- ماذا تفعل من الصباح إلى المساء؟
-أعانيني
سيوران
lمنذ أن عاد ذلك اليوم ,تعود أن يجلس على
كرسي نصف مائل ,كان قد اشتراه من سوق الأشياء المستعملة ,تذكر إلحاح وإغراء البائع
بأنه قد مكنه من تحفة ,واستفاض في حكايته عن علاقة الفرنسي المتقاعد بهذا الكرسي الذي
احتضن أماسيه الباردة, مذ فقد زوجته واقتسم وحدته مع شخوص الروايات التي أدمن قراءتها,لايدري
لماذا تذكره رواية الغريب برفيقة دربه وقد
التبست بصورة الأم يتوقف طويلا عند مستهل الرواية: (اليوم ماتت أمي .أو لعلها ماتت
أمس .لست أدري. وصلتني برقية من المأوى: الأم توفيت . الدفن غدا .احتراماتنا ).ظلت
تتبدى له دوما من خلال شخصية ألما في رواية العاشق الياباني يستعير باستمرار هذا المقطع
لتوصيفها :(إنها امرأة في الشيخوخة،لكنها ليست عجوزا. ويمكن اعتبار ألما شابة، إذا
ما قارناها بباقي نزلاء لارك هاوس .إضافة إلى ذلك الحب لايستأذن العمر . وبحسب هانس
فواغ ، يجب أن يعشق المرء في آخر أيام عمره ، لأن هذا مفيد للصحة ، مبعد للكآبة. تفزعه
أغوتا كريستوف في رواية البرهان وقد انتهى إلى نفس مصير الشخصية في بوحها العاري والجارح:
( لكي أوهمك بأني أكتب .لكني لاأستطيع الكتابة هنا .أنت تزعجينني ، تراقبينني طيلة
الوقت ، تمنعينني من الكتابة، بل مجرد حضورك في المنزل يمنعني من الكتابة.أنت تحطمين
كل شيء تجعلين كل شيء يتدهور ) غير أنه وعلى خلاف بطل الرواية عندما افتقدها استشعر
خواء العالم ,صارت أماسيه باردة ،موجعة،يستلقي على الكرسي ، يتدثر بغطاء صوفي كان آخر
مانسجته له قبل رحيلها ،حتى شخصيات الروايات عادت إلى دفتي ودفء الكتب ،هو أيضا اضطر
للرحيل وسلم الكرسي لجارته التي باعته،بمجرد
رحيله.
يجلس طيلة اليوم ,يتأمل في صمت مذهول ,الناس وجلبة
الحياة ,كان يبحث في كل الوجوه عن عبد الصبور ,لم يكن يفيقه من شروده الاالحضور المباغث والمشاغب لحفيده ,وقد عاد من روضة الاطفال .
مندفعا ,كان ينطلق نحو الشرفة ليحرك الكرسي فيقبله
جده على الجبين ويضمه إلى صدره مترنما ,مهمهما في أذنه بأغنية عن العصافير والصياد
الماكر .
مندفعا ,انطلق الحفيد صوب كرسي الجد ,حركه فدار
الكرسي بسرعة ....العينان الصغيرتان تحدقان بفراغ لم يملاه الكرسي الفارغ ,تحسس الخشب البارد الصامت وأجهش
بالبكاء ,الصق خده الرطب على خلفية الكرسي ,فتسللت إلى أذنه ترنيمة وهمهمة لأغنية عن
العصافير والصياد الماكر
.