-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

ثقافة الجوائز العربيَّة (ما لها وما عليها) بقلم: أ.د/ عبدالله بن أحمد الفَيفي


 سألَني سائلٌ: ماذا قدَّمت الجوائز العربيَّة المهاجرة للشؤون العربيَّة المحليَّة؟
فأجبتُ: مع تحفُّظي على كلمة "مهاجرة"، فإنني، إنْ قلتُ:إنها لم تقدِّم شيئًا،كان في
ذلك ظلمٌ مبين، وإنْ قلتُ: إنها قدَّمت ما نأمله،كانت في قولي محاباة.
مثلًا، كثيرٌ ممَّن فازوا بما يُسمَّى "جوائز سُعوديَّة مهاجرة" هم مواطنون سُعوديُّون، وبعض أعمالهم هو في الشأن المحلِّي. إلَّا أن التقصير الثقافيَّ قاسمٌ مشتركٌ بين مختلف المؤسَّسات، حكوميَّةً وأهليَّةً وخاصَّة، داخليَّةً وخارجيَّة. وأرباب تلك الجوائز هم من رجال الأعمال، أو من الأغنياء، الذين سخَّروا بعض مالهم في مجالاتٍ معرفيَّةٍوثقافيَّةٍ وإنسانيَّة، وهو أمرٌ يُشكَرون عليه. غير أنَّنا ما نزال نتطلَّع إلى استثماراتٍ ثقافيَّةٍ وغير ثقافيَّة، منهم ومن سِواهم. على أنْ تكون هناك تسهيلاتٌ نظاميَّةٌ لمن يريد أن يُسهِم بجِديَّة وعِلميَّة في هذا الميدان.
ولعلَّ من الأَولى- ونحن نسأل: ماذا قدَّم المهاجِر للشأن المحلِّي- أن نسأل: ماذا قدَّم غير المهاجِر للشأن المحلِّي؟
ماذا قدَّمت البنوك؟
ماذا قدَّم القطاع الخاصُّ عمومًا للتنمية، وفي لُباب التنمية: التنمية الثقافيَّة؟
ما يزال الطموح أكبر من المنجَز، لا من خلال منح جوائز فحسب، ولكن أيضًا في مشاريع استثماريَّة حيويَّة؛ يُسدِّد بها هؤلاء بعض الدَّين للوطن.
-2-
وحينما يكون السؤال عن: دور المؤسَّسات الحكوميَّة وغير الحكوميَّة في دعم مسيرة الجوائز الأدبيَّة؟
فإنَّني، كما أسلفتُ، لستُ أنظر إلى الجوائز، أدبيَّةً أو غير أدبيَّة، إلَّا في ظِلِّ نسيجٍ ثقافيٍّ مهلهَل، غالبًا، وغير مخطَّطٍ له. وفي رأيي، أن منح الجوائز قد بات من أسهل ما يمكن؛ فمن اليسير أن يُعلَن عن جائزة، وتُرشَّح بضعة أعمال، تُفاضِل بينها لجنةٌ ما، وتوزَّع الجوائز.
فما الذي جنته الثقافة من ذلك؟
أما كان أجدَى لو أُنفِق مبلغ الجائزة على نشاطٍ ثقافي، أو عُقِد به مؤتمرٌ عِلمي، أو طُبِع كتابٌ قَيِّمٌ أو تُرجِم؟
والأدهى أن لا تَحْكُم الجائزةَ معاييرُ موضوعيَّةٌ دقيقة، وحينئذٍ تغدو الجائزة وسيلة ترويجٍ لأعمال رديئة، أو دون المستوى، لتُسهِم في ترسيخ درجةٍ متواضعةٍ من العطاء، أو نشر توجُّهٍ تقليديٍّ أو فكريٍّ معيَّن، ربما كان ضرره أرجح من نفعه.
ولهذا فإن دور المؤسَّسات الحكوميَّة والخاصَّة في دعم مسيرة الجوائز أمرٌ جدير بالتقدير، إنْ جاء في إطار دعم مسيرة الثقافة، أمَّا التكثُّر من منح الجوائز، وربما بغير معايير عِلميَّة، فقد يكون مجرد هدرٍ للمال العامِّ والخاص، وهروبًا من إنتاجٍ جادٍّ ينهض بحياتنا الثقافيَّة.
نحن نعلم أن ثقافة الجوائز ثقافةٌ عربيَّةٌ عريقة. كان يسيل لها لُعاب الشُّعراء، منذ العصر الجاهلي؛ فأفسدت الشِّعر بالتكسُّب، وأفسدت الثقافة بالكذب والمَلَقِ والنفاق.  ونعلم أن هذه الثقافة ليست بسِوَى غُصْنٍ من دوحة الكَرَم الحاتميِّ لدَى أجواد العربِ، بما كانوا يخلعونه على قاصدي بلاطاتهم من الخِلَع والعطايا، في مقايضاتٍ ماديًّةٍ ومعنوية، بين المانح والممنوح، أو قل: بين المادح والممدوح.  ولهذا فإنه- بالنظر إلى أن معظم الجوائز العربيَّة اليوم تدور في فَلَك التقدير أو التشجيع أو التكريم-قد آن الأوان للالتفات إلى أن تنشأ جوائزُ عِلميَّةٌصِرفة، بما تعنيه الكلمة من معنى، بحيث تصبح الجائزة بمثابة شهادةِ استحقاقٍ عِلميٍّ للفائز بها.
-3-
أمَّا لو سألتني: إلى من يُعزَى الشأن في تنظيم الجوائز الأدبيَّة والعِلميَّة، ووضع آليَّات الفوز بها، النزيهة والمنصفة عِلميًّا؟  فإن أنسب جهةٍ يمكن أن تُوكَل إليها هذه المهمَّة هي الجامعات.  لأن الجامعات هي القادرة على وضع آلياتٍمتجردةٍ في منح الجوائز. لا أعني أن تقوم على الجائزة جامعةٌ بالضرورة، ولكن أن تكون الجامعة، بوصفها الجهة العِلميَّة المختصَّة، هي مُعِدَّة معايير التقييم، المشرفة على تطبيقها، بطريقةٍ أو بأخرى. وأن تكون التخصُّصات العِلميَّة ممثَّلةًبصورةٍ رئيسة في هيئة الجائزة التي يُراد لها أن تكون عِلميَّة، ويُرجَى أن تُؤتي ثمارها الثقافيَّة الناضجة، إسهامًا في الدفع قُدُمًا بالحياة المعرفيَّة.
أ.د/ عبدالله بن أحمد الفَيفي

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا