-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

إدريس كثير في 'سفر الفلسفة' يتساءل عن الصلة بين العقـل والعالم : محمد الحمامصي

تتجلى في تحليلات كتاب "سفر الفلسفة .. مفاهيم فيما بينية" روح المبدع والفيلسوف والباحث معا، فالمفكر المغربي إدريس كثير يحملنا إلى عوالم ورؤى وأفكار قديمة
جديدة ليناقش قضايا فكرية وإبداعية وإنسانية ويطرح أسئلة جمالية وفلسفية ويقرأ برؤية فلسفية الأسطورة والتاريخ والعلم والفن والشعر والرواية، مستحضرا ومشتبكا ومحللا لأعمال نيتشه وهيجل وكانط وديكارت وهوبز وباروخ سبينوزا ومونتسيكيو وفوكاياما وعبدالرحمن بدوي وريلكه ومالارميه ومحمود درويش وباولو كهيلو وجون شتاينبك وسالفادور دالي وفولكنر وغيرهم من الفلاسفة والمفكرين والمبدعين.
وينطلق كثير في مقدمته للكتاب الصادر هذا الأسبوع عن مؤسسة مقاربات للصناعات الثقافية واستراتيجيات التواصل والنشر من "فلسفة البلاغة" التي يرى أنها عبارة عن منطق لا يمنع العقل من الوقوع في الزلل فقط؛ إنما يبحث عن مقياس للهوية والاختلاف، ومسوّغ للاستنتاج البلاغي ومنطقة للالتباس والاحتمال ومنفّذ للتساؤلية ومنطلق للتفاوض .
إنه منطق ينطلق من اختلافات الناس في مصالحهم ومشاربهم ومتبغياتهم ومعتقداتهم قصد البحث عن هُوية مفترضة تبدو لهم مقبولة مشتركة. أداتُها الاستنتاجية هي التحليل البلاغي لا القياس المنطقي؛ ذلك الاستخلاص الذي يُفصح عما ليس حقيقة بالضرورة، أو يفصح عن حجج حقيقتها محتملة فقط أو ممكنة. إنها عقلانية الحقائق النسبية والاحتمالية. الشيء الذي يتركها ملفوفة في الالتباس والغموض والتشكيك.. أو ما يمكنُ تلخيصه في مفهوم "الإشكالاتية".
ويضيف "لأن المشاكل والمسائل في الرياضيات عادة ما نجدُ لها حلولا فإنّ مشاكل الناس ومساءلهم تبقى مختلفة منفتحة منحازة لهذا الطرف بدل ذلك الطرف الآخر. لذا يجب الاجتهاد في البحث عما من شأنه أن يشكل الاتفاق أو يبلور التوافق والتراضي. فلسفة البلاغة منطق تساؤلي استفهامي.. فيه "يُناقش الناس مشاكلهم. ولَوْ لم تكن لديهم أسئلة لما كان فيما بينهم نقاش. ولكان لهم جواب واحد ووحيد" وهذا محال.
يؤكد "نحن في حاجة لبحث مفصّل حول كيف تعمل الكلمات وكيف تؤدي معناها وهو بحث له طابع فلسفي، ينتقد فرضياته وبداهاته ويتساءل بشكل جذري حول الصلة بين العقـل والعالم الذي بواسطته تشيـر الوقائع التي في العقل إلى الوقائع الأخرى التي هي في العالم. كيف يتسنى للفكرة أن تكون فكرة عن الشيء؟ ما علاقة الشيء باسمه ؟".
ويقول كثير "بعيدا عن النزعة الإسمية والنزعة الترابطية؛ ترتكز نظرية السياق "على أن للمعاني طابعا شموليا تجريديا". تدرك وتفهم وفق المفهوم. بعد هذه العمومية وهذه المفاهيمية تميل النظرية إلى التجزيء والتصنيف.. حتى تصل إلى الجزئيات العينية الملموسة.
والمعنى في هذه الحالات هو "الفاعلية البديلة": أي أن الكلمات تمارس سلطة ما هو غائب تفعل ذلك كما تفعل الإشارات الأخرى.. من خلال السياقات وترابط الكلمات السابقة باللاحقة.. كأحداث متزامنة".
ويرى أن الموهبة والعبقرية فطريتان، ويوضح "هذا صحيح من جهة ما. من جهة أن الإنسان خلق للدين وللفكر وللعلم أي أنه يملك تلك الفطرة التي تساعده على إدراك وفهم هذه القضايا قبل أن يتعلمها. لكن الأمر يختلف بالنسبة للفن. فهذا الأخير يتطلب استعدادا خاصا. وما دام الجمال هو الفكرة المحققة فيما هو ملموس وواقعي وما دام الفن يمظهر ما هو روحي ويظهره للعين أو الأذن فيما هو مباشر في الوجود، فعلى الفنان أيضا أن يهيئ أشكاله وفق العقل والروح داخل حدسه وحساسيته وفي علاقة وضمن مادة محسوسة. كل هذا بشكل مباشر وطبيعي. وهذا الجانب لا يمكن للفنان أن يصنعه في ذاته إنما يعثر عليه هناك. بهذا المعنى يمكن الحديث عن الفطرة في الفن. ويمكن ربط الموهبة والعبقرية بالشعوب عامة. هكذا فالغناء والميلوديا ينتميان إلى الإيطاليين، والموسيقى والأوبرا يعودان إلى شعوب الشمال، والنحت والشعر الملحمي إلى الإغريقيين".
ويشير كثير إلى أن أهم منبع لذاتية الفنان هو الخيال أو النفس التخييلية. منها تأتي المادة الأساس لعمل الفنان وقدرته على بلورة ما هو عقلي في ذاته ولذاته تحت شكل واقعي. هذه القدرة هي الموهبة وبالتالي العبقرية. يقال عادة الموهبة فطرية والعبقرية كذلك.. لكن في الواقع الحقيقي الموهبة هي هذا الميل المباشر في ذات الفنان هي إنقشاع فوري فجائي مباشر لا نملك الوقت لحسابه ولا لتحديده لذا نقول إنه فطري ينبع من الجبلة. وهو نفس الإحساس حين نتحدث عن التأثير أو عن ملاك الفن: الذي يملؤنا بأفكار الموضوع الذي نفكر فيه، يجعل ذاتنا فوارة لا يمكن إيقافها تنضح من ماء زلال لا يشفي الغليل حين يسقيه.                              
يمكن لهذه الذاتية: العبقرية، الخيالية، الموهبة، الفطرة أن تتحول إلى موضوعية فنية: أي "إلى إدراك الموضوع الخارجي بعمق من الداخلية الجوانية" باطنية يسميها هيجل الباتوس لكن لا يمكن لهذا الأخير أن يبقى مسجون امتلائة وذروته ولا بد له من تموضع يظهر فيه فنه وإبداعه.. تلك هي "الموضوعية الفنية".
ويضيف "ينضاف إلى كل هذه الخصائص خصائص أخرى تميز الفنان وهي طريقة عمله وأسلوبه وأصالته .أما المقصود بالطريقة فهي لا تتعلق بخصائصه الخاصة وبالتالي السمات التي تبدو في عمل الفنان. فالفنان المغرم بالطبيعة لا يملك نفس طريقة الفنان العاشق للأحداث التاريخية.
الطريقة هنا تختلف من لمسه فرشاة هذا عن ذلك. أما الأسلوب كما يقول الفرسيون: "فهو الانسان نفسه" أي ما يتجاوز الطريقة إلى الخصوصية الخاصة والمميزة للفنان في فكره وطريقة تعبيره. "الفن حين يتحول إلى عادة من خلالها يرسم ويصبغ الفنان، أو يرتب الشاعر كلامه" يكون أو يتحول إلى أسلوب.
وأخيرا الأصالة حسب هيجل هي حاصل الطريقة والأسلوب، هي الموضوعية الحقيقية التي تجمع الذاتي بالموضوعي وترفعهما إلى مستوى الأنموذج. إن غياب الطريقة الخاصة بالفنان كانت دائما هي الطريقة الوحيدة المميزة له. بهذا المعنى يمكننا القول عن هوميروس وصوفوكليس ورافائيل وشكسبير أنهم كانوا أصيلين".
يقدم كثير رؤاه الفلسفية تلك من خلال خمسة فصول الأول: "فلسفة العلوم" يجرى "التفاوض" الفلسفي بين تاريخ العلم الفلسفي (الأسطقسات) وتاريخ العلم الحديث (الجينات) لتبيان آفاق تفسير وتأويل الحياة في الكون.. وبين التحليل الإكلينيكي للسكيزوفرينيا في علم النفس الطبي والتحليل الفلسفي لنفس الذات المنفصمة من زاوية الذكاء الإنساني. كما يتم الترافع والتساؤل حول امكانية التفاوض مع الصدفة والاتفاق من وجهة نظر علمية.
وفي الفصل الثاني "في الفسلفة السياسية" تبدو "الفلسفة السياسية "بلاغة" تفاوضية "تُدبّر الشؤون المشتركة بين الناس وتتجادل بشأنها من خلال مفهوم "الهرطقة" كتهمة مشتركة في الشرق والغرب تمس التنوير؟ ومفهوم "اليقظة" كاهتمام مشترك "للخلود" بين الفلسفة الإغريقية (أرسطو) والإسلامية (ابن رشد) واليهودية (ابن ميمون). ومفهوم "الكاريزما " كشخصية سياسية تقرّب المسافة بين الناس والزعماء. ومفهوم "النوموقراطية" كروح تفاوضية. يجب أن تسري في كل القوانين.
أما الفصل الثالث "في فلسفة الأهواء" فيرتكز على ما يُسمى "بلاغة الأهواء" المعالجة لمفهوم الذاتية المرتبط بانفعالات الذات المختلفة، وبأهوائها وميولاتها المتعددة؛ وما دامت البلاغة "تفاوضية" فهي تتفاوض حول الحب والكراهية (الكراهية) وحول الصدفة والضرورة (البخت) وحول الأمل واليأس (اليأس) وحول اللذة والإتيقا "الإيروتيكا".
في الفصل الرابع "في فلسفة الغوائل" فتتفاوض "فلسفة الغوائل حول الحياة والموت. كيف تجادل الفلاسفة حول مفهوم "النهاية" وكيف انتقلوا من الكاووص (العماء) إلى الكوصموص (الخيمياء) وكيف أن الإنسان كائن مجازف غائلي... يتفاوض مع "الموت" كأفق نهائي للفلسفة.
وأخيرا "في فلسفة البلاغة والإبداع" حيث يتم التفـاوض على مستوى الأسلوبية والشعرية والأدبية أي على مستوى "البلاغة الإبـداعية"؛ حيث مفهوم الالتباس يصل إلى قمته. وهذا الأخير هو بالضبط الطابع الإشكـالاتي للفلسفة. فهو دعوة للتأويل والإغراء في آن واحد وهو ما تجسده الاستعـارة والمحسنات البلاغية الأخرى في نباهة الأبله (البله) وإلهام المبدع (العبقرية) وشعرية الرقص (الرّكادة) وعظمة العظيم (الجماليات).
ويكشف كثير في خاتمته للكتاب بأن "كل هذه المباحث جاءت نتيجة للغضب.. جاءت من مُهجة الغضب الذي لا يعني فقط عدم الرضى عن النفس ولا التوتر داخل الذات ولا خدش كبريائها، إنما الغضب المقصود هو الذي يبدو أكبر من الانفعال وأقل من الوعي القصدي.
الغضب في هذه الحالة شعور مأساوي. نعثر عليه في رواية الألمعي جون شتاينبك. ففي "عناقيد الغضب" يتصاعد الغضب توترا منذ البداية من مستواه الأدنى.. مستوى الانفعال والاندهاش إلى مستوى القساوة والحزم ثم إلى مستوى السُّخط الرافض لكل أشكال الاضطهاد والاستغلال.. إلى الغضب الأليم الذي يصب جامه على الأحبة إن لم يعثر على موضوع غضبه الحقيقي ويتحول فن الغضب الأخضر إلى الغضب الأزرق الممزوج بالخزي والعار غضب الكهول حين يتبولون في سراويلهم والنساء حين يفقدن الأمل.
ولحظة غضب تكفي لترفع تهمة التسول عمن هم ليسوا من المتسولين ولا من المتسكعين ولا من السُّذج. هناك خيطٌ رفيع بين الغضب والجوع والغضب والاستفزاز والغضب والخوف".
ويخلص إلى أن "الغضب المأساوي لا يروم التحرر من الخوف والشفقة ولا التطهر من دنس ما فقط إنما يهدف إلى ما وراء الخوف والتطهير بتهيئ الذات وحملها للابتهاج بالحياة، لتفرح بكل شيء حتى بهدم هذه الحياة في رداءتها.. هذا هو "العود الأبدي"، هذا هو اختصار المسافة الأبدية" هذه هي "البينونة" الأبدية.. الحياة المأساوية هي حياة فيها الرغبة مهددة بالفشـل، فيها غضب الآلهة لا حدود له حتى أنه ليبدو في بعض الأحيان عبثا لا معنى له، يبذر في الحياة الألم والأوهام والإحباط والحـﯕرة.

ومع ذلك يجب أن نغضب قليلا من كل هذه الإخفـاقات ونحولها إلى رغبة في الحياة إلى رغبة في التفلسف إلى مغادرة في مواجهة السديم (الكاوصموص). وبما أن لغز الوجود لا حل له فلم الهرب منه. على العكس من ذلك لنؤكد تراجيديا الغضب في سياق مرح، بمزاج راق، وببهجة بهيجة تتذوق فلسفة البلاغة".
نقلا عن ميدل ‘ إيست أونلاين

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا