-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

المونودراما بصيغة عربية قراءة في "المسرح الفردي في الوطن العربي..."[1] محمد الشغروشني

المونودراما بصيغة عربية قراءة في "المسرح الفردي في الوطن العربي..."[1]
·         محمد الشغروشني

يأتي كتاب "المسرح الفردي في الوطن العربي "مسرح عبد الحق الزروالي نموذجا " للإعلامي
والناقد الطاهر الطويل في سياق الإصدارات التي ترعاها الهيئة العربية للمسرح، وكأحد تجليات العمل الثقافي والجمالي الذي تسعى هذه الهيئة لترسيخه كتقليد توثيقي لمجمل الحركية المسرحية العربية نصا وعرضا ونقدا، وعلى مستوى التلقي من خلال المهرجان السنوي المتنقل بين العواصم العربية، إسهاما من هذه المؤسسة في حفظ الذاكرة المسرحية من جهة، وتحفيز الفاعلين المسرحيين على امتداد الخريطة العربية على الإنتاج والإبداع من جهة أخرى .
تتوزع المادة النقدية لكتاب " المسرح الفردي في الوطن العربي.." على مساحة 134 صفحة من القطع المتوسط، وينقسم المتن إلى ثلاثة فصول هي على التوالي: هوية المسرح الفردي، تجربة عبد الحق الزروالي، قراءة في مسرحية "رحلة العطش" لعبد الحق الزروالي؛ بالإضافة إلى خاتمة ومدخل صدره المؤلف بمجموعة من الأسئلة/ المفاتيح أو العتبات المشهية لتقبل خطابه النقدي، الذي يروم التوثيق للظاهرة المسرحية موضوع الدراسة وهي المونودراما في سياقها الغربي والعربي، وموضعة تجربة المسرح الفردي عند أحد رواده وخلاصه ممثلا في المبدع عبد الحق الزروالي قيد البحث والتحليل لأحد نصوصه الدرامية الرائدة في مجالها .
لقد سعى هذا المؤلف على المستوى المنهجي إلى الاعتماد على قراءتين اختصت إحداهما  بمقاربة تعاقبية تأريخية لظاهرة مسرحية ذات جذور تاريخية تعود إلى بدايات الفن المسرحي أو الظاهرة التمثيلية الإنسانية منذ اليونان حتى اليوم،وهي ما اصطلح عليه بالمسرح الفردي أو مسرح الممثل الواحد أو المونودراما، هذا المصطلح الأخير المحايث بطبيعة خطابه لأحد عناصر النص الدرامي وهو المونولوج أو المناجاة أو الحوار الداخلي، وإن كان المونولوج يختلف اختلافا جذريا عن المونودراما، بالرغم من التقاطعات التي تجمعه مع هذا الجنس المسرحي، ذلك أن المونولوج استغوار للذات المفردة باستحضار آلامها وآمالها في لحظة تفرد خاصة بعيدا عن صراع الشخصيات مع بعضها البعض أو صراع شخصية ما مع محيطها؛ فالمونولوج كشف عن أسرار الأنا أمام الأنا/الذات وأمام الآخرين أو جمهورالمتلقين، في لحظة انفلات من سياق الأحداث الجارية داخل النص الدرامي أو العرض المسرحي وإن كان يشكل إضاءة لها، والمونولوج بهذا المعنى رؤيا للعالم والشخصيات والكون والذات لذاتها معا؛ بينما المونودراما عمل مسرحي متكامل بقدر ما يحكي مأساة الذات الحاكية أو الراوية أو المشخصة، بقدر ما يعرض أحداثا وشخصيات وأفعال عبر الاستحضار والتخييل، ويتوسل لذلك بكل الممكنات والوسائل الركحية ممثلة في السينوغرافيا والاكسسوار والأقنعة التشخيصية والمادية والملابس وغيرها .
ولئن كان المونولوج خطابا تهرب به الشخصية من جماعيتها إلى فردانيتها، باعتبارها عنصرا أو شخصية من باقي العناصر أو الشخصيات الصانعة للأحداث؛ فإن المونودراما ما انفكت تؤسس خطابها الدرامي والركحي على المفرد الذي ينشد جماعيته وتعدديته؛ بدءا من المرحلة البدئية للمسرح اليوناني مع تجربة "ثيسبيس" وصولا إلى ما سمي بالأشكال الماقبل مسرحية العربية كالسامر والحكواتي وغيرها من الأشكال المسرحية المنتشره على امتداد الخريطة العربية، والتي شكلت موضوعا للسجال النقدي والنظري حول تأصيل المسرح العربي في مواجهة صدمة الحداثة المسرحية الغربية، وتعددت بشأنها الاتجاهات والرؤى والمواقف، من منطلق " التمرد على الشكل الغربي التقليدي للمسرح، لأنه ذو طبيعة زجرية وقمعية تكبح كل رغبة في محو أية قطيعة كائنة أو ممكنة بين الممثل والجمهور، كما أنها نعمل على تكريس نمط من الطقوس الصارمة، تعطي السيادة الكاملة لفكرة الإيهام.."[2]  
بينما أفرد المؤلف الفصل الثاني لمقاربة موضوعة المونودراما كاشتغال أساسي في مسرح عبد الحق الزروالي، باعتباره من الرواد المسرحيين الذين كرسوا حياتهم الفنية لهذا الجنس المسرحي، واتحذوا الظاهرة المسرحية الفردية أسلوبا تعبيريا جماليا ومسرحيا، تتحاور فيه الهموم والقضايا الذاتية والموضوعية، وتتوحد داخلها الذات الكاتية والرؤية الإخراجية والعمل التشخيصي؛ لا زال يراكم منجزه الإبداعي بصبر وعناد ثقافي متفرد، إلا أن غدا يشكل امتدادا تاريخيا في سياق المشهد المسرحي مغربيا وعربيا؛ وأثار جدالا نقديا ومقاربات توزعت بين الرفض والقبول، وأثمرت مجموعة من الخصائص النوعية لهذا الجنس المسرحي من منطلق كونه إضافة جمالية وفكرية لجسد الممارسة المسرحية، تنبني الاستمرارية والامتداد الزمكاني، واستلهام المأثور الشعبي ومنجزات المسرح العالمي، ورؤيا فكرية تعيد للفرد حضوره الفاعل في المجتمع في مواجهة الآلة الفمعية سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها من الأدوات الكابتة للحرية الفردية .[3]
وعلى مستوى الداخل فقد اختصت تجربة عبد الحق الزروالي بخصائص جمالية منها، الاختزال والتكثيف وردم الهوة الفاصلة بين الممثل والمتلقي واعتماد النص الدرامي قاعدة أساسية للعرض المسرحي، بالإضافة إلى حضور المرأة كرمز متعدد الدلالات في جل أعمال هذا المبدع المسرحي، واعتماده على لغة ذات ميسم شعري في خطابه الدرامي والركحي معا .[4]
أما القراءة الثانية فقد استندت إلى مقاربة سيميولوجية، سعى المؤلف من خلالها إلى تحليل البنية الحكائية لمتن النص الدرامي "رحلة العطش"، كاشفا عن الشخصيات والصراع والفضاء المكاني والزماني والحوار، ومستبطنا الحقل الدلالي زمرجعياته الثاوية في جسد النص .[5]
وإيمانا من المؤلف بأحقية السؤال كمفتاح للمعرفة، فقد ذيل الدراسة بالتساؤل عن مستقبل المسرح الفردي في الوطن العربي، إذ يقول في هذا الصدد "إن استمرارية مسرح الممثل الواحد وتطوره، تتطلب وعيا عميقا بلأسسه الفنية وأيضا وجود ريبرتوارنظري ونصي في المجال نفسه"[6]، وإن كنا لانختلف مع المؤلف فيما خلص إليه من هذه الدراسة فإن مونودراما هي في حاجة كذلك إلى الممثل القادر على حمل عبء العرض بكل ما يتطلبه ذلك من إمكانيات وقدرات فكرية وتخييلية وجمالية.


[1]  الطاهر الطويل: المسرح الفردي في الوطن العربي "مسرح عبد الحق الزروالي نموذجا"، الهيئة العربية للمسرح/الشارقة،الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، سنة 2015 .
[2]  الطاهر الطويل: المرجع السابق ذكره، ص 23 .
[3]  الطاهر الطويل: المرجع السابق ذكره، ص 64 وما بعدها
[4]  الطاهر الطويل: المرجع السابق ذكره، ص 66 وما بعدها
[5]  الطاهر الطويل: المرجع السابق ذكره، ص 74 وما بعدها
[6]  الطاهر الطويل: المرجع السابق ذكره، ص 93

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا