شكل فيروس
كورونا المستجد صدمة بالنسبة للعالم أجمع، لم يُعِر العالم اهتمامه لهذا الفيروس
إلا بعد أن استفحل في الصين ثم عَبَر حدودها نحو باقي دول العالم. لقد كانت تلك
الصدمة محركا للعديد
من التساؤلات وللمشاعر أيضا، فهو فيروس ينتشر بوثيرة سريعة
ولا يميز بين الأشخاص ولا بين الطبقات أيضا. لقد أثر في كل مناحي الحياة، بل في
الحياة نفسها، فأعاد السؤال حول قيمة الحياة ومعناها. لقد أربك الاقتصاد العالمي
وأفقد ثقة أعتى الدول في قدراتها. كما أنه أثر في السياسة وفي الجيوسياسة، وغير
مواقف العديد من الدول بخصوص سياسات معينة، فهذه إيران تلجأ لصندوق النقد الدولي
من أجل منحها قروضا تساعدها على تجاوز أزمتها، وتلك فنزويلا تلجأ لنفس الخيار إلا
أن طلبها قوبل بالرفض... كما أن امتدادات تأثير هذا الفيروس وصلت إلى أماكن
العبادة، فلم يعد التمييز في ظل هذا الوباء بين مسجد ودير وكنيسة ومعبد... وقد
امتد تأثيره أيضا إلى العلاقات البين-ذاتية –وهذا هو الأهم- صحيح أن العالم في ظل
تكنولوجيا الاتصال أصبح قرية صغيرة، إلا أن ذلك لا يعني إمكانية تعويض التكنولوجيا
للعلاقات المباشرة بين الأشخاص، لقد أصبح العالم قرية صغيرة على مستوى الافتراض،
إلا أنه عبارة عن قرى معزولة على مستوى الواقع، وذهب الأمر في بعض الدول إلى حد
تحويل مجموعة من الدول إلى مساكن معزولة. لقد أعاد هذا الوباء طرح أسئلة حول
قيمة/نفعية مجموعة من التوجهات، لا سواء تلك التي يتبناها الأفراد أو تلك التي
تتبناها دول بعينها. مع هذا الوباء فرضت البيولوجيا عامة نفسها، فأصبحت المختبرات
تسابق الزمن من أجل الوصول إلى لقاح ناجع. لقد بعثر هذا الفيروس التراتبية القائمة
للوظائف التي يقوم بها الإنسان، وكشف مدى تفاهة النجومية التي مُنحت لأدوار تافهة
وكمالية على حساب الوظائف الأساسية التي تقوم بدور جوهري، إلا أن دورها يتم دائما
في الظل. ومن حسنات هذا الوباء أنه أعاد هؤلاء الذين يشتغلون في صمت –أعادهم-
للواجهة. لقد قام هذا الفيروس بكشف الجوهري في الحياة، إنه العلم. عن طريق العلم
يمكننا مواجهة أعتى المخاطر وتجاوزها، ومعنى العلم هنا لا يقتصر على المعارف فقط،
بل على القيم والتربية عامة؛ فلا يمكن للطبيب مساعدة المريض إن لم يقم هذا الأخير
بمساعدة الأول.
لم يسلم
المغرب من هذا الوباء، وقد قوبل دخوله للمملكة بنوع من السخرية والاستهتار من طرف
البعض على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن استمرار تداعياته كشف العديد من
الأمور، أولها أنه أسقط أوراق التوت عن عورة التفاضل القائم على أسس واهية، وعن
النجومية المزيفة التي منحت للتافهين وللمسوقين للتفاهة، كما أنه نبه الجاعلين من
هؤلاء نجوما –نبههم- إلى من هم النجوم الحقيقيون. من جهة أخرى، كشف هذا الوباء عن
اللحمة القائمة بين المغاربة، وعن ذاك الحب القائم على أسس صادقة والذي تجلى في
استعداد المغربيات والمغاربة للتطوع من أجل توعية باقي فئات الشعب الغارق في
الأمية والجهل، وكشف مدى نكران الذات التي يتحلى بها المغاربة في مواجهة كل ما من
شأنه تهديد سلامتهم. كل التحايا للأطباء وللممرضين ولرجال الأمن بمختلف أنواعهم
وللمجتمع المدني بشتى أطيافه على تجندهم البطولي لمواجهة هذا الوباء. صحيح أننا لا
نملك معدات الدول المتقدمة تكنولوجيا، إلا أننا قادرون على خلق المعجزة من خلال
تجاوز هفواتهم.
إدريس نفاع.
باحث في
الفلسفة والتربية.
هلع مستورد
ردحذف