-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الدال السوسيولوجي والحلم بالتغيير في رواية «هوت ماروك» عبدالحفيظ بن جلولي


 تنهج الرواية المغربية مسارا مشتغلا على المجتمع في شعبيته الدالة على تناقض جامع بين البناء والهدم، الذي يؤول إلى ما يتغياه الاشتغال الإبداعي في قراءة المجتمع، على الأقل نسبة إلى ما اطلعت عليه، وعلى هذا المنوال سارت رواية «قبور في الماء» للراحل محمد زفزاف و»بانت سعاد» لشعيب الساوري و»رقصة العنكبوت» لمصطفى لغتيري، وجاءت رواية «هوت ماروك»، لعدنان ياسين لتُحيّن هذا الاتجاه وتمنحه عمقه الشعري، انطلاقا من سردية الرواية والعلاقة مع الروائي، باعتبار مساره الشعري والإعلامي الممتد من «مشارف» إلى «بيت ياسين».

تنبني رواية «هوت ماروك» على تناقض الاتجاهات المجتمعية وتعارضها في بناء الواقع المأمول، الذي يظهر من خلال الرواية في العنصر الشبابي الذي تتقمصه شخوصها، فجلهم جامعيون، منخرطون في العمل الطلابي، مأخوذون بالهم المجتمعي والسياسي، لكن تفرق بينهم فراغات التدهور المجتمعي، الناتجة عن الانهيار العام الذي يسود مناحي الهيكلة المجتمعية بمستوياتها كافة السياسية والاقتصادية والعلمية، ولهذا كرست شخصية «رحال لعوينة» المنطوية واللامبالية علاميتها داخل النص، حيث لا تشتغل إلا في ما يعيق حركة المجتمع بعناصره البشرية، نحو التواصل والإثراء والإنتاجية الدافعة، فارتباطه بالحلم في علاقته المجتمعية، جعله يطور أداة أشد محوا للواقع باعتباره محل المواجهة، أي النظر للبشر على أنهم حيوانات، وهو ما يؤكد فرضية نفاقية المجتمع، فالحيوانية توفر للإنسان عدم تحمل المسؤولية، في الوقت الذي تتيح له التنفيس عن دواخله بما يشاء. وأيضا شخصية الأستاذ بوشعيب المخلوفي، وما يمثله كعنصر سلبي، تتصارع في عمقه القدامة والحداثة، لكنه يمسك العصا من النصف، لأنه منتم سلبي، مُساكِنٌ للوضع القائم، ويشكل تمسكه بالتراثية العمود الأساس الذي يرفد بنية مجتمع برمته يقع بين الحداثة والقدامة، أو مجتمع بواجهة معاصرة، ولكن بباطن يرفض التعري أمام ذاته ليغير من إحداثياته المتوافقة وطبيعة قوانين التطور والسير إلى الأمام.
طبيعة السرد في مسارات رواية «هوت ماروك»، تنسج انطلاقا من لغة حكائية تمتح من الشعبي، أي من الحراك المجتمعي في أقبيته التحتانية ومناطقه الخلفية، فالشعبي الذي تتطور به اللغة في «هوت ماروك» إنما نقصد بها تلك اللغة التي تتماس مع اليومي، لكن في مستواه الأنثربو- سوسيو- تاريخي، وهو ما يميز الرواية المغربية، التي يبدو أنها تحاول أن تتحدى صرامة اللغة في تقولبها الجامد، لتبلغ بها مستوى يحاكي مسار وتاريخية الروائي ذاته في المجال الحيوي المعيشي، فتجد الروائي يصنع نسيجا سرديا تتجاور فيه الفصحى والعامية، بدون إفراط، لكن في تجاورهما لا تشعر كثيرا باختلاف مستويات اللغة: «الآن فقط علمت بذلك؟ مسكين، دائما مقلوبة عليك القفة»، وعلى هذا النسق تسير كل التعبيرات التي تحمل في تركيبها معاني عامية: «منين جاها المرض وهي أصح من ظالم».
يطل السرد في رواية «هوت ماروك» من نافذة التداخل الجمالي بين الذات الكاتبة والنص المعبأ بمحمولات موقفية، لكن لا يستطيع القارئ أن يحسم في موقف الكاتب من خلال النص، لأنه ينفلت من الرؤى المطروحة بخفة رامية، فـ»هوت ماروك» في رأيي تمثل المسار التطوري لمنحى النقد الاجتماعي، لكن باعتباره متضمنا في الحكاية، فهو يشمل كل ما يحيط الذات مما تعتقده أو تنتقده، ضمن رؤية ساخرة لاذعة في مجملها، تضع الواقع في منظار تنامي التتابع المرحلي لفترات تطور المجتمع، ثم تستفرد الرؤية الروائية في كل مرحلة، سالخة إياها حتى نخاعها، وقد ساهم نشاط الروائي الإعلامي في تأثيث نصه وفق هذه الاستراتيجية التفكيكية التي تعتمد التساؤل.

يتشكل فضاء الرواية ضمن النسيج الاجتماعي لمدينة «مراكش» التاريخية، حيث أحاطتها الرواية بعملية حفر سوسيولوجي طال مراحل متعددة من التغيير، الذي حدث فيها، سلبا وإيجابا.

تتماشى القناعة الأيديولوجية والرؤية النقدية بانسجام في مسار الحدث السردي، بحيث تتشكل وفق متواليتين سرديتين متضمنتين في تطور المنحى المجتمعي، وفق الرؤية النضالية، باعتبار التحولات العميقة التي شهدها المغرب في ما يتعلق بالشأن السياسي والثقافي والاقتصادي، فمن «الفراشة في طريقها إلى المسلخ» إلى «السنجاب يدخل العلبة الزرقاء»، تتضح معالم التغيير المستقر بين المعنى في «المسلخ» و»الزرقاء»، وما يحملانه من تدرجات لونية تستقر في المسلخ عند «الأحمر»، وهو اللون الأكثر سخونة، ومن الأحمر إلى الأزرق (الهدوء) يتشكل المشهد المجتمعي المنتقل من الانغلاق والقبضة الحديدية إلى الانفتاح والتطلع إلى الأعلى، لكن هذا التغيير لكي يحمل عمق التجربة الإنسانية في محاولاتها الدؤوبة للتحرر والانعتاق من سلاسل الانقياد، تم تسطير عتبتي عنواني الفصلين المتتاليين بمنطق الحيوان، وهو ما يعيدنا إلى التجربة العربية التراثية في انتحالها أسمال اللسان الحيواني لدى ابن المقفع، للتعبير عن المكنون المحتجَز في الوعي، فكانت «الفراشة» و»السنجاب»، علامتين للدلالة على سلمية المجتمع وحلميته في المطالبة بحقه في الحضور والكينونة التشاركية في المجتمع.
تمثل الرواية لحظة التغيير المشبعة بذات الروائي من حيث شعريته الماتحة من تراث شعري عريق، كان على «الدوام مستودع الثقافة العربية وتاريخها» كما يرى جمال الدين بن الشيخ، حيث يرمم الشعر فجوات السرد انطلاقا من توظيف واع بمهمة الجملة الشعرية في الإفصاح عن القصد النقدي، لوضع ما أو تثبيت قناعة معينة، وهو ما ينم عن استثمار جمالي للذاكرة. تضع الرواية هذا البرنامج ضمن مساحة تقع بين شخصية «بوشعيب المخلوفي» الثابت في قرار التراثية الساكنة، ومسطرة الراوي الماسكة بمنوال الشعرية العربية المتحولة بين معياري المعرفة المستمرة في التاريخ والقصد الحداثي، وهو ما جعل توظيف الشعر العربي في الرواية معبرا عن العنصر الأساس الذي انطلق منه الروائي لبناء نقدية اجتماعية قاعدتها الرواية، بما تحمله من خطاب ينطلق من حركة الفاعل الاجتماعي المتخيل والواقعي.
تتعمق الرواية الواقع سوسيولوجيا، باعتبار لحظة الانهيار الذي تحكمه، الانهيار في الذوق والسلوك والنجاعة المجتمعية، فتواجهه مفاجئة القارئ بألفاظ بذيئة غير منتظرة وغير مستساغة أخلاقيا، باعتبار ما يحكم المجتمع، لكن يتأكد القارئ أنها تؤدي وظيفة سردية لا يمكن التعبير عن الهبوط القيمي المريع، إلا من خلال صدمة اللفظ الكلامية، حيث ترد مبررة لتكشف عن شدة الحنق عما وصل إليه انحدار المجتمع، وتبين قوة الاحتجاج الاجتماعي ضد مرحلة معينة أشار إليها السرد بـ»المسلخ»، لعل ذلك يثوّر بؤرة الخمود المجتمعي، عبر مسار السرد المتمثل في جمود شخصية «بوشعيب المخلوفي» ولامبالاة شخصية «رحال لعوينة»، التي يناور حولها السرد ليحيلها إلى الإيجابي حينما يقارب التسميات، ويذكر عرضا شخصية المناضل اليساري الراحل «رحال جبيهة»، بما تمثله التسمية والانتماء من معارضة جذرية راديكالية، فتلعب الإحالة دور التنبيه إلى مناطق الأمل في شخصية «رحال العوينة» من خلال التناقض العميق والجوهري في شخصيته، إذ تعتبر نموذجا لبنية المجتمع المتناقض في تكوينه، ولعل الرواية تهدف إلى إثارة نوع من الصراعية الطبيقة المفجرة للحظة التغيير عبر استمرار «رحال جبيهة» في مسار سرد شخصية «رحال العوينة»، ومسار القراءة يتأسس شاهدا فنيا على هذا الإحساس.
يمثل الغرافيتي باعتباره عنصرا من عناصر الاحتجاج ضد وضع قائم لحظة فاصلة في الرواية، إذ يكثف السرد وجوده في مكان مغلق، «المرحاض»، فالغرافيتي احتجاج والمرحاض تعبير عن الوضع المجتمعي النشاز في مرحلة معينة. يعاني «رحال» من «الانقباض»، وهو ما يمثل حالة فيزيولوجية مرضية، تماثل تماما الوضع السوسيولوجي الذي يعاني عسرا في عملية التغيير، فيصبح عسر الهضم الفيزيولوجي أو حالة «رحال» تعبيرا عن البحث عن وسائل التخلص من ثقل الانهيار الجاثم على الصدر السوسيولوجي للمجتمع أو الواقع الذي تشير إليه الرواية بـ «الذكريات الخرائية»، بدلالة محل التخلص من فضلات الوضع الفيزيولوجي.
يتشكل فضاء الرواية ضمن النسيج الاجتماعي لمدينة «مراكش» التاريخية، حيث أحاطتها الرواية بعملية حفر سوسيولوجي طال مراحل متعددة من التغيير، الذي حدث فيها، سلبا وإيجابا، والاستثمار في المكان التاريخي إنما يعبر عن حنين جارف إلى «عبق التاريخ»، لا باعتباره أحداث ماضوية، ولكن كحلم بالتغيير، وهو ما يمكن أن يكون، سببا من أسباب إنهاء الرواية بحلم، رغم كابوسيته المزعجة، بدلالة نظر «رحال» إلى بطن زوجته متخوفا مما سوف يتخلق فيه، طبعا، اعتمادا على ما رآه في الحلم، والعلاقة القائمة بين التاريخ كحلم وحلم «رحال»، تكمن في أن التغيير ليس لحظة رومانسية، إنها ثورية وساخنة، وهو ما قـــــد تنغلق عليه جملة العنوان من خلال القرينة الدالة « Hot».

٭ كاتب جزائري

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا