أعزائي وكلاء الله على الأرض،
تحية طيبة وبعد.
دعونا نتفقُ على أن الَله قد اصطفاكم دون غيركم
لتكونوا الفرقة الناجية ورثةَ الجنّة.
اختاركم اللهُ دون سواكم من أبناء الديانات الآخرى،
بل دون غيركم من أبناء دينكم ممن يؤمنون بالإسلام... والسلام معًا. ولنا في التاريخ
سابقاتٌ. فقد اختار الُله "نوحًا" دون قومه، مثلما اختار "لوطًا"
دون قومه. كذلك اختار "موسى" لينجوَ قومُه، دون قوم عدوّهم، عليهم السلام
جميعًا. ولكنني أتساءل: هل كلّفكم الُله بقتل غير المُختارين سواءً كانوا من الضالّين
أو المغضوبِ عليهم أو المسلمين من غير المتطرفين، وفق تصنيفكم؟!
في حدود معرفتي المحدودة، أعلم أن الله تعالى قد
كلّف "نوحًا" بأن يُحذّر الناسَ ويُنذرهم، لا أن يحاربهم أو يقتلهم. فقد
علّمه ربُّه أن مهمته الأساسية، التي أُرسِل من أجلها، بعد الدعوة إلى عبادة الله الواحد
الأحد، هي إنذارُ الناس من عذاب يومٍ عظيم. لهذا راح النبيُّ الكريمُ يخاطبُ قومَه
بقوله: "إِنْ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِين" الشعراء 115. كما تعلّمنا في
قصة نوح والفُلك العظيم.
كذلك كان الحالُ في قصة "لوطٍ" عليه السلام.
فلم يأمر الُله لوطًا بمحاربة قومه أو قتالهم. إنما أمرَهُ بأن ينجو بنفسه والمؤمنين
من أهله، بعدما أرسل ملائكته لضرب أهل القرية من قومه الخبثاء كما في قوله تعالى:
“قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ
بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ
مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ"
هود 81.
وكذلك كان الحالُ في قضة فرعون مع موسى وشعبه. وهنا
تتجلّى خصوصية الأمر مع النبيّ موسى عليه السلام. ذاك أن شعب موسى كان كثير العدد قادرًا
على إهلاك العدو. وبالرغم من هذا لم يأمرهم النبيُّ بالقتال، بل أغرق اللهُ فرعونَ
ومركباته وآله في البحر، من دون قتال. هذا ما عرفناه من القرآن الكريم في قوله تعالى:
“وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ
وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ" البقرة 50.
أيها الفضلاءُ وكلاءَ السماء على الأرض، أولستم
تؤمنون بأن الَله قادرٌ على أن يُهلك الأرضَ ومن عليها بما عليها، كما فعل مع قوم نوحٍ،
أو أن يضرب البشرَ بالملائكة مثلما ضرب قوم لوطٍ، أو هو قادرٌ على إهلاك مَن شاء غرقًا،
كما أهلك فرعون وجيشه، وأن يستبقي المُختارين، أمثالكم، دون غيرهم من البشر الضالين،
مثل سواكم من بني الإنسان؟ ألا تؤمنون بأن الله مُنجّيكم ومُهلِكنا، كما نجّا نوحًا
ولوطًا وموسى، وأهلك أقوامهم أو أعداءهم؟ فلماذا تقتلوننا بأيديكم، ولا تصبرون على
حكم الله فينا؟
أولستم تؤمنون بقول الله تعالى: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ
لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ
يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ.” يونس 99.
وبالقياس ذاته، أليس اللهُ قادرًا على أن يخلق من
حجارة الأرض أو طميِها أبناءً جددًا لآدم بدلا مّنا وأفضلَ، على فرض أننا مفسدون في
الأرض، كما تروننا؟! بلى إنه قادرٌ. إنما اللهُ برحمته وحكمته، يصبر على الإنسان صنيع
يديه، ولهذا ندعوه: “الرحيم الحكيم الصبور.
فمن تكونون؟
هل تدركون أنكم تفعلون ما نهاكم الُله عن فعله،
بأمر مباشر؛ مُستنكرًا جلَّ جلالُه، هذا الفعل؟! أمضيتُ سنواتٍ طوالا في تأمل أفكاركم
وأفعالكم، ولم أصل إلا إلى الحيرة منكم والارتياب. منتهى ما وصلتُ إليه أنكم ثلّة من
المأزومين الذين ضربهم سرطانُ الشر وتوغل فى ثنايا خلاياهم. والله قادرٌ على إبرائكم
مما تعانون.
قرأتُ كثيرًا وتعلمت من آيات القرآن، بما يمكن معه
القول إنني مسيحيٌّ بثقافة إسلامية. وبرغم أن ما درسته لا يُعدُّ قطرةً في بحر واسع،
إلا أنني تيقّنتُ أن الكثير من الآيات الكريمات والأحاديث الشريفة لو طُبّقتْ عليكم
لكان لزامًا على أهل القرآن أن يعتبروكم غير مسلمين. فمثل،ا في الحديث الشريف، قوله
صلّى اللهُ عليه وسلّم: "أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ
بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا.” رواه البخاري، ومسلم. واختار الرسولُ الكريم كلمة: “لأخيه”
ليشمل الإنسانية جميعها، ولم يشأ أن يقول: “لمسلم”. أليس في جعبتكم ما ترمون به الناس
سوى الكفر، إلى درجة أن رميتم به أشقاءكم المسلمين المستنيرين الذين يودّون الآخرَ
العقدي ولا يقاتله، وتتخذونهم أعداء لكم؟! ألا تدركون أنكم تجعلون من أنفسكم كفّارًا
حين تُكفّرون إخوانكم، وفق الحديث السابق؟!
وفي الأخير، هذا اجتهادي الشخصي كإنسان مسيحي يحاول
أن يفهم كيف يفكّرُ المسلمُ التكفيريّ الذي يقتلنا ويذبحنا ويفجّر كنائسنا. فإن أخطأتُ
فصوّبوا أخطائي واللهُ من وراء القصد.
--
وصلتني هذه الرسالة الواعية من المواطن المصري المسيحي
الأستاذ "شنودة نبيل عايد"، فقررتُ نشرها عليكم في عمودي كما وصلتني بعد
شيء من الضبط اللغوي.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=554982
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=554982