزة الامنية بالتعامل مع هذه العمليات المعقدة؟
التحديات الامنية امام اوروبا كثيرة، و لكنها لا تقل اهمية عن التحديات السياسية القادمة في حال استمرت الاوضاع الامنية بالتدهور و استطاعت استراتيجية نشر الفوضى المتبعة حالياً ان تحقق غايتها و تستمر.