-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

اللغة العربية والثقافة سعيد يقطين

اللغة ليست فقط أداة للتواصل بين الناس. إنها كل ما يحس به المرء ويفكر فيه ويعبر عنه. وأي خلل يعتريها يمكن أن يؤثر على التواصل، أو يجعله قائما على الالتباس
والإبهام. لكن اللغة ليست فقط دلالات ومعانيَ. إنها أيضا أسلوب وجمال، وكلما ضعف أسلوب استعمالها كان ذلك دالا على أسلوب المرء في الحياة وقيمه وأخلاقه وعلاقاته بالآخرين.
اللغة سحر يتعامل الناس بواسطته، ومتى لم يوظف هذا السحر باتباع مختلف قوانينه وقواعده بحرص ودقة انقلب على الساحر، فيكون مصيره مصير أبطال الحكايات العجيبة، حين يخطئ في تلاوة العزيمة فيرمى خارج الفضاء الذي انتهك حرمته ولم يراع قداسته.
اللغة بلاغة راقية يبلغ بها المرء حاجته ويُبلغّها، ليبلغ بها قلوب الناس وعقولهم. ومتى انتفت كان مستعملوها دون البلوغ. في العصور التي اعتنى فيها العرب بلغتهم، تنظيرا وبحثا، وتدقيقا وتنقيبا، بالغوا في الاهتمام بها ورعايتها ودراستها، فبلغوا بذلك أسمى الدرجات في سلم الحضارة. ويمكننا الآن المقارنة بين الأمم والشعوب، ومدى بلوغهم التمدن والرقي بمستوى عنايتهم بلغتهم الكتابية والشفاهية. إنها التعبير الأجلى عما تصل إليها. اللغة نظام، ومتى اختل النظام سادت الفوضى، وفي علاقة العرب بلغتهم لا نجد سوى الفوضى، وانعدام البلاغة، ولذلك نجدهم في سلم حضاري متدن. لذلك نعتبر اللغة ثقافة، وكما تكون لغة قوم، تكون ثقافتهم.
يعني الاحتفاء باليوم العالمي باللغة العربية الشيء الكثير، لأنه يدل على أنها تراث إنساني. ولا يمكن أن يقف احتفالنا بهذا اليوم فقط بتنظيم ندوات، أو التحسيس بأهمية «الحفاظ» عليها، أو الدعوة إلى تجاوز المشاكل التي تتصل بها. مشكلة اللغة العربية الجوهرية هي مشكلة الإنسان العربي. وهي في نظري لا تختلف عن بقية المشاكل التي يتخبط فيها منذ بداية النهضة. وبدون سن سياسة لغوية شاملة سنظل نتحدث عن العربية ونراكم المطبوعات ولكن بدون جدوى.
إن واحدا من الالتباسات التي تحول دون الانطلاق إلى المشكل الحقيقي المتصل بالعربية هو: هل هي لغة كتابة؟ أم لغة شفاهة؟ وكيف يمكن إيجاد حل بين الكتابي والشفاهي؟ أعتبر هذا السؤال جوهريا لأنه يوجه عناية التخطيط اللغوي إلى قضية مركبة علينا أن نعالج كلا منهما بكيفية مستقلة. فنحن نتحدث عن «تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها»، ونحن لم نميز أي لغة نريد أن يتعلمها هؤلاء، لأننا لم نطرح السؤال عن «تعليم العربية للناطقين بإحدى اللهجات العربية»؟
إننا ما لم نسلم بوجود لغة مزدوجة في الوطن العربي هي: العربية والدارجة العربية لا يمكننا إيجاد الجسور بينهما. فالطفل العربي يتكلم الدارجة. إنها لغة الأم إذا تحدثنا بمصطلحات اليوم. لكن العربية بالنسبة إليه لغة أخرى: عليه أن «يتعلمها»، ويكتسب قواعدها وبلاغاتها من خلال المدرسة والإعلام والكتاب. فكيف هي لغة المدرسة والإعلام والكتاب؟ في غياب دراسات تطبيقية وإحصائية نظل نرجم بالغيب. فما هي الصعوبات التي تواجه العربي في تعلمه اللغة العربية؟ وكيف يمكن التصدي لها؟ هل بالتقريب بين العربية والدارجة، أم بالفصل بينهما.
يسلمنا التمييز بين العربية (الكتابية) والدارجة (الشفاهية) إلى تأكيد وجود لغة ثالثة هجينة، ليست عربية سليمة، ولا دارجة نقية: إنها مزيج بينهما. وهذه هي اللغة التي نستعملها في الكتابة والشفاهة معا، وهي التي نتحدث عنها كثيرا، ونحن نعدد مشاكل «اللغة العربية» متصلة بالتربية والإعلام والكتابة الأدبية والعلمية. فهل هذه اللغة الثالثة هي «اللغة العربية»؟
يُمكِّننا الإقرار بالازدواج اللغوي بين الشفاهي والكتابي بخصوص اللغة العربية من البحث عن كيفية تجسير العلاقة بينهما بشكل سليم وطبيعي. ولعل ممارسة ذلك على المستوى التربوي والإعلامي والطباعي كفيل بإيجاد الحلول المناسبة. إن الطفل الذي يكتب إنشاء أو يريد التعبير بالعربية في مقام ما، يظل ضحية هذا الالتباس بين الكتابي والشفاهي اليومي. فإذن هو لا يستفيد من دراسة العربية في المدرسة، بمزجه بين لغتين في لغة واحدة، دون أن يحافظ على حرمة أي منهما.
إن المشكل الجوهري هنا ليس لغويا بالدرجة الأولى، إنه مشكل وسائطي. إن للغة، باعتبارها نظاما، مقامات وسياقات ووسائط. وبدون مراعاة المقام والسياق الذي نوجد فيه، لا يمكن إلا أن يحصل الالتباس. فالوسيط الكتابي له شروطه اللغوية وبلاغته الخاصة. وكذلك الوسيط الشفاهي. ويفرض علينا هذا التمييز بين الوسيط اللغوي ومقامات التداول اليومي. فحين نكتب أو نلقي محاضرة أو نقدم تقريرا علينا مراعاة شروط الخطاب واللغة التي نتواصل بها مع الجمهور الذي نخاطب. ويمكن قول الشيء نفسه حين نتحدث في موضوعات تتصل بالحياة اليومية.
إن مراعاة البعد الوسائطي ومقاماته يمكن أن يسهم في حل الثلاثية اللغوية في اتصالها بالعربية إذا ما عملنا على ضبط الحدود بينها، من جهة، والعلاقات القائمة بينها، من جهة أخرى. وعلينا ألا نعتبر المسألة هنا ضارة بالاستعمال اللغوي، فأي لغة لغات متعددة، ولعل حديث اللسانيين عن «اللغات الاجتماعية» دال على ذلك.
اللغة ثقافة، والثقافة لغة، ولا يمكننا لأي منهما أن يتطور بمنأى عن الآخر.
كاتب مغربي

سعيد يقطين

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا