“خلال الغزو الإسرائيلي لبيروت في صيف العام 1982، وكان الشاعر في مدينة البصرة، خلال الحرب الإيرانية العراقية، حيث كانت البصرة مهددة باجتياح إيراني، كتب الشاعر هذه القصيدة لبيروت، إذ لا فرق بين الغزو الصهيوني لبيروت ومحاولات الاجتياح الإيراني للبصرة.
وإذ عدنا إلى القصيدة، بعد تفجير ميناء بيروت في الرابع من آب/ أغسطس 2020، وجدنا
القصيدة وكأنها كتبت عنه، أو لنقل عن بيروت في الحالين: حال الغزو وحال تفجير
الميناء، لذا أقدمنا على إعادة نشر القصيدة، بعد أن استللناها من الأعمال الشعرية
الكاملة للشاعر.
في كلِّ يومٍ كنتُ أضربُ في شوارعك القصيةِ
من يرافقني إليكِ الآن؟
من كانت تعلّمني القراءة في دفاترك..
استباح قميصها البحرُ البعيدُ
وأصبح العشّاقُ ينتشرون في أرقي عليها
لم أرَ امرأةً سواكِ
ولم أرَ امرأةً سواها
مُنْذُ أن رَحَلَتْ.. وأنتِ تراودينً
دميَ المباحَ
وقد كبُرنا..
أصبحَ الولدُ العصيُّ ينامُ في الحلم
العصيِّ
وما كبُرتِ
وكنتُ أخشى منكِ لا أخشى عليكِ
فأنتِ مبهمةٌ وقاسيةٌ
ولكنا نحبك رغمَ قاموس الشتائم
حين نحزنُ أو نحاصرُ أو نخاصمُ من
نَحُب..
نراك في أحلى صفاتك بين أيدينا..
وفي الكأسِ الجميلِ
يا مرّةَ الشفتين من ظمأ ومن سهر
طويلِ
حُييتِ من حُلم قتيلِ
أنّا سنصعدُ من صعودِكِ.. نحو بدء
المستحيلِ
يا أيها الحلمُ المحاصرُ..
بين آلافِ القصائدِ والمكائدِ
أيها الكفنُ الذي قلنا له كُنْ
بيرقاً.. فأبى
افترضنا أن يكونَ عباءةً.. فأبى
وصيّرناهُ ساريةً..
فما هبّتْ رياحٌ من جنوبِ القلبِ
حاولنا الإقامةَ في الدمارِ
وفي حدود الموتِ
ذلك وجهكِ المحفورُ في الضحكِ
المؤجَّلِ..
كم تأملناه..
من حبٍّ ومن نزقٍ
فلم يأذنْ لنا..
فلترحلي معنا.. إليكِ
فإننا نسعى إلى دمنا المقيم على
شوارعك المقيمة
كيف يمكنُ أن نراكِ بعيدةً عنّا
وأنت مقيمةٌ فينا..
إسألينا..
مرّةً أو مرتين
نُجبْكِ من ألمِ
تمادى الحاكمون
فكلّما كَبُرت دنى.. صغروا
وما كنّا لنأمل أن نراكِ بغيرِ ما
كنّا نراكِ
فأنت بين الموتِ والملكوتِ مملكة
وأنتِ حديقةٌ للقلبِ
لم نحقدْ عليكِ.. ولم نخاصمكِ..
استفقنا في خرابكِ
واكتشفنا أن حبَّكِ لم يزلْ في القلبِ
أيةُ زهرةٍ لم تغتسلْ بدمٍ؟
وقد نضبتْ عيونُ الماء
إنّ شهودنا الشهداء
إنّ شهودنا الشهداء
****
أحاولُ أن أجيءَ إليك قبل رحيل أحبابي
وقبلَ تفرّق السمّار من أهلي وأصحابي
وأعرف أن خلف الظهرِ رومٌ..
ثمّ رومٌ..
ثمّ رومٌ..
علّمتنا الحربُ
أنّ بني العمومةِ بائعوكِ
وعلمتنا.. أن نقاتل دونهم
يا جارة الدم والدمار..
أراكِ متعبةً.. أنامُ على يديكِ
وفي قميصي من غُبارِ البصرةِ..
احتَضَنَتْكِ
وهي تقاتل الأعداءَ
بينكُما دمٌ وبويبْ..
بينكما الخليج وطفلةٌ قتلوا هواها
