-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

العـاجيـات الأندلسيـة الأشكـال و المشـاهـد طارق العمراوي –كاتب - تونس

إن الحضارة العربية بالأندلس أنتجت إلى جانب جهابذة الفلسفة و الطب تاريخا سياسيا ثابتا ومتقلبا و عمارة من قصور ودور لأعيان الدولة وأركانها من أمراء ووزراء.
وهذه دكاكين أسواق الأندلس وأزقتها تقدم لنا إبداعاتها على شاكلة أواني فخارية، زجاجية منسوجات وتحفا عاجية ميّزت الصناعة الأندلسية مقدمة بذلك عديد النماذج و الأشكال التي أغنت في وقت متقدم كنائس و كاتدرئيات الإسبان إذا كانت تقدم كغنائم حرب من طرف قواد الحملات التي كانت تحارب العرب في سبيل استرجاع أراضيها لتصبح فيما بعد أهم حقول للبحث في مثل هذا الفن باحتفاظ عديد الكنائس لمجموعات مهمّة و فرت لنا عديد المعطيات أكان ذلك يمس الكتابة، الأطوال والمشاهد مثل الصندوق الموجود بكنيسة Fitero  بـ Navarra  وعلبة كاتدرائية بنبلونة، براجا وتخصص لها مواضع مثل المذبح و تحفظ فيها مخلفات القديسين.
إن المادة التي كانت المنطلق لتقديم هذه الصناعة الأندلسية المتنوعة هو العاج الذي يجلب من الدول الإفريقية و يدخل المدن الأندلسية عن طريق المغرب و أهم المراكز التي انتجت صناعة منفردة قرطبة و الزّهراء ثمّ في مرحلة لاحقة مدينة" قونكة" إحدى المدن الكبرى في مملكة أسرة ذي النون حكام طليطلة بعد أن دبت الفتنة واحتد الصراع و خرّبت قرطبة ففرّ النقاشون القرطبيون إلى قونكة أين أنشؤوا دارا لصناعة التحف العاجية.
إن النقاش الأندلسي أبدعنا بعلب حفظت فيها الحلي و الطيب أو لزركشة أرجل الأرائك، مقابض السيوف أو لتطعيم بعض التحف آخذين عن البيزنطيين هذا الفنّ العريق مع بصمات للطابع الفاطمي ليحدث بعد ذلك الفنان الأندلسي نقلته برسم طابعه الخاص ليرجع أحدهم التأسيس إلى أبعد من العصر البيزنطي داخل فرضية "رد بارنيت" القائل إن المهاجرين من المتربول الذين هربوا إلى المغرب بعد سقوط صور و صيدون في أيدي الأشوربين في النصف الأول من القرن السابع ق. م هم الذّين وضعوا أسس هذا النوع من الصناعة اليدوية الفنية في إسبانيا(1).
إنّ التحف العاجية تأخذ تميزها من خلال الأشكال المستطيلة يحفظ الحليّ و أدوات الزينة أما الأسطوانة منها فهي للطيّب بأنواعه أين كان يجلب من عدّة أماكن و تحتفظ الأميرات بكميّات مهولة منه.
أمّا غطاء هذه العلب و الدّي كان موضوع بحث و دراسة نظرا لتنوعه فقد أحصى الباحثون ما هو نصف كروي مقبّب لبدن إسطواني أو على شكل هرم ناقص أو ما سميّ بالتركيبة المقبرية كما اصطلح على تسميته لتتنوع بعد ذلك الأطوال التي تصل إلى 18 سم أما قطر الإسطوانة فيصل إلى 11.5 سم و من زينت مزالجها ومقابضها بالفضّة.
إلى جانب الأشكال و الأطوال المختلفة قدمت العلب العاجية معطيات إضافية تمثلت في ذكر مراكز الصناعة كالزهراء و قرطبة مع تقش صاحب الورشة كاشتهار " خلف النقاش" وما قدمه من علب عاجية غاية في الإتقان و الجمالية.
أما تاريخ صناعة هذه العلب استدعت في بعض الأحيان قراءة للواقع السياسي المتقلّب بالأندلس و تقلب الخلفاء و الأمراء على كرسي الحكم نظرا لبعض التواريخ الغير مضبوطة والتي لم تحدد زمنيا بل تركت للباحث فرصة للقراءة والتمعّن وحصرها فهذه العلبة المحفوظة بمتحف فكتوريا و ألبرت بلندن مستطيلة الشكل (4.5  x  9.5 x 7 سم) وقع تحديدها بعد 350 هـ لذكر النقاش الترحم على عبد الرحمان أمير المؤمنين أو بحصرها بين 316 هـ و 350 هـ لورود ذكر الخليفة عبد الرحمان أو يذكر تاريخ صنعها كعلبة كاتدرائية  ZAMORAالمحفوضة بمتحف الآثار الوطني بمدريد سنة 300 هـ.
أو اللوحة العاجية المحفوظة بمتحف المتربوليتان بنييورك و التى يبلغ طولها 20 سم وعرضها 10.5 سم فقد استدعيت معطيات أخرى لتجديد زمن صناعتها "وبمقارنة أشكال التوريق و طريقة الحفر في هذه اللوحة بالتحف العاجية الأخرى تبين أن اللوحة يمكن تأريخها بفترة تقارب تاريخ علبة "سمورة" و ذلك للتشابه الواضح بين التشكيلات النباتبة و صور الطيور، و هذا يدعونا إلى الإعتقاد بانها من صناعة قرطبة في بداية النصف الثاني من القرن الرابع الهجري"(2)  أما باقي ما يكتب فهو لمن توجه إليه هذه العلب و من طلب صنعها و معها من الدعاء للخلفاء و الأمراء و الأميرات التى غالبا ما يخفى ذكرهن طبقا للتقاليد الشرقية التى ورثوها و كانت هذه الأسطر مطعمة بالأحمر والأخضر والأزرق كما نقشت ثلاث أبيات من الشعر على العلبة المحفوظة بالجمعية الإسبانية بنييورك و نصها:
منظري أحسن منظر                              نهد خود لم يكسر
خلعـه الحسن علـى                  حلة تزهو بجوهر
فأنا ظرف لمســك                    و لكافور و عنبر
إن الكتابة المصاحبة لمجموع الزخارف و النقوش غالبا ما كانت تكتب بالخط الكوفي والنسخ و المنحي مع عديد الأخطاء التى لا حظها الباحثون و افتقاد التنقيط مما دفع بالأستاذ ليفي بروفنسال إلى تخصيص مجلدين لتسجيل النقوش الكتابية الأندلسية و عرض صورها.
أما المشاهد و النقوش التزينية فقد تمحورت حول ثلاث مواضيع لامست الترف الذى عاشه خلفاء و أميرات الأندلس فحفرت صور الإنسان في رسوم تحكي مجالس الأنس والطرب بالعازفات أما الصيد الذي يمثل أحد أوجه الترف و العيش الرغد و الفرسان مثلوا في وضعيات مختلفة فهذا فارس يصارع وحشين و آخران يتبارزان و يتصارعان و عن الحيوان فإن مساحات العلب المستطيلة و الإستوانية كانت مجالا رحبا لعرضه في وضعيات مختلفة هي الأخرى و متنوعة و منها صراع الحيوانات مع بعضهم البعض: أسدين يلتهمان غزالين، تيسين يتناطحان، صقور و غزلان وكلاب.
كما حفرت صور حيوانات زخرفية كالطواويس و منها ما هو خرافي أسطوري استلهمه الفنان من عقائد الشعوب الأخرى كالتنين و الكلب المجنح و منها ما إتخذه الفنان منطلقا لإبداعاته كالحيوانات المتقابلة و المتدابرة لإظهار عنصر التقابل و التماثل في طريق الأخذ بأساليب الحفر وقواعده.
أمّا النبات والذي تأثر به الفنان الأندلسي فقد نوّع منه متجاوزا المعهود مناشدا الإضافة فكانت المراوح النخلية المصبعة و المختمة، الفروع اللولبيّة، سيقان نباتية متداخلة و متموّجة زخارف نباتية تنحصر في خطوط تمثل عقودا مدببة راعت مبدأ التماثل و التكرار مراعيّة التوازن في التوزيع لتصبح أقلّ جمالية مع إنتاجات مدينة قونكة.
إنّ التحف العاجية الأندلسية في العهد العربي انطلقت من التجارب السابقة في حفر صور الإنسان والحيوان لتقدّم الإضافة مع مدارس النقاشين مثل " خلف" وغيره شاهدة هي الأخرى فترة أفول وتقهقر لتحتفظ كنائس، كاتدرائيات إسبانية و متاحف لندن وباريس ونيويورك بأهمّ القطع الأثرية التي تحكي فترة مهمّة من تاريخ إسبانيا وتاريخ رخاءها مع العرب القادمين من بعيد.
الهوامـش:
1-            الحضارة الفينيقية في إسبانيا – الدكتور يولي بركوفيتش تسيركين ترجمة د. يوسف أبي فاضل – جروس براس ط 1 ( ص 156).
2-            تحف العاج الأندلسية في العصر الإسلاميّ. الدكتور : السيّد عبد العزيز سالم – مؤسسة شباب الجامعة ( ص 45).

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا