يلاطفها ويهمس
لها بكلمات، تهرب منه ويركد نحوها، يناديه أحدهم؛ فيمتنع. يصعدان منحدرات الحديقة
سويا ثم يتزحلقان سويا، يتبادلان الكرة والنظرات، يزعجهما أحد الشباب بدعوى
مشاركتهم اللعب؛ فينصرفان عنه ويتركان له الكرة وأشياء أخرى.
لعلها
الأوهام يا سيدي ليس إلا؟ ابنتك ما زالت صغيرة، وما تلك الحرارة المنبثقة من
جسديهما سوى هلوسة رشحت من ماضيك البعيد، هما يلعبان فقط لم تنفرد به وهو لم يفعل..
فقط هي الذكرى لم تنفك تتجسد أمامك في كل لحظة سعادة لتحولها إلى بؤس وشقاء...
سرحت
قليلا بعدما لم أجد أحدا بجانبي وأخذني الاسترجاع إلى مناطق الظل في ذاكرتي رغم
سطوع شمس الحاضر وبزوغ نور المستقبل، وسرت في عروقي دماء الشوق كما كانت تفعل عند
كل لقاء لنا بجانب النهر أو تحت الأشجار أو
في طرف الزقاق...
على كل
هي أيام خلت يا سيدي بكل ما فيها من آهات وأحزان وأشواق وأفراح، حتى سبب افتراقكما
مازلت تبدل الجهود لتسترجعه، وإن فعلت لم يعد يحزنك أو يثير أعصابك كما كان بعيد
تلك الواقعة عندما ذهبت مخمورا ليلة زفافها وصدحت باسمها ولوحت بشالها وكدت تتسبب
في كارثة لولا حكمة نجهلها...
دعك من
هذا، ربما نجاتك من ذلك المأزق بعدما استدعى أبوها الشرطة ورُميت في زنزانة
ضيقة ليلة كاملة قبل تنازله عن الشكاية في الصباح الموالي تحت ضغط ابنته، ولعل إصرارك
على مواصلة الدراسة وانتقالك إلى مدينة بعيدة ونجاحك في حياتك رغم كل ما حدث لهي
الحكمة التي بت الآن تعلمها.
ها هما
قادمان نحوي.. هي بدأت بتقديمه على أنه طالب سينتقل في المستقبل القريب ليعيش في
المدينة التي نقطنها لإتمام دراسته وتريدني أن أتوسط له في هذا الأمر وربما غيره...
تبادلنا
الحديث والأفكار وسألته عن أبويه، أشار إلى أمه فقط كما فعلت وقتئذ، ربما فقد أباه
مثلي...!
نهضت
وذهبنا كلنا نحوها، من بعيد هي نفسها أو تشبهها، فقط تعرية الزمن فعلت واجبها…
قلت:
مرحبا سيدتي، استدارت نحوي، شخصت الأبصار وتجمدت الأيادي، تراجعت خطوات، حاولت
الكلام وكذلك فعلت هي.. لكن هول اللحظة أشد. نظرت إلى الشاب وربت على كتفه وتذكرت
حينها الآلام الفراق عند منحدر السوق.