قالت عشر منظمات لحقوق الإنسان في بيان صحفي مشترك اليوم إنَّ الرئيس قيس سعيّد وجّه ضربة موجعة لاستقلالية القضاء في 1 جوان/حزيران 2022، بعد أن منح نفسه بمرسوم، سلطة مطلقة لإعفاء القضاة بإجراءات عشوائية، وعزل 57 قاضيًا على وجه السرعة.
تمثل تحركات الرئيس الأخيرة اعتداء على دولة القانون. وعليه أن يلغي المرسوم فوراً ويعيد القضاة الذين أعفاهم بموجب أحكامه.
وقالت سلسبيل شلالي، مديرة مكتب “هيومن رايتس ووتش” في تونس: “بهذا المرسوم، ألغى الرئيس سعيّد أي استقلالية كانت السلطة القضائية في تونس لا تزال قادرة على ممارستها. يجب أن يخضع القضاة لإجراءات تأديبية عادلة، ونزيهة، وقابلة للاستئناف، وليس للعزل على هوى السلطة التنفيذية”.
استقلالية القضاء عنصر حاسم في الحق في محاكمة عادلة. يقع على عاتق الدول التزام باتخاذ تدابير محددة لضمان استقلالية القضاء وحماية القضاة من أي شكل من أشكال التأثير السياسي.
يمنح المرسوم عدد 35 لسنة 2022 الرئيس سلطة إعفاء القضاة والوكلاء العامين على هواه، استنادًا إلى تقارير من “جهات مخوّلة” غير محددة تفيد بأنهم يشكلون تهديدًا “للأمن العام” أو “المصالح العليا للبلاد”، وكذلك بالنسبة لأفعال “تمس بسمعة القضاء أو استقلاليته أو حسن سيره”. بالإضافة إلى ذلك، فقد جعل رئيس الجمهورية قراراته بإعفاء القضاة محصنةً من أي شكل من أشكال الطعن الفوري.
ينص المرسوم عدد 35 لسنة 2022 على بدء الملاحقة الجنائية تلقائيًا ضد القضاة المعفيين بموجب أحكامه. كما لا يجوز للقضاة الطعن في إعفائهم إلا بعد أن تصدر المحاكم حكمًا قاطعًا في قضاياهم الجنائية.
يؤدي تحريك الدعاوى الجنائية تلقائيًا ضد القضاة على هذه الأسس إلى خلط الأمور الإدارية والجنائية. وبذلك، يخرج المرسوم تعسفيًا عن الإجراءات الجزائية التونسية وينتهك مبدأ المساواة أمام القانون وفي الحصول على حمايته.
كذلك، لا يمتثل المرسوم لمبدأ الشرعية، وهو مبدأ عام أساسي للقانون والقانون الدولي لحقوق الإنسان. ويرجع ذلك إلى أن الأسس المُرتَكَز عليها لإخضاع قاضٍ للملاحقة الجنائية يتم تحديدها بعبارات عامة غامضة، مما يجعل من المستحيل على القضاة تمييز السلوك الذي قد يُصنّف كجريمة جنائية ويسمح للسلطة التنفيذية باتخاذ إجراءات تعسفية.
في خطاب مسجل بالفيديو في 1 جوان/حزيران، أعلن الرئيس سعيّد عن الإعفاءات، مستشهدًا باتهامات تشمل عرقلة التحقيقات المتعلقة بالإرهاب، والفساد المالي، و”الفساد الأخلاقي”، والزنا، والمشاركة في “جلسات خمرية”. ونُشرت أسماء القضاة الـ 57 المعفيين في الجريدة الرسمية في 1 جوان/حزيران.
يعد المرسوم أحدث خطوة للرئيس سعيّد لتركيز السلطات في يديه. فمنذ 25 جويلية/تموز 2021، علّق معظم مواد الدستور التونسي وحل البرلمان ومنح نفسه سلطة الحكم بموجب مراسيم. كما فكك عددًا من المؤسسات الوطنية، بما في ذلك لجنة الانتخابات المستقلة والمجلس الأعلى للقضاء، اللذَيْن أُنشئا للحماية من تجاوزات السلطة.
وقال وديع الأسمر، رئيس الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان: “منذ يوليو/تموز الماضي، أزال الرئيس سعيّد جميع الضوابط المؤسسية تقريبًا على سلطته. وبإقرار مرسومه الجديد، يقضي على ما تبقى من استقلالية القضاء ويُحكِم قبضته الاستبدادية على البلاد”.
في 12 فيفري/ شباط 2022، اعتمد سعيّد المرسوم عدد 11 لسنة 2022، الذي حل بموجبه المجلس الأعلى للقضاء، وهو هيئة مكونة من قضاة وخبراء قانونيين وماليين وخبراء ضرائب ومحاسبين ينتخبهم في الغالب أقرانهم، وقد تأسّس بعد ثورة 2011 في تونس للإشراف على القضاء وحمايته من تدخل السلطة التنفيذية. واستبدل سعيّد المجلس بهيئة مؤقتة عيّنها الرئيس جزئيًا، ومنح نفسه صلاحيات بموجب المرسوم نفسه للتدخل في التعيينات والمسارات الوظيفية وإقالة القضاة والوكلاء العامين.
في حين أن المرسوم عدد 11 لسنة 2022 سمح للرئيس بالفعل بطلب إعفاء القضاة لأسباب غامضة، إلا أنه لم يسمح للرئيس بفعل ذلك بإجراءات موجزة. وقالت المنظمات الموقعة إن توسيع صلاحيات الرئيس لتشمل إعفاء القضاة بإجراءات تعسفية هو هجوم مباشر على سيادة القانون. وأضافت أنه ينبغي إلغاء كلا المرسومين وإعادة صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء.
شنَّ الرئيس سعيّد، على مدى الأشهر الماضية، هجمات خطابية متكررة على القضاء، الذي اتهمه بالفساد والتحيز والإخفاق في الرد بسرعة على مزاعم الفساد والإرهاب.
وقال سعيد بن عربية، مدير “برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع للجنة الحقوقيين الدولية”: “من خلال الإعفاءات التعسفية هذه، يبعث الرئيس برسالة مذعرة إلى نفس القضاة الذين ينبغي أن يحافظوا على سيادة القانون وحقوق الإنسان ويضبطوا انتهاكاته للسلطة”.
يسعى الرئيس سعيّد إلى استبدال الدستور التونسي الذي تبناه المجلس الوطني التأسيسي في 2014. وفي 25 ماي/أيار 2022، أصدر مرسومًا بإجراء استفتاء على دستور جديد في 25 جويلية/تموز.
بموجب مجموعة مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية، “يُنظر في التهمة الموجهة أو الشكوى المرفوعة ضد قاضٍ بصفته القضائية والمهنية، وذلك على نحو مستعجل وبموجب إجراءات ملائمة. وللقاضي الحق في الحصول على محاكمة عادلة. ويكون فحص الموضوع في مرحلته الأولى سريًا، ما لم يطلب القاضي خلاف ذلك”.
كما تنص المبادئ الأساسية على أن “تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه. ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية”.
أكدت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي هيئة من الخبراء الذين يقدمون التفسير النهائي للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في توضيحها لالتزام الدولة بضمان الحق في محاكمة عادلة (التعليق العام 32):
“لا يجوز فصل القضاة من الخدمة إلا لأسباب خطيرة تتعلق بسوء السلوك أو عدم الكفاءة، ويكون ذلك وفقًا لإجراءات عادلة تكفل الموضوعية والحياد بموجب الدستور أو القانون. قيام السلطة التنفيذية بإعفاء القضاة، على سبيل المثال، قبل انقضاء مدة الولاية المحددة لهم، أو من دون إبداء أسباب محددة أو حصولهم على حماية قضائية فعالة تمكنهم من الاعتراض على إعفائهم، يتعارض مع استقلالية القضاء”.
استناداً إلى المبادئ والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في محاكمة عادلة والمساعدة القانونية في إفريقيا، التي اعتمدتها اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في 2005: “يحق لموظفي القضاء الذين يواجهون إجراءات تأديبية أو تعليق مهام أو طردًا أن يحصلوا على ضمانات المحاكمة العادلة بما في ذلك الحق في اختيار ممثل قانوني، وفي مراجعة مستقلة للقرارات المتعلقة بالتأديب أو تعليق المهام أو الطرد”.
وختمت آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “بمرسوم تلو الآخر، يشدد الرئيس التونسي الرقابة التنفيذية على الشؤون القضائية، ومع كل مرسوم جديد يُحكم الخناق على استقلالية القضاء”.
المنظمات الموقّعة:
أكساس ناو
إنترناشونال ألرت
الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان
لجنة الحقوقيين الدولية
محامون بلا حدود
المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب
منظمة العفو الدولية
هيومن رايتس ووتش
مراسلون بلا حدود