عبير محمد عبد الحافظ أستاذة اللغة والأدب الإسباني في كلية الآداب جامعة القاهرة، درست الماجستير والدكتوراه في جامعة كومبلوتنسي مدريد، وجامعة القاهرة، لها العديد من الترجمات في الأدب الإسباني والأمريكي اللاتيني، ترجمت الكثير من العربية إلى الإسبانية، لتؤكد أن الترجمة هي جسر التواصل والتفاعل بين الشعوب، وأن الثقافة والأدب هما القوة الناعمة الحقيقية، أو كما يصطلح عليه اليوم بالدبلوماسية الثقافية، القادرة على التقريب بين الدول والشعوب، والحل محل السياسة في أحيان كثيرة. عُرفت المترجمة المصرية بأسلوبها المتميز الرصين فى ترجمة الشعر، كما عرفت بالتدقيق والتمحيص في ترجمة العديد من الروايات والقصائد، وكذلك القصص القصيرة، لكن في كل الحالات نجحت في نقل الأدب الإسباني والأمريكي اللاتيني إلى العربية. ومن بين أبرز الأعمال المترجمة: «قصص» (خوسيه ماريا ميرينو) و«مكالمات تليفونية» (روبرتو بولانيو) و«رياح سوداء» (ألثيبادي جونثالث دل بايي) و«العَظْمَة» (كريستينا ريبيرا جارثا) و«مرثية موت أبيه» (خورخي مانريكي) و«قصائد مترو نيويورك» (كارلوس أجواساكو) و«صحراء البحر» و«محراب» (خوان أرماندو روخاس) ودواوين شعر لأحمد الشهاوي وجبران سعد وخلود المعلا وغيرهم.■ متى وكيف بدأت قصتك مع عالم الترجمة؟
□ بدأ شغفي بالترجمة حينما بدأتْ القراءة الجادة، وكنتُ آنذاك في الثانية عشرة من عمري، كنتُ مولعة بقراءة الأدب العالمي المترجم، وخاصة الروسي والفرنسي والياباني والهندي، وأعتقد أن بنية الأعمال المترجمة إلى العربية فكرا ولغة طبعا أسلوبي في الترجمة سواء من الإسبانية أو إليها، كما أنّ قراءة أعمال نجيب محفوظ شكّلت أساسا من قدرتي التعبيرية، خلال نقل النص الروائي والقصصي، والقرآن الكريم هو منهل أساسي لي خلال ترجمة الشعر. بعد حصولي على الدكتوراه نشرتُ أول ترجمة لي لقصة قصيرة للكاتب، الذي أعددتُ رسالة الدكتوراه عنه، ثم ترجمتُ مجموعة قصصية كاملة لـخوليو كورتاثار، وفوجئت بالروائي المصري جمال الغيطاني يحدثني ليهنأني على الترجمة ولم يكن يعرفني، سوى من الترجمة، ولم أصدق نفسي، فتيقنتُ أنَّ الترجمة لم تعد حلما، بل حقيقة موثقة.
■ ماذا عن الأكاديميا وتدريس الترجمة في مصر؟
□ هذا سؤال عام وكبير ويحتاج إلى دراسة، وليس مجرد إجابة انطباعية سريعة. وحركة الترجمة في مصر في ازدهار ملحوظ جدا، خاصة مع عدد الجامعات التي افتتحت مؤخرا، والاهتمام بتدريس اللغات الأجنبية، وبالنسبة لتدريس الترجمة في مصر، فمثله مثل العالم يحتاج إلى خطة واستراتيجية جديدة.
■ من هم في رأيك أهم المترجمين العرب من وإلى الإسبانية؟
□ هناك مجموعة رائدة في هذا المجال، ولا نستطيع أن نغفل دور الرواد الذين أسسوا لهذا الباع، وعلى رأسهم عبد الرحمن البدوي وترجمته لدون كيخوتة وحمود علي مكي ومحمد أبو العطا وعبد السلام عقيل ونادية جمال الدين وأحمد حسان وحامد أبو أحمد وماهر البطوطي ورفعت عطفة وصالح علماني، ومن الإسبانية فديريكو كورينتي وكارمن رويث، ولويس ميجيل كانيادا وإجناثيو فرَّانديث وسلبادور بينيا وغيرهم، فضلا عن الأجيال الجديدة من المترجمين العرب والإسبان.
■ بعد أن قمت بترجمة أكثر من ثلاثين عملا أدبيا بين الشعر والنثر والقصة القصيرة، هل هناك فرق بين ترجمة مؤلفات لكتاب من إسبانيا وآخرين من أمريكا اللاتينية؟
□ كل عمل يكون له طابعه الخاص وأسلوبه، سواء من إسباني أو أمريكا اللاتينية أو العالم العربي، ومرجع ذلك للحقبة التاريخية التي كُتب فيها العمل، فضلا عن العوامل الاجتماعية والسياسية وحركة الفنون، ومدارس الأدب السائدة في الحقبة. على الرغم من ذلك فإنني أرى أنِّ أدب أمريكا اللاتينية يمثل دولا عدة في أمريكا الوسطى والجنوبية والكاريبي، مقابل أدب إسبانيا الذي يمثل دولة واحدة، عليه فإنَّ تراكب النص الأمريكي اللاتيني يكون أكثر تعقيدا في بعض الأحيان، عن الأدب الإسباني، مع الأخذ في الاعتبار كونه مجتمعا هجينا. في هذا الصدد لا ننسى أن أدب إسبانيا ولد في أوروبا، بينما أدب أمريكا اللاتينية ولد في سياق جغرافي أوسع.
■ بالنسبة لك ما هو الأمر الأصعب، ترجمة الشعر أم النثر؟
□ كل عمل بذاته تكون له خصوصية معينة، ولا شك في أن النصوص التاريخية، سواء من الشعر أو النثر هي الأصعب، لأنها تتناول نسقا تاريخيا مختلفا وغير حاضـــــر، لذلك تتطلب جاهزية معينة وقراءة مسهبة، فضلا عن استحضار القالب اللغوي الموائم، لتضع القارئ في الفضاء الملائم لطبيعة النص وتكوينه. ترجمة ملحمة الجاوتشو مارتين فيــيرو، ومرثية موت أبيه تطلبا جهدا استثنائيا للمحافظة على شخصــــية النصين، وخلقهما في قالب شعري ملائم. أما الكاتب الأرجنتيني خوليو كورتاثار ورواية «الأربعينية» لخوان جويتيسولو، فكانتا تحديين كبيرين أيضا. وبالنسبة لترجمة الشعر من العربــــية إلى الإســـبانية فهو بالنسبة لي مثل الرياضة المحببة وملاذا لكتابة الشعر بشكل آخر.
■ ما رأيك في تعدد الترجمات العربية لمؤلف أجنبي واحد؟ البعض يعتبر ذلك قراءة جديدة، والبعض الآخر يعتبر ذلك مجهودا مكررا.
□ هذا يتوقف على الهدف من الترجمة، وعلى أهمية العمل المترجم، أحيانا تكسب الترجمة الجديدة للعمل أبعادا لم تستحضرها الترجمة الأولى، ولكل عصر مفرداته وأدواته، وذائقة القراء تختلف، وبالنسبة لي فأنا من محبي قراءة ترجمات متعددة للنص نفسه، ذلك له متعة خاصة بالنسبة لي، ودائما هناك ترجمة تصنع الانتخاب الطبيعي وتثبت جدارتها.
■ لقد كانت ومازالت مصر رائدة في مجال الترجمة، كيف تقيمين لنا وضع الترجمة في مصر والعالم العربي؟
□ الترجمة في مصر والعالم العربي قديمة ومزدهرة، ولا ننسى تاريخيا أن الترجمة كانت أحد أهم روافد الحضارة الإسلامية. غير أننا في العصر الحالي نحتاج كما أشرت إلى استراتيجية جديدة، أكثر منهجية، وتعاون بشكل أكبر لترجمة الكنوز التي لم نلتفت إليها في إسبانيا وأمريكا اللاتينية. بالمثل لا بد من إعادة النظر في جوائز الترجمة، لأن قيمتها تنصب في فئات محدودة للغاية، ويجب إعادة صياغتها بشكل أفضل، وأكثر ملاءمة للظروف العالمية الحالية.
■ في بعض الأحيان تقومين بمهام الترجمة الفورية لمسؤولين مصريين، مالذي يميز هذه التجربة؟
□ لقد ترجمت لابنة الزعيم تشي جيفارا، ونائبة الرئيس الأرجنتيني ورئيسة الأرجنتين، كما ترجمت لخوان جويتيسولو وغيرهم من الشخصيات المهمة، وكان ذلك من الإسبانية وإليها، وهي مهمة حساسة وتتطلب سرعة بديهة وثقة بالنفس ومعرفة موسوعية.