■ تعد تجربة التشكيلي المغربي عادل الصافي امتداداً للعمل والتجريب لسنوات، تدرّج فيها بين مختلف التيارات، حتى رَسى به الحال والشطح – بما تحمله الكلمتان من دلالة صوفية – في مراسي التجريدية الهندسية، بعيداً عن النقل والمحاكاة، وفي تماس مع غنائية وشعرية بهيجة، ما يعطي لكل عمل انفراده وفرادته من حيث الروح والشكل. خبر هذا الفنان أهمية البعد السيميولوجي للمادة واللون والشكل، من حيث أنها الأنساق التي يتشكل منهما الكون في نظره. أما التراب (مادة اشتغاله) فيجعل منها لغته التشكيلية التي يصوغ منها مفرداته الإستاطيقية، ويؤوّل بها أفكاره وأحلامه/خياله.
صنيع الآلهة
يقول غاستون باشلار «وفي الحق نظن أن بإمكاننا أن نثبت، ضمن إطار الخيال، قانون العناصر الأربعة التي تصنف مختلف ضروب الخيال المادية، بحسب ارتباطها بالنار، والهواء، والماء أو التراب»، فهذه العناصر الأربعة، التي يأتي على رأسها التراب، لا يمكن أن يستقيم دونها الخيال الإنساني، الذي يظل جامدا بمعزل عنها. فالأحلام مرتبطة إذن بهذه العناصر المكونة للكون والمشكلة له، بما هي أصله ومنبعه ومنبع الخلق. فإن كان الماء هو أصل كل حياة في العالم، حسبما يذهب إليه بعض الفلاسفة والديانات السماوية وغيرها، فالتراب يعد أرقى هذه العناصر، إذ منه تم خلق الإنسان، هذا الكائن المفكر، المنوطة به خلافة الآلهة على الأرض.
من هذا البعد الميثولوجي، كما الصوفي من حيث أن الإنسان هو تجلي روح الله على الأرض، ينطلق الفنان عادل الصافي وهو يشكل هندسياته وخطوطه وألوانه ومواده، التي تتحول إلى أعمال فنية تحاول أن تُمَظْهِر اللامرئي، وتحجب المرئي، إنها بهذا تستر فتعلن وتعلن فتستر، لما للستر والإعلان من ترابط وتكامل. ما يجعل من هذه الآثار تأملات في محيط الفنان، دونما أن يلجأ إلى كل ما هو محسوس. فما اشتغاله على التراب إلا باعتباره مخزونا ذهنيا وفنيا وثقافيا، بل إنه يحضر بصفته الإبستيمولوجية الضاربة في عمق التاريخ البشري. ورغم روح التجريدية الهندسية، إلا أنه يضيف عليها شاعرية نابعة من الحركة المتولدة عن تلك الخطوط الكاليغرافية، أو بالأحرى الغرافيكية، حيث يجسد نبرات وإيقاعات مجموعة من القصائد والأشعار والأبيات، لمختلف الشعراء. ما يمنح اللوحة أرواحا متعددة، تتناغم في ما بينها، لتكون لغة تشكيلية ذات رموز بصرية خاصة. تكاد أعمال هذا الفنان المجرب، والعاشق للتجريب، من حيث أنه وسيلته التي تأخذه لسبر المجهول، تكون مقبلة من الزمن الإسلامي التجريدي، حيث لجأ الفن الإسلامي إلى استخدام صيغ هندسية تجريدية للتعبير عن رؤيته للعام والإنسان. وإذ التزم الفن الإسلامي بمبادئ اصطلاحية تنظم العلاقة القائمة بين الأشياء وتعيد صياغتها، داخل المساحة التشكيلية، انطلاقاً من مفاهيم جمالية خاصة لم يكن همها تمثيل العالم المرئي أو محاكاته، بل تفسيره والتعبير عنه بأشكال مجردة. وما اتخاذ الصافي للمربع أو المستطيل كإطار لأعماله الهندسية، إلا باعتبارهما شكلين مثاليين لأنهما يتكونان من خطوط مستقيمية، ولا يعكسان غموض المنحنيات، كما باعتبارهما شكلين هندسيين يمنحان الفنان إمكانية كبرى للتماثل، هذا الأخير الذي يعتمده الفن الإسلامي أساسا وركيزة في التزاويق والأرابيسك والزخارف والنقوش. إذ أن العالم متماثل ومرآوي.
من هذا البعد الميثولوجي، كما الصوفي من حيث أن الإنسان هو تجلي روح الله على الأرض، ينطلق الفنان عادل الصافي وهو يشكل هندسياته وخطوطه وألوانه ومواده، التي تتحول إلى أعمال فنية تحاول أن تُمَظْهِر اللامرئي، وتحجب المرئي، إنها بهذا تستر فتعلن وتعلن فتستر، لما للستر والإعلان من ترابط وتكامل. ما يجعل من هذه الآثار تأملات في محيط الفنان، دونما أن يلجأ إلى كل ما هو محسوس. فما اشتغاله على التراب إلا باعتباره مخزونا ذهنيا وفنيا وثقافيا، بل إنه يحضر بصفته الإبستيمولوجية الضاربة في عمق التاريخ البشري. ورغم روح التجريدية الهندسية، إلا أنه يضيف عليها شاعرية نابعة من الحركة المتولدة عن تلك الخطوط الكاليغرافية، أو بالأحرى الغرافيكية، حيث يجسد نبرات وإيقاعات مجموعة من القصائد والأشعار والأبيات، لمختلف الشعراء. ما يمنح اللوحة أرواحا متعددة، تتناغم في ما بينها، لتكون لغة تشكيلية ذات رموز بصرية خاصة. تكاد أعمال هذا الفنان المجرب، والعاشق للتجريب، من حيث أنه وسيلته التي تأخذه لسبر المجهول، تكون مقبلة من الزمن الإسلامي التجريدي، حيث لجأ الفن الإسلامي إلى استخدام صيغ هندسية تجريدية للتعبير عن رؤيته للعام والإنسان. وإذ التزم الفن الإسلامي بمبادئ اصطلاحية تنظم العلاقة القائمة بين الأشياء وتعيد صياغتها، داخل المساحة التشكيلية، انطلاقاً من مفاهيم جمالية خاصة لم يكن همها تمثيل العالم المرئي أو محاكاته، بل تفسيره والتعبير عنه بأشكال مجردة. وما اتخاذ الصافي للمربع أو المستطيل كإطار لأعماله الهندسية، إلا باعتبارهما شكلين مثاليين لأنهما يتكونان من خطوط مستقيمية، ولا يعكسان غموض المنحنيات، كما باعتبارهما شكلين هندسيين يمنحان الفنان إمكانية كبرى للتماثل، هذا الأخير الذي يعتمده الفن الإسلامي أساسا وركيزة في التزاويق والأرابيسك والزخارف والنقوش. إذ أن العالم متماثل ومرآوي.
التجربة الجمالية
أيقونات/أعمال عادل الصافي تأتي باعتبارها آثارا موحية بعالم أركيولوجي، حيث ينمحي العمق (البعد الثالث) وينتصر السطح، وتتناثر المكونات المشكلة له، وينتصر اللون الذي يعلي من حضور المادة الخام (التراب)، فتسجل إذن هذه الأعمال الفنية تلك الرؤى الفنية للفنان وأحلامه/خيالاته. فيحاول إذن الفنان أن يجسدها عبر الحركة المتولدة عن الخطوط والمنحنيات والكتابة، إذ أن الصافي يكتب عالمه وأحلامه بالرسم وباللون والمادة. فإن تعتمد التجريدية الهندسية على الخط واللون في الاشتغال الجمالي، فالفنان هنا يضيف إليهما المادة في خامها (التراب)، هذه الإضافة هي التي تمنح أعماله بعدا أركيولوجياً، لا حفر فيه إلا في الأحلام التي يسبر الفنان أغوارها البعيدة، وبدل التعبير عنها سيرياليا أو دادائيا أو بشكل فوق واقعي، يسعى هذا التشكيلي لإظهار اللامرئي فيها، أي تلك الخطوط التي لا أصل ولا نهاية لها، والتي تتشابك في ما بينها لتنسج ثوب الحكاية، وتخيط أجزاءه، فتشكل الحلم/العمل الفني.
٭ شاعر وباحث مغربي