وتبقى المرأة، المرأة في التاريخ، المرأة التي هي من لحم ودم، لا المرأة المجرّدة والوهمية، المرأة التي غالباً ما يستلبها “العالم الذكوري” الذي، وإن نادى اليوم بحق
مساواتها مع الرجل، يُمعن، بأساليب مقنّعة، بتسلّطه عليها، بتأبيدها في مركز دوني… تبقى المرأة “قضية” لها خصوصيتها، وبالتالي يجب الالتزام بها بشتى الوسائل.
يمكن أن يصطدم البحث في وضع المرأة باعتراضات عدة، منها أن هذه القضية باتت قديمة ومضى زمانها. على هذا يمكن الردّ بأنه ما لم تتحقق للمرأة المساواة التامة على الصعيدين القانوني والواقعي، وما لم يتحرّر الناس (رجالاً ونساء) من الأفكار المسبقة عن المرأة، أفكار تكوّنت على مرّ العصور من خرافات وتصوّرات غير علمية، ومركبات نقص واستعلاء، وما لم تصبح البُنى الاجتماعية مهيأة لانطلاق شخصية المرأة وتفتّحها في مناخ من الحرية ومن احترام الشخص الإنساني، بعيداً عن كل تمييز واضطهاد بسبب الجنس والعرق كما جاء في شرعة حقوق الإنسان، ما لم يتحقق هذا كله، ستبقى هذه القضية مفتوحة.
لربما أن أهم مفهوم مغلوط يؤسس لدونية المرأة إزاء الرجل هو مفهوم “الفروقات” الاجتماعية/ الثقافية ما بين الرجل والمرأة والتي تنبني خطأ على “الطبيعة” الثابتة وليس على الثقافة المتحوّلة.
في الواقع الموضوعي، وحدها الفروقات الفيزيولوجية هي الفروقات الطبيعية (أي المبنية على “الطبيعة”) التي تميّز بين الرجل والمرأة، أي الذكر والأنثى. وعلى هذا الصعيد، يمكن القول إن هناك مساواة ما بين الرجل والمرأة على الرغم من التمييز الطبيعي، أي على مستوى استمرارية الجماعة البشرية.
فالجنس الواحد، بهذا الشأن، لا ينفكّ أبداً عاجزاً لوحده أن يصبح كلاً متكاملاً مستقلاً، وعاجزاً عن أن يؤّمن بنفسه استمراريته.
أما بناء الفروقات في “الدور” الذي يقوم به كل من الرجل والمرأة على ما يسمى “الطبيعة”، فهذا أمر مغلوط. فالأدوار بين الرجل والمرأة هي مسألة محض ثقافية، أي أنها نسبية ومتغيّرة ومتعلّقة بالزمان والمكان وبالأوضاع الاجتماعية والثقافية. وإلاّ كيف يمكن تفسير اختلاف منزلة الرجل والمرأة قانونياً واجتماعياً وسياسياً ودينياً من بلد الى آخر ومن حقبة الى أخرى؟
تفيد الدراسات الميدانية الاستقصائية والتوثيقية أن صورة المرأة الأكثر حضوراً، أو وروداً، في المسلسلات والأفلام التلفزيونية هي صورة المرأة الأم المتفانية، وربّة المنزل، والمعدومة السلطة.
وفيما المجلات العربية النسائية المتخصصة تبرز صورة الزوجة الأنيقة، صورة زوجات السياسيين ورجال الأعمال، والنساء النجوم، تبقى صورة المرأة المناضلة في سبيل حقوق النساء، والأكاديمية والريفية شبه غائبة.
أما في ميدان الإعلان التجاري، فإن الصورة النمطية السائدة للمرأة هي صورة المرأة العاملة في المنزل، والمرافقة الدائمة للإعلانات عن المنتجات المنزلية والصحية وأدوات التجميل، وغير القادرة على اتخاذ القرارات المهمّة، والتي تُستخدَم كإيحاء جسدي وجنسي يرافق المنتجات المعلن عنها.
ولو سألنا، في بلداننا العربية، عن هوية إمرأة ما، لقلنا هذه زوجة فلان، بنت فلان أو أم فلان أو أخته وأحياناً بنت عمّه أو بنت أخيه إن كان معروفاً. والمرأة هي أنثى الرجل. هي الأم وهي الزوجة وهي باختصار تُعرّف بالنسبة الى الرجل، إذ ليس لها وجود مستقل. إنها كائن بغيره لا بذاته. ولأنها كائن بغيره فلا يمكنها، في إطار الأوضاع التقليدية، أن تعيش بذاتها. لا هي تشعر بالاكتمال بذاتها، ولا المجتمع يقبلها ككائن بذاته. إنها المثال النموذجي للاغتراب، ذلك أن واحداً من أبعاد شخصيتها يطغى على سائر الأبعاد، أو على إنسانيتها كلها.
فلكي تكون المرأة كائناً بذاتها لا بغيرها، ولكي تصبح ككائن بشري ومواطنة مساوية للرجل تشترك معه في تكوين المجتمع وتوجيهه وتنميته مع توزيع أدوار بينها وبين الرجل مبنية لا على تحكّم الواحد بالآخر ولا على دونية وفوقية ولا بحكم طبيعة ثابتة مختلفة حكماً عن طبيعة الآخر، هناك ضرورة لتغيير الذهنيات والصور النمطية والمفاهيم والتقاليد. وهذا التغيير يتم، وفي آن معاً، على أساس الموقع الثقافي والموقع الاقتصادي والاجتماعي. ولربما أن نضال النساء في الحصول على حقوقهن يبقى هو الأساس. فالرجل لن يتخلى بسهولة عن مكاسبه وسلطته.
مع ذلك، يمكن القول إن على الرجال والنساء أن يناضلوا معاً لتغيير الأوضاع، على جميع الأصعدة، حتى تتحقق المساواة بين الرجل والمرأة.
والوسائل العملية لتغيير الأوضاع في الاتجاه المذكور عديدة جداً، نكتفي هنا يذكر بعض منها:
1 توفير أمن المرأة الشخصي وحمايتها من العنف.
2 الحصول المتساوي على التعليم.
3 التعليم المختلط بحيث تسقط الجدران بين الجنسين وتنقشع سحب الأفكار المسبقة أو الاحتقار بين الجنسين.
4 فتح مجالات العمل كافة أمام المرأة بحيث يتهيّأ لها الاستقلال الاقتصادي، وهذا يعني عملياً، توفير فرص عمل متساوية للرجال والنساء وتوفير التدريب والتأهيل اللازم كي يسمح للمرأة بالحصول على الوظائف في قطاع العمل المنظّم وإتاحة الفرص بالترقي الوظيفي والوصول الى مراكز صنع القرار.
5 تنظيم حملات إعلامية واسعة للقضاء على الأفكار الرجعية والخرافات التي تحيط بالمرأة، بما يساعد على ردم الهوّة القائمة بين الحقوق المدنية المكتوبة والحقوق الفعلية.
6 إنشاء المزيد من رياض الأطفال ودور الحضانة التي تستقبل الأطفال في مواعيد العمل، كي يتاح للمرأة بعض التحرر من أعبائها والمساهمة في الإنتاج والتنمية.