تخلد الحركة الديمقراطية والتقدمية في العالم، يوم
20 فبراير من كل سنة، اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية؛ وهو اليوم الذي قررت الجمعية
العمومية تخليده، في يوم 26 نونبر
من سنة 2007، للتأكيد على الترابط الوثيق بين إعمال
جميع حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وعلى ضرورة تبني نظم اقتصادية قائمة على مبادئ
العدل، والإنصاف، والديمقراطية، والشفافية والمساءلة؛ وقادرة على القضاء على الفقر،
وتعزيز الشغل القار والعمل اللائق، والمساواة بين الجنسين، وتحقيق الرفاه الاجتماعي
والتنمية.
ويأتي إحياء هذا اليوم الدولي في سياق دولي ووطني
متسم بالمزيد من التراجعات؛ فعلى المستوى الدولي، لا زالت شعوب العالم تعاني من انعكاسات
الأزمة الاقتصادية، الناتجة عن العولمة اللبرالية المتوحشة وانتهاك الدول الإمبريالية
لحق الشعوب في تقرير المصير، والتي مست بالمكتسبات الاقتصادية والاجتماعية لفئات واسعة
من المواطنين والمواطنات داخل هذه البلدان، بسبب تراجع الدولة الحاضنة، ولجوء الحكومات
إلى تحميل الفئات الهشة نتائج الأزمة التي مست الشركات الكبرى والأبناك. هذا علاوة
على رهن اقتصاديات عدد من بلدان العالم بالمؤسسات المالية الدولية، والخضوع لشروطها
المجحفة، والرفع من المديونية مما شكل عرقلة فعلية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية
الفعلية والمنشودة. وفي المقابل تراجع تدخل الحكومات في تدبير الخدمات الأساسية، وتوفير
الضروريات الاجتماعية؛ إذ ساهمت نتائج سياسات التدبير المفوض، والخوصصة وتفكيك القطاعات
الاجتماعية وتسليع الخدمات الأساسية وتفويت الموارد الطبيعية، في العديد من الدول،
إلى عدم تكافؤ الفرص، وتقويض الحقوق الأساسية لفئات واسعة من المواطنين والمواطنات،
وتخفيض المستوى المعيشي للفئات الهشة، وضرب الحق في العيش الكريم وعدم تحقيق العدالة
الاجتماعية.
وعلى المستوى الوطني، يتزامن إحياء هذا اليوم العالمي مع تخليد حركة 20 فبراير، وعموم القوى الديمقراطية
التي دعمتها، الذكرى الخامسة لانطلاق الحركة والتي رفعت شعار محاربة الفقر والفساد،
وضمان التوزيع العادل للثروات، بارتباط مع تشييد مجتمع الكرامة والحرية والديمقراطية
والعدالة الاجتماعية؛ خاصة مع ما تعرفه بلادنا
من تراجع حقيقي على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو ما
أكدته التوصيات الختامية الصادرة عن اللجنة الأممية المعنية بالعهد الدولي الخاص بهذه
الحقوق، في دورتها الخامسة والسبعين يوم 08 أكتوبر 2015، عقب مناقشتها للتقرير الحكومي
الدوري الرابع.
إن المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان،
وهو يخلد اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية والذكرى الخامسة لانطلاق حركة 20 فبراير،
وإذ يحيي نضال شعوب العالم من أجل العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة والكرامة
الإنسانية، فإنه :
يؤكد على مطالبة الجمعية بضرورة سن سياسة اقتصادية
واجتماعية تقطع مع الريع، وتقوم على التوزيع العادل للخيرات والثروات، وتضمن حق الشعب
المغربي في تقرير مصيره الاقتصادي، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المستدامة،
لفائدة الجميع؛ واتخاذ إجراءات استعجالية مثل إلغاء المديونية الخارجية للمغرب، التي
تشكل خدماتها، إلى جانب سياسة التقويم الهيكلي والخوصصة وانعكاسات العولمة الليبرالية
المتوحشة، حواجز حقيقية أمام التنمية واحترام حقوق الإنسان.
يطالب الدولة المغربية بالتقيد بالتزاماتها الأممية
في مجال حقوق الإنسان، كحقوق مترابطة ومتلازمة، والانخراط الجاد في المجهودات الأممية،
الرامية إلى استئصال الفقر، وجعل حد للإقصاء والاستبعاد الاجتماعي.
يطالب بجعل حد للإفلات من العقاب للمتورطين في الانتهاكات
الجسيمة لحقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية كشرط لتحقيق الديموقراطية
والتنمية والعدالة الاجتماعية، وهو ما يتطلب إجلاء كامل الحقيقة، بشأن هذه الجرائم
وتقديم مرتكبيها للعدالة مهما كانت مراكزهم، وجبر الأضرار الناتجة عنها، بما في ذلك
استرجاع الدولة للخيرات والأموال المنهوبة وما ارتبط بها من فوائد.
يجدد التزام الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بدعم
حركة 20 فبراير في نضالها من أجل إسقاط الفساد والاستبداد والظلم والقهر وإقرار مجتمع
الكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان بمفهومها الكوني والشمولي؛
وأخيرا فإن المكتب المركزي، إذ يتوقف عند مسألة
تراجع الدستور المغربي عن المكاسب السابقة في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية،
من خلال الالتفاف على مسؤولية الدولة في توفير تلك الحقوق والاكتفاء بالتزام واجب تيسير
الحصول عليها فقط، فإنه يؤكد استمرار الجمعية في النضال من أجل دستور ديمقراطي بلورة
ومضمونا وتصديقا، يضع حدا للاستبداد ويقر بالسيادة للشعب وينبني على المعايير الكونية
لحقوق الإنسان، ويضمن المساواة والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؛
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول الأمازيغية
بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم تابع المكتب المركزي، باهتمام كبير،
بعض القضايا المرتبطة بالحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، سواء ما تعلق منها بالحقوق
المدنية والسياسية، كحالة مجموعة من معتقلي الحركة الثقافية الأمازيغية واغتيال عمر
خالق، أو تلك المرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ذات الصلة. ونظرا لما للموضوع
من أهمية في مجال حقوق الإنسان، كما هي مسطرة في الصكوك الدولية وتقرير الخبيرة المستقلة
في مجال الحقوق الثقافية والتوصيات الصادرة عن هياكل الاتفاقيات، فقد ارتأى المكتب
المركزي، للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن يصدر بيانا خاصا في هذا الصدد، علما بأنه
سبق له أن سجل، عبر تقاريره السنوية والموازية، ملاحظاته ومواقفه، ليس فقط عن واقع
الحقوق والحريات، أو فيما يخص التماطل المسجل في إخراج القانون التنظيمي لتفعيل الطابع
الرسمي للأمازيغية، كأحد الأسس القانونية المنتظرة لإعادة الاعتبار للمكون الرئيسي
للهوية الوطنية، ولكن كذلك عن التراجع الحاصل في الالتزامات السابقة لدستور 2011 في
مجال التعليم والإعلام وفي استمرار الدولة في سياسة استئصال السكان الأصليين من أراضيهم
وحرمانهم من الاستفادة من ثرواتهم عبر خوصصة منابع المياه والغابات واحتكار مواقع الثروات
المعدنية لصالح الشركات الخاصة على حساب مصالح وحقوق المواطنين والمواطنات. وانطلاقا
من هذه الاعتبارات فإن المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان:
1: إذ يذكر بمواقف الجمعية الرافضة للعنف،
كيفما كان مصدره وبواعثه، والداعية إلى جعل الجامعة فضاء رحبا للحوار ولممارسة الاختلاف
في إطار من الاحترام المتبادل لكل الآراء، يندد باغتيال الناشط الأمازيغي عمر خالق،
الذي يندرج في إطار الجرائم السياسية، ويحمل الدولة المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع
داخل الجامعات المغربية، جراء التضييق على الحريات النقابية والعسكرة، مطالبا في نفس
الوقت بإطلاق سراح كل معتقلي الرأي في الحركة الطلابية غير المتورطين في جرائم القتل،
وفي مقدمتهم معتقلو الحركة الثقافية الأمازيغية؛
2. يسجل بقلق شديد: - التأخير والتماطل الحاصل في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية،
ولجوء رئاسة الحكومة إلى الإعلان عن إجراءات لاستقبال مقترحات حول القانون التنظيمي،
بعيدا عن المقاربة التشاركية الفعلية؛ مما يجعل من هذه الإجراءات، في واقع الأمر، إجراءات
أحادية الجانب، لا يمكن إلا أن تسفر عن إقصاء المعنيين الحقيقيين بالشأن اللغوي والثقافي
الأمازيغي، وتفضي إلى صياغة وولادة قانون على المقاس، يفرغ ترسيم الأمازيغية من أهدافه
ومراميه الحقيقية؛ - التراجعات عن المكتسبات في مجال تعليم اللغة الأمازيغية، وعدم
الالتزام بدفتر التحملات في مجال الإعلام السمعي البصري؛ وهي من المؤشرات التي تكشف
عن انعدام الإرادة السياسية للنهوض بالأمازيغية لغة وثقافة وهوية، والتي لا يمكن، بأي
حال من الأحول، أن تتم بواسطة الخطابات والشعارات في غياب توفير وتخصيص ميزانية خاصة
بها؛ علما أن قانون المالية لسنة 2016 لم يفرد أية ميزانية خاصة بالأمازيغية، أو بالمؤسسات
التي يفترض أن تتكلف بما يتطلبه الترسيم من إجراءات وتدابير لتفعيل ذلك؛ - التعديل
في الفصل 129 من المدونة العامة للضرائب، الذي يقنن التمييز بين أراضي الجموع الواقعة
في مجال الري والباقي من غيرها، ويكرس نفس التمييز الوارد في الظهير رقم 1-60-30، بتاريخ
30 جمادى 1 لسنة 1389 الموافق ل 25 يوليوز 1969، الخاص بتمليك الأراضي الواقعة في محيط
الري، وبالتالي يختصر الحق في التمليك عبر التحفيظ على فئة دون أخرى، وتبلغ مساحاتها
حوالي 327000 هكتار من أصل 15 مليون، وتستفيد منها 62000 عائلة، من أصل 8 ملايين من
المستفيدين ومن ذوي الحقوق، حسب إحصائيات الوزارة الوصية؛
3. يطالب بمراجعة سياسة توزيع الأراضي التي كان قد استولى عليها المعمرون،
والتي عهد تدبير جزء منها، قبل تفويتها في السنوات الأخيرة، إلى شركتي صوديا وصوجطا،
والعمل على إعادتها للسكان الأصليين وفق ما تنص عليه الوثائق الأممية لحقوق الإنسان
ذات الصلة، ويدعو إلى وضع حد لخوصصة منابع المياه والغابات والثروات المعدنية، في غياب
تام لإشراك المعنيين في التدبير وفي اتخاذ القرار، كجزء من تقرير المصير المنصوص عليه
في المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمغرب،
بحكم التصديق عليه، مطالب بإعمال مضامينه وملزم بتفعيل بنوده؛
4. يدعو الدولة إلى تحمل مسؤوليتها في تدبير ملف الأمازيغية والوفاء بالتزاماتها
الدستورية والدولية في مجال الحقوق الثقافية واللغوية، والعمل الفوري على إعمال التوصيات
الصادرة من الأجهزة الأممية، وفي مقدمتها تلك الصادرة عن لجنة مناهضة جميع أشكال التمييز
العنصري ولجنة الحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية، وكل ما جاء في تقرير الخبيرة
المستقلة المكلفة بالحقوق الثقافية.