الدكتور عبد الرحمن بن زيدان غني عن التعريف ، لأنه ولد في المسرح ، وكتب للمسرح ، كتب في الإبداع
وفي النقد وفي التاريخ ، وعرف ممثلا للثقافة المسرحية في
كتبه وفي المهرجانات وفي الملتقيات . أصدر أول الأمر ، في أواسط السبعينيات من القرن الماضي كتابه الأول " من قضايا المسرح المغربي " ، وبعد أكثر من ربع قرن يعود اليوم ليتحفنا بكتاب جديد في موضوعه وفي طروحاته وهو المعنون ب" المسرح المغربي في مفترق القراءة " .
كتبه وفي المهرجانات وفي الملتقيات . أصدر أول الأمر ، في أواسط السبعينيات من القرن الماضي كتابه الأول " من قضايا المسرح المغربي " ، وبعد أكثر من ربع قرن يعود اليوم ليتحفنا بكتاب جديد في موضوعه وفي طروحاته وهو المعنون ب" المسرح المغربي في مفترق القراءة " .
من سنة 1978 إلى الآن أصدر تسعة كتب في النقد المسرحي
، أول هذه الكتب يدور حول المسرح المغربي ، وفي هذا الكتاب يهتم أيضا بموضوع هذا المسرح
: وبين الكتاب الأول ( 1978) وهذا الكتاب ( 2002 ) استطاع أن يوسع رؤية مواضيعه وخطابه
النقدي ودراساته ، وما يعرف عنه أنه لم يحصر بحثه في فضاء وإطار المسرح المغربي فقط
، بل أنه قارب كل التيارات والاتجاهات والتجارب المسرحية في العالم وفي الوطن العربي،
دون أن ينقل معرفته " العلمية " عن الصحفيين ، أو من الخطابات المتداولة
، لأنه سافر ورحل وحضر في كثير من الاحتفالات المسرحية ، وعايش أسماء كثيرة في هذا
المسرح ، وكان في لجان التحكيم ، ولجان القراءة ، ولجان صياغة التوصيات ، وبذلك راكم
خبرته الإجرائية المأخوذة من ميدان المعايشة ، وأخذ العلم المسرحي من المجال المسرحي
، وهو ما وظفه توظيفا خاصا في هذا الكتاب الذي تناول فيه أعلام التأسيس المسرحي وأعلام
النقد وأعلام الكتابة الدرامية في المغرب .
في هذا الكتاب يعود الدكتور عبد الرحمن بن زيدان
إلى تيمة المسرح المغربي، فبعد كتاب " أسئلة المسرح المغربي " و " قضايا
التنظير في المسرح العربي من البداية إلى الامتداد " وبعد " أسئلة المنهج
في النقد المسرحي العربي " وبعد " خطاب التجريب في المسرح العربي "
وبعد كتاب " التجريب في النقد والدراما " يأتي كتاب " المسرح المغربي
في مفترق القراءة " ، ليتحدث عن قضايا هذا المسرح في حضوره المغربي .
في هذا الكتاب ، يبدأ الدكتور بن زيدان ، من أحد
الأسماء المؤسسة لهذا المسرح ، وهو أندري فوزان " المعروف من خلال التداريب الأولى
التي كانت تنظمها مصلحة الشبيبة والرياضة، فكان أستاذ جميع الرواد وقد عرف بعشقه القوي
للثقافة الشعبية المغربية ، ترجمها في أعمال مسرحية كان وراء صياغتها وتهيئها ، مثل
" الشطاب " و " عمايل جحا " التي حاول فيها المغاربة قراءة المسرحي
العالمي موليير و توظيف شخصية " جحا " من خلال الحلقة ، ومن خلال التظاهرات
الشعبية المغربية
.
الكتاب أيضا يحدثنا عن كتاب لأحد رواد كتابة المسرحية
في المغرب هو عبد الله شقرون في "حياة في المسرح " ، هذا الكتاب الذي يعتبر
خلاصة مسار هذا الكاتب المخرج ، المعروف عنه أن مؤسس " الرواية " الإذاعية
من خلال " راديو المغرب " واستطاع من خلال الروايات التي كان يستوحيها من
المسرح العالمي ومن التراث العربي أن يقرب المسرح من الناس في زمن لم يكن هناك تلفزيون
ولا أقمار اصطناعية ، فكان عبد الله شقرون من خلال " رواياته " المسرحية
يطل على المستمعين ليقدم لهم " صوتيا " الحياة الاجتماعية اليومية في المسرح .
ويحدثنا هذا الكتاب عن رؤية هذا المبدع الرائد للأحداث
السياسية والاجتماعية في المغرب زمن الاستعمار الفرنسي وفرضه الجماية على المغرب ،
حين قدم أول امرأة في الإذاعة، وكانت تمثل باللثام أمام الميكروفون ، فكانت مشاركة
الممثلة أمينة رشيد في هذه الريادة ثورة اجتماعية على التقاليد المغلقة البالية ، وكان
أساس تشكيل انقلاب معرفي في التواصل الفني التحديثي الذي خلخل السائد من الراكد في
النظرة المحافظة التي تهمش مشاركة المرأة ودورها في بناء المجتمع .
هذا الكتاب غني في الكشف عن التاريخ المنسي للمسرح
المغربي ، وفيه يعود الناقد بن زيدان إلى مدينة طنجة ليتابع تاريخ المسرح بها من خلال
أحد الأسماء الرائدة في الكتابة المسرحية وفي الخطاب النقدي الذي يؤسس خطابة على الوثيقة
وعلى التاريخ الجهوي للفعل المسرحي . إنه عبد القادر السميحي القاص والشاعر ورجل المسرح.
إن المنطقة الشمالية ـ في هذا الكشف ـ سباقة إلى
المسرح وإلى المجال الإعلامي والصحفي بعد احتلال مدينة تطوان التي أسس فيها الاسبان
مسرحا عام 1860 لم يعد له وجود الآن ، وكانت هناك تجارب مسرحية عرفها مسرح " سرفانتيس
" الذي تحول ـ اليوم ـ إلى خراب ينعق فيه البوم ، كما تم القضاء على المسرح البلدي
في الدار البيضاء ، ومن خلال كتابات عبد القادر السميحي يرصد الناقد بن زيدان تاريخ
المسرح في شمال المغرب قبل الاستقلال في بحث تحت عنوان " تاريخ نهضة المسرح في
طنجة في كتابات عبد القادر السميحي ".
أما في موضوع " المسرح المغربي وأسئلة النشأة
في كتابات عباس الجراري" ففيه يتناول الناقد بن زيدان حضور الظواهر المسرحية في
كتابات الجراري الذي هو من أسرة عرف فيها الأب بريادته في الكتابة المسرحية ، وعرف بمساهمته في الحركة الوطنية ، وفي مجال الموسيقى
والمجالات التحديثية للمجتمع .
وهناك دراسة حول " سؤال المعرفة في المشروع
المسرحي عند مصطفى القباج " ، وفيه حديث عن موضوعة " المسرح المغربي يبحث
عن السؤال النقدي " والوظائف الممكنة للمسرح العربي في منظور القباج " و
" أهمية السؤال النقدي عند مصطفى القباج " و " مكونات نظرية المسرح
" لديه .
لقد استطاع الدكتور عبد الرحمن بن زيدان أن يوظف
مادته العلمية والمعرفية والفلسفية في حقل الدرس النقدي عند محمد الكغاط باعتباره مبدعا
وناقدا وفنانا شاملا و عصاميا استطاع أن يكون نفسه بنفسه ، وأن يدخل الجامعة المغربية من بابها الواسع ، وأن يهيئ أطاريحه
" في موضوع " بنية التأليف المسرحي " و " المسرح وفضاءاته ، وهو
أيضا يمزج بين الهواية والاحتراف لأنه دخل مدرسة " المعمورة " ،ومارس التعليم
في فاس ، وظل هاويا عن قناعة ، فاجتمعت لديه الممارسة الإبداعية بالدرس العلمي ، ويكشف
الدكتور عبد الرحمن بن زيدان في دراسة " محمد الكغاط ، مبدع ناقد في قراءة المسرح
" أن الكغاط مبدع ناقد بخبرات متعددة أسس بها خطابه النقدي في إبداعه المسرحي
، ثم كشف عن الأسس التي تنبني عليها القراءة النقدية عند محمد الكغاط .
ومن البحوث الشيقة والجديدة في خطاب النقد المسرحي
المغرب في هذا الكتاب موضوع ، "المدينة" كموضوع اشتغلت عليه مناهج النقاد
المسرحيين لاستجلاء وجود الفضاء المديني في فضاء الكتابة ، وقد كتب الناقد بن زيدان
بحثا معنونا ب " دلالة المدينة في النص المسرحي المغربي " من خلال مواضع
صغرى تدخل في تكوين البنية العامة للبحث ، مثل " المسرح والمدينة والحياة الجمعية
" و " الكتابة الدرامية المغربية والمدينة " و " المدينة المتخيلة
والحلم بالحرية
" .
لقد ولد المسرح في " أثينا " المدينة
كتجمع سكني قائم على الحوار ، وبالتالي فهو قائم على الاختلاف ، ويدعو إلى الحوار ،
والأكيد أنه لا وجود للحوار إلا في نطاق ديموقراطي، وعندما يتحدث الدكتور بن زيدان
عن المدينة فإنه يؤكد على الفكر والعلاقات الديموقراطية ، ذلك أنه لا يوجد حوار بدون
اختلاف ، مع الحوار لا نجد واحدا يتكلم والآخر صدى له , وفي هذا السياق يتحدث عن المسرح
والمدينة المتخيلة في الكتابة الدرامية المغربية مستعرضا موضوعي الحلم بالحرية كمحرك
لهذا المتخيل . وفي هذه الدراسة التي تحمل عنوان " دلالة المدينة في النص المسرحي
المغربي "يتناول بالتحليل موضوع " المسرح والمدينة والحياة الجمعية
" و" الكتابة الدرامية المغربية والمدينة " و" المدينة المتخيلة
والحلم بالحرية
" .
وهناك موضوع آخر غني بطروحاته ، وهو الذي قدم فيه
الناقد موضوع الطفل ،وإذا كان الطفل أبو الرجل ، فإن المسرح أبو الفنون ، وعندما نجمع
موضوع الطفل والمسرح فبداية التأسيس الحقيقي للمسرح تبدأ بهذه العلاقة ، وهو ما جعل
الناقد بن زيدان يحلل مكونات الكتابة المسرحية المغربية ، ويقارب ثوابتها ومتغيراتها
، ويرصد موضوع التفكير بالطفل في الكتابة المسرحية المغربية ،ويكشف عن الوشائج الموجودة
بين هذه الكتابة وفعل مصادرة الطفولة من هذه الكتابة ، ليعرض في الأخير تجليات الطفل
والطفولة في النص المسرحي المغربي وموقف هذه الكتابة من المجتمع والعالم .
وفي النقد التطبيقي في هذا الكتاب ، يأتي بنموذج
"اسمع يا عبد السميع " وهي مسرحية بطلها طفل لا يريد أن يشيخ ، مبرزا أن
المسرح لا يمكن أن يكون إلا للطفل ، والفن لا يبدعه إلا الطفل ،لأن في كل مبدع يوجد
هذا الطفل ، وهذه الأنثى . والمسرحية احتفال بطل في عالم منهار ، كتبت عام 1987 في
الدار البيضاء ، فيها رجل وامرأة يختصران كل الرجال والنساء .وفي مقاربته النقدية لهذه
المسرحية يرصد الغموض والوضوح في مسرح عبد الكريم برشيد ، ويرصد وظائف المداح وتعدد
الأماكن في الزمن المجرد ، ويرصد أيضا المكونات النفسية لعبد السميع وتجربة الإحساس
باللفة لديه ، ووجوده الموزع بين انهيار الحياة
والاهتمام الاختراع وما بين رسم حدود النظرة في الغموض ورهان الحلم الواضح . هذا الغموض
ـ في نظر الناقد ـ ليس من إنتاج الكتابة ، إنه علاقة جدلية بين القراءة وطبيعة العلاقة
مع المتلقي ومع اللحظة والظروف المعيشة .
ومن مدينة تطوان يقف الناقد على نتاج أحد المبدعين
المهمين في الكتابة المسرحية المغربية هو رضوان احدادو المعروف بكتابته القائمة على
القراءة الجديدة للتراث ، والحديث عن اللحظة التاريخية الراهنة .حيث يجعل الأحداث تجري
في مقبرة فنتازية من خلال احتفال الغضب المرتقب مسرحيا في مسرحية " زمن مضى ولم
يمض " و في مسرح القضية والاحتفالية الحالمة في مسرحية " أهل المدينة الفاضلة " .
وفي التركيز على تجربة المسرح المغربي ، يقارب الدكتور
بن زيدان هذه التجربة في موضوع " المسرح المغربي ومسار التحولات في سؤال الكتابة
الدرامية المغربية " ويحلل نصوصا وعروضا مسرحية مركزا على موضوع " المسرح
المغربي وسؤال التحول : و" المسرح المغربي والحلم بالعالمية " و " مرجعيات
العرض المسرحي وأسئلة المرجع " و" نصوص عربية في تجارب مسرحية مغربية " و" نصوص مغربية تحقق
أصالتها في موضوعها
" .
إن كتاب " المسرح المغربي في مفترق القراءة
" كتاب جامع وشامل يعطي رؤية كلية وشاملة عن المسار التاريخي للتجربة المسرحية
المغربية ، ويعطي نظرة عميقة عن الكتابة المسرحية ، وعن الكتابة النقدية ، وعن الكتابة
الركحية والإخراج والتنظير في خطاب نقدي يعتمد البحث والتحليل بأدوات نقدية لها مفاهيمها
ومصطلحاتها وأشكال قراءتها لموضوع المسرح المغربي مما يجعل الدكتور عبد الرحمن بن زيدان
ناقدا باحثا يؤرخ بتميزه للناقد المسرحي العربي بكتاباته .