-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

قراءة أولية في مسرحيات وليد علاء الدين : الزبير مهداد

قراءة أولية في مسرحيات وليد علاء الدين : الزبير مهداد
 صدر للكاتب المصري وليد علاء الدين عن الهيئة المصرية العامة للكتاب كتاب
«72ساعة عفو» نال عنه جائزة ساويرس للثقافة عن سنة 2015، والكتاب يضم ثلاث مسرحيات، هي حسب الترتيب «صورة يوسف»، و«72ساعة عفو» و«البحث عن العصفور». مسرحية «صورة يوسف» اختارتها الهيئة العربية للمسرح سنة 2015 ضمن أفضل 20 نصًا مسرحيًا من بين 156 نصاً شارك في دورة جائزتها لمسرح الكبار. في حين أن مسرحية «البحث عن العصفور» فازت بجائزة الشارقة للإبداع العربي سنة 2006.
تختلف النصوص الثلاثة في الكيفية التي تناول بها الكاتب فكرته، ويقترح كل واحد منها طريقة أداء وعرض مسرحية مختلفة تتناسب والقضية التي يناقشها، يجمع بينهم اهتمام الكاتب الكبير بالمفاهيم الإنسانية الأساسية كالحرية، والموقف من الدين، وعلاقة الإنسان بالسلطة على اختلاف أشكالها ومستوياتها. ويجمعها كذلك حرص الكاتب على النبش الإبداعي في القضايا الوجودية الكبرى المتعلقة بماهية الإنسان والهدف من وجوده، والبحث الدائم عن الذات، والكيفية التي ينبغي أن يحقق بها الإنسان هذا الوجود وهذه الذات.
«صورة يوسف»
   عالج فيها الكاتب موضوعي التعايش الديني والنفاق الاجتماعي، قضيتان متنافران ولا يوجد أي ارتباط موضوعي بينهما، سوى أنهما من القضايا المطروحة للنقاش بحدة في مجتمعاتنا. وقد تجرأ وليد علاء الدين بشجاعته الأدبية وروح المبادرة على طرحهما في نص مسرحي في وقت يحجم فيه كثير من الكتاب على ملامسة مثل هذه الموضوعات الشائكة. ومن خلال الموضوعين أبرز كثيرا من الظواهر الشائنة التي يعانيها المجتمع، فوجه لها سهام النقد من خلال كلام وتعليقات ونقاشات شخوص المسرحية: يوسف وأمه ومنذر وجورج، والشخوص الوهمية الخفية التي لا تبدو على الركح لكن لها حضور في المعالجة الدرامية للموضوع من خلال صوتها أو الإشارة إليها.
يوسف شاب ذو ميول أدبية مرهف الحس، منحدر من أم مسيحية وأب مسلم، فعلى الرغم من أن جده مسيحي، إلا أنه وافق على اقتران أمه بأبيه المسلم. ومراعاة لعقيدة الزوجين، علق في المنزل الصليب بجوار آية الكرسي. إلا أن صراع الهوية ظل مهيمنا على تفكير يوسف مؤرقا له، يترجمه تنازع البطل يوسف بين تيارين إسلامي يمثله منذر وجماعته الإسلامية ومسيحي يمثله جورج. على الصورة التي يحدق فيها في مجتمعنا المتخلف، على الرغم من الدور الإيجابي البارز لأمه التي تحرص على دعمه نفسيا واجتماعيا وعقليا، فهي تمثل أنموذجا هاما للتسامح، وتحرص على توفير ظروف الاستقرار النفسي والعاطفي لابنها يوسف.
  قضايا النفاق الاجتماعي عالجها من خلال موضوع زواج أمل وقبولها الارتباط بزوجها على الرغم من انتفاء شرط التوافق بينهما في كثير من العناصر والمقومات. وقضية التعارض بين الرغبات الشخصية الطبيعية البريئة، كحب الموسيقى، وبين الأحكام الاجتماعية المعبر عنها من خلال سلوك التدين الشعبي المتشدد الذي يمثله أصحاب اللحى، الذين يروجون لقمع الرغبات الشخصية والزهد في كل مظاهر الجمال.  قضية التشغيل والتوظيف التي يعتريها الفساد والمحسوبية طرحها بشكل لطيف، أبرز خلالها افتقاد العملية لشرط الشفافية والنزاهة والموضوعية، من خلال الاختيار المسبق للمحظوظين بالوظيفة، بغض النظر عن الاستحقاق.
  المسرحية يميزها الحضور القوي والطاغي للبطل يوسف وحديثه بلغة جميلة أنيقة وشاعرية مع نفسه أو حواره مع الأصوات التي تخاطبه أو مع شخوص المسرحية الأخرى، وحواره لفظي وأحيانا يكون رمزيا من خلال الحركات والإشارات والسكنات، ما جعلها أقرب إلى المسرح الفردي.
«72 ساعة عفو»
المسرحية من فصل واحد وثمانية عشر مشهدا، يتم في صناديق بالتناوب.
 أول مشهد في المسرحية يقع في قصر رئاسي أو مقر الحكومة، حيث يتداول الحاضرون الحديث عن فوز البلد في مسابقة البلدان الآمنة، الأمر الذي يتوقع منه أن تكون له انعكاسات إيجابية على اقتصاد البلاد وسياحتها والاستثمار فيها، ويتقدم الوزراء بالتهنئة لرئيس الدولة، ويتهيأون للاحتفال بالمناسبة، والحديث الرائج بين الشخوص مدائح وإشادات بجهود الرئيس في استتباب الأمن في البلاد، كلام للتملق لا يتطرق لشروط الحياة الآمنة. أما المشهد الثاني، وهو منطلق المسرحية، فيتم في غرفة نوم رئيس الدولة، بعد حوار قصير مع زوجته عن الجريمة وأهمية الردع القانوني. ثم تتوالى المشاهد التي تتضمن الحوارات محورها وموضوعها قرار أصدره رئيس الدولة يقتضي منح المواطنين 72 ساعة عفو يمكنهم فيها ارتكاب جنايتهم الكبرى والإفلات من العقاب. المشاهد تقدم لنا الحوارات التي تدور بين شرائح المجتمع المختلفة ومؤسساته الفرعية وهيئاته القضائية والدينية من مساجد وكنائس ومقاه وبارات، ومكاتب محاماة ونادي قضاة ومنازل وغيرها. هذه الحوارات لا تناقش مشروعية ولا أهمية القرار الرئاسي، بل تقتصر على مناقشة طرق وسبل التعامل مع القرار. هذا القرار الغريب أبرز في الناس ذلك الحيوان الشرس الذي يحاولون كتم أنفاسه في ذواتهم خوف العقاب.
فكرة المسرحية على الرغم من تمحورها حول حكاية بسيطة، فإنها تطرح للنقاش موضوعا كبيرا جدا وهو حالة الفراغ الأمني الذي عانته وما تزال كثير من البلاد العربية بعيد التحولات السياسية التي عاشتها إبان ثورات الربيع العربي، ما أدى إلى انتشار المخاوف من الجريمة العشوائية والفتنة الاجتماعية وفشو الانتقام والثأر. هذه المخاوف تقدم للسلطة مبررا قويا وجديا لبسط سطوتها وفرض تحكمها على الشعب وتوسيع سلطاتها بدعوى ضمان الأمن العام وحماية السلم الاجتماعي من المخاطر التي تهدده، ضدا على المطالب الشعبية التي ترفع عاليا لافتات تدعو لإقرار الحريات الفردية والعدالة الاجتماعية والقانون.
المؤسسات الحكومية أو الموالية للحكومة (تلفزة، مجلس إفتاء، كنيسة، نادي القضاة) الحوار فيها لا يفضي إلى نتيجة، لأنها غير قادرة على تحمل المسؤولية أو المبادرة بحلول، فوصاية السلطة الحاكمة وهيمنتها المطلقة تجعل الجميع خاضعا خانعا تابعا مبررا لسلوكها مزكيا لها، بخلاف حوار الأشخاص الذاتيين، فهو أكثر غنى وحيوية وإثارة للمشاهد.
  المسرحية يمكن اعتبارها عملا مفتوحا، قابلا لكل تكييف أو تصرف، فالمشاهد باستثناء الأول والثاني والأخير، يمكن التصرف في ترتيبها، كما يمكن إضافة مشاهد أخرى، أو ضم بعضها إلى بعض، دون أن يؤثر ذلك على المسرحية. أما الحوار فهو ليس على وتيرة واحدة ولا أسلوب واحد، فهناك الحوار الثنائي أو المتعدد الأطراف، وهناك النقاش بين الشخوص، كما أن هناك حديث من طرف واحد في الهاتف، ما دمنا لا نسمع صوتا ولا نرى وجها للطرف الثاني المتخيل، وهناك الخطاب السياسي والوعظي والقانوني وغيره من أنواع الخطابات، ما يضفي على المسرحية ثراء لغويا وفنيا لطيفا.
 «البحث عن العصفور»
  هذا النص المسرحي فاز عام 2006 بجائزة الشارقة للإبداع العربي. أفلح من خلاله المؤلف في تحليل وتوصيف عبثية الحياة العربية.
ولعل العصفور يرمز إلى الحظ أو السعادة التي نطلبها جميعا، وتفر منا أحيانا، فرص النجاح الجميلة التي تطل علينا أحيانا أو تتوارى مخلفة غصة في القلب. فللعصفور دلالات في التفكير الشعبي تصب في هذا الاتجاه، فهو دلالة على السعادة، ورؤيته في الحلم يدل على ميلاد ذكر، وقيل إنه يدل على المرأة الحسناء الجميلة، كما أن رؤية العصافير الكثيرة فيها الأموال التي تجلب من دون تعب.
 هذه المسرحية وضعها الكاتب في فصل واحد من ثمانية مشاهد، الحوار فيها يطرح عدداً من الأسئلة الفلسفية: سؤال الهوية، سؤال المكان، سؤال الزمن. وهي أسئلة أنطولوجية محيرة منذ آماد بعيدة، وقد أرقت الفلاسفة والشعراء والمفكرين،
 شخوص المسرحية التقوا صدفة بدون هدف محدد، لا تربطهم علاقات واضحة، يتبادلون حوارا مبهما يدور في حلقة مفرغة، قد يستمر إلى لا نهاية بدون تحصيل حاصل، يبحث شخوص المسرحية عن العصفور ويساءلون عن مكان ووقت وسبب تواجدهم، ولا يصلون لجواب مقنع، والهدف الغامض يزيده غموضا الفضاء الرمادي الموحش، الذي لا يبعث على الإحساس بالاطمئنان ولا باستقرار ولا بأمان أو راحة.
مسرحية تشخص بدقة عبثية الحياة وانقلاب الأدوار فيها، فالرجل يعنف الطفلة، الطفلة في مشهد آخر تعنف الرجل، الطفلة تكبر تبحث عن فرصتها تختطف الشاب أو تغويه، خلافا للعرف السائد، ثم تعود حاملا، وهكذا دواليك.
عناصر مثل الزمان والمكان لا تبدو مهمة ولا واضحة في المسرحية، يترجمهما السؤال الكبير: أين أنا؟ وكم قضيت من الوقت؟ وكذلك العقدة والحل.
إن الحياة العربية التي تشخصها المسرحية محض عبث، يكاد يكون لا رجاء فيه، فالحوار مقطوع بين مكونات المجتمع، وبذئ وغير مفهوم، والعلاقات الاجتماعية تتأسس على العنف اللفظي والبدني والاستبداد، وأدوار الأشخاص وحظوظهم وآفاقهم لا دور لهم في اختيارها ولا في تحديدها، وكرامتهم وأمنهم واحترامهم أمور لا اعتبار لها، وطلبهم السعادة وبحثهم عنها لا يتحقق، وتبخيس الشباب واحتقاره يهدر قدرات الأمة في الاتجاهات المختلفة، والحياة كلها والجهود كلها لا تفضي إلى نتيجة سارة، فاللون الرمادي يطغى على كل أطوارها ومظاهرها.
نصوص مغامرة
  حرص الكاتب في نصوصه الثلاثة على سبر غور الحياة العربية، وإشكالات الحكم والحرية والتدين وماهياتها، من خلال تداول أسئلة قلقة حول الحياة برمتها، وصورتها، وتمظهراتها والغاية منها، وهل يتحقق لنا من خلالها وجودنا الحقيقي اللائق بنا؟ إن الحياة العربية فبقدر ما هي حقيقة وواقع نعانيه، إلا أن طريقة حياتنا وأنظمتنا وتفكيرنا وتصوراتنا كلها عبثية ليست واقعية ولا موضوعية ولا عقلانية. وهذا هو السر في قوة مسرحيات وليد.
  إن الواقع العربي المريض والحياة العربية العبثية والتفكير العربي المهترئ والمشاعر العربية المضطربة، كلها تمثل معينا لا ينضب للكاتب يستمد منه أفكاره ومسرحياته ومقالاته أيضا، ما منح كتاباته عمقا تحليليا اجتماعيا وسياسيا وازنا.

  إن وليد علاء الدين المسرحي يصور بصدق عناءات المواطن العربي، ويرصد بدقة انشغالاته وآلامه. فالقارئ الذكي لمسرحياته الرائعة لا يمكن أن يكون مجرد متلق عادي، فالكاتب الذكي يشركه في الإخراج، من خلال بسط رؤية إخراجية بتحديد نوع الفضاءات وتفاصيل الخشبة والإضاءة والمؤثرات الصوتية وحركات الممثلين والتحلية وغيرها من الأمور السينوغرافية. وأكثر من ذلك فإنه يحاصره بأساليبه الأدبية الجميلة ولغته الناصعة الصفاء، ويقدم له جرعة من المشاهد المؤلمة بطريقة سلسة تنهمر خلالها التأملات وتتداعى الأفكار في انسيابية رائعة، ما يجعل النص المسرحي يتجدد كل مرة خلال كل قراءة جديدة، يكتشف المتلقي ما فاته في المرة السابقة.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا