-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الأدب التفاعلي ونظرية التلقي إعدد الباحث : أحمد العروصي

الأدب التفاعلي ونظرية التلقي إعدد الباحث : أحمد العروصي
الأدب التفــــاعلي :
أدى توظيف "الحاسوب" وشبكة "الإنترنت" في عمليتي إنتاج النصوص الأدبية وتلقّيها، إلى نشوء ما يُسمَّى ب (الأدب التفاعـلي)، الذي يعتبـرُ جنـسا جديدا في مجال الإبداع الأدبي يتميز بمجموعة من الخصائص والمميـزات، تجعله يختلف تماما عما ينتـج ويقـدم عبـر الوسيط التقليدي/الورقي، وصلت إلى حد التبشـير بولادة أشكال أدبيـة جديدة متّصلة "بالحاسوب"  والفضــــاء الشبكي وتمثلهـا :
·       (الرواية التفاعلية)
·       (القصيدة التفاعليـة)
·       (القصة التفاعلية)
·       (المسرحية التفاعلية)
 وتتجلى هذه الأشكال الأدبيـة للمتلقـي عبر الوسيط الإلكتروني عوض الوسيط الورقــي.
 وفي هذا الأدب لا يكتفي المؤلف باللغة وحدها في عملية بناء نصّـه، بل يسعى إلى تقديـمه عبر وسائط تعبيـرية أخرى كالصوت والصورة والحركة وغيرها [1] من الإمكانات التي يتيحــها الوسيط الإلكترونـــي الحديـــث.
   ويـُعرّفُ الدكتور "سعيد يقطــــين" (الأدب التفاعلي) بأنه " مجمــوعة من الإبداعات 
( والأدب من أبرزها ) التي تولــدت مع توظــيف الحاســوب، ولم تكُن موجـودة قبل ذلــك، أو تطـوّرت من أشكال قديمـة، ولكنّـها اتّخدت مع الحاسـوب صورا جديـدة في الإنتاج والتلقـي"[2]

وفي الســياق نفـــسه تُعرّفُـه الدكتورة "فاطمة البريكي" ( بأنه الأدب الذي يوظّـف معطيات التكنولوجـيا الحديثـة في تقديـم جنس أدبـي جديد، يجـمعُ بين الأدبيـة والإلكترونيـة، ولا يُمكنُ أن يتأتى لمُتلقّـيه إلا عبـر الوسيط الإلكتـروني، أي من خلال الشـاشة الزرقاء. ولا يكـون هذا الأدب تفاعـليًا إلا إذا أعطـى المتلقـي مساحـة تعـادلُ، أو تزيـد عن، مساحـة المبدع الأصلي للنص)[3]
   وهذا يعـني أن (الأدب التفاعلي) يوظف الوسائل التكنولوجية الحديثة في عمليتي إنتاجه وتقديمه للمتلقي، ويستفيد مــن الخصائص التي تتـيحها الكتابة عبـرالوسـيط الإلكتروني،
مـن أهـمها تقـنية  (Hypertext أوالنص المترابط/المتفرع )، الذي يعد مفهوما مركزيا في بناء الأدب التفاعلي، لما يوفره من إمكانات مذهلة للمؤلف والمتلقي معا، تساهم في الرفع من مستوى التفاعلية بين النص والقارئ ومن أهمّ هذه الإمكانيات، هي إلغاء تلك القراءة الخطيـة -التي تميز الأدب في صيغته الورقية-  وإتاحة للقارئ/المتلقي، حرية التنقل والتجوال بين أجزاء النـص، اعتمادا على منظومة من الروابط والوصلات.
وما يضفي الشرعية على هذا الجنس الأدبي هي تلك العلاقة التفاعلية التي تقــوم على تفاعل المتلقِّي مع النَّص، إذ يلعب المتلقي دوراً هاماً في صـياغة النَّص وإنتاجه، وبالتالي يكمن القول إن  صفة التَّفاعلية هي صفة ملازمة (للأدبالتفاعلي) ، وبغير تلك القراءة التفاعليـة لا يمكن أن نتحدث عن أجناس أدبيـة جديدة، فالقارئ التفاعلـي عنـصر أساس في تحديد مفــهــوم     (الأدب التفاعلـي Interractive Literature  ).[4]
إذن نحن الآن أما نظرية أدبيـة جديدة تحكمها مجموعة من الشروط والصفات، يفرضها (الأدب التفاعلي) على مكونات المنظومـة الأدبية ( المبدع، النص، المتلقي) :
·      شــروط الأدب التفاعلي:
ومن الشروط  التي يجب أن يلتــزم بها الأدب التفاعـــلي في عمليتي الإنتاج والتلقٍّي:
-         أن يتحـرر مبدعُـه من الصورة النمطيـة التقليديـة لعلاقـة عناصـر العملية الإبداعية ببعضها .
-         أن يتجـاوز الآلية التقليديـة في تقـديم النص الأدبـــــي .
-         أن يعــترف بدور المتلقـي في بناء النــــص
-         أن يحــرص على تقـديم نص حيـوي، تتحقق فيـه روح التفـاعل، لتنطبق عليـه صفة (التفاعــلية) .[5]
يتبين مما سبق أن جوهـر (الأدب التفاعلي) يتمثل في  قدرة المبدع على تحقيق مبدأ التفاعل بين الأطراف المكونة للعملية الإبداعية، وبين عناصـرعـديدة : (الصوت، الصورة، مقاطع الفيديو، الحركة ...). وكذا فسـح المجال أمام تدخّل المتلقي ومشاركـته في عمليـة بناء النص واختيارمساراته المتعددة والتفـاعل معه بالشكل الذي يرضي ذوقه.
 وهكذا نجـد أنفسنا أمام لغة أدبيـــة جديدة قوامها التَّفاعل بين كل العناصرالمكونة لها ( سواء كانت لغوية أو غير لغــوية).
وقد عرف الأدب الغربي نماذج مختلفة من (الأدب التفاعلي)، بكل أجناســه ( قصة، رواية، شعر، مسرح )، ويؤرخ النقاد لظهور هذا النوع الأدبي في الغـرب برواية (ميشيل جويس) "الظهيرة، قصة =  Story Afternoon" سنة 1986، التي تعد أول (رواية تفاعليـة) علـى المستـوى العالـمي، وظف فيها مؤلّـفها البرامـج التي وضعه بمعيـة ( ديفيد جي.بوليـتر David J. Bolter ) في عام (1984م) وأسميـاه (المسرد).[6]
 وبعد ذلك توالت الروايات التفاعلية في الأدب الغربي، فكان صـدور أول روايتـين تفاعليتيـن بالفرنسيـة على قرص مظغــوط، عام (1996م )وهــما :
-         "عشــرين في المائة حب زيـادة" ل ( فرانسوا كولون F.Coulon)
-         "الزمـن القـذر" ل ( فرانـك دوفور   F.DUFOUR )[7]
أما في العالم العربي ، فيعـد الكاتب الأردنـي ( محمد سناجلة) أوَّل كاتب عربي دخل غمار "الرواية الرقميَّة التفاعلـيَّة" بمؤلفاته:
·       رواية "ظلال الواحد" – 2001
·       ورواية "شات" – 2005
·       ورواية "صقيع" – 2006
 كما يعدُّ "سناجلة" من أهم المنظِّرين العرب لهذا النَّوع  الجديــد من الأدب، وفي مقالة له استشهد بقول لـ"كونفوشيوس" «قبل أكثر من 3000 سنة»: "إنَّ صورة واحدة تغني عن عشرة آلاف كلمة".[8]
·       صفـــات الأدب التفاعلي :
وللأدب الأدب التفاعلي جملة من الصــفات والمميـزات لابد أن تتوفّـر فيه ، ومـنها وصلــت إليه  الدكتورة (فاطـــــمة البريكي )[9] :
1.    يقدّم (الأدب التفاعلـي) نصًا مفتـوحًا، نصًـا بلا حدود، إذ يـمكن أن ينشـئ المبدع، أيًا كان نوع إبداعـه، نصًا، وييُـلقي به في أحد المواقـع على الشبـكة، ويترك القرّاء والمستخـدمين حريـة إكـــمال النص كما يشاؤُون .
2.    يمنحُ (الأدب التفاعلي) المتلقي/المستخدم فرصـة الإحساس بأنه مالك لكل ما يقدم على الشــبكة، أي أنه يُعلي من شأن المتلقـي الذي أُهمِل لسنين طويـلة من قِبل النقاد والمهتـمين بالنـص الأدبي، والذين اهتموا أولا بالمبدع، ثم النص، والتفتوا أخيراً إلى المتلقــي. 
3.    لا يعترف (الأدب التفاعلي) بالمُبــدع الوحيد للنص، وهذا مترتب على جعله جميع المتلقين والمستـخدمين للنص التفاعلـي مشاركين فيـه، ومالكين لحق الإضافة والتعديـل في النص الأصــلي.
4.    البدايـات غـير محددة في بعض نصـوص (الأدب التفاعلي)، إذ يُمكن للمتلقي أن يختار نقطـة البدء التي يرغـب بأن يبدأ دخول عالم النـص من خلالـها، ويكون هذا باختيار المـبدع الذي يـنشئ النـص أولا، إذ يبـني نصه على أساس ألا تــكون له بدايـة واحدة، والاخــتلاف في اختيار البدايات من متلقٍ لآخر يجب أن يـؤدي إلى اختلاف سيـرورة الأحداث من متلقٍ لآخر أيضا .
5.    النهايات غير موحـدة في مـعظم نصـوص (الأدب التفاعلي)، فتعدد المـسارات يعني تعدد الخيارات المتاحـة أمام المتلقي/المستخدم، وهذا يـؤدي إلى أن يسيـر كلٌّ منهم في اتجاه يخـتلف عن الاتجاه الذي يسـير فيـه الآخر، ويترتـب على ذلك اختـلاف المراحـل التي سَيمُر بها كل منـهم، مما يعني اختلاف النـــهايات، أو على الأقل، الظـروف المؤديـة إلى تلك النهايات وإن تـشابهت وإن توحّــدت .
6.    يتــيح ( الأدب التفاعلي) للمتلقين/المستخدمين فرصة الحوار الحي والمباشـر، وذلك من خلال المواقع (الإلكترونية) ذاتها التي تقدم النص التفاعلــي، إذ بإمكان هؤلاء أن يتناقشـوا حول النـص، وحول التطورات التي حدثت فـي قراءة كـل منهم له، والتي تختلف غالبا عـن قراءة الآخريـــن.

7.    تتـعدد صور التفاعل، بسبب تعـدد الصـور التـي يقدّم بـها النص الأدبـي نفسـه إلى المتلقي/ ، ففي الوقت الذي يتخـد التفاعل صـورة واحدة تقريـبا في حالة النـصوص الورقية التقليـدية، نجد أنه يتّـخد صورا كثيــرة مختلفــة ومتنوعــة في حالة النــصوص الإلكتـــرونية .
    لعلّنا ونحـن نتتـبّع هـذه الصـفات كما حدّدتها الدكتورة فاطمة البريكي-، التي تمـيّز الأدب التفاعـلي ( الذي يقدّم عبر الوســيط الإلكتروني) عن الأدب التقليدي ( الذي يقدّم عبر وسيـط ورقي)، نتبيّـن بشكل واضح حجم الإمكانـيات التي يوفّـرها هذا الوسيط الإلكتروني الجديد (للأدب)، لا من حيث  عمليـة إنتاج النـصوص الأدبية، ( كإمكانية إضافة الصوت والصورة والمشاهد الحية ...للنص)، ولا من حيث عمليـة تلقّيها من طرف القارئ/المتلقّـي، الذي تغيّرت علاقــته بالنص بشكل كبير، من علاقــة سلبيـة (تعتمد على القراءة فقط)، إلى علاقة إجابـية تـجعل منه قارئا/مبدعا، يشارك في عمليــة إنتاج النص والتفاعل معه عن طريق ( الإضافة، والحذف، والتعديل والتعليق...)، ولا يمكنه تلقي هذه النـصوص إلا باستـعمال الحاسـوب أو الشاشات المرتبــطة بـه.
   كما يمكن لمتلقي (الأدب التفاعلي) أن يتحكم في اختيار مسارات النص المتعددة، وأن ينتقـل بين النصوص بكل حريـة وبدون حواجز، من خلال تفعيل الروابط والوصلات (التي قد تحيله إلى نوافذ أخـرى خارج النص المقروء)، بالإضافة إلى ذلك  يمكنه أن يبـدأ قراءة النص من حيــث شاء، وينتهي عند أي نقطــة شاء (بحسب رغبته)، كاسرا بذلك تلــك الصرامة الخطـية التي يفرضها عادة النص التقليدي/الورقي.
   ويمكن، في ضوء ما سبق، القول: "إنَّ الأدب التفاعلي ظاهرة أدبيَّة حديثة، تتمثَّل في نصوصٍ أدبيَّة، أنتجت من طريق وسيط هو الحاسوب، وتوافرت لها شروط إنتاج وتلقٍّ قوامها التَّفاعل بين عناصر عديدة: الصُّورة، والكلمة والصَّوت والحركة والَّلون من نحوٍ أوَّل، وبين المنتج والمتلقِّي من نحوٍ ثانٍ، وهكذا تظهر لغة جديدة لأدبٍ جديد في شكل صورة متحركة ناطقة ملوَّنة...‏‏‏‏"[10]
·       التفـاعليــة Interactivity :
لا يمكننـا الحديث عن (الأدب التفاعـلي) وفهم أسسه النظرية والتطبيقية، دون الوقــوف عند مفـهــوم (التفاعليـة)، باعتبارها السمة الأساســية التي تميز الأدب في صيغته الإلكترونية، وباعتبارها أيضا أبرز مصطلح تحمله الأجناس الأدبية الرقمية (القصيدة التفاعلية، الرواية التفاعلية، القصة التفاعلية، المسرحية التفاعلية)، التي اتخدت من جهاز "الحـاسوب" سنـدا جديدا لها. يسـعى المؤلف من خلالـه إلى خلق نــصوص تفاعليـة، مستـعينا بالبرمجيات والآليـات الرقمية المناســبة .
   وبما أن مصطلح (التفاعلية) يتحقق بشـكل كبير مع انتقال الأدب من طوره الورقي إلى طوره الإلكتروني، فهو في مجال الاعلامـيات يعني: " عملية التبادل أو الاستجابة المزدوجة التي تتحقق بين الإمكانات التي يقدمها النظام الاعلامياتي للمستعمل، والعكس. ويمكن التدليـل على ذلك من خلال نقر المـستعمل على أيقونة مثلا للانـتقال إلى صفحة أخرى ..."[11]
       ويرى بعض الباحثين أن لفظة (التفاعلية) " لا تعني القدرة على الإبحار في العالم الافتراضي وحسب، بل تعني قوة المستخدم وقدرته على التغيير فيه "[12]
والتفاعل في شكــله العام هو ( ما يتـمثل في العمـليات التي يقوم بـها المستعمل وهو ينتقـل بين الروابط لتشكيل النص بالطريقة التي تفيده. وهو بذلك يتجاوز القراءة الخطية التي يقوم بها قارئ الكتاب المطبوع. ولقد ظهرت أعمال أدبيـة، الرواية مثلا، أو فنية ( الألعاب، أو الدراما،،،) تقوم على الترابط بيـن مختلف مكوناتـه، وهي تنهض على أساس التفاعــل أو القارءة التفاعليــة).[13]
      إذن يمكن اعتبار أن "التفاعلية" هي السمة المعاصـرة والأساسية التي ينطلق منها (الأدب التفاعلي)، نحو تعزيز مكانة القارئ/المتلقي، وتفـعيل دوره تجاه النــص أكثر من ذي قبل، أي بنقلـه من ذلك القارئ السلبـي، إلى قارئ إيجابي، له سلطة تدبيـر النص من خلال تفعيل روابـطه وعقده الالكترونيـة، والتنقل عبرها بدون قيد أو شرط، بشـكلٍ يجعله هو من يحدد للنص بدايته ونـهايته. بل المشاركة أيضا في إنتاجه، متجاوزا بذلك وبشكل صارخ تلك القراءة الخطيـة التي ترافق النص في حالتـه "الورقية" .
·       الأدب التفاعلي ونظرية التلقي :
    يأتي الحديـث عن (الأدب التفاعلي) و(نظرية التلقي)، بعد ذلك التطور الذي طال مكونات العملية الإبداعية (المؤلف،النص،القارئ)، وانتقال النص الأدبـي مـن الوسيط التقليدي (الورقي)، إلى الوسيط الإلكتروني (الحاسوب/الكمبيوتر). وكان لهذا الانتقال دور كبيـر في تحرر القارئ، باعتباره ذاتًـا واعية تتفاعل مع النص وتمنحـه وجوده.
ويـعد الأدب التفاعـلي تجسـيدا وتطبيـقا عمليا ( لقضايا كانت قد نادت بها نظريات النص ما بعد البنيـوية، ومن أهمها (نظرية التلقي) "الألمانية" و(استجابة القارئ) "الأمريكية").
      ولعل الجامع الذي يوحد بيـن الأدب التفاعلي ونظرية التلقي، هو الاهتمام المطلق بالقارئ والتركيز على دوره الفعال كذات واعية لها نصيب الأسد من النص وتداولـه وتحديد معانـيه.[14]
  اهتمت (نظرية التلقي) بوصفها نموذجا جديدا في الممارسة النقدية، بالقارئ وسَعت إلى تحريره - بعـدما ظلّ لسنـوات سجيـن أنسـاق النص مع البنيـوية-، باعتباره فعال في تناول النص وعملية التحليل والتأويل والإدراك والسـرد والقص.[15]
       ويعود فضل ظهور (نظرية التلقي) إلى(مدرسة كونستانس (Ecole de Constance  من خلال أعمال رائديها المشهورين (هانزروبير ياوس (Hans Robert Jauss  وفولفجانج إيزر (Wolfgang Izer)  اللذين أتاحا للقارئ فرصة تحريره من سطوة صوت الكاتب وفيتيشية النص، وفرصة تحرير القراءة من أسر انقيادها بالمعنى النهائي والقصدي، نحو معانقة آفاق مفتوحة على تعددية المعاني المحتملة واللانهائية. ولهذا كان إعلان "ميلاد القارئ" في حضن هذه المدرسة (كونستانس) مؤشرا صريحا على تحول مسار الممارسة النقدية.[16]
يقول ( فولفجانج إيزر) : " إن الشيء الأسـاسي في قراءة كل عـمل أدبي هو التفاعل بين بنيتـه ومتلقّيه، لهذا السـبب نبّهت نظريـة الفينومينولوجيا بإلحاح إلى أن دراســة العمل الأدبي يجب أن تهتم، ليس بالنـص الفعلي بل كذلك وبنفـس الدرجة بالأفعال المرتبطة بالتجاوب مع ذلك النص . فالنص ذاته لا يقدّم إلاّ (مظاهر خطاطية) يمكن من خلالـها أن يَنْتج المـوضوع الجمالي للنص بينما يحدث الإنتاج (الفعـلي) من خلال فـــعل التحــقق.[17]
  إذن ما يميز جمالية التلقي ( (Esthétique de la réceptionهو أنها أعـطت الأهميـة للقارئ/المتلقي، وأعادة الاعتبار له وبوأته المكانة الائـقة على عرش الاهتمام الذي تناوبـه المؤلّـف والنص مــن قبل، وذلك باعتـباره طرفـًا أساسيا في العمليـة الأدبية والنقـدية، بعدها ظل غائـبا ومهمشا لوقـت طويـل.
     وتـؤمن نظرية التلقي بأنه لايكون للعمل الإبداعي وجود، إلا من خلال المشاركة الفعالة للقارئ مع النـص الأدبي، وهو نفس الأمر الذي يدعو إليه (الأدب التفاعلي)، حيث لا وجود للنص الإلكتروني إلا من خلال تفاعل المتلقي معه بشكل إيجابي والمشاركة في إنتاجــه.
وهذا يعني " أن للعمل الأدبي قطبين، قد نسميهما "القطب الفني والقطب الجمالي" الأول هو نص المؤلف والثاني هو التحقق الذي ينجزه القارئ، وفي هذا التقاطب يتضح أن العمل ذاته لا يمكن أن يكون مطابقا لا للنـص ولا لتـحققه بل لابـد أن يكـون واقعا في مكان ما بينهما"[18]
     يعد القارئ/المتلقي الرقمـي ركيزة أساسيـة من الركائـز التي يقوم عليـها النص الأدبي التفاعلي، وبدونـه يظل النص الأدبي (التفاعلي) قاصـرا، غير مكتمــل. كما أن القارئ يتـفاعل مع النص ويساهــم في إنتاجـــه :
     لنأخذ مثالاً، يبدأ المبدع بكتابة قصَّة قصيرة على موقعه، فيكتب جزءاً، يأتي متلق فيرسم مشـهداً لهذا الجزء، ويأتي متلقِّ آخر فيسجِّل مقطعاً موسيقيَّاً، ثمَّ يكتب متلقٍّ آخر جزءاً ثانياً... وهكذا إلى أنْ تتمَّ كتابة القصَّة المرافقة بالرسوم والموسيقى، وقد تكون المشاهد متحرِّكة...، ثمَّ يأتي ناقد، فيقترح تعديلاً، ويعيد كتابة القصَّة، أو يقترح نهاية أخرى لها.‏‏‏‏[19] وبهذا نكون أمام كتابة جماعيـة للنص الأدبي، يتعاون فيها كلٌ من المؤلف والقارئ.
   على العموم يمكن القول " إن النص الأدبي بالفعل لا يكـون له معنـى إلا عندمـا يُقرأ، وبالتالي فالقراءة تُـصبح شرطا أساسيا مسبـقا لكل تأويـل أدبي، وهكذا يعاد النظـر في مهمة المُؤوِّل في ضوء المعـطيات النظريـة الجديدة لعمليـة القراءة.[20]
وبهذه الدعوة الجديدة، استطاعت مبادئ (الأدب التفاعلي) أن تنسجم مع مبادئ (نظريـة التلقي)، وأن يخلقان معا تحولا جذريا في مسـار الدراسات الأدبية النقدية .
النص المترابط ونظرية التلقي :
    يمثل النص (المترابط/المتفرع) تجسـيدا وتطبيـقا عمليا (لأهم قـضايا نظرية التلقي). باعتبار  أن نظريـته تقوم بالأساس على الاهتمام بالقارئ والاعلاء من شأنـه، والاعتراف بدوره الفعال في عملية إنتاج النصوص الأدبية من خلال علاقـته التفاعلية بينـه وبين النـص الأدبي الـمقدم له عبر الوسيط الإلكتروني، بل لا تتحقق هذه النصــوص إلا بتفاعلـه معــها.
     ويتأكـد هذا القول في عدد من الأوجـه التي يتـجلى من خلالـها ( الأدب التفاعلي)، مثل : (الروايـة التفاعلية)، و(القصيدة التفاعلية)؛ ففي هذين الجنسيـن الأدبيين الإلكترونيين يسلّم المبدع الإلكتروني نصه للمتلقين الإلكترونيين، ويترك لهم حبل القراءة والتلقـي والمشاركة في إنتاج معنى النص على غاربه، وكأن كل متلق منهم هـو المالـك الحقيـقي لذلك النص، وله حق التصرف وإبداء الرأي، وتسييـر الأحداث فيه كما يشـــاء، وفي هذا تطبيـق للمقولات التي طرحتـها نظرية التلـــــقي.[21]
   إن القارئ في (الأدب التفاعلي) يقتحـم النص الإلكتروني انطلاقا من رؤيـته الخاصـة، وذلك نتيـجة الحرية والسلـطة التي أصبح يتمتّـع بها مع النص المترابط/المتفرع، الذي يفـتح أمامـه إمكانيات كبيـرة، كأن يختار لنفسـه مسار قراءته من خلال معابـر متعددة، وذلك يجعل من القراءة فعلا مخـتلفا ونشاطا متجـددا بتجدد القُراء. والمتتبع لهذا النص سيلاحـظ أن هـذا النص قد عزا وعزز من النظريات النقدية المعاصــرة في حقولـها المختلفة.[22]
   مع (النص المترابط) يتحقق البعد التفاعلي بشكل واضح وقوي( بين القارئ والنص)، وذلك بإلغاء القراءة التتابعية وإتاحة حرية تجوال القارئ بين أجزاء النصوص بالشكل الذي يرضيه، دون اتـباع خط مستقيم ثابت في القراءة (كما هو الأمر عند قراءة نص ورقي)، كما يتيح للقارئ القفـز فوق النصوص وخارجها، والتنقل بين أنواع مختلفة من النصوص (صور،موسيقى، فيديو...)، وذلك بالنقرعلى الروابـط الإلكترونــــية.
   ويــرى منظّرو (النص المترابط) و (الأدب التفاعلي) - مثلهم مثل نقاد القراءة والتلقي -، أن النص لا يكتـمل فعليًا، ولا يظهر إلى الوجـود، إلا عندما يصل إلى المتلقـين فيفهمه كل واحد بطـريقته، ويؤول معناه بحسـب ظروفه النفـسية، والاجتماعيـة، والاقتصاديـة، وغيرها، وهذا من شأنـه أن يؤثر في طـريقة تلقي كل متلق للنص نفـسه.[23]



1.العيد جلولي، نحو أدب تفاعلي للأطفال، مجلة الأثر(تصدر عن كلية الآداب والعلوم الإنسانية،جامعة ورقلة،الجزائر،العدد 10 ص:238
1.سعيد يقطـين ، من النص إلى النص المترابط ، مرجع سابق، ص: 9/10
2.فاطمة البريكي ، مدخل إلى الأدب التفاعلي ، مرجع سابق ، ص: 49
 عمر زرفاوي بن عبـد الحميد، العصر الرقمي وثورة الوسيط الإلكترونـي،مجلة فكر ونقد، مرجع سابق، ص: 30.1
 فاطـمة البريكي ، مدخل إلى الأدب التفاعلي ، مرجع سابق، ص: 50.2
1. فاطمـة البريـكي ، ، مدخل إلى الأدب التفاعـــلي، مرجع سابق، ص: 89
 سعـيد يقطيـن ، من النص إلى النص المتـرابط ، مرجع سابق ص: 256.2
1. عبد الله القصير، "الأدب الرقمي التفاعلي..."، مجلَّة "شرفات"،تصدر عن وزارة الثقافة -سوريا العدد 61، 28/9/2009، ص. 10 و11.
2. فاطمـة البريـكي ، ، مدخل إلى الأدب التفاعـــلي، ، الصفحات :50 -5153- 52-
1.عبد المجيد زراقط ، الأدب التفاعلي ،الإنسان الرقمي الافتراضي(ملحق ثقافي )، يصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر. على الرابط التالي : http://goo.gl/Cy5UR
سعـيد يقطيـن ، من النص إلى النص المتـرابط ، مرجع سابق ص:259 .1
 فاطمة البريكي ، مدخل إلى الأدب التفاعلي ، مرجع سابق ، ص: 63.2
 سعـيد يقطيـن ، من النص إلى النص المتـرابط ، مرجع سابق ص:259.3
1. سعد البازعي ميجان الرويلي، دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط:3، ص:282
 نــــفسه ، ص: 283.2
1.عمراني المصطفى، من سلطة الكاتب إلى حرية القارئ، يمكن الاطلاع على هذه الدراسة على الرابط التالي:
2. فولفغانغ إيزر، فعل القراءة، نظرية جمالية التجاوب في (الأدب)، ترجمة حميد الحميداني، الجلالي الكدية، منشورات مكتبة المناهل، ص : 12
1. فولفغانغ إيزر، فعل القراءة، نظرية جمالية التجاوب في (الأدب)، مرجع سابق، ص:12
2.عبد المجيد زراقط ، الأدب التفاعلي ،الإنسان الرقمي الافتراضي(ملحق ثقافي )، يصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر. على الرابط التالي : http://goo.gl/Cy5UR
3. فولفغانغ إيزر، فعل القراءة، نظرية جمالية التجاوب في (الأدب)، مرجع سابق، ص:5
1. فاطمة البريكي ، مدخل إلى الأدب التفاعلي ، مرجع سابق ، ص:148-149
2. سعد البازعي ميجان الرويلي، دليل الناقد الأدبي، مرجع سابق ، ص:271
1. فاطمة البريكي ، مدخل إلى الأدب التفاعلي ، مرجع سابق ، ص:151
طالب باحث سنة ثانية ماستر الكتابة ومهن الكتاب-
كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز- فاس
البريد الإلكتروني : ahmedelaroussi89@gmail.com

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا