«وول سوينكا».. عدو الطغاة أحمد عبد العظيم
فات وقت الفرح كف الصياد يده انفتح مجرى الحق من مواقد حمراء
فات وقت الفرح كف الصياد يده انفتح مجرى الحق من مواقد حمراء
كف أوجون يده
وبعد الرعب، والموت والظلام دائما
سيشرق فجر جديد
أطلق «سوينكا» أولى صرخاته معلنا قدومه للحياة بقرية
أبيكوتا غرب نيجيريا فى 13 يوليوعام 1934، وأتم تعليمه فى جامعة إبيدان ثم إلتحق بجامعة
ليدز بإنجلترا وعمل كقاريء نصوص بالمسرح الملكى بلندن وحصل على منحة من معهد روكفلر
الأمريكى لمدة عامين عاد بعدها إلى بلاده ليصبح محاضرا للدراما الأفريقية بجامعة إبيدان
وينشيء فرقة أقنعة المسرحية، وتفاعلت مقالته بالصحف مع مجريات الأحداث و خيبة الأمل
فى الإنظمة التى ادعت الوطنية وتسلمت مقاليد الحكم عقب زوال الإستعمار الإنجليزى وأشاعت
الفوضى وخططت لإشعال الحرب الأهلية حتى تبرر الأحكام العرفية والضرب بعصى غليظة ترهب
كل معارض نزيه ولم يسلم من الملاحقة الأمنية.فاعتقل بتهمة سرقة أشرطة إذاعية لخطب رئيس
وزراء أحد الأقاليم واعتقل مرة أخرى طوال عامين بسبب رفضه الحرب الأهلية وتضامنه مع
ولاية بيافرا التى عانت من الإهمال والفقر فقررت الانفصال.
سطوة الأسطورة
إبداعات سوينكا شديدة الالتزام بقضايا وطنه ووضعها
تحت مجهر إنسانى يرفض الخنوع لسطوة الأسطورة وتداعيات الاستعمار وأذنابه الذين تصدروا
المشهد السياسى والإقتصادى بالحديد والنار فى نيجيريا وبقية أفريقيا ولعل مسرحية سكان
المستنقع خير شاهد على سطوة الأسطورة على شخصية النيجيرى أحداثها تدور فى دلتا نهر
النيجر، حيث الصراع بين أجويزو الشاب والقاضى كاهن عبادة الأفعى الذى يسيطر على الناس
بشخصيته المهيبة ويطالبهم بدفع رسوم عبادتها حتى لا تغضب عليهم وتثير الفيضان على محاصيل
أراضيهم يثور «أجويزو» على القاضى ويتهمه بإتلاف محصوله وبالنصب والاحتيال على الناس
ويهدده بالقتل للخلاص من شره، وتأتى مسرحية «السلالة القوية» لتضيف بعدا آخر على هيمنة
الموروث الخرافى فى قرية تعتبر قتل الغريب والمجنون مباحا طالما أنه يكفر عن ذنوب القرية
ويمنع الشرور فى العام الجديد. أما مسرحية حصاد «كونجى» فتجسد صراعا مثيرا بين الطغيان
العسكرى وحاكمية المعتقد الدينى من خلال قائد يدعى «كونجى» قام بانقلاب واستولى على
الحكم واعتقل «أوبا دانلولا» وحاشيته ورغم ذلك لم يتمكن من السلطة بشكل مطلق رغم اتباعه
القمع وأطلاق أجهزة الدعاية لتزييف وعى الناس لأن أتباع «دانلولا» كثيرين بما له من
سلطان طاغ على عموم الناس فأصبح معزولا ولم يجد بدا من تأسيس ما يعرف بكتيبة النجارين
لتصبح حرسا له وتدعو للالتفاف حوله بالرعب والإرهاب ويحكم «كونجى» بالإعدام على دانلولا
الذى يحاول الإفلات من الموت بقبوله أن يتنازل عن كبريائه ويقدم محصول اليام لكونجى
فى عيد الحصاد على أن يقنع سكرتير التنظيم كونجى بالعفو عن دانلولا ورجاله فى الوقت
الذى تفشل فيه محاولة ثرى يدعى داود لاغتيال كونجى الذى أعلن نجاته وتنفيذ حكم الإعدام
على دانلولا، وتتشكل معارضة قوية تصر على الخلاص من الطاغية وإن طال الزمن وتختتم المسرحية
بقول كونجى المنتشى بالنجاة من القتل وهو يلوح بقبضة شديدة : لقد انتصرت عدالة الأرض
على الخونة والمتآمرين وحلت البركة الإلهية على خطة السنوات الخمس الثانية للتنمية،
إن روح الحصاد روح الحتمية ، روح الحتمية التاريخية والنصر كل هذا هو أنا كونجى هو
كل مواطن فى أسمالاند. أما مسرحية «الموت وفارس الملك» فهى احتفالية مفعمة بالطقوس
الشعبية المستمدة من قبائل اليوروبا التى ينتمى إليها سوينكا وأحداثها وقعت بالفعل
فى منتصف أربعينيات القرن الماضى حين أقدم أليسين أوبا فارس الملك على الانتحار طبقا
للشعائر الدينية التى تقضى بأن ينتحر فارس الملك ليلحق به إلى السماء ويرافقه فى رحلته
إلى العالم الآخر حيث الأجداد المنتظرون وبذلك وكما يعتقدون يضمن سلام الدنيا والآخرة
للأحفاد الذين لم يولدوا بعد ويتصدى قائد من قوات الاحتلال البريطانى لهذه المحاولة
لان ليلة تنفيذها تتواكب مع زيارة أحد الأمراء البريطانيين للمنطقة وسيقام له حفل بهذه
المناسبة فيحتجزه لمنعه من هذه الجريمة فى الوقت الذى يعود فيه نجله أولندى من بريطانيا
حيث يدرس الطب دون رغبة والده أليسين أوبا الذى أصر على بقائه للحفاظ على تقاليد القبيلة
ويحذر أولندى القائد البريطانى من منع والده من الانتحار لأنه سيتسبب فى إلحاق العار
بالقبيلة وحدوث كوارث بالمدينة وتتطور الأحداث أمام إصرار القائد على عدم إخلاء سبيل
أليسين أوبا ويذهب أولندى للقبيلة ويعرض أن ينتحر هو لينهى الأزمة ولكن والده يغافل
الحراس فى سجنه وينتحر ليمنع المستعمر من فرض إرادته على الموروث القبلي.
ما بعد الاستعمار
وتأتى مسرحيتا محنة الأخ جيرو، وتحولات الأخ جيرو
كنقلة نوعية لنقد الواقع السياسى المفروض على نيجيريا وبقية دول القارة الأفريقية ففى
المسرحية الأولى نجد جيروبم الشخصية المحورية مجرد عراف يصعد من دجال صغير يتاجر بالدين
واستغلال جهل البسطاء إلى أحد أبواق السلطة المستبدة الذى ينحاز إلى الطبقة المترفة
على حساب الفقراء، وفى المسرحية الثانية يقدم جيروبم نفسه كدجال لكل العصور وداعم شعبى
لتبرير سياسات القمع للأنظمة الفاسدة .
وبشكل ساخر نرى أوبرا فونيوزى المأخوذة عن رواية
«الثلاث بنسات» لبريخت وتجسد أباطرة أفريقيا العتاه كفيدل بوكسا إمبراطور وسط أفريقيا
وأطلق عليه اسم بوكى للسخرية منه باعتباره سخيفا ومشوشا ومرعبا ولا يتورع عن أكل جثث
معارضيه، ويظهر أيضا عيدى أمين رئيس دولة أوغندا الفاشى بجسده الممتليء ووجه الصارم
وهو يأمر بالتخلص من أى مظاهرات تعارضه بطريقة تثير الضحك. ويعود سوينكا إلى جذور المسرح
التراجيدى اليونانى القديم ليتناول سيرة الديكتاتورية التى هيمنت على السلطة فى أقنعة
قديمة فى صورة بانثيوس الحاكم العسكرى المستبد، ونرى فى أول مشهد بالمسرحية جثث العبيد
المصلوبين تصطف على جانبى الطريق والذين لقوا حتفهم لأنهم تمردوا على استخدامهم بالإكراه
ودون أجر ويقدم بانثيوس نفسه للشعب المغلوب على أمره فى سياق المسرحية قائلا: سوف أحقق
النظام، دع المدينة تعرف حالا أن بانثيوس هنا ليعيد النظام والعقل.. لقد تركت الوطن،
ابتعدت لحظة فى حملة عسكرية لحماية الحدود الوطنية، ماذا يحدث؟ إنها الفوضى من خلفى
والمدينة تمتليء بالضجيج ليعلم الجميع أننى عدت لفرض النظام.
عن الأهرام
عن الأهرام