ارتفع معدل الإصابات بوباء الكورونا في أميركا من جداول حسابية إلى متتالية هندسية في غضون أيام معدودة، إضافة لشلل اقتصادي يلوح في الأفق تجسد في سقوط متواصل لسوق الأسهم، وتجري الأوساط السياسية الإعداد لحالة "ركود متضخم" تدريجياً وبحذر شديد.
إجراءات الطوارئ للتعامل مع الأمراض المعدية والنادرة تم بلورتها على نطاق كامل الولايات المتحدة عقب انتشار وباء إيبولا، 2014-2016، شارك في إعدادها مستويات واختصاصات متعددة حددت ثلاث مستويات من الخطورة وآليات الفحص والمعاناة والتعافي. بيد أن حالة الإرباك طبعت "نظام الرعاية الصحية" الراهن وأخذ يترنح من هول الضغط على الخدمات والمعدات الشحيحة وبدأت عليه عوارض الانهيار في بعض المناطق السكنية.
كبريات المؤسسات، لا سيما شركات الطيران وصناعة السيارات والخدمات الفندقية، توسلت للإدارة الأميركية تقديم "معونات مالية عاجلة،" بمئات مليارات الدولارات، كي لا تنهار العجلة الاقتصادية، وفق تعليلهم لحجم الأزمة، وبدأت بتسريح العمال وإغلاق بعض المصانع – ولا زالت الأزمة في أيامها الأولى.
الحكومة الأميركية، بشطريها التنفيذي والتشريعي، أعلنت عن قرارات "ضخ مئات المليارات لإنقاذ الشركات" الكبرى، ثمرة لسلسلة اجتماعات عقدها كبار مسؤولي الشركات مع البيت الأبيض وقيادات الكونغرس من الحزبين.
يثبت مركز النظام الرأسمالي العالمي أن حلول أزماته البنيوية متضمنة في وصفات النظام الاشتراكي النقيض: بتعزيز دور الدولة المركزية ليس في توجيه العجلة الاقتصادية برمتها فحسب، بل في تسخير الأموال العامة (من دافعي الضرائب والشرائح الدنيا والمتوسطة) لإنقاذ حفنة من كبريات عصب الاقتصاد الرأسمالي؛ أسوة بما فعله الرئيس السابق باراك أوباما خلال الأزمة المالية لعام 2008.
البيت الأبيض وقيادات الكونغرس تغري الفئات الأكثر تضرراً، من الطلبة والعمال والموظفين والعمال الموسميين، بتقديم مسكنات مالية "لمرة واحدة" تفوق 1000 دولار بقليل؛ لكن القرار النهائي لا يزال حبيس الأدراج والمساومات لاستصدار قرار عاجل لدعم شريحة 1% بصورة آنية، بل وبمبالغ أعلى مما تردد في البدء.
الثابت أن لا أحداً من المسؤولين يجادل في حجم البطالة الناجمة عن تفشي الوباء، والتي كانت في الحدود الدنيا قبل فترة وجيزة، أقل من 4%، مما سمح للرئيس ترامب المراهنة على الفوز في السباق الرئاسي لقاء حالة اقتصادية مريحة قبل أقل من شهر.
الإحصائيات وبيانات العاطلين عن العمل المتوفرة للأسبوع الثالث من شهر آذار الجاري تشير إلى قفزة عالية في عدد العاطلين، من 281،000 حالياً إلى 2.25 مليوناً الأسبوع المقبل (أسبوعية فوربز 20 آذار الجاري)، بينما توقعت مؤسسة بانك او اميركا أن يقفز العد إلى 3 مليون عاطل، وربما إلى 5 ملايين الشهر المقبل.
يشار إلى أن معدل العاطلين عن العمل خلال أزمة الركود العالمية بلغ نحو 24%. أما التوقعات "المحافظة" للمعدل المنظور فإنه سيرتفع إلى آفاق "لم تشهدها البلاد منذ 40 عاما،" تصل إلى 20%.
تدخلت الإدارة الأميركية بقوة في الأيام الأخيرة لدى وزارة العمل للضغط من جانبها على كافة أجهزة الولايات الأخرى الموازية من أجل إرجاء نشر بيانات العاطلين عن العمل في مواعيدها المقررة، والاكتفاء عوضاً عنها ببيانات عامة لا تتضمن أعداداً أو نسباً مئوية (يومية نيويورك تايمز 19 آذار الجاري).
من بين الإجراءات المتداولة داخل البيت الأبيض إعلان حالة الطوارئ لمدة 14 يوما، يعززه بصرف رواتب الموظفين والعمال (دون تحديد أدق) لتلك الفترة، طمعاً في تحقيق الرغبة لانحسار الوباء.
أحد كبار الأثرياء، بيل آكرمان، حذر الرئيس ترامب من قصور المراهنة خلال فترة 14 يوماً المقترحة، مطالباً بإعلان حالة الطوارئ وإغلاق المرافق كلياً "لمدة 30 يوماً، وإغلاق الحدود البرية مع كندا والمكسيك طيلة تلك الفترة، وصرف الرواتب لكافة المتضررين" لشهر كامل. بخلاف ذلك، مضى محذراً بأن "الرخاء الأميركي كما عهدناه سيغادرنا للأبد." (حديث لشبكة CNBC، 18 آذار). وذكّر الرئيس ترامب بأن تطبيقه لتلك الإجراءات من شأنها "حماية وتحصين الولايات المتحدة ضد الفايروس، وبوليصة ضمان لإعادة انتخابه" في شهر تشرين الثاني المقبل.
في الجوهر، الاقتصاد الأميركي يعتمد على منتجات الصين الشعبية ليس في المنتجات الاستهلاكية فحسب، بل في صناعات الأدوية والعقاقير، مما حفز مجدداً قيادات في الحزبين التضامن مع نداءات الرئيس ترامب بإنزال عقوبات اقتصادية على الصين وتحميلها مسؤولية عجز ميزان التبادل التجاري، وانتشار موجة العداء والعنصرية ضدها.
في المعلومات، تستورد الولايات المتحدة "80 إلى 90%" من لقاحات المضادات الحيوية المختلفة من الصين و "70% من الأدوية المسكنة للآلام." (شبكة فوكس نيوز 19 آذار الجاري، نقلاً عن مجلس العلاقات الخارجية).
وعليه، يتداول مجلس الشيوخ إصدار قانون جديد ينضح بالعنصرية والاستعلاء يستهدف الصين لما يسمى "فرط اعتماد الولايات المتحدة على الحزب الشيوعي الصيني وتهديداته باحتجاز عقاقير وأدوية تهدد الصحة العامة للشعب الأميركي."
في هذا السياق، أعلن الرئيس ترامب عن تفعيل قانون الدفاع الإنتاجي في حالات الطوارئ لتحقيق جملة أهداف بضمنها استعادة بعض الصناعات الحساسة كالأدوية من الصين للأراضي الأميركية؛ وحصر المنتجات الأميركية بما تحتاجه البلاد لسد حاجاتها الأساسية، كالأغذية، في زمن الطواريء.
المنتجات الزراعية بمحملها تعتمد بصورة كبيرة على العمال الموسميين والذين لا يتمتعون بأوراق ثبوتية على الأغلب. وهنا تتضح النزعة العنصرية ليس للإدارة الراهنة فحسب، بل لمجمل العملية الاقتصادية الساعية وراء تحقيق أكبر حجم من الأرباح بأقل قدر من الإنفاق على رواتب العمال وحقوقهم الطبيعية في الطبابة والرعاية الصحية المفقودة.
أما المواد الاستهلاكية الأخرى، من منتجات معلبة ومجمدة وتلك المعتمدة على دقيق القمح والذرة وقطاع النقليات والمخازن والتوريد، فمجملها تعمل آلياً بعدد بسيط من العمال. بيد أن الأمر لا يبعد شبح الكورونا عن الانتقال إلى ذلك القطاع غير المرئي من الإنتاج.
بديهي أن أي خلل مهما كان بسيطاً أو ثانوياً يطرأ على سلسلة التوزيع، من المعمل للمتجر، سيؤدي إلى اضطراب وربما اشتباكات بالأيدي، بداية، كما شهدنا في عدد من المتاجر في الآونة الأخيرة. ومن شأن الظاهرة أن تتفاقم بوتيرة أشد مع تراجع القدرات الإنتاجية والمرافق الأخرى التي تعتمد عليها.
عند هذا المفصل، يتردد السؤال عالياً بدور ومهمة الجيش والقوات المسلحة، إضافة للقوى والأجهزة الأمنية المتعددة، في القدرة على حماية السلم الأهلي؛ وتجديد المراهنة السياسية على القوة العسكرية استباقاً لما ستشهده البلاد من اضطرابات واحتجاجات شعبية، أرضيتها الصراع على توفير لقمة العيش.
بعض مفاصل المؤسسة الحاكمة تدرك تماماً أهمية توفير الغذاء اليومي للفرد وأبعاد اندلاع صراعات وشيكة على تلك الخلفية، مستحدثة في الأذهان مقولة المحقق الصحفي الأميركي الشهير، ألفريد هنري لويس، لعام 1906 بأن ما يفصل المرء في الأزمات "ما بين النزعة الإنسانية والفوضى الكاسحة هو 9 وجبات غذائية؛" استرشد بها لاحقاً عدد من القيادات العالمية من بينها ليون تروتسكي.
"كلية الحرب " التابعة لسلاح البر في الجيش الأميركي تنبأت باكراً في إمكانية اندلاع إضرابات في الداخل الأميركي، ضمنته في تقرير لها نشرته عام 2008، ملخصه أن الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة "قد تؤدي لانتشار عصيان مدني شامل مما سيستدعي استخدام القوات العسكرية" لإخماده واستتاب الأمن.
عمدت البنتاغون إلى استدعاء نحو 20،000 عسكري تحت الخدمة، كان من المقرر مشاركتهم دول حلف الناتو في مناورات عسكرية مطولة، وأعادتهم إلى قواعدها في الداخل الأميركي عقب انتشار وباء الكورونا، تحسباً لأي طاريء ينجم عن اندلاع اضطرابات وعصيان مدني، أو إعلان الأحكام العرفية.
غياب المواد الغذائية من الأسواق، واضطراب وسائل الإنتاج والتوزيع سيؤدي لتنامي مشاعر الخوف والقلق عند الفرد العادي. ووفق نبوءة الصحافي الأميركي المذكور فإن الفارق الزمني بين انتشار الفزع والرعب والفعل التلقائي لارتكاب معصية الفوضى والاقتتال لا يتعدى يومين إلى ثلاثة أيام.
الوعود السياسية للسلطتين التنفيذية والتشريعية، بضخ فوري للأموال في العجلة الاقتصادية وحمايتها من الانهيار تدور حول مبلغ تريليون (ألف مليار) دولار؛ وهو مبلغ ليس باليسير توفيره حتى على دولة ثرية مثل الولايات المتحدة، على أقله في المدة الزمنية المنظورة. لذا لجأت المراكز الرأسمالية، كعادتها، إلى طرح بعض ديونها للشراء في الأسواق لتأمين المبلغ المطلوب، عبر آلية الاحتياطي الفيدرالي.
الوصفة عينها جرى اختبارها في ألمانيا النازية في عشرينيات القرن الماضي، والأرجنتين عام 2000، ودول أخرى، ولم تثبت نجاعتها النظرية بل كانت وباء على القطاعات الأوسع في المجتمعات. وبرزت تجلياتها في انتشار معدلات الجريمة وحجز الشاحنات وسرقة المخازن ..الخ، ولن تكون الحالة الأميركية الراهنة استثناءاً لتجارب التاريخ.
شبح الانزلاق إلى نمط من الحرب الداخلية يلوح في الأفق بوتيرة متدرجة، أشارت إليها الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام المختلفة استناداً إلى ما رصدته من إقبال كبير على شراء الأسلحة الفردية في الآونة الأخيرة. هذا بالإضافة إلى ظاهرة اقتناء السلاح المنتشرة أصلاً في المجتمع الأميركي مما يرفع سقف المراهنات واحتمالات الاصطدام بين قوى متعددة وبضمنها القوات العسكرية النظامية.
(الجزء الثاني القادم : كيف سيحكم العسكر أميركا )كبريات المؤسسات، لا سيما شركات الطيران وصناعة السيارات والخدمات الفندقية، توسلت للإدارة الأميركية تقديم "معونات مالية عاجلة،" بمئات مليارات الدولارات، كي لا تنهار العجلة الاقتصادية، وفق تعليلهم لحجم الأزمة، وبدأت بتسريح العمال وإغلاق بعض المصانع – ولا زالت الأزمة في أيامها الأولى.
الحكومة الأميركية، بشطريها التنفيذي والتشريعي، أعلنت عن قرارات "ضخ مئات المليارات لإنقاذ الشركات" الكبرى، ثمرة لسلسلة اجتماعات عقدها كبار مسؤولي الشركات مع البيت الأبيض وقيادات الكونغرس من الحزبين.
يثبت مركز النظام الرأسمالي العالمي أن حلول أزماته البنيوية متضمنة في وصفات النظام الاشتراكي النقيض: بتعزيز دور الدولة المركزية ليس في توجيه العجلة الاقتصادية برمتها فحسب، بل في تسخير الأموال العامة (من دافعي الضرائب والشرائح الدنيا والمتوسطة) لإنقاذ حفنة من كبريات عصب الاقتصاد الرأسمالي؛ أسوة بما فعله الرئيس السابق باراك أوباما خلال الأزمة المالية لعام 2008.
البيت الأبيض وقيادات الكونغرس تغري الفئات الأكثر تضرراً، من الطلبة والعمال والموظفين والعمال الموسميين، بتقديم مسكنات مالية "لمرة واحدة" تفوق 1000 دولار بقليل؛ لكن القرار النهائي لا يزال حبيس الأدراج والمساومات لاستصدار قرار عاجل لدعم شريحة 1% بصورة آنية، بل وبمبالغ أعلى مما تردد في البدء.
الثابت أن لا أحداً من المسؤولين يجادل في حجم البطالة الناجمة عن تفشي الوباء، والتي كانت في الحدود الدنيا قبل فترة وجيزة، أقل من 4%، مما سمح للرئيس ترامب المراهنة على الفوز في السباق الرئاسي لقاء حالة اقتصادية مريحة قبل أقل من شهر.
الإحصائيات وبيانات العاطلين عن العمل المتوفرة للأسبوع الثالث من شهر آذار الجاري تشير إلى قفزة عالية في عدد العاطلين، من 281،000 حالياً إلى 2.25 مليوناً الأسبوع المقبل (أسبوعية فوربز 20 آذار الجاري)، بينما توقعت مؤسسة بانك او اميركا أن يقفز العد إلى 3 مليون عاطل، وربما إلى 5 ملايين الشهر المقبل.
يشار إلى أن معدل العاطلين عن العمل خلال أزمة الركود العالمية بلغ نحو 24%. أما التوقعات "المحافظة" للمعدل المنظور فإنه سيرتفع إلى آفاق "لم تشهدها البلاد منذ 40 عاما،" تصل إلى 20%.
تدخلت الإدارة الأميركية بقوة في الأيام الأخيرة لدى وزارة العمل للضغط من جانبها على كافة أجهزة الولايات الأخرى الموازية من أجل إرجاء نشر بيانات العاطلين عن العمل في مواعيدها المقررة، والاكتفاء عوضاً عنها ببيانات عامة لا تتضمن أعداداً أو نسباً مئوية (يومية نيويورك تايمز 19 آذار الجاري).
من بين الإجراءات المتداولة داخل البيت الأبيض إعلان حالة الطوارئ لمدة 14 يوما، يعززه بصرف رواتب الموظفين والعمال (دون تحديد أدق) لتلك الفترة، طمعاً في تحقيق الرغبة لانحسار الوباء.
أحد كبار الأثرياء، بيل آكرمان، حذر الرئيس ترامب من قصور المراهنة خلال فترة 14 يوماً المقترحة، مطالباً بإعلان حالة الطوارئ وإغلاق المرافق كلياً "لمدة 30 يوماً، وإغلاق الحدود البرية مع كندا والمكسيك طيلة تلك الفترة، وصرف الرواتب لكافة المتضررين" لشهر كامل. بخلاف ذلك، مضى محذراً بأن "الرخاء الأميركي كما عهدناه سيغادرنا للأبد." (حديث لشبكة CNBC، 18 آذار). وذكّر الرئيس ترامب بأن تطبيقه لتلك الإجراءات من شأنها "حماية وتحصين الولايات المتحدة ضد الفايروس، وبوليصة ضمان لإعادة انتخابه" في شهر تشرين الثاني المقبل.
في الجوهر، الاقتصاد الأميركي يعتمد على منتجات الصين الشعبية ليس في المنتجات الاستهلاكية فحسب، بل في صناعات الأدوية والعقاقير، مما حفز مجدداً قيادات في الحزبين التضامن مع نداءات الرئيس ترامب بإنزال عقوبات اقتصادية على الصين وتحميلها مسؤولية عجز ميزان التبادل التجاري، وانتشار موجة العداء والعنصرية ضدها.
في المعلومات، تستورد الولايات المتحدة "80 إلى 90%" من لقاحات المضادات الحيوية المختلفة من الصين و "70% من الأدوية المسكنة للآلام." (شبكة فوكس نيوز 19 آذار الجاري، نقلاً عن مجلس العلاقات الخارجية).
وعليه، يتداول مجلس الشيوخ إصدار قانون جديد ينضح بالعنصرية والاستعلاء يستهدف الصين لما يسمى "فرط اعتماد الولايات المتحدة على الحزب الشيوعي الصيني وتهديداته باحتجاز عقاقير وأدوية تهدد الصحة العامة للشعب الأميركي."
في هذا السياق، أعلن الرئيس ترامب عن تفعيل قانون الدفاع الإنتاجي في حالات الطوارئ لتحقيق جملة أهداف بضمنها استعادة بعض الصناعات الحساسة كالأدوية من الصين للأراضي الأميركية؛ وحصر المنتجات الأميركية بما تحتاجه البلاد لسد حاجاتها الأساسية، كالأغذية، في زمن الطواريء.
المنتجات الزراعية بمحملها تعتمد بصورة كبيرة على العمال الموسميين والذين لا يتمتعون بأوراق ثبوتية على الأغلب. وهنا تتضح النزعة العنصرية ليس للإدارة الراهنة فحسب، بل لمجمل العملية الاقتصادية الساعية وراء تحقيق أكبر حجم من الأرباح بأقل قدر من الإنفاق على رواتب العمال وحقوقهم الطبيعية في الطبابة والرعاية الصحية المفقودة.
أما المواد الاستهلاكية الأخرى، من منتجات معلبة ومجمدة وتلك المعتمدة على دقيق القمح والذرة وقطاع النقليات والمخازن والتوريد، فمجملها تعمل آلياً بعدد بسيط من العمال. بيد أن الأمر لا يبعد شبح الكورونا عن الانتقال إلى ذلك القطاع غير المرئي من الإنتاج.
بديهي أن أي خلل مهما كان بسيطاً أو ثانوياً يطرأ على سلسلة التوزيع، من المعمل للمتجر، سيؤدي إلى اضطراب وربما اشتباكات بالأيدي، بداية، كما شهدنا في عدد من المتاجر في الآونة الأخيرة. ومن شأن الظاهرة أن تتفاقم بوتيرة أشد مع تراجع القدرات الإنتاجية والمرافق الأخرى التي تعتمد عليها.
عند هذا المفصل، يتردد السؤال عالياً بدور ومهمة الجيش والقوات المسلحة، إضافة للقوى والأجهزة الأمنية المتعددة، في القدرة على حماية السلم الأهلي؛ وتجديد المراهنة السياسية على القوة العسكرية استباقاً لما ستشهده البلاد من اضطرابات واحتجاجات شعبية، أرضيتها الصراع على توفير لقمة العيش.
بعض مفاصل المؤسسة الحاكمة تدرك تماماً أهمية توفير الغذاء اليومي للفرد وأبعاد اندلاع صراعات وشيكة على تلك الخلفية، مستحدثة في الأذهان مقولة المحقق الصحفي الأميركي الشهير، ألفريد هنري لويس، لعام 1906 بأن ما يفصل المرء في الأزمات "ما بين النزعة الإنسانية والفوضى الكاسحة هو 9 وجبات غذائية؛" استرشد بها لاحقاً عدد من القيادات العالمية من بينها ليون تروتسكي.
"كلية الحرب " التابعة لسلاح البر في الجيش الأميركي تنبأت باكراً في إمكانية اندلاع إضرابات في الداخل الأميركي، ضمنته في تقرير لها نشرته عام 2008، ملخصه أن الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة "قد تؤدي لانتشار عصيان مدني شامل مما سيستدعي استخدام القوات العسكرية" لإخماده واستتاب الأمن.
عمدت البنتاغون إلى استدعاء نحو 20،000 عسكري تحت الخدمة، كان من المقرر مشاركتهم دول حلف الناتو في مناورات عسكرية مطولة، وأعادتهم إلى قواعدها في الداخل الأميركي عقب انتشار وباء الكورونا، تحسباً لأي طاريء ينجم عن اندلاع اضطرابات وعصيان مدني، أو إعلان الأحكام العرفية.
غياب المواد الغذائية من الأسواق، واضطراب وسائل الإنتاج والتوزيع سيؤدي لتنامي مشاعر الخوف والقلق عند الفرد العادي. ووفق نبوءة الصحافي الأميركي المذكور فإن الفارق الزمني بين انتشار الفزع والرعب والفعل التلقائي لارتكاب معصية الفوضى والاقتتال لا يتعدى يومين إلى ثلاثة أيام.
الوعود السياسية للسلطتين التنفيذية والتشريعية، بضخ فوري للأموال في العجلة الاقتصادية وحمايتها من الانهيار تدور حول مبلغ تريليون (ألف مليار) دولار؛ وهو مبلغ ليس باليسير توفيره حتى على دولة ثرية مثل الولايات المتحدة، على أقله في المدة الزمنية المنظورة. لذا لجأت المراكز الرأسمالية، كعادتها، إلى طرح بعض ديونها للشراء في الأسواق لتأمين المبلغ المطلوب، عبر آلية الاحتياطي الفيدرالي.
الوصفة عينها جرى اختبارها في ألمانيا النازية في عشرينيات القرن الماضي، والأرجنتين عام 2000، ودول أخرى، ولم تثبت نجاعتها النظرية بل كانت وباء على القطاعات الأوسع في المجتمعات. وبرزت تجلياتها في انتشار معدلات الجريمة وحجز الشاحنات وسرقة المخازن ..الخ، ولن تكون الحالة الأميركية الراهنة استثناءاً لتجارب التاريخ.
شبح الانزلاق إلى نمط من الحرب الداخلية يلوح في الأفق بوتيرة متدرجة، أشارت إليها الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام المختلفة استناداً إلى ما رصدته من إقبال كبير على شراء الأسلحة الفردية في الآونة الأخيرة. هذا بالإضافة إلى ظاهرة اقتناء السلاح المنتشرة أصلاً في المجتمع الأميركي مما يرفع سقف المراهنات واحتمالات الاصطدام بين قوى متعددة وبضمنها القوات العسكرية النظامية.