-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الإعلام المغربي و "تفراق اللّْغة"الإعلام ومشروع إصلاح التعليم مالكة العاصمي

الإعلام الجديد في المغرب و "تفراق اللّْغة"
ساد نوع جديد من الإعلام في معظم الأجهزة والمؤسسات المسموعة والمرئية، التي ينتظر منها المغاربة أن تقدم لهم فوائد جديدة، وخبرات ومهارات فكرية أدبية ثقافية لغوية، ليشعروا أنهم يحصلون من الإعلام مكتسبات ترفع مستواهم، وتنقلهم من الجهل إلى العلم، ومن الانغلاق إلى التفتح، ومن لوك الكلام ولثه وتقليبه وتكريره، إلى معرفة يرتقون بها ويتفتحون، ويستعينون على تحقيق مطامحهم في التقدم والتطور.
المشكل أن الإعلام الجديد يكرس أسوء ما يوجد في حياتنا ويرسخه ويمارسه. إذا استثنينا بعض الإذاعات التي تحترم نفسها ورسالتها النبيلة في خدمة الجماهير وترقيتهم ورفع قدراتهم، فإن الإعلام الجديد على تعدده وتنوعه، يعتمد "تفراق اللّْغة أو تفراق اللغا" منذ الصباح حتى المساء. وإذا انتقلت من إذاعة إلى أخرى، وبحثت عن لغة راقية عالمة، وفكر متقدم متنور، فلن تحقق فائدة أو مبتغى.
وقد انخرطت البرمجة الجديدة لبعض القنوات التلفزية في عملية "تفراق اللّْغَة" فأمطرتنا بسيل من الكائنات التي تتمتع بقدرة كبيرة على الثرثرة و "الهدرة" أو "الهذرة" سمتهم منتجين ومنشطين ومعدي برامج وشبه ذلك من التسميات. كما انخرطت في مشروع اللوحات الإشهارية المبتذلة التي تملأ شوارع المغرب، فملأت الشاشة المغربية بكتابات غير قابلة للقراءة، وبتعابير وجمل تنتمي إلى لغة الشارع والجهل وتحتاج إلى من يعلمها ويثقفها.
كلمة "الهذرة" أو "الهدرة" تستعمل في الدارجة للحديث والكلام، لكن أي نوع من الكلام؟.
معنى "هذر" الفصيح هو هذى، وهو سقط الكلام الذي لا يعبأ به، وهو حديث من يخلط في كلامه ويتكلم بما لا ينبغي، أو حديث من فقد توازنه العقلي فصار يهذر أي يهذي. وتشبه هذه الكلمة في معناها كلمة "التهيطير" الدارجة التي تعني هذيان المصاب بالحمى، وكلمة "تيهيطر" الدارجة معناها أنه محموم لدرجة كونه صار يهذي، وتستعمل أيضا في الكلام غير المحكوم بالمنطق. ومعنى "هدر" الفصيح بطل، وسقط، وهدر الرعد صوَّتَ. وكلمة "دوى" أيضا تعني صوَّتَ وتستعمل في الدارجة المغربية بنفس معناها لأنهم يعتبرون الحديث نوع من التصويت والصراخ وإطلاق الكلام على عواهنه إذا لم يكن الأمر خاضعا لمقياس المنطق والعقل والضبط. ويعني المغاربة ب "الهدرة" إهدار الكلام هباء أو إهدار الوقت في الثرثرة. وكثيرا ما نقول في عبارتنا الدارجة "راه تيهذر وتيهيطر" أو "راه تيهترف" ونستعملهما معا لمعنى واحد، فنقرن الهذرة" أو الهدرة" ب "التهيطير" و "التهتريف". و "التهيطير" تشكيل حروفي مضطرب لكلمة هذر إمعانا في تقبيح فعل التحدث بشكل سائب. أما "التهتريف" فتشكيل حروفي مضطرب لكلمة هَرَفَ إمعانا في تقبيح الفعل المقترف. ومعنى هَرَفَ مدح الغير بدون خبرة، أي أنه تحدث بكلام سائب غير مسؤول وغير مضبوط. ونعبر في الدارجة ب "تفراق اللغة" عن تبادل الحديث بين المجتمعين بدون هدف أو ضابط والخلط فيه بين المفيد وغير المفيد وبين الجد والهزل وغيره. هكذا كان المغاربة يعبرون عن الكلام التلقائي المرتجل، وعن الحوارات والمجادلات العقيمة.
لكن المغاربة كباقي الشعوب دقيقون في استعمالاتهم اللغوية، فبينما يرفضون أنواعا يسمونها "هذرة، أو هدرة أو تفراق اللغة" من الحوارات أو المجادلات العقيمة ويستخفون بها، يحترمون أنواعا أخرى  معينة فيسمونها "حديث" أو "كلام"، فيعبرون ب "تيتكلم" أو "تيتحدث" عن أنواع أخرى من الحوار المضبوط. فيقولون "راه تيتكلم" كإنكار على من لا يقبل رأيا عقلانيا.
الثقافة السائدة أو التي كانت سائدة في المجالس قبل انخراط المغرب في التعليم واتساع رقعته هي "تفراق اللّْغة" و "الهذرة" أو "الهدرة". وكان الرهان على الإعلام والمدرسة وباقي المؤسسات التي اجتهد المغرب في إقامتها أن تخرج بالمجتمع من الفراغ والثرثرة و"تفراق اللغة" و "الهذرة الخاوية" إلى ما يفيد ويجدي ويملأ الفكر والعقل ويغذيه بثقافة عالمة ولغة عالمة.
تطلع المجتمع المغربي إلى الثقافة ومطمحه من المؤسسات الثقافية
في المجالس والبيوت والدروب أو غيرها من المجالات والأماكن المختلفة حيث تلتقي المجموعات والفئات المتشابهة من النساء أو الرجال أو الشباب أو حتى الأطفال أو غيرهم من الشرائح ينخرط هؤلاء عادة في أحاديث متنوعة، ويمارسون في حياتهم اليومية وعلاقاتهم ما يسمونه "تفراق اللغة" و "الهذرة" أو "الهدرة". ويعنون به تلك الأحاديث المرتجلة التي يمارسها اليوم بعض الإعلام السمعي، وانضاف إليه بعض الإعلام البصري. أو ينخرطون فيما يسميه المجتمع المغربي أيضا "غير جيب يا فم واطلق" أو "غير جيب يا فم وكَول" أو "الهذرة الخاوية"، ويعنون بهذه المقولات تلك اللغة غير المحكمة وغير العالمة أو المثقفة، أو غير المحكومة بالعقل والمنطق والتنظيم والضبط والانضباط. أي مثل تلك التي تقترفها حاليا بعض وسائل الإعلام الجديدة التي تسمي نفسها إعلاما تفاعليا، وبرامجها البرامج التفاعلية. يفتح المنشط المكبر أمامه بدون تحضير ولا تهييء، ويشرع في الثرثرة، واستدعاء أشباهه من المثرثرين للالتحاق به. فتجد نفسك بعد تضحية ووقت طويل من الاستماع أنك انحدرت في السلم الفكري الثقافي اللغوي الاجتماعي دركات، وليس درجات فقط.  
والواقع أن المجتمع يتطلع إلى استماع وإلى مشاهدة شيء يستفيد منه ويستمتع به. والمرأة المغربية طموحة ومتطلعة للترقي. والشباب والرجال وعموم أفراد المجتمع ممن تخلفوا عن التعليم يملأهم الأمل في الالتحاق به. والمتعلمون بمن فيهم الجامعيون والأطر العليا ينتظرون من الإعلام أن يدعم معارفهم وتعليمهم ويساعدهم على التعليم والتكوين المستمرين، كما يساعدهم لغويا على اكتساب مهارات مبدعة، وكلمات جديدة، وتعابير فنية، ومسكوكات مبتكرة، تضاف إلى رصيدهم التعبيري والمعرفي.
مناهضة الإعلام لجهود المغرب في نشر التعليم
يبذل المغرب جهودا كبيرة في تعميم التعليم والتكوين. وفي محاربة الأمية أو التربية غير النظامية، ودمج غير المتعلمين في التعليم.
ويشتكي وزير التربية والتعليم من عدم إتقان المتعلمين للغات، ويقوم مشروعه لإصلاح التعليم على تقوية اللغات وعلى رأسها اللغة العربية وتحسين جودة تعلماتها.
ويشخص المجلس الأعلى للتعليم أزمة المدرسة في ضعف مستوى التلاميذ في اللغات بما فيها اللغة العربية، ويوصي بتحسين مناهج تدريسها.
إصلاح التعليم والتكوين بإصلاح الإعلام
لكن أيا من هذه المؤسسات العلمية الفكرية التي تنظِّر لمستقبل المغرب ومستقبل أجياله لم توص فيما توصي به، ولم تقدم فيما تقدمه من نظريات ومشاريع، مشروع إصلاح الإعلام باعتباره الداعم لجهود المدرسة المكمل لها.
وأيا من هذه المؤسسات لم تقدم فيما تقدمه من مشاريع وبرامج ونظريات وملتمسات، مشروع تطهير الفضاء العام من اللغة المحرفة التي تعوق عملية التعلم اللغوي أن تبلغ مداها. والتي تربك تعلمات الأطفال والمتعلمين المشاهدين والعابرين والمجتمع برمته.
سهولة تعلم الفصحى، إعراب الدارجة يحولها إلى فصحى
ضرورة اعتماد الفصحى كلغة تداولية 
السيد نور الدين عيوش كبير خبراء المغرب في اللغة والتعليم، وحتى في السياسة والاقتصاد والمجتمع وفي كل شيء، المنظر الكبير للتحديث والتطور في المغرب، وكبير الخبراء في المجلس الأعلى للتعليم، لا يعرف الدارجة ولا العربية، بذلك لا نراهن عليه ليفهم أن الفرق بين الدارجة والعربية هو أساسا الإعراب. فاللغة العربية الفصحى تعتمد الإعراب، بينما الدارجة تتخفف من الإعراب بالتزام التخفيف الذي يغير المورفولوجية للكلمة عند نطقها شفويا، أما عند الكتابة فترجع الكلمة إلى أصلها العربي الفصيح العادي. وتتساوى العربية والدارجة في اعتماد القلب والإبدال والإدغام، وتستند الدارجة على الفصحى في الاستفادة من هذه الإمكانيات التخفيفية في اللغة الفصحى.    
ولأننا لا نراهن على كبير خبراء المغرب في اللغة والتعليم وكبير خبراء المجلس الأعلى للتعليم، فقد كان علينا أن نراهن على مؤسسات إصلاح التعليم والتنظير له، لتتنبه إلى هذا البعد الإصلاحي البسيط، فتقدم مشروعا لإصلاح لغة المجتمع التداولية، بربطها بلغة العلم والمدرسة، والتوصية باعتماد الفصحى في التداول اليومي للمجتمع.
لكن أيا من هذه المؤسسات لم تقدم مشروعا لتسهيل امتلاك لغة المدرسة العالمة، ولم تطالب بالعمل على توحيد لغة الخطاب التداولية مع اللغة المدرسية العالمة، لتسهيل التعلم واكتساب المعرفة، وللانتقال بالمجتمع المغربي برمته إلى مجتمع مثقف عالم. ولنقله إلى لغة التعليم من لغة تخففت من الإعراب أحيانا، ولحقتها أحيانا أخرى بعض الإدغامات أو الإبدالات والقلب، بحيث التبس أصلها العالم ومرجعيتها المدرسية. وأحيانا تحرف قصدا سيما في الكتابة الجديدة، لإبعادها عن أصلها العربي العالم.
الدكتور موسى الشامي المتخصص في تدريس اللغة الفرنسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، مؤسس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية، سبقنا إلى اتخاذ قرار تطويع اللغة الفصحى لخطابه اليومي، وإلى الالتزام بالتحدث بها في حياته وعلاقاته العادية.
عندما ندرس الفرنسية في المغرب نحولها إلى لغتنا اليومية التداولية. بل إن أطفالنا اللذين نلحقهم بالحضانة في مؤسسات فرنسية أو إنجليزية أو إسبانية نحرص أن نتحدث معهم في البيت بنفس تلك اللغة التي يتعاملون بها في المدرسة لتمكينهم من تلك اللغة. إنها منهجية طبيعية وضرورية للاستئناس والاندماج في اللغة التي يتعلمونها. ويجب أن يكون الأمر كذلك أيضا بالنسبة للغة الفصحى التي يتعلمها أبناؤنا في المدارس. وهكذا سنتغلب على ضعف مستوى التلاميذ في اللغة العربية، وسنحسن جودة التعليم وجودة إتقان اللغة، ما ينشده السيد وزير التعليم، والسيد المجلس الأعلى للتعليم، إذا استثنينا كبير خبراء المغرب في اللغة والتعليم وكبير خبراء المجلس الأعلى للتعليم السيد نور الدين عيوش.
علينا أن نطهر الإعلام. وعلينا أن نطهر الفضاء العام. وعلينا أن نقوِّم ألسنتنا.
ثلاثة واجبات، فروضا، ومسؤوليات وطنية، كبرى.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا