-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

لماذا ترفض الأنظمة الاستبدادية المعرفة وتدافع عن الخرافة ؟ عزيز الحدادي

ولاتقاء شر اغتصاب الحرية باعتبارها إرادة يقظة، يقترح ديكارت التخلي عن كل الآراء القديمة، ولتحقيق ذلك يكفي هدم الأسس ليتم هدم البناء برمته، وأول أساس هش
للمعرفة، ظاهر بشكل طبيعي هو الحواس، لأن الحواس تخدع، ولذلك يجب إخضاعها للشك: «كل ما تلقيته إلى حد الآن، يكتب ديكارت، تعلمته من الحواس، وبما أن هذه الحواس خادعة، لا ينبغي أن نثق فيها».ومن الحكمة أن لا نثق في من خدعنا ولو مرة واحدة. بل إن ديكارت ينتفض في وجهنا قائلا: «اللهم إذا ما كنت مثل هؤلاء المجانين الذين يؤدي بهم دماغهم المضطرب بفعل البخار الأسود للصفراء إلى الإقرار بأنهم ملوك وهم فقراء».
ومهما يكن فهم مجانين، لأنهم فقدوا أثمن ما في وجودهم الحرية والفكر. ولذلك فإنهم يفضلون النوم على اليقظة، والحواس على العقل، العبودية على السيادة ومن عادة الفيلسوف أن يدق ناقوس الخطر، لكن لمن تقرع هذه الأجراس؛ هل لهؤلاء الذين تم تخدير إدراكهم بواسطة الآراء الخادعة؟، وكيف يمكنهم إنكار العقل، وعدم إنكار اليدين، والعينين والرجلين وغيرها من الحواس؟، وكيف يمكنهم إنكار الحرية وإيمانهم المتطرف بالاستبداد؟.
لا يريد ديكارت أن يصبح شبيها بهؤلاء المجانين: «فأنت تعتقد بأنني سأعتبر مجنونا إذا ما شككت في كوني جالسا قرب موقد النار. وأنني سأكون غريب الأطوار إذا ما سرت على منوال هؤلاء المجانين» ربما يكون هذا العمق الأنطولوجي للجنون هو ما يجعله في تقابل مع الكوجيطو «الفلسفة»، ذلك أن كل ما هو خارج هذه الأنا أفكر يعتبره ديكارت جنونا، لأن الجنون ليس سوى خطأ الحواس، يتربص بكل إنسان يقظ، ذلك أن الأخطاء التي نرتكبها في الحلم يتم تصحيحها في حالة اليقظة، حيث العقل يقوم بدوره للتمييز بين الخطأ والصواب، فمتى يرتكب الإنسان الخطأ؟ ومتى ينعم بالصواب؟، ألا يكون قد حدد معيارا صارما للتمييز بين الخطأ والصواب؟، وما هو هذا المعيار؟.
أسئلة هادئة من أجل إشكالية شرسة تسعى إلى نسف الحس المشترك الذي يقضي أكثر من نصف الحياة بثياب النوم، والنصف الآخر بالالتهام للذات الحسية، ولذلك فإن ديكارت ليضع حدا لهذه المهزلة، لأنه كان بطلا استطاع أن يعيد للفلسفة حريتها، ويعيد إليها تلك الأرض التي اغتصبت منها، وهي أرض الكوجيطو، بعدما قام بتدمير كل السلاسل التي كانت تكبل العقل من خرافة واعتقادات أسطورية، بل وأيقظه من سباته الوسطوي؛ إذ أننا نجده يقول باعتزاز كبير: «وأنا لا يمكنني أن أكون مجنونا مادمت أفكر وما دمت أتوفر على أفكار واضحة وجلية». ما أعظم هذه الأنا التي تعرفت على نفسها في أرض الكوجيطو وأصبحت تحمي نفسها من الجنون، بواسطة العقل الذي يخترق الحواس بالبداهة والتمييز، ولا تترك أمام الفكر سوى تلك الأفكار الواضحة التي لا يلمسها الشك، فهل هناك أعظم فكرة من أن يكون الإنسان موجودا بفكره، وليس فقط بجسمه؟، بل كيف يمكن التعرف على الوجود بدون التعرف على الفكر؟، وبعبارة أخرى، هل يسعى ديكارت إلى تحميل كل الذين لا يفكرون على سفينة الحمقى وجعلهم يتيهون في بحر مضطرب؟، بل أكثر من ذلك؛ ما علاقة الكوجيطو بالجنون؟، ألا يعني ذلك أن كل الذين ظلوا في مرحلة الحس المشترك مجانين؟.
من الطبيعي أن التحرر من الجهل هو الأساس الذي يقوم عليه الكوجيطو، ومن خلاله يصل الإنسان إلى التحرر من العبودية، وينسف الاستبداد ليبلغ مقام الحق في المساواة السياسية، ويصبح إنسانا بالمعنى الفلسفي لمفهوم الإنسان. هكذا سيكون هو الأداة في نشر التنوير، واستيطيقا الحياة، حيث تصبح الروح هي الغاية، والجسد ليس سوى وسيلة لإسعاد الروح، بواسطة الاعتدال في اللذة، وقهر الشره الذي يرمي بالإنسان في جحيم الجنون: «وهذا يعني ببساطة أنه يتعين عليه أن يضع الوعي الذاتي في هوية مع ذاته». لابد للوعي الذاتي أن يسافر عبر رحلة طويلة شاقة، ويشق طريقه نحو ذاته ولعل هذا بالذات: «هو مدخل الوعي غير العلمي إلى العلم». إذ يصبح يمشي على رجليه، بعدما كان يمشي على رأسه. لأن الوعي كلما اخترق مجال الأنوار، يكبر فيه الشغف إلى المعرفة وبذلك يتحول إلى فكر شغوف بالحرية. فالحرية شقيقة الفكر، بدونه تموت، وتترك الأمة تتمتع بإقامتها الشقية في العدمية. فهل حان الوقت لنشر هذه الدعوة الهادفة إلى تشييد الحرية على العلم والمعرفة؟، هل بإمكان هذه الأمة المضطهدة أن تؤسس المجتمع العلمي الذي سيحرر الإنسان من العبودية؟، ولماذا ترفض الأنظمة الاستبدادية المعرفة والعلم وتدافع عن العقيدة والخرافة؟.
لقد امتزج الأمل بالانتظار، وتحول الشغف بالحرية إلى حطام تتقاذفه أمواج الزمان. هكذا لم نعد نشعر بالأمان في أي مكان، وانهارت كل الجسور المؤدية إلى الوجود، وأصبحنا نعد الأيام بنفس الشوق الذي يكتوي بناره السجناء، حين ينعمون بساعة واحدة أمام الشمس، أو عندما تصلهم رائحة خبز الفجر، ذلك أن هذا السجن الذي يمتد من المحيط إلى الخليج، ويحرسه حراس العدمية الذين ماتت فيهم الحياة، لا أعتقد بأننا سنتحرر منه بدون ثورة حقيقية تدمر الطغاة والفقهاء في نفس الآن. وتقوم ببناء الذات الفاعلة، التي لا تجعل من الموت غايتها، بل من الحرية والمعرفة مصدر وجودها وهدفها، لأن للإنسان غاية أفضل من الحرية والمعرفة والسعادة؟، وهل من الضروري الحديث مع الناس بلغة الموت؟، وما معنى أن تذكرهم بالشقاء في السماء، وهم أشقياء في الأرض؟، ألا تكون سفينة هذه الإيديولوجية قد تحطمت؟.

كاتب من المغرب

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا