عَينَاك
عَينان تَفيضانِ
روْحًا ورَيْحاناً
عَذباً ثرَيا
كتَراتيلَ عُصفُور مَأخوذٍ بَين الألفِ والبَاء
يُطلُّ من كوَّة فارغَةٍ
في عُمق حَائط مَنسيٍّ
يحمِل مَتاعبَه علَى كتِفيْهِ
وَيزحَف بقامَته المُترَهلة
خَلفَ أرصِفة هيَ مآوٍ ومَلاذاتٌ
للمَنسيِّين
والمتسَوِّلين
وأبناءِ السَّبيل
كأنمَا يَنتَظر أن يُكلمَه التاريخُ
من خَلف حِجابٍ
أو يَترُكهُ
حجرًا على حَجرٍ مَسنودٍ إلى حَجرٍ إلى قَائمة التُّراب
إلى ذاكرةٍ موشُومةٍ بالكُحل والحنَّاء
تسُدُّ مسَد مُبتدآتٍ وأخبارٍ
ومَغازٍ
وحَوَافرَ
وصَهيلٍ
كأنَّه الليْلُ في مُنتزَعه الأَخيرِ
مَمدودًا علَى مدِّ الأفُق المنسَدلِ خلفَ الظَّلام
كَامرَأة غَجريَّة
تتَحسَّس تَفاصيل خَصرِها الطازَج
الآيلِ إلى الاشتِعال
تُلملِم خُيوطَ حكايتِها
المَكتوبَة على لوْح مَحفُوظٍ
بخَط حَلزونيٍّ مُنكسرٍ
يُشبه في تفاصِيله الدَّقيقةِ
قَهوة أمِّي
تِلك التِي كانَت وَكانَت
حَفرَت وجهَها التجَاعيدُ
وانصَرفَت إلى خالِقها
فمٌ يسبِّحُ
ويدٌ كأنما تعُد حَبات سُبحَتها
بالغَداة والآصَال
عَيناكِ
عَينان تَفيضانِ
روْحًا ورَيْحاناً
وَكلامًا عسْجَدياً لاَ يُشبهُ الكَلامَ
وَرمزاً شارداً
يُوحِي بِسرِّ امرَأة
مشدُودةٍ
إلَى النُّون وَالقلَم والمَاء
أذكُر أنِّي أذكُر أنهَا كانَت كمَا لا تزَالُ
سَادرَة في الصَّبابَة والهوَى
تَفيضُ نورًا سلسَبيلاً
تَتماهَى فِي حَضرتِه وتُطوى
البحَارُ
والكوَاكبُ
والجِبالُ
سَكرَى ومَا هي بسَكرَى
طاهرَة الظاهِر
طاهرَة البَاطنِ
عارفةٌ بالله وبمَا بينَ ظلمَة الغَفلة ونُور الحضَرة
مِن آياتٍ بيِّناتٍ
تَتأبَّى عَلى اللغَة وَالكَلام
حَوراءُ
عَيناءُ
عَيناكِ
لاَ يُدركُ سرَّ سَريرَتِهما
غيرُ الأصفيَّاء مِن عبَاد اللهِ الصَّالحينَ.
