من المرتكزات الرئيسة التي يعتمد عليها المنهج الفلسفي في تعريته لموقعية الحدث أو فيما يتعلق بأصول البحث وكشف الحدث هو العمل على ايجاد وتوفير أدوات ومعطيات او معدّات وغايات عملانية استراتيجية ومنهجية تعمل عملها وتفعل فعلها من حيث استخراج النتائج والآثار من رحم تلك الأدوات والمعطيات الأساسية للمنهج وبالتالي الوصول الى حلول تكاملية يتمكّن الباحث من خلالها توظيف الإمكانات وفهم الاعتبارات التي تتطلب حضور مواد منهجية وعناصر أولية تساعد على شرح ما يمكن ان يكون شرحه على نحو التفصيل والتعليل بمنهج الأسس والقواعد الفلسفية الغائية التي تنطلق من ثنائية الفكر والتفكير إلى غائية البناء والتركيب ومن صياغة المركبّات المفهومية الى دمج المكوّنات والعناصر الرياضية المنبثقة من أساسيات وسياسات المنهج الفلسفي القويم الذي يعتمد على عملية الحفر والتنقيب لاستخراج المواد النظرية والعمل على صرفها وتحويلها من الجمود المكاني الى الوجود الزماني لجعلها مناهج نستفيد منها في سيرورة الاستقصاء والمتابعة أو فيما يخص المراجعة والبحث عن ذاتية الأشياء لإيجاد عوامل تكون بمثابة الأطر التي تجعل من المنهج منهجاً فلسفياً وشمولياً يستهدف المعرفة من جميع جوانبها واتجاهاتها المتفرّعة.
من خلال هذه المقدمة والديباجة سَنُحَاوِلْ الانتقال الى صلب الموضوع لتفصيل مؤسّسات المنهج الفلسفي المقتضى توافرها في أسس المنهج الفلسفي وقواعده كمنهج معرفي يساعد على إيضاح الموضوعات وتجديد الصياغات الذهنية الحيوية، وتلك هي أصالة البحث ومتعة التوق لاستكشاف واستنطاق اللغة ومفردات المفاهيم بما تحويه من رموز ومصطلحات تحتاج منّا الى البحث عن مرتكزات للمنهج الفلسفي وذلك من أجل تقويمه ودعمه نحو الاستمرار.
من اللازم على الباحث او من يريد البحث وإعمال الفكر العمل على توظيف الحسّ العقلي الذي ينطلق من احداثيات التأمل الناجع، فالتأمل هنا هو محطّ استدلال بقدر ما هو حاسّة من الحواسّ الفعّالة على اكثر من صعيد ولعلّه يُعتبر من التمارين المفيدة لرياضة الجسم والعقل والروح إذا مورس بطريقة مُنْتِجة فهو يعطي الشعور بالاسترخاء ومن ثمة المساعدة على إعمال التفكير بمنهج ناجع في شؤون الفكر علاقاته بالأشياء التي تحتاج الى دراسة وتفكيك وبناء منهجيات وتركيب مناهج جديدة يستفاد منها، والتأمل بدوره ايضاً يساعد على نمو النضج نحو الإبداع والخلق أو نحو كل ما هو مشتّت في الأذهان الى مركّب تقني وإبداعي في الأذهان حيث يعمل على اتصال الانسان بمشاعره الجوانية وبالتالي تتحول اللغة من حالة الاسترخاء الى حالة السيرورة والتنفيذ المبني على الشعور والإحساس الفعّال من بواطن الذات الإنسانية ويتحول بدورة الى لغة مفهومية ذي أبعاد غائية وفلسفية مبنية على الإدراكات والتصورات أو المشاعر والتغيرات التي تساعد على عملية الانتظام التحقيبي للمنهج الفلسفي المراد استقصائه وبحثه على اوجه مختلفة بعوامل الدعم والإسناد وتوفير الدعامات والركائز لكيفية انتهاجه بمنهجية اسمنتية مترابطة. ويمكن لنا التطرُّق الى نوع آخر من تقنية التأمل وهو التأمل خارج نطاق الواقع او ما يُسمى المانترا أي استخدام تقنية التأمل خارج نطاق الواقع من خلال التجاوزات والقفزات الايديولوجية ذات المنحى النظري للبعد الجوهري النظري (Transcendental Meditation) او الخروج عن المألوف والإفرازات الذهنية التي تقف عند حد معين أثناء التحريك والتحريض للحواس فهي تأخذ العقل الواعي إلى مستويات عميقة في داخله، وتجعله يتجاوز الأفكار ويختبر حالة الوعي الصافي مما يكون له اثر فعال على راحة العقل والجسم.
ثمة عنصر آخر يرتبط بالجانب التأملي ويعتبر من الأولويات في المنهج الفلسفي وهو توظيف العنصر العقلي/ العقل حيث يشكل الركيزة الاساس لمعرفة الماهيات والخلفيات للحدث والاحداث او في مجال البحث والابحاث التي تنفجر من كل حدب وصوب فهو صمام الأمان لقيادة وحلّ المشكلات الفكرية وبدونه يُفقد الصواب ويضل الخطاب منهجه بمزيد من التعثّر والبقاء في حالته الجمودية. فإيجاد الفلسفة العقلية او ما يُسمى بفلسفة العقل هو كون ارتباط هذا العقل بالمنحى الذهني والوظيفي على انه يتضمن خصائص وصفات تمكنّه من شخصنة الاشياء إلى عقلنة الاشياء على انها وعي ذهني حقيقي متصل بالوجود الفيزيائي للدماغ الانساني وتلك هي مسألة في غاية الأهمية لما يمكن لنا اعتبارها قضية جوهرية ومحورية في معرفة الأمور الحياتية وتشخيصها نحو الممكن والمنتج بطريقة عقلانية تنتهي بنا الى النتائج والمحصّلات المبتغى بحثها ومعرفتها على منهج فلسفي عقلي نابع من جوهر المرتكزات وقواعد المستندات والمعطيات ذات الأهداف والغايات.
من الموضوعات الداعمة ايضاً للمنهج الفلسفي هي "مسألة التحليل" لأنه المكمل والمتمّم لسيرورة التنظيم في المنهج الفلسفي باتجاه المنحى التكاملي للمعنى والمفهوم الذي نحن بصدده وبدون استراتيجية التحليل يصبح الموضوع المراد بحثه ناقصاً من اضافة المداخل والمخارج أو العوامل والمناهج الفنية للموضوع التي قد تكون سبباً في ايضاح الطريقة المفاهيمية للقضايا المختلفة والمتفرعة في ميادين العلوم، فهو سمة رئيسة يعتمد عليها الباحثين في عملية التجزئة والترتيب او التصنيف والتبويب أو فرز المسائل المتعثرة المتناقضة والمتداخلة مع بعضها البعض ويعتبر موضوع التحليل قيمة معالجاتية تعمل على تفكيك أبنية الأشياء واختزال الموضوعات نحو قراءات معرفية متعددة نافعة تتكوثر فيها الإجابات والمعطيات أو الاستنتاجات والنظريات على اسلوبها المبني على اساس التحليل العقلي المنبثق من التقنيات والآليات لأوجه الاستنتاجات السابقة والاحقة منها على ان جوهر التحليل هو وظيفة يهتم بها الساسة اليوم في عملهم ومشاريعهم الدراسية لشتى القضايا المصيرية والحياتية منها وليس ثمة شك بأن التحليل هو من المناهج المعتبرة لسيرورة الانتقال من الأجوبة الجاهزة الى المسائل العملية الناجزة التي تقوم بمنطق التغيير والتحويل والفاعلية في ابتكار اساليب جديدة للتفكير يقوم بمنطق التجزئة للعدد الكلي والمستعصي حفظه ومعرفته.
ننتهي بالقول بأن المنهج الفلسفي يقتضي ان يكون مرتكزاً على الجانب العقلي في موضوع المدركات وهو منهجٌ تأمُّليّ، بأن يعتمد الفيلسوف على التفكير الذاتي، وتحليليّ بأن يصل الفيلسوف بمنهجه للأسباب الاساسية الاولى للموضوعات المراد البحث عنها.