المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ؛مؤسسة بحثية قطرية المنزع والهوى،ومن
هنا نسبتي رئيسها عزمي بشارة للإمارة،وهو المفكر العربي الفلسطيني،
أكثر من نسبته
– سكوتا طبعا- لمؤهلاته البحثية الأكاديمية المتميزة ؛ على الأقل في ما يخص الورقة
البحثية التي نشرها موقع "العربي الجديد" ،وهو نافذة إعلامية للمركز،تحت
عنوان:" الانتخابات المحلية في المغرب:التنافس ودلالات تقدم حزب العدالة والتنمية".
ورغم تجربتي الشخصية مع هذا الموقع ؛وقد نشر لي
مرارا؛فاني أستبعد كلية – في هذه المقاربة النقدية- الوقوع تحت تأثير ما عانت منه مقالاتي
،لديه،من حذف مخل ،لفظا ومعنى؛ ومن حجب كلما عَنَّ لمقص الرقابة الشديدة به،أن الموضوع
لا يخدم الغايات الإستراتيجية للسياسة القطرية الخارجية؛التي تدعم الأصولية الدينية الاخوانية ،حتى المتطرفة ،بجميع الوسائل الفكرية والمادية.
ومما لا يجيزه الرقيب القطري،وصولا الى الحجب الكلي للموضوع، إبراز الجوانب المشرقة - ولو عرضا – لأداء الملكية المغربية؛ولعله لا يرى
في هذا غير دعاية من الجنس الذي يمارسه هو لإستراتيجية الإمارة.
لن أبيع أبدا مواطنتي ،التواقة دائما للموضوعية،وان
قست، بترحيب "العربي الجديد"،لكن القطري؛وقد فهمت بعد صدور الورقة
البحثية المذكورة ،لماذا لم تنشر بعض مقالاتي ؛وخصوصا الموجهة أخيرا إلى الموقع ؛ومنها: "لوران غيت" - انتخابات العالم القروي:الرعد الكاذب – مملكة
البادية في بعدها الانتخابي الخارجي.
من التوجهات الانحيازية للتقرير:
http://www.alaraby.co.uk/opinion/2015/9/11/
1معاهدة الحماية الجديدة:
" مثّلت استحقاقات 4 سبتمبر/أيلول 2015 رهانًا
تقاسمته الدولة من جهة، تحدوها الرغبة في مشاركة انتخابية قياسية، وحزب العدالة والتنمية،
الباحث عن زخم جديد يكرّس نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 2011، وجاءت به
إلى رئاسة الحكومة، من جهة أخرى."
هكذا ، وفي دولة ينشط بها خمسة وثلاثون حزبا- تواصل تأسيسها منذ
1944 الى 2014- يتم توجيه القارئ ،منذ الفقرة الأولى للتقرير ،صوب
انحصار الرهان السياسي لاستحقاقات 4شتنبر- فقط
- بين الدولة من جهة ،وحزب العدالة والتنمية من جهة أخرى.
قسمة ضيزى لا تعترف برهانات باقي الأحزاب،وجماعة
العدل والإحسان – من الأغلبية والمعارضة ،وحتى المقاطعة - أو على الأقل تعتبرها تأثيثية
للمشهد لا غير.
من منظور التقرير،وهو بنظرة فرجوية قاصرة، فحزب
العدالة والتنمية الذي ارتقى إلى رئاسة الحكومة في برلمانيات 2011 ،على خلفية الربيع
العربي،وحركة 20 فبراير المغربية ،شكل وحده صمام الأمان للنظام ؛وهو بهذا ينفرد بمشروعية
"ربيعية" واجبة التكريس في الانتخابات الجماعية ليتواصل دور الحزب التأميني.
أمام "معاهدة الحماية "الجديدة ،هذه ، للدولة المغربية- وهي
أصولية إخوانية كما ترضاها لنا قطر،ومستشارها
عزمي بشارة- لا يقر التقرير لهذه الدولة بغير دور تنشيطي لرفع نسبة المشاركة في التصويت . أما باقي الأحزاب فلعلها ،في نظر التقرير ، مجرد "كومبارس"
في المشهد السياسي الانتخابي.
ولما كانت حقيقة هذا المشهد بادية ،بوضوح، لكل المتتبعين
،فان التقرير سرعان ما يتراجع عن توصيفه الاقصائي المغرض ،ليُدخل في رهان المرحلة حزبي
الاستقلال والأصالة والمعاصرة .يقول:" ونظرا لحالة التفكك التي تعيشها أحزاب تقليدية
..انحصر التنافس في الانتخابات ،أخيرا، بين أحزاب ثلاثة:العدالة والتنمية،والاستقلال،
والأصالة والمعاصرة." وبعد أن يؤكد على " المعارضة القوية"،اليسارية،
للملك الراحل الحسن الثاني،من طرف الاتحاد الاشتراكي ؛يصفه ب"الخاسر الأكبر في
هذه الاستحقاقات المحلية،من بين كل الأحزاب التقليدية التي شاركت في الاقتراع."
وبهذا يغمز التقرير من قناة اليسار الذي يراه استمد قوته،سابقا، من معارضة النظام القديم
،وحينما أسلم القياد للملكية الجديدة خسر مكانته الشعبية.
هل في هذا تحذير مبطن للعدالة والتنمية،حتى تواصل
المزاوجة بين الحكم والمعارضة؛وصولا إلى التهديد بالنزول إلى الشارع؟مزاوجة أبدعها
وأتقنها بنكيران ؛مخالفا بها منهجية الأستاذ
عبد الرحمن اليوسفي . هل فيه تحذير من الملكية
التي أنهت،فجأة، تجربة التناوب التوافقي ،كما اختارت أن تبدأها؟ ربما..
2."اكتساح حزب العدالة والتنمية"،وصدمة
الأحزاب التقليدية:
صدَّر التقرير متنه الأساسي بهذا العنوان الصاعق ذي الاشتغالات المغرضة؛خصوصا
أن من القراء من لا يصبر على قراءة التفاصيل ،فيغادر وقد ارتسم في ذهنه أن "الحزب
الإسلامي " في المغرب يعيش،وحده، أوج ربيعه السياسي والانتخابي،الذي أذهل،بل وشل بقية الأحزاب.
وفي التفاصيل ما نعرف جميعا ،أكثر من أرقام التقرير
التي تُكذب بدورها هجمة العنوان. كيف يعتبر
الحزب مكتسحا ،وهو "يحتل المرتبة الثالثة ،ضمن قائمة الأحزاب التي تنافست في الانتخابات
المحلية"،على حد عبارة التقرير إياه؟
لابد من مخرج من ورطة هذا الانحياز الذي تكذبه الأرقام
– وأخيرا التحالفات- ولهذا يسارع التقرير،مستدركا، فيقول :
" إن الأرقام وحدها لا تفي بالغرض،لجهة تقديم
صورة حقيقية عن النصر الذي حققه الحزب؛فقد جاء ثالثا في الترتيب العام لجهة المقاعد،(لكنه)
حصل على أكبر عدد من أصوات الناخبين.
طبعا يسكت التقرير كلية عن تواضع الرقم (مليون ونصف)
،مقارنة ب14.5 مليون ناخب مسجلين في اللوائح الانتخابية.كما أنه لا يلتفت إلى نسب العزوف
كلية عن الانتخابات ،المقاطعة ،والأصوات الملغاة.. لأن قراءة هذه النسب قراءة موضوعية تجعل الحزب الحاكم
يتحمل نصيبه من المسؤولية.
ولا أدري كيف يستقيم أن نعتبر ما يسميه التقرير ب"الأحزاب التقليدية"
– وكأن الحزب المفضل حداثي طارئ على الساحة- مصدومة ،وهي بالنتائج الآتية:
الأصالة والمعاصرة: 6655 مقعدا(الصدارة) - حزب الاستقلال 5106(الثاني) ؛في مقابل العدالة والتنمية ب:5021 مقعدا(الثالث).
لكن بإمعان النظر في الخلاصات السياسية التي يرتبها
التقرير على النتائج الكمية للانتخاب، نتأكد بأن هذه الصدمة المزعومة موظفة لتوجيه
القارئ، صعدا، صوب مراقي الانبهار بتجربة الحزب الإسلامي،المنقذة من الانهيار؛وإبعاده
عن النزول صوب العمق السياسي المغربي لفهمه على الحقيقة ؛خارج الفرجوية والطفرات السطحية.
3. العدالة والتنمية ،الاسلامي،بديل سياسي
لأزمات النظام:
هنا مربط الفرس في التقرير القطري الذي صاغته مؤسسة
عزمي بشارة؛والخطاب موجه إلى ملكية تراها قطر
مأزومة ،تخبِط خَبط َعشواء،وبحاجة إلى منقذ من الضلال.وهي تراها –حسب التقرير-
متخبطة منذ سنة 1998،حينما كشف الملك الراحل عن احتمال إصابة الدولة بالسكتة القلبية. وتلميعا لواسطة العقد، حاليا(الحزب الاسلامي) ضمن
المنظومة الحزبية المغربية "المصدومة"، يقدم التقرير قراءة
مبتسرة لتجربة "التناوب التوافقي " التي قادها الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي ؛إذ يعتبرها بدون
نتائج تستحق التوقف عندها؛عدا خيبة الشعب المغربي. يرد في التقرير بهذا الصدد:
"غير أنّ الآمال الشعبية المنعقدة على التحالف
الحزبي الذي انتقل إلى الحكم، بعد أربعة عقود في المعارضة، تبخرت بالتدريج، ومعها الرأسمال
الشعبي لحزب الاتحاد الاشتراكي.."
مرة أخرى لا يخوض التقرير في التفاصيل التي أنهت
"التناوب التوافقي" ؛حتى يُرسخ في الأذهان فشل اليسار،وخيبة المغاربة إزاء تدبير أحزاب الكتلة؛محتفظا للحزب الذي يُرضي
قطر –كما في مصر وغيرها- بوهج اللحظة..
الوهج الذي يجعل منه "البديل السياسي"
– اليوم وغدا- الذي يضمن استمرارية النظام الملكي المغربي ،ضمن محيط عربي مضطرب؛يعرف
عزمي بشارة ،جيدا ، من أين هبت عليه رياح السموم ؛وأي رطوبة خليجية فتتت غضاريف مفاصله
،حتى أصابه الكساح ،حينما توهم التوثب والعنفوان.
هل فهمنا
نحن ،حتى تفهم قطر؟
إن المبادرة في المغرب ،منذ استوى دولة ،خارج استبداد الخلافة، للملكية؛باعتبارها مجاهدة واقفة
على الثغر،ومن هنا تأتى لها- تاريخيا- أن تحوز مجامع الأمر. وهي إلى اليوم بدينامية
قيادية متنامية ؛تحيط بكل شيء،بما في ذلك رصد الحاجات السياسية و هندسة الأحزاب ؛بدءا
من حزب الاستقلال الذي أسسه و انتمى إليه المرحوم محمد الخامس ،وعاين انشطاراته الطبيعية
،غداة الاستقلال ،إيذانا بتعددية حزبية بادرت بها الملكية ،و إن لم تُفهم وقتها كامل
الفهم،من طرف شعب استقلالي.
حتى سنوات الرصاص لم تكن في الحقيقة سوى محاولات يسارية للانقلاب على هذه التعددية ،وراعيتها الملكية ،لينتهي الصراع بفهم
حقيقي للخصوصية المغربية ،وبتزكية للتوازنات الملكية التي بنت المشروع السياسي للمغرب
الحديث ؛وهي اليوم تواصل الحفاظ على تماسكه وحيويته ؛مهما كانت هزات وارتدادات محيط
عربي متخبط؛لم يستقر بعد على مشروع سياسي ،يحقق من خلاله هويته. وهنا يمكن موضعة قوى التفكيك العربية التي تشتغل
ضمن أجندة خارجية يعرفها الجميع.
وعليه فالقول بعهد حماية جديد يُمَتعْ به
"الحزب الإسلامي" المملكة المغربية مجرد وهم ،بل فضيحة أكاديمية لمركز عربي
محسوب على البحث العلمي السياسي،يترأسه مفكر من عيار عزمي بشارة.
إن القراءة التي تقدم حزب العدالة والتنمية كمنقذ
للمملكة من حركة20 فبراير مُجرد قراءة مدرسية ابتدائية للاستهلاك.
أما أن نعتبر الحزب هو البديل السياسي الذي من شأنه
إخراج النظام من أزمته ؛فهذا يذكر بمشروع اليسار المغربي القديم ،الذي سعى لفرض نفسه
بديلا ،دون أن يعي أن أدواره كانت ، في الغالب ،محسوبة ومتحكما فيها لتقوية عضلات النظام
بالتدافع والعراك.
وهو نفس الدور الذي رسم لإسلاميي المغرب ،منذ فجر
اعتمادهم من طرف الملكية درعا لصد انفلاتات
اليسار؛وقوة سياسية احتياطية لساعة الحاجة إليها ؛ضمن مجتمع مغربي مسلم ؛تعرف إمارة
المؤمنين ،قبل غيرها، أن دينه حمال أوجه ،ومفتوح على اجتهادات شتى ..
ما هي
- هنا- الجهة صاحبة المشروع السياسي البديل
؟ وهل هو بديل فعلا؟ ولمن؟هل فهمنا
نحن حتى تفهم قطر الاخوانية؟
أما بخصوص حزب الأصالة والمعاصرة ،فيكتفي التقرير
بتأكيد قربه من دوائر القصر؛وكأن حزب العدالة
والتنمية بعيد عنها.
حتى أمينه العام عبد الاله بنكيران لا يفوت فرصة للتأكيد على أنه
جاء ليخدم الملكية لا ليتصارع معها. بل أكثر من هذا فوض لها ،كلية، أمر تنزيل دستور
2011.ودون أن يرف له جفن اتخذ قرارات اقتصادية
،يراها إصلاحية،لها مساس بمستوى معيشة المواطنين ؛مما تحرجت منه حكومات سابقة.ولم يتستطع،
إلى اليوم ،الحسم في أمر المفسدين ،ولو من باب "شراء" تضحية
الطبقات الفقيرة.
تأسيسا على رؤى عزمي بشارة التي يكشف عنها التقرير
لا يبدو أنه مؤهل لتفسير الظاهرة المغربية
التي يتم اختزالها في "الاستثناء " مقارنة بالمستثنى منه الغارق في
الانفجار والتشظي.
سيدي لا كانت الألف سنة من التدبير الملكي إذا كنا
استثناء فقط ؛إلى حين ؛ولم نكن ظاهرة تاريخية ،ونموذجا للتدبير المتوازن
للسياسي والديني والاقتصادي (خارج بحبوحة النفط).نموذج
يلفت أنظار العالم ،يوما بعد يوم،في ظل نفير إرهابي تدميري مقلق.
سيدي إن الملكية المغربية عَرَّفها تاريخها ،واليوم
مواطنتها، كيف تحمي الجميع –بما في ذلك الحزب الإسلامي- من تقلبات محيط دولي مضطرب.
رجاء إعادة قراءة الانتخابات المغربية ؛بعيدا عن
الذاتية ،والإستراتيجية القطرية. إن حزب العدالة والتنمية الذي نعرف ،ليس بحاجة الى
دعم قطري ،من الذي نعرف مآلاته ؛من خلال ما نرى ونسمع كل يوم.
انه حزب مغربي لانراه مسلما أكثر من غيره؛ولعلمكم ليس بنكيران هو الذي
أقسم على المصحف أمام الملك ؛بل عبد الرحمن اليوسفي اليساري.
لا أتملق بهذا أحدا ويكفيكم أن تتجولوا في طول المغرب
وعرضه لتتحققوا من مستوى الحماية .
http://sidizekri.blogvie.com/