هناك
فكرة شائعة،تقول بأن الإخوة المصريين خاصة، والمشارقة عموما،لعبوا الدورالأساسي،
من أجل تكريس منظومة الألقاب.المصريون،عرفوا تاريخيا،بترويضهم للغة ولفّها، والالتفاف عليها، حسب
مقتضيات الحال،ولعلهم من أذاعوا وأشاعوا،
تقييمات مدوية، بقدر تواترها السهل على
الألسن، دون أدنى تحفظ، من لدن قائلها،مع أنها ثقيلة في الميزان،مثل :هرم المسرح - طبعا،
قد يكون أي مسرح، والأهرام إحالة على البنايات الفرعونية الخارقة-عبقري الأغنية !! أستاذ السينما
العظيم !!الملحن الفظيع !!لاعب الكرة الرهيب !!...
ثم، سيد القلم، وفارسة الكلمة،ووحش الشاشة،إلخ. فأخرجوا الاستعارات البلاغية، من
نطاقها الخطابي الجمالي،التي تبقى في
نهاية المطاف مجرد لعبة لغوية،كي تصير مطروحة لدى عموم الناس،متيسر انتسابها، بكيفية عشوائية.
أيضا،قد لا يكفي وفق السياق نفسه، اللقب
الجامعي : 'دكتور''،لكنهم سيطعمونه
غالبا، بنعوت مسترسلة من قبيل ''الأستاذ الدكتور''،إن لم نجد العلامة والبروفيسور أو "البروفيسير"مثلما تنطقه الألسن الشعبية.
أما الإسلاميون، فلا يتنازلون، عن هالة ''شيخنا الجليل '' أو " سِيدْنا الشيخ''.المنابر الثقافية الخليجية،قد لا
تكترث للوهلة الأولى، بالكتابات التي
ترسلها إليها، مهما كانت قيمتها المضمونية، إذا لم يتم تأثيثها بتأشيرة ''دكتور''.
ربما،الإسم
الأكاديمي، ضمن أقلية الرموز الكبيرة لثقافتنا العربية الحديثة،الذي استحق حقا وعن
جدارة علمية،وعملية،مختلف تلك الألقاب،مع أنه لم يأبه بها مطلقا،هو الفقيد عبد
الرحمن بدوي،الصرح العلمي الجليل،الذي لم
يتردد طه حسين في نعته بالفيلسوف،حين الانتهاء من مناقشة أطروحته لنيل درجة
الدكتوراه،حيث تناول بدوي ولازال شابا،على طريقة كبار فلاسفة الغرب،موضوع ''الزمان
الوجودي''.بدوي،أنجز وحده مؤلفات
ضخمة، تحقيقا وتأليفا وترجمة من أهم اللغات الإنسانية،لا تقدر عليها مجتمعة، أجيال
وفرق من الباحثين الرصينين، مع ذلك، لم يكن يعرف نفسه على ظهر مؤلفاته، سوى باسمه
الشخصي والعائلي،متجردا من أي لقب… .
غاستون باشلار،أحد أعظم أعمدة التفكير البشري
على امتداد التاريخ،حينما استفسره صحفي، أراد محاورته، بداية عن الصيغة التي يفضل
مخاطبته بها طيلة الحوار،هل يستعمل: الأستاذ أم السيد غاستون باشلار،فلم
يتردد فيلسوف العلم والأدب،كي يجيبه :
-''لا ،لا ،أرجوك غاستون فقط…" .
بدورنا في
المغرب،صارت اللعبة،كلها لعبة
ألقاب تتطاير عبثا يمنة ويسرة،دون استحقاق موضوعي : الزعيم، والخبير الاستراتجي،ورئيس
مركز الأبحاث،والمتصوف، والفقيه، والشيخ…،ثم على شاكلة الطريقة المصرية،إلقاء الكلمات على عواهنها مجانا، بغير أبسط تمثل ذهني لما يقال، فأصبحنا نسمع كل صباح عن عمالقة الأغنية المغربية،
وأهرام السينما، وعظماء التلفيزيون،حيث تتزلزل الأرض من تحت أقدامنا، وهم يتبادلون
فيما بينهم، داخل استوديوهات التلفيزيون، وعبر أمواج الإذاعات، الأدوار بين
العبقري والهرم الجالس أمامه ،ومادام الأمر كذلك، فالواحد منهم
تجده اليوم مغنيا اشتهر بروائع : ''هاكِي قَاقّا، عْلاش خلّيتيني
بلا قَاقّا،يا ذيك الحبيبة
مثل البرقوقة''، وغدا منشطا، وبعد غد سينمائيا، وفي اليوم الرابع مخرجا، وقبل
نهاية الأسبوع منتجا، وبعد شهر رمزا وطنيا كبيرا… .
من أعتى ألقاب الوجاهة الاجتماعية،التي
يبذل في سبيلها الإخوة الغالي والنفيس،نقف على تسمية ''الحاج''، بل وأكثر تلميعا
'' سِيدْ الحاج''،المحدِدَة عموما، الإطار السيميائي-من السيميائيات- لشخص يتميز
عن باقي الخلق،في نظر مريدي الحجاج، جراء تمتعه بحظوة اقتصادية ومالية،مع أنه ربما
لم يزر قط في حياته الأماكن المقدسة،لكن الناس تكرست لديهم ميكانيكيا وآليا،معادلة
تميزك المعنوي أساسه موقعك المادي،وتصنيف الحاج،لامحيد عنه على هذا المستوى.هكذا، أفرغ كليا،المفهوم من حمولاته ودلالاته
وقصدياته الدينية،بالابتعاد تماما عن المفهوم الأخلاقي القيمي،حيث يفترض أن شعيرة
الحج،الصادقة جعلت الشخص صفحة بيضاء كما ولدته أمه،لتصير مجرد رهان رابح، في
البورصة المجتمعية.ثم، تضخم المسوغ،فتوسعت
الإحالات من الجانب الاقتصادي،كي تنتقل إلى مختلف الحقول : الحاج المغني
والحاجة المغنية والحاج السينمائي،وقد يفرز التطور،في القريب العاجل ،الحاج الشاعر
والحاجة الروائية،والحاجة مؤلفة الكلمات والحاج الوزير أو الوزيرة… . المهم،هزلت.